مقام في القصور على قصور
مقام في القصور على قصور ** مقام مثل ربات الخدور
فنصبح مثلها ونروح أيضا ** على فرح بأنواع السرور
وقلب فارغ من كل هم ** كأنا قد خلقنا للغرور
كأن الدار لم تك في زوال ** ولم تظهر عقيمات الأمور
ولم تأذن لنا أنا عليها ** كمثل الراكبين على البحور
وأن الصالحات لنا سفين ** بها نرجو النجاة من الخطور
وأن المهلكات لنا ذنوب ** وأنواع التمادي والفتور
تركنا الدين مندرسا لدينا ** وعوض عنه أنواع الفجور
فبدل ذكر ربك بالملاهي ** من الغنا ومن ضرب الزمور
فأي فتى تقر له عيون ** على ما قد وصفت من الأمور
وفوق الوصف أشياء لديها ** يفوت الحصر من ظلم وجور
ومن قتل النفوس بغير حق ** ومن سبي ومن شرب الخمور
ألا يا أيها الإخوان هذا ** زمان فيه توفير الأجور
فهل من باذل نفسا لمولى** جزيل الفضل منان غفور
لقد ألهتكم اللذات حتى ** تشبهتم بربات الخدور
لقد أسرتكم الشهوات حتى ** غدوتم مثل سكان القبور
ألم يأمركم الرحمن كنتم ** خفافا أو ثقالا بالنفور
ألم يجِ جاهدوا في الله حتى ** تروا دين الإله على ظهور
ألم يقل اشترى منكم نفوسا ** وأموالا على عظم الأجور
فأنتم بالنفوس عليه بخل ** وبالأموال أنتم في قتور
كأن النفع مرجعه إليه ** بخلنا فيه بالشيء اليسير
فهذا الجهل من غير ارتياب ** وربك إن ذا محض الغرور
كأنا قد شككنا في مقال ** أتى من عند مولانا القدير
كأن الفرض منسوخ فما إن ** لهذا الأمر فينا من نصير
كأن الله لم يبعث رسولا ** ليحيي الدين بالسيف البتور
فقام مجاهدا في الله حتى ** علا دين الإله على البدور
وأمَّ الصحب مقصده وجزوا** رقاب الخصم من أهل الفجور
كذاك التابعون على هداهم ** ولم يرضوا بسفساف الأمور
أقول لسيد قد جل فخرا ** وفاق على المناوئ والنظير
لقد سواك ربك في مقام ** علا قدرا على أفق البدور
وقد جلاك ربك بالمعالي ** وقد ولاك مفتاح الأمور
وقد أعطاك عزما ذاب منه ** قسو الشامخات من الصخور
وقد أعلى بك الإسلام حتى ** غدا دين المهيمن في ظهور
فكم من غارة قد كنت فيها ** كمثل البدر في شرف ونور
وكم جيش سحبت له عباب** تدفق مثل أمواج البحور
وكم خصم تجرع منك كأسَ الـ** ـمنون بصارم ذكر بتور
فجددت الطريق وقد تناست** بها الأعصار في مر الدهور
وهذا الدهر قد أبدى صروفا ** وغير ما عهدت بلا نكير
فهل من عودة في ذا فإني ** عهدتك لا تقر على قصور
لقد فتشت هذا الناس طرا ** فلم أر منهم غير الفتور
وقد ألقوا ذمامهم وكلوا ** حيارى عن طريق مستنير
وقد ألقيت آمالي لأحظى** مرامي منك يا قطب الدهور
أصالح إن أمر الناس ألقي ** على كفيك فانهض للمسير
أصالح إن تسترنا بعذر ** فعند الله تكشيف الستور
أصالح لو تركنا الأمر حتى ** نراه هينا سهل المصير
لكنا في الهوان مدى الليالي ** وكنا في القصور مدى الدهور
فقم فيما مضى لا ذا توان ** ولا كسل لذا الشرف المنير
فيمنحك المهيمن خير فتح** وتظفر في العواقب بالأجور