عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-13-2012, 09:24 PM
 
إن النسبة المجازية - على فرض وجود المجاز -: هي نسبة الفعل إلى غير الفاعل الذي صدر منه ذلك الفعل، لا يخلو من أمرين:
أحدهما: لكونه ظرفًا للفعل، كقول القائل: (أنبت الربيع البقل)؛ أي: (أنبت الله البقل في وقت الربيع).
ثانيهما: لكونه سببًا في صدور ذلك الفعل، كقول القائل: (بنى الأمير المدينة)؛ أي: (بنى المعماري المدينة بأمر الأمير ونفقته).

وإذا عُرف هذا، فإن الذي ينادي ميتًا، أو حيًّا غائبًا، ويستغيث به، ويقول: يا فلان، أغثني، أو اشفني أو أنجني مثلاً لا ينطبق عليه أنه ناداه واستغاث به مجازًا من ناحية كونه ظرفًا للفعل؛ لأن الميت والغائب ليسا بظرف للفعل، فلا يقال: إن الميت أو الغائب ظرف للنداء أو الإغاثة أو الشفاء أو الإنجاء، حتى يُقال: إن هذه النسبة مجازية، والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، فهذا المجاز لا يتصوره أحد، ولا يصح في مثل هذه الصورة ألبتة.

وأما الصورة الثانية من المجاز التي هي: أن هذا المنادي المستغيث يقصد: أن الشافي والناصر والمنجي والمغيث هو الله تعالى في الحقيقة، ولكن يرى أنَّ الولِي الفلاني الذي يستغيث به ويناديه هو مجرد سبب لذلك.
فيُقال لهم: إن هذا الاحتمال أيضًا غير وارد، ولا يصح المجاز في هذه الصورة أيضًا؛ لأن هذا المنادي المستغِيث بهذا الولِي الميت، أو الحي الغائب، لا بد له من أن يعتقد فيه عقائد ثلاثًا:
الأولى: أن هذا الولِي الميت أو الحي الغائب يسمع صوته ونداءه فوق الأسباب العادية.
الثانية: أنه يعلم بحاله ويطلِع على مصيبته.
الثالثة: أن يعتقد فيه أنه يقضي حاجته بأن يشفع له عند الله.

فلا بد من هذه العقائد الثلاث، وإلاَّ لا يمكن جعله سببًا.

وإذا تحقق أنه لا بد من أن يعتقد هذا المنادي المستغِيث في ذلك المنادَى المستغَاث – الميت أو الحي الغائب - السمع المطلق، والعلم المطلق، والقدرة المطلقة، ومعلوم أن هذه كلها من صفات الله الخاصة به سبحانه، فالميت أو الحي الغائب لا يسمع نداء المستغِيث، ولا يعلم بحاله ولا يطلِع على مصيبته، فقد قال تعالى: [ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ]، وقال تعالى: [ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ] .

ثم إننا لو أوَّلنا إسنادهم الأمور إلى غير الله واستغاثتهم بغير الله وطلب النفع ودفع الضر عن غير الله باحتمال المجاز العقلي، فماذا نفعل بأعمالهم الشركية ، فهل يمكن تأويلها أيضًا بالمجاز؟ وإذا قلنا: نؤول، فبأي شيء نؤول سجودهم على أعتاب الأضرحة وطوافهم بالقباب، وذبحهم للقرابين وبذلهم النذور؟ فهل هذه الأعمال الشركية والأفعال الكفرية أيضًا: من باب المجاز؟

إن من المعروف أن التأويل والمجاز – حتى عند القائلين بهما - لا يُذْهَب إليهما إلاَّ إذا كان غير منصوص، وأمَّا إذا كان منصوصًا، مثل الأبيات الشعرية التي أوردناها والحكايات التي ذكرناها عن المتصوفة، فلم يقل أحد بأن في المنصوص أي مجاز، وإنما المجاز – على رأي القائلين به – يكون على الظاهر المحتمل له.

الأهم من هذا كله هو أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم، وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذا هو حجة من يرى المجاز العقلي، ويُبيح إسناد الأمور الخاصة بالله في ربوبيته وألوهيته لغير الله، فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله تعالى على المجاز العقلي، ويمنع من الحكم عليه بالشرك، لكان الله تعالى أعذر المشركين الذين يعتقدون التسبب والوساطة، ولحُكِمَ بالكفر على من يعتقد الاستقلال فقط.
ولكنَّ الله عز وجل حكم بالكفر على هؤلاء المشركين القائلين بالتسبب والتوسط، كما سيأتي ذكرهما في الشبهة التالية.
وبهذا بطل دعوى المجاز الذي يتشبثون به قديمًا وحديثًا.
( المرجع : رسالة : الشرك في القديم والحديث ، أبوبكر محمد زكريا ، 3 / 1227-1233) .

==================
منقول من موقع الكاشف
للشيخ سليمان الخراشي حفظه الله
==================


مؤمن الرشيدي


__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس