عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 05-14-2012, 01:50 PM
 
لا يمكنني تركك أبداً
ركنت إلهام السيارة أمام مطعم ماكدونالد... رأت عوني يقف أمام صالة البولينغ وقد بدى عليه نفاد الصبر، أخذت وقتها قبل أن تترجل من السيارة فلتدعه ينتظر فقد يفيده بعض القلق... ما أن رآها حتى تقدم نحوها مسرعاً و بدون مقدمات سألها:
- أين المقال؟
قالت بسخرية:
- أنا بخير و أنت كيف حالك سيد عوني؟
نظر لها بصمت ثم قال بسماجة:
- أعذريني يا عزيزتي إنها لهفة الصحفي... كيف حالك؟ ها؟ أخبريني هل جهزتِ المقال؟
قالت بغضب:
- هل سنظل نتحدث هنا؟ في الشارع؟
تنهد و قال:
- حسناً... هيا لنجلس في مقهى الصالة.
ما أن إستقرا على الطاولة حتى فتح فمه ليتحدث فقالت بسرعة:
- سيد عوني... لم أكتب شئ حتى الآن.
إحمر وجهه و قال بحدة:
- ماذا تقولين؟
بدأ الناس بالنظر إليهما فقالت هامسة بغضب:
- أخفض صوتك.
كرر بصوت هادئ و هو يكتم غضبه:
- ماذا تقولين؟ لم تكتبي شئ؟ أعذريني إن وجدت صعوبة في تصديقك.
قالت من بين أسنانها:
- لابد أنك تعرف مدى تكتم يو...السيد عيّاش... قاطعها:
- لكن ثلاثة أشهر ليست بالمدة القصيرة.
- نظراً لقدرته على إبقاء حياته الشخصية بعيداً عن تطفل الإعلام كل تلك السنوات لا أظن أن الثلاثة أشهر طويلة.
قال:
- إسمعيني يا فتاة... لقد رأيتك و أنتِ تنزلين من السيارة و لابد أنها له...
قالت بتسرع ندمت عليه:
- بل هي لأخته.
- اخته أيضاً... هذا ما أحاول أن أقوله لكِ ... لابد أنكِ شققتِ طريقك وسط عائلة عياش جيداً.
نظرت له و قد تفاقم إحساس الكره بداخلها تجاهه فوقفت:
- إعذرني سيد عوني سوف أذهب إلى الحمام.
غسلت وجهها بالماء البارد... لقد بدأت تشعر بصداع رهيب يكاد يشق رأسها... يبدو من تصميم عوني أنه لن يتنازل لو طلبت منه أن ينسى أمر المقال، تنهدت بقنوط و تساءلت ترى ماذا يمكن أن تفعل لتتفادي هذه الورطة؟
********************************
خرج يوسف من المطعم و صافح الناشر:
- حسناً سوف أبدأ الرواية من الغد.
- و لا تتأخر بها... إن إنتهاء روايتك السابقة في الموعد كان أشبه بالمعجزة.
- لا تقلق يا ياسر... من يدري قد أنتهي منها قبل الموعد.
- كم أتمنى ذلك... إلى اللقاء.
- إلى اللقاء.

ما أن إلتفت ليركب سيارته حتى وقعت عيناه على فتاة سوداء الشعر تقف أمام صالة الألعاب و ما أن إلتفتت حتى جحظت عيناه دهشة... إنها إلهام، كانت تقف مع رجل متوسط الطول يرتدي بدلة رمادية يتحدث معها بحدة وقف يحدق بهما حتى إختفيا عن نظره، قاوم دافع كان يحثه على أن يتبعهما و توجه إلى سيارته التي إستقلها متوجهاً إلى منزله و هو يفكر بهوية الرجل الذي كانت تقف معه... لقد قالت له سها أنها ستذهب لرؤية أختها فمن ذلك الرجل؟ تناول هاتفه و إتصل باخته:
- سها... أين إلهام؟
تناهى له صوتها الذي بدى أنه يخرج من فم باسم:
- إلهام؟ و لما السؤال أخي؟ هل إشتقت لها؟
قال مؤنباً:
- سها... هل لك أن تتوقفي عن مشاكساتك و تجيبي عن الأسئلة الموجهة لك مباشرة؟
- حسناً... حسناً يا نافذ الصبر... لقد أخبرك أنها ذهبت لمقابلة أختها.
- ألا تعلمين أين؟
- في المنتزه.

- حسناً إلى اللقاء.

- إنتظر...لكنني لم أفهم شئ.

- جيد... سلام.
أغلق الهاتف و قد تصاعد غضبه... إذن فحتى تلك الفتاة التي تشبه الملائكة تحمل بين طيات حياتها بعض الأكاذيب... لم يكن يعرف أن الأمر يمكن أن يصدمه بهذه القسوة.... هاله كم آلمه ذلك الأمر و لم يرق له.
*********************
نظرت إلهام في ساعتها لقد مضى على وجودها في الحمام ما يزيد عن الخمس دقائق... لقد توصلت إلى حل سوف تماطل عوني إلى أن تخبر يوسف بالأمر... حسناً إنها لا تملك إلا هذا المخرج... يجب أن تخبر يوسف.
رفع عوني نظر لها و هي تتجه إليه و إبتسامة عريضه مرتسمة على وجهه ما أن جلست حتى قال لها:
- حسناً سوف أصدقك هذه المرة لكن حاولي أن تنتهي من هذا العمل في أقرب فرصة.
وقف و قال:
- سوف أذهب الآن عندي إجتماع بعد نصف ساعة.... آراكِ لاحقاً أنسة إلهام.
للحظة إنتابتها الريبة لكنها عادت و نهرت نفسها... هل أصبحت أعاني من عقدة إضطهاد لقد مر الموقف و ها هي قد حصلت على المهلة التي ستستغلها في إخبار يوسف كل الحقيقة... تناولت حقيبتها من أسفل الطاولة و خرجت.... قررت الذهاب إلى منزلها لتترك حقيبتها هناك فهي لا تريد أن تحتفظ بتلك الأوراق التي تحتوي معلومات عن يوسف في منزله... أخذت هاتفها النقال و وضعته في حقيبة أخرى قبل أن تسرع بالخروج عائدة إلى منزل يوسف.
في طريقها إتصلت باختها و أخبرتها بما حدث فقالت لها:
- حسناً اختي أخبري يوسف بالأمر... هذا ما كان يجب أن تقومي به من البداية.
- لكنني أخشى ردة فعله يا نشوى.
- لكنها لن تكون شئ مقارنة بردة فعله لو نُشرت تلك الأشياء عنه... سوف تكونين خارج حياته و إلى الأبد.

خارج حياته و إلى الأبد؟ لا يمكنها أن تتخيل مثل هذا الأمر... حزمت أمرها و قالت لأختها:
- سوف أخبره اليوم.
- إذا جد شئ أخبريني فوراً.

- حسناً إلى اللقاء نشوى... و إنتبهي لدروسك جيداً.

ركنت السيارة و توجهت إلى غرفة الجلوس تبحث عن سها... أعطتها المفتاح:
- شكراً على إعارتي سيارتك.
- أنتِ على الرحب و السعة دوماً.... أخبريني كيف حال نشوى؟

- نشوى... آه نعم... إنها بخير لقد قالت لي إنها تتمنى أن تراكِ و أنها أحبتك قبل أن تقابلك.
إبتسمت سها:
- أنا أيضاً متشوقة لرؤيتها.
سألت إلهام:
- أين يوسف؟
- في غرفة المكتب منذ عاد من الخارج و هو يرغي و يزبد... لقد كان مزاجه جميل صباحاً لكنه عاد عكر المزاج... لقد كان مع الأستاذ ياسر.

- حسناً سوف أذهب و أرى ما الأمر.
- أمنياتي القلبية معك.
ضحكت إلهام:
- أيتها الشيطانة أراهن أنك تتمنين أن تسمعي صوت الشجار لكنني لن أعطيك أمنيتك.
تصنعت خيبة الأمل:
- يالها من خسارة... على كل حال ليس كل ما يتمناه المرء يجده.
طرقت إلهام باب الغرفة ما أن أتاها صوت يوسف حتى دخلت باسمة... سارعت تقول له:
- أريد أن أخبرك بشئ لكن أتمنى أن لا تغضب.
كانت تريد أن تنتهي من موضوع عوني و الصور و المقال بأسرع وقت...قال لها بغضب:
- هل يتعلق هذا الأمر بذلك الرجل الذي رأيتك معه اليوم.
كتمت شهقة كادت تفلت منها... لقد رآها مع عوني ، نظرت له كان الغضب يطفر من عينيه بينما بدت عظام وجهه بارزة بصورة تنذر بالشر قالت بارتباك:
- إنه... إنه رب عملي السابق.
رفع حاجبيه و سأل بسخرية:
- حقاً؟ و هل يجب أن أصدق كلامك الذي تعوزه الثقة؟
إنها يكذبها صاحت بغضب:
- أمر تصديقي من عدمه فهو شأنك الخاص لكنني لا أكذب.
فكرت إلهام أنها حقاً لا تكذب فعوني أصبح رب عملها (السابق) فهي لن تعود للعمل له و لو من أجل أموال العالم كلها.
تنهد يوسف و كأنما ليطرد غضبه... أغمض عينيه ثم فتحهما:
- أنا آسف...أعتذر عن إنفجاري.
قالت:
- لم يحدث شئ... لقد ذهبت لمقابلة نشوى و صدف أن رأيته فوقف يتحدث معي.
قال يوسف بغيظ:
- عندما رأيتكما كان يتحدث إليك بعنف ملوحاً بيديه... لقد كدت أن أذهب إليه لأدق عنقه.
إبتسمت إلهام بسعادة لم تستطع إخفاءها:
- لم أكن أعلم أن رب عملي الحالي يشكل حماية كبيرة هكذا.
بادلها الإبتسام:
- تأكدي من ذلك... كما أنه يطلب منك أن تستعدي للبداية في الرواية الجديدة.
شعر بالسعادة عندما رآى الحماسة تظهر على وجهها قبل أن تجلس إلى طاولتها و تقول بحماسة تشبه حماسة طفل حصل على أول هدية له:
- حسناً هيا لنبدأ.
ضحك تلك الضحكة التي توقف نبضات قلبها:
- ليس بهذه السرعة أيتها النشيطة.... سوف نبدأ غداً و الآن أخبريني ما الأمر الذي كنتِ تريدين التحدث معي بخصوصه.
قبل أن تتفوه بنصف كلمة أطلت توحه من الباب:
- هيا يا صغار إلى الغداء.
بعد أن خرجت توحه ضحك يوسف و عندما سألته إلهام عن سبب ضحكه قال:
- يمكنني أن أستوعب دعوتك بالصغيرة لكن أنا...
هز رأسه فضحكت:
- مهما مرت الأيام سوف تبدو صغيراً بالنسبة إلى توحه... بالإضافة إلى أنها تشعر بالإستمتاع و هي تدعوك بالصغير.
- في هذه معك حق... هيا بنا لنلحق بها قبل أن تأتي لتعاقبنا و بهذا نكون منحناها أفضل أنواع المتعة...
قالت و هي متجهة إلى الباب:
-لها الحق بممارسة سلطتها.
تبعها إلى الباب قائلاً:
- إن لي مساعدة ذكية.
*****************************
مر إسبوع على عملهما في الرواية و في كل مرة تحاول أن تخبره بالأمر يقاطعهما أحد...ودت أكثر من مرة أن تخنق سها على هجومها المستمر على غرفة المكتب....كانت إلهام سعيدة بالتقدم الذي طرأ على علاقتها مع يوسف التي تحول إلى شخص آخر... نعم كان ذات الشخص العنيد الفخور بنفسه لكنه أصبح أكثر إنفتاحاً، كانا يتشاركان النكات و لم تخل ساعات عملهما من الضحك و المزاح حتى أنه في بعض الأوقات كانت سها تدخل غرفة المكتب قائلاً ( أشركوني في مهرجان الضحك الذي تقيمانه) و كانا دوماً يجيبانها ( إنك قادرة على إقامة مهرجان وحدك)... إزداد تقاربها مع الأيام و هذا ما زاد من سعادتها و لكنها في الوقت نفسه كانت تشعر بخوفها يتفاقم مفكرة بردة فعل يوسف لو علم بما كانت تنوي أن تفعله....بعد عشرة أيام من لقائها بعوني و فشل محاولات عديدة في فتح الموضوع مع يوسف قررت أن تأخذ خطوة فعلية فلا مجال للمماطلة بعد أن إنتهيا من عملهما اليومي قالت له:
- يوسف سوف أحضر عصير و أخرج لأجلس في الحديقة... هل تشاركني؟
نظر لها صامتاً... لابد أنه يفكر في الأمر دعت الله أن يوافق... قالت تحثه:
- لقد خرجت سها من محمد و توحه مشغوله بإعداد العشاء... لقد إنتهينا من عمل اليوم... ما رأيك؟
هز رأسه:
- حسناً... إذهبي وضعي لنا كرسيان تحت الشجرة الكبيرة و أنا سوف أعد العصير و أحضره.
ابتسمت بإشراق:
- حسناً.
نظر لها و هي تركض إلى الخارج و وضع يده على قلبه هامساً:
- لقد سقطت.... لقد سقطت و إنتهي الأمر يا قلبي.
كانت إلهام غارقة في بحر أفكارها و هي تحاول إيجاد طريقة لتخبر يوسف بها عندما وصل حاملاً صينية عليها أبريق عصير و كوبين:
- إلى أين وصلتي بأفكارك...أخشى أن تفكري بكتابة الروايات و تنفصلي عني... سوف تشكلين منافسة قوية يجب أن لا أسمح لك بالإستسلام إلى أفكارك فقد تبدئين في نسج حكاية.
فكرت... و يالها من حكاية التي ستسمعها مني قالت بقوة:
- لا أعتقد أنه يمكنني تركك أبداً....
لم تنتبه لمدى الإخلاص الذي قالت به كلامها حتى رأته يتفرس بها بقوة فقالت:
- إلا إذا أضطررت.... على أي حال العمل معك هو المتعة بعينها.
بدأت بسكب العصير لتبدد الإرتباك الذي تشعر به إزاء تحديقه بها... ناولته كوبه ثم أخذت تشرب على مهل عصيرها قالت له:
- يوسف أريد أن أخبرك أمر.
قال لها:
- لقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن هناك أمر ملح تريدين الحديث عنه لكن في كل مرة يؤجل لسبب ما هل تراه يكون نفس الأمر؟
- نعم إنني...
صمتت عندما خرجت توحه راكضة:
- يوسف... يوسف إنه الأستاذ ياسر على الهاتف... لقد بدى لي مذعوراً و طلب الحديث معك بسرعة.
ركض يوسف و إلهام في أعقابه... تناول السماعة:
- ما الأمر يا ياسر؟... ماذا تقول؟.... يا إلهي سوف آتي حالاً.
أغلق السماعة فتعلقت إلهام بذراعه:
- ما الأمر؟
- لقد إحترق مكتبي.

سألته:
- أي مكتب؟
نظر لها باستغراب و كأن السؤال أدهشه ثم قال بسرعة:
- مكتبي الذي كنت أزاول فيه عملي... لقد كان المكان يحتوي على الكثير من الأوراق المهمة أدعو الله أن يستطيعوا إخماد النار قبل أن تنتهي كلها.
قالت له:
- هل مازالت النار....
قاطعها:
- ياسر يقول أن رجال الإطفائيه في الطريق.
تناول مفاتيحه و خرج مسرعاً... ركضت و تشبثت بذراعه بلهفة:
- إعتني بنفسك و كن حذراً.
نظر لها بحنو ثم ربت على يديها الممسكة بكمه:
- لا تقلقي.... أنا لست بتهور أبطال قصصي.
إبتسمت لمزحته:
- أحمد الله على ذلك.
تركته فأسرع بإتجاه سيارته... صاحت في أعقابه:
- إتصل بي ما ان يحدث شئ جديد.
- حسناً... أراكِ قريباً يا ملاكي.

حبست أنفاسها....ملاكي؟ ترى هل قال هذه الكلمة أم أنها من صنع خيالها... إلتفتت إلى توحه التي أكدت إبتسامتها الأمر، همهمت توحه و هي تتوجه إلى المطبخ:
- لقد وقع الصغير... لقد وقع الصغير.
ما أن وصلت سها حتى أخبرتها إلهام بما حدث و سألتها:
- أي مكتب هذا؟ لم أجد الوقت لأستفسر عن الامر من يوسف.
قالت سها:
- لم يكن يوسف يعمل في المنزل أبداً لذلك تريني أتذمر كثيراً من غيابه في غرفة المكتب... لقد كان يعمل في مكتبه... إنه مكتب كبيرا لا بأس به... كانت له سكرتيرة و العديد من المساعدين لجمع ما حيتاجه من معلومات ليستخدمها في كتاباته....هناك تعرف على سوسن عندما تقدمت للعمل كسكرتيرة له و بعد ثلاث سنوات تزوجا... لكن بعد موتها لم يعد يعمل به أبداً لقد أغلقه و بإستثناء ذهابه لإحضار بعض الأوراق من حين إلى آخر لم يكن يذهب.
فسرت سها شرود إلهام على أنه خيبة أمل فقالت:
- لا تظني أن ذلك حزاً منه على سوسن... أعتقد أنه لم يشأ الذهاب إلى هناك لأنه لا يريد أن يتذكرها بتاتاً.
بعد ساعة تلقت إلهام التي كانت تجلس مع سها بجوار الهاتف بقلق إتصال من يوسف:
- لقد سيطرت الإطفائية على الأمر... بإستثناء بعض الأثاث المتفحم لم تُمس أوراقي بسوء سوف أجلبها كلها معي و هذا ما سيوفر لنا الكثير من العمل.
- و أنا مستعدة له سيدي.







قراءة ممتعة

__________________