05-14-2012, 02:26 PM
|
|
كانت معجزة أن تصل إلهام إلى منزلها دون أن تدهسها سيارة فمنذ خرجت من منزل يوسف و هي تسير كالتائهة و عينيها تغشاهما الدموع. رن الهاتف فلم ترد و دخلت غرفتها لترتمي على فراشها منتحبه... لم تتصور أن تخرج من حياة يوسف بهذه الطريقة، بعد أن أنهكها البكاء إستسلمت لنوم متقطع إستيقظت منه على صوت طرقات قوية على الباب أعقبها رنين الجرس المتواصل... أنتزعت نفسها من الفراش بقوة و فتحت الباب لترى منظر أختها المذعورة التي صرخت بها: - لماذا لم تردي على إتصالاتي؟ ألم تتخيلي ما فكرت به بعد أن إتصلت سها بي و أخبرتني بما حدث و بعدها لم أستطع الوصول لكِ؟ دخلت و أغلقت الباب خلفها... وقفت تنظر إلى اختها مؤنبة و ما كان من إلهام إلى أن إرتمت في حضنها و إنفجرت بالبكاء في البداية شلت الصدمة نشوى فما هذه باختها القوية لكنها ما لبثت أن لفت ذراعيها حول جسد أختها الذي أخذ بالإرتجاف و صحبتها لتجلسان على الأريكة: - إهدئي يا عزيزتي... إهدئي سوف يكون كل شئ على ما يرام. قالت إلهام من بين شهقات بكائها: - كيف... كيف يكون على ما يرام؟ إنه الآن يكرهني... يكرهني و سيكرهني للأبد؟ - لا يا اختي... سوف أذهب له و.... قاطعتها إلهام بسرعة: لا... لا تذهبي له. رفعت رأسها من على كتف نشوى و نظرت في عينيها: - نشوى... عديني أنك لن تذهبي له. نظرت نشوى إلى عيني أختها الحمراوتين و وجهها المبلل بالدموع و صرت على أسنانها.... لن أمنحها أي وعد، أصرت إلهام: - أريحيني يا نشوى... عديني. تنهدت نشوى: - حسناً إذا كان هذا ما تريدينه. قالت بحزم و كأنها تسعى لإقناع نفسها: - نعم هذا ما أريده... أعلم أنني تسببت له بالكثير من الألم و إن كان بغير قصد مني... لكنه لم يتوقف للحظة و يتركني أشرح له... لم يسمح لي. ربتت نشوى على يديها اللتلان كانتا منقبضتان في حجرها: - لا تحاولي إسترجاع ما حدث... إن شئت إبقاء الأمور على ما هي عليها فعليك أن تنسي كل ما يتعلق به. قالت كاذبة: - نعم هذا ما أريد. - لكن إعلمي أنني ليست موافقة فحبك له لن يسمح لكِ أن تعيشي بسلام خاصة أن فراقكما كان بتلك الصورة المحطمة. قالت بشرود: - لقد نجحت بوصفك... فكل ما تبقى لي الآن هو حطام... حطام علاقتنا القصيرة. صمتت ثم قالت و هي تقف: - أظن أن الآن يجب أن تنقلي أغراضك من عند رباب لتعودي إلى المنزل... سوف أقلك لكن بعد أن أقوم بامر ما. أوقفتها نشوى: - أي أمر؟ - إنه مشوار ضروري... سوف أوصلك إلى بيت رباب و سوف أمر بك بعد ساعة لآخذك جهزي كل أغراضك. ما أن دخلت إلهام إلى مكتب رئيس التحرير حتى وقفت السكرتيرة مبتسمة: - إلهام؟!! كيف حالك عزيزتي؟ لقد إشتقنا لكِ كثيرة. لم تجد إلهام بها طاقة للحديث الإجتماعي: - نادية... هل السيد عوني موجود؟ ردت الفتاة بارتباك إزاء لهجة إلهام الباردة فطالما كانت ودودة مع الكل خاصة معها: - نـ... نعم إنه بالداخل لكن معه السيد... لم تنتظر إلهام لتسمع باقي كلامها، إقتحمت المكان رفع عوني و الرجل الموجود معه رأسهما بدهشة فقال عوني: - ما هذا يا آنسة إلهام؟ كيف تدخلين علينا بهذه الصورة؟ قالت بحدة: - كما دخلت أنت منزلي من ورائي و سرقت أوراقي... كلنا نتعلم منك سيد عوني إنك مثالنا الأعلى. إحتقن وجهه و قال للرجل: - سيد سامح أظن أننا سنرجئ إجتماعنا إلى وقت آخر. جمع الرجل أوراقه و خرج متعثراً فصفقت إلهام الباب خلفه و إلتفتت له فقال: - إسمعي ... يمكنني... قاطعته: - بل إسمعني أنت... لا تظن أن بإمكانك إرهابي بعد اليوم لم يعد هناك شئ أخسره... على عكسك يا رئيس التحرير المحترم. جلس فجأة و كأن قدماه لم تعودا قادرتان على حمله، جلست على أحد الكراسي المقابلة لمكتبه و قالت: - يالسخرية القدر إنني أذكر آخر لقاء كان بيننا في هذا المكتب و كأنه كان بالأمس... لقد كنت أحس بأنني كالفأر في المصيدة ... مذعورة... محاصرة... لكن الآن إنقلبت الأدوار لتكون أنت ذلك الفأر.... صاح بها: - آنسية إلهام لا يجوز أن تتحدثي معي بهذه الصورة. صرخت به: - بل يجوز... من حقي أن أحدثك بالطريقة التي أراها مناسبة لأمثالك... ثم من أنت لتتحدث عن الذي يجوز و الذي لا يجوز... مؤكد أنك تعلم أن بإمكاني مقاضاتك. فتحت يدها و أخذت تعد على أصابعها: - إبتزازك لي.... إقتحامك منزلي...سرقتك أوراقي بالإضافة إلى نشر المقال و وضع إسمي عليه. شحب وجه عوني فقالت له: - أرى أنك فقدت القدرة على الكلام. وقف عوني و قال بغضب: - لا تظني أن بإمكانك تهديدي... يمكنني أن أدمرك هل تفهمين؟ ما زال في جعبتي الكثير... قد تظنين أنك لا تملكين ما تخسرينه لكن السيد عيّاش.... صمت عندما تقدمت منه و أمسكت بتلابيبه و قد بدى من عينيها أنها فقدت السيطرة على نفسها: - إسمع أيها الوغد... حتى السيد عيّاش كما تحب أن تدعوه متشدقاً لم يعد في حياتي بعد الآن... لا يمكنك أن تؤذيني خلافاً لقدرتي على تحويل حياتك للجحيم... ابتعد عن حياتي نهائياً و إنسى أنني عملت معك يوماً. دفعته فكاد يتعثر... أخرسته الصدمه فتابعت: - و لا تحتاج إلى أن أذكرك أن تنسى اختي أيضاً و إذا فكرت بأذيتها سوف تندم. تقدمت خطوة منه و قد إحمر وجهها غضباً ...اخرجت الجريدة من حقيبتها و رمتها في وجهه: - و يوسف... يوسف عيّاش لقد حققت غايتك و أذيته بذلك المقال البائس لكن مؤكد أنه سيكون الأول و الأخير... إمحيه من رأسك هل فهمت؟ قرأ لهجة التهديد في صوتها فتراجع أمام هجومها و إستمر ينظر لها كأنها مجنونة...فجأة إنفتح الباب و دخلت نشوى مسرعة و وقفت بين اختها و عوني كأنها تخاف أن تنقض اختها عليه لتخنقه: - إلهام يكفي ما قلتيه... لا أظن السيد عوني سوف يفعل شئ بعد ما قيل... هيا بنا. سحبتها من يدها بينما أخذت إلهام تنظر من فوق كتفها إلى عوني الذي وقف مسمر في مكانه دون أن يجرؤ على الحركة. ما أن أصبحا خارج مبنى الجريدة حتى سألت إلهام: - كيف عرفتي مكاني؟ - لقد تكهنت أنك سوف تذهبين إلى عوني فقررت أن ألحق بك قبل أن ترتكبي عمل أحمق و الآن أرى أنني كنت على حق... لقد إنتظرت في مكتب السكرتيرة أستمع إلى كلامك لكن ما أن إحتد صوتك و بدى لي أنكِ ستقفزين على عنقه فضلت أن أقطع حديثكما فلا أريدك في السجن اختي. ابتسمت إلهام ابتسامه شاحبة: - حسناً لقد إنتهيت من ذلك الرجل و الآن هيا إلى بيت صديقتك لنحضر أغراضك. مر إسبوع على خروج إلهام من حياة يوسف... كانت نشوى تظن أن بمرور الوقت سوف تعود اختها إلى طبيعتها لكن ذلك لم يحدث فقد أصبحت تقوم بأعمال المنزل بصورة مستمرة كأنها تسعى لإنهاك نفسها ... كانت تعد الطعام بصورة آليه و تتناوله بصورة آليه أيضاً و بعد محاولات عديدة و فاشلة لإستنطاقها قررت أن تقوم بزيارة لسها. جلست نشوى و سها على طاولة منعزلة في أحد مقاهي محطة الرمل قالت نشوى: - إن الإنسانة الموجودة معي منذ إسبوع ليست اختي... لقد حطمها فراقها عن اخيك.... حاولت أن أعرف ما حدث بينهما لكنها لم تتكلم لقد أوصدت في وجهي كل الأبواب. أخبرتها سها بالقليل التي نجحت في إعتصاره من اخيها: - إن اخي مثلها... كل ما عرفته منه كان بإسلوب الإستفزاز لقد إستمريت في إغضابه حتى إنفجر في صائحاً. قالت نشوى: - لقد فهمت... أظن أن أكثر ما يؤلمها أنه يظن بها أسوأ الأمور... إذن فهو يظن أن تلك الصور صورها... إن الأمر يتعدى كونه يظن أنها خانت ثقته و نشرت حياته الخاصة على الملأ أعتقد أنه حان الوقت لأزور اخيك و افهمه بعض الأمور. - كم أتمنى هذا... لم يعد أحد يستطيع الحديث معه... حتى توحه تشاجرت معه إنه يحبس نفسه في غرفة المكتب منذ غادرت إلهام كل ما يفعله الجلوس ساهماً محدقاً في الفراغ و عندما اتصل به ناشره صاح في وجهه أن ينسى أمر الرواية القادمه... تلك الروايه كان يعمل عليها مع إلهام. - إذن فكلاهما يمثل دور الحبيب المحطم... يجب أن نتدخل و نعيد لهما عقلهما... لن أقف متفرجه على حطام علاقتهما. نظرت لها سها ثم قالت و هي تحمل حقيبتها: - هيا بنا. سألتها نشوى: - إلى اين؟ - إلى منزلكم أريد أن أرى إلهام و أتحدث معها قليلاً. - حسناً هيا بنا. كانت إلهام تجلس على طاولة المطبخ و بين يديها الأوراق التي كانت كتبتها عن يوسف...أحتارت ماذا تفعل بها هل تتخلص منها؟ ألم يكن الإبقاء عليها هو أساس المشكلة؟ لكنها لم تستطيع أن تحمل نفسها على التخلص منها إنها ترافق ذكريات بالإضافة إلى إنها تشعر أنها آخر رابط بينها و بين يوسف و تشعر أن بالتخلص منها تخرج نهائياً من حياته، أفاقت من أفكارها عندما سمعت صوت باب المنزل يفتح و يغلق... لابد أنها نشوى لقد قالت لها أنها ستذهب لتحضر مذكرات من عند صديقتها عادت لتنظر بحزن إلى الأوراق سمعت حركة على باب المطبخ فرفعت رأسها رأت سها فاتسعت عينيها دهشة.... أخذت تحدق بها صامتة بينما تقدمت سها منها مبتسمة. كانت صدمة سها كبيرة عندما رأت إلهام... كانت نشوى محقة في كل كلامها إن الفتاة الشاحبة الغائرة العينين التي رأتها جالسة تحدق في بعض الأوراق ليست إلهام حتى في أكثر الأوقات التي كانت حالتها الصحية فيها سيئة لم تكن بهذا الشكل... ما أن رفعت عينيها و رأتها حتى ترقرقت الدموع في عينيها لكنها حولت نظرها عنها فجلست بمقابلها: - إلهام... كيف حالك يا عزيزتي؟ صمتت إلهام قليلاً كأنها تحاول تمالك نفسها و عندما تكلمت خرج صوتها مبحوح: - بخير و أنتِ؟ كيف حالك؟ ابتسمت سها و وضعت يدها على بطنها: - بخير... إنني حامل. ابتسمت إلهام بإرهاق: - أعلم. سألتها بدهشة: - تعلمين؟ لكن كيف؟ - لقد أخبرتني توحه... عندما كنا بحتفل بــ.... صمتت بارتباك ثم قالت: - عندما إصبت بوعكة في تلك السهرة تكهنت توحه بالأمر. أحست سها أن قلبها يعتصر عندما تجاوزت إلهام ذكر إحتفالهم بالخطوبة و قد بدى أن الأمر آلمها رفعت عينيها فرأت نشوى تشير لها و تشجعها قبل أن تخرج... أمسكت سها يدي إلهام المرتجفتين على الطاولة: - إلهام... إنه يتعذب مثلك. سحبت إلهام يديها من بين يدي سها و إنتفضت واقفة: - لا أعرف عن من تتحدثين. قالت سها بسخط: - إلهام لا داعي أن تتدعي الجهل... يجب أن تعطيا علاقتكما فرصة إنكما تحبان بعضكما البعض. إلتفتت لهاإلهام قائلة بحدة: - فرصة؟ عن أي فرصة تتكلمين؟ تلك الفرصة لم يمنحها أخيكِ لي لأبرر... لم يسمح لي أن أشرح له... سها... أعلم أن نيتك حسنه و أنكِ تحبينني لكن يجب أن تتقبلي أن ما بيني و بين أخيك إنتهي. - بهذه البساطة؟ - لم أكن لأتخيل هذا لكن نعم بهذه البساطة. - لكن الأمر يدمركما... إنه يحبك. صاحت إلهام: - لا... لا إنه لم يحبني قد يكون رآني مجرد تغيير بعد سوسن لكن الأمر لم يتجاوز ذلك فلو كان يحبني... صمتت و قد ترقرق الدمع في عينيها و إختنق صوتها: - لو كان يحبني لما تركني أخرج من حياته بتلك الصورة أبداً... أبداً. جلست ووضعت وجهها بين يديها منتحبة، كورت سها قبضتيها بغضب...غضب من اخيها... غضب مما آلت إليه الأمور لم تكن تتحمل رؤية إنهيار إلهام بهذه الصورة الرهيبة، دخلت نشوى راكضة و ما أن رأت اختها تبكي حتى ركعت بجوار كرسيها تحتضنها... عندما هدأت إلهام وقفت: - سها... عزيزتي لا تشغلي بالك أعلم أنكِ و نشوى تحاولان إصلاح الأوضاع لكن لا جدوى... أعرف أن ما حدث جرح يوسف و أعرف أنني أخطأت ... عندما أفكر بالأمر أرى أن من حقه أن يفعل ما فعل لكن ها هو مر إسبوع و من المؤكد أنه عرف الحقيقة لكنه.... لكنه... قالت كأنها تخاطب يوسف و تلومه: - لم يتصل و لو مرة... لم يحاول... لم يحاول... صمتت و كأنها لم تعد تجد الكلمات... تسمرت سها و نشوى إزاء منظر إلهام الذابلة و العتاب الحزين الذي كانت تتحدث به حتى أن سها غفلت عن إخبارها أن يوسف لا يعرف شئ حتى الآن فهو يرفض الحديث مع أحد و كل ما أخبرته به توحه لاقى أذن صماء. قالت إلهام: - لقد حطمنا هذا الأمر...كلانا... لكن يوسف لم يفعل شئ ليصلح هذا...هذا الحطام. يتبعــــــــ.........
قراءة ممتعة
__________________ |