(6) سيقول لك المتصوفة وشيوخهم وكثير من الغافلين والمغفلين: «معاذ الله، الصوفية لا يعدون الشيوخ، لا يعدون إلا الله..» وقد يقدِّمون بعض الأمثلة الموهمة والمتداولة بينهم.
فنجيب: لا، بل يعدون الشيوخ، وهذه أقوالهم وأقوال عارفيهم وأقطابهم الذين يتبركون بالركوع أمام قبورهم ولثم حجارتها والاستغاثة بما فيها من رِمَم، وأمثلهم طريقة ذلك الذي يعتقد أنهم يقربونه إلى الله زُلفى وحسن مآب، وهذه أفعالهم كلها شاهدة عليهم بوضوح كوضوح الشمس في رائعة نهار مشمس، على أنهم يؤلهون الشيوخ ويعدونهم. ولو جمعت أقوال عارفيهم في تأليه الشيوخ لملأت ألوف الصفحات.
وإنكارهم هذا، يُسمى في الشريعة الإسلامية وفي اللغة العربية وفي جميع ما تعارف عليه البشر من أخلاق «الفجور».
- وسيقول بعضهم، متحرفًا لقتالٍ (وفي لغة العصر مناورة): هذا واقع كثير من المتصوفة، وهو من الدخن والانحراف الذي أصاب التصوف كما أصاب غيره من أمور الشريعة. والتصوف الحق بريء من ذلك.
فنقول: «شنشنة نعرفها من أخزم». إن واقع المتصوفة منذ أن وجدت الصوفية وفي كل الأمم، لا في المسلمين وحدهم، هو تأليه الشيخ وعبادته، وهي الطريق التي توصل المريد أو السالك إلى استشعار الألوهية، أما من يصل إلى الجذبة دون شيخ فيسمونه هم: «المراد»، ويعنون بها أن الله أراده فجذبه إليه. وهذا افتراء على الله الكذب؛ لأن القرآن ينفي على لسان المسيح صلوات الله عليه أن يعرف أحد ما يريده الله: ]... إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ[، ونقول لهم: هذه صورة من مراوغاتكم (للالتفاف حول الهدف)، أتقنتموها أنتم وأشياخكم تظهرونها وتخفونها حسب الظروف المحيطة، وهي من أساليب التقية الواجبة في عقيدتكم الصوفية كما قال الغزالي:
وإن كان قد صح الخلاف فواجــب على كل ذي عقل لزوم التقيــة 7- وقد يأتي من لا يستحي من أن يقول: إن كلام العارفين هذا له تأويل!!
فنقول له: لقد انتهينا من خرافة التأويل، وأحبولة التأويل، ومغالطة التأويل، وخدعة التأويل، [ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ]؛ لأنهم إذ يقولون هذا له تأويل، فهم يخادعون ويكذبون ويدجِّلون ويمكرون لجر المسلمين إلى زندقاتهم. 8- يدَّعون حب الله، وما أكثر أقوالهم في ذلك وفي العشق الإلهي. ومن المقامات التي يدعيها بعضهم في السلوك إلى الجذبة ما يسمونه «المحبة والشوق» إلى الله.
والله سبحانه وتعالى يقول آمرًا رسوله أن يعلمنا: [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ]. فالله سبحانه يأمرنا إن كنا نحبه، أن نتبع رسوله، وهذا يعني أن اتباع الرسول r هو الدليل على حب الله، وعدم اتباعه دليل على عدم حب الله، وهؤلاء القوم يتبعون المشايخ الذين يأمرونهم بتأليه الرسول لا باتباعه. فهل هم بعد ذلك صادقون بادعائهم حب الله؟
الجواب: هو ما تقرره الآية الكريمة، بأنهم لا يحبون الله، وهذا هو واقعهم، فهم يحبون الجذبة واللذة التي يجدونها أثناء الجذبة والتي تستغرق كل خلية في كيانهم، وهي لذة تحشيشية جنسية يتوهمون أنها إلهية، ثم بعد أن يقعوا في الجذبة عددًا كافيًا من المرات، يُصابون بمرض الإدمان، مثل الإدمان الذي يصيب متعاطي الأفيون تمامًا، حتى إذا ما امتنعت عليهم الجذبة في بعض الأحيان لسببٍ ما، أصيبوا بنفس الأعراض التي تصيب مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه، من وله قاتل وصداع وما يشبه الجنون. وهذا هو ما يسمونه «العشق الإلهي» الذي يظهر في بولهم.
النتيجة: الذين يتبعون المشايخ لا يحبون الله، إذ لو كانوا يحبونه لاتبعوا رسوله.
ويقول سبحانه: { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء}، هذا أمر من الله، يكفر من يخالفه.
وهؤلاء القوم يتبعون من دونه المشايخ، يأمرونهم بكل ما لم ينزل به الله سلطانًا فيأتمرون به! يأمرونهم بالركوع للشيخ فيركعون! يأمرونهم بالرابطة التي يسمونها «شريفة» فيطيعون! يأمرونهم بالرقص فيرقصون! يأمرونهم بأوهام كشوفهم في العقائد والعبادات فيأتمرون! فهل يكونون بعد ذلك من أهل القرآن؟!
إن أهل القرآن هم الذين يعملون بأوامره وينتهون عن نواهيه. 9- يقول سبحانه: [ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ] . فهل يتبعها هؤلاء القوم؟ طبعًا لا؛ لأنهم عندما يتبعون مشايخهم فقد خرجوا من اتباع الشريعة. وقد مَرَّ معنا قول أقطابهم للخادم: «كُلْ ولك أجر صوم شهر، وكُلْ ولك أجر صوم سنة»، وموافقة عالمهم القطب القشيري على ذلك.
فهل هذا هو اتباع للشريعة الإسلامية؟ طبعًا لا! 10- رأينا قول أبي مدين المغربي في الشيخ: ففي رضاه رضا الباري وطاعتــه
يرضى عليك فكن من تركها حـذرًا
وقول عبد القادر الجيلاني: إذا لم تفلح على يدي لا فلاح لك قط.
وقوله: والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب.
وغيرها، وغيرها من الأقوال التي تملأ ألوف الصفحات. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟
يقول سبحانه: [ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ] .
إن المتصوفة هم أول من تنطبق عليهم أحكام هذه الآية باتخاذهم أولياء من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى..
- والسؤال: لم إذن يقدسون الشيخ هذا التقديس؟ وما هي فائدته؟
- إن للخضوع الكامل للشيخ ولعبادته وتقديسه فائدتين عظيمتين: أ- خرق العادة: فمن القواعد المقررة أن الشياطين لا تقدم خدماتها للساحر إلاَّ بعد أن يكفر: [ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ] ، والسحر هو الكهانة، وهي الصوفية؛ فكلما ازداد المريد غلوًّا في إشراكه الشيخ بالله، كلما ازدادت أمامه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات»، ويعزونها إلى المدد المفاض عليهم من الشيخ! ب-التحقق أثناء الجذبة بالفناءات في الله: «الفناء في صفات الله وفي أسمائه وفي ذاته»، أو «التحقق بالألوهية»، وذلك أن المجذوب يرى في أحلام جذبته، صورًا هي خليط من انطباعات قديمة وحديثة مستقرة في أعماق لاشعوره، تختلط مع أماني وطموحات تسربت إلى أعماق نفسه من المحيط الذي يعيش فيه، وهذا هو نفس ما يراه متعاطي الحشيش والأفيون وعقار الهلوسة، ومن دون الشيخ تكون رؤى المجذوب مثل رؤى الحشاش، تدور حول الجنس واللهو واللذة أو الحقد والحسد، لكن الشيخ، بخبرته التي استقاها هو أيضًا من شيخه، يغرس في نفس المجذوب طموح العروج إلى السماوات والعرش والجلوس مع الله (جل الله)، ثم الفناء فيه بحيث يرى نفسه أنه جرء منه (سبحانه)، أو أنه هو هو بكامل أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يصفون)، ويرى في أحلام جذبته أنه يتصرف بالكون، ويقول للشيء: كن، فيكون. ولا ينجح الشيخ بهذه المهمة إلا إذا كان المريد قد عجن عقله وعواطفه ونفسه كلها بحب الشيخ وتقديسه وطاعته، بحيث تغدو كلمة الشيخ جزءً من كيان المريد لدى التلفظ بها.
ويجب أن لا ننسى أن قوة شخصية الشيخ وجاذبيته تلعبان دورًا هامًّا في استقطاب قلوب مريديه وعواطفهم حوله وتساعدان على تهيئتهم لرؤى (تحشيشهم الروحاني) التي يسمونها «الكشف».
وفي هذا يقول الغزالي: «... فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسُبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سُبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه، وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها... فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد.. أهـ.
ولذلك قالوا أيضًا: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان»؛ لأن رؤاه تكون مثل رؤى الحشاشين تمامًا.
- وأخيرًا، لنقرأ قوله سبحانه: [ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ] .
ولم يقل سبحانه: قد أفلح الذين يتمسكون بالشيخ، أو لا فلاح إلا باتباع شيخ، أو من لا شيخ له فشيخه الشيطان.. أو بقية الشركيات.
- وهنا يقف المسلم الصادق أمام أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يؤمن بالقرآن الكريم ويكفر بهؤلاء القوم وبعقيدتهم، وإمّا أن يؤمن بهم وبعقيدتهم ويكفر بالقرآن الكريم، وأي طريق آخر لا وجود له إلا بالمراوغة والدجل . ( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 603 – 611 بتصرف يسير ) . ==============
منقول من موقع الكاشف
للشيخ سليمان الخراشي
==============
مؤمن الرشيدي
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |