عرض مشاركة واحدة
  #222  
قديم 05-21-2012, 03:26 PM
 
----------------------------------
(16)
" درسنا معاً لعدة سنوات بالجامعة .. كثيراً ما اختلفنا، وتشاجرنا وابتسمنا ..
في العام الأخيرمنالجامعة، قررت أن أخبرها بأننيأحبها، أردت أن اكون معها ماتبقىمنحياتي ، ولكن .. حدث شيء غير مجرىحياتي آنذاك .. لقد عيُنت في سلك الجيش، حتى أكون طبيباً خاصاً للجنود،
ابتعدت عن بلدتي وتركتها خلفي، حتى بدون أن أخبرها بأي شيء .. لقد ظنت بأنني تركتها بكامل ارادتي .. بعد عدة أشهر وصلتنيمنها رسالة .. "
تسائلت بسرعة بعد أن توقف عن السرد :
- ماذا؟ ماهي الرسالة ..؟
- " عماد، أنا مريضة للغاية .. " كانت تلك هيالرسالة . ولهذا حصلت على إجازة سريعة وعدت أدراجي . لم يكن مرضها خطيراً ولكنهارفضت العلاج في تلك الأشهر الماضية مما جعل مرضها يتطور .. وبعد فترة أخرى، أنا لمأستطع أن أعالجها، لقد ماتت حتى بدون أن اخبرها بأي شيء.
" انه بهذا البرود حتى مع الفتاة التي احبها لسنواتمتتالية" ترقرت الدموع في عينيليناوتسائلت وهي تكبت البكاء :
- لماذا لم تخبرها ؟
- لأنني كنت أقول دائماً بأنه ليس الوقتالمناسب .
" هذا خطأ كبير للغاية .. " شعرت بالارتباك قبل أن تسأله :
- مازلت تـُـحبها ..؟
السؤال الجمه الصمت! جعله غيرقادر على التفكير في الأمر، توجه بناظريه نحوها والتقت عيونهما لفترة ، مما جعلهيقول :
- إنني في رحلةمنذ عامين لكي أحاول النسيان، واظنبأنني نجحت .
في ذلك الجو البارد ، أصبح جبينه يتصبببالعرق، كان متوتراً وابعد ناظريه عنليناوهو يتكلم مع نفسه" ربما أناأوشكت على النجاح .. تلك الفتاة بجواري، لقد التقينا خلال أشهرٍ قليلة، ولكن قلبيأصبح متعلقاً بها، لقد جعلتني أنسى كل شيء حولي ولا اهتم إلا بسواها .. " عاد ينظرإليها مجدداً ليفاجأ بسؤالها :
- إذاً، لم تحتفظ بتلك الصورة بداخل حقيبتك؟ هذالن يساعدك على النسيان !
" لماذا تكذب ؟ أرى ذلك في عينيك، هذا التوتروالألم ليس له معنى آخر سوى بأنك لم تنساها ولو لدقيقة واحدة! انت مازلت تحبها .. " خيم الضيق علىالأجواء بجانب الجوع والعطش الذي يحلق حولهما ..
تمتم عماد بخفوت متجاهلاًالسؤال :
- لن نستطيع البقاء جالسين وحسب في هذا الجو الحارق، مارأيك أن نستمربالمشي؟
أومأتلينابالايجاب ومشى الاثنانمتجاورين، وعندها تكلمتلينابصوتٍ متعب :
- ربما لن ننجو تلك المرة! لا يبدو بأن هناك بلدة قريبة ..
- تفائلي فقط ..
وصل الاثنان إلى جرفٍ كبير، يشبه ذلكالذي شاهدامنفوقه مدينة الأمير سامي ، تطلع الاثنان للأسفل ولكن لم يكن هناك أي شيءسوى الأشجار والمساحات الفارغة .. تسائل عماد كأنما يكلم نفسه :
- هل يمكن أن نسير كل تلك المسافة؟
صاحتلينابضجر وجلست على الأرضوهي تفرد ساقيها وتتأوه بتعب، أما هو فقد ظل يذهب ويعود وهو يحاول رؤية أي شيء يدلعلى الحياة في تلك المنطقة .. تكلمتليناقائلة وهي تراقبه :
- اليسمنالأفضل لنا أن نعود إلىبلود..؟
- ونموت قتلاً بالسيوف بدلاًمنأن نموتعطشاً ...؟
تحسستلينارقبتها وهمست :
- سوف يكون الموت بالسيف أسرع بأي حال .
وقفت وسارت بتثاقل نحو جذع شجرة لتستند عليه، كان وجهها مصفراًوشفتيها متقشفتين اثر العطش، حاولت أن تصبر نفسها " سننجو، بالتأكيد سوف يجد عماد حلاًوسنخرجمنهذا المأزق .. مثل كل مرة .. " ابتسمت بشكل طبيعي وهي تراقبه يروح ويجيءحاملاً حقيبته السوداء ..
شعرت بأن جفنيها ثقيلان للغاية، فهي تعمل طواليوم أمس، ولم تنم دقيقة واحدة .. انها فقط بحاجة للنوم .. ولهذا .. استسلمت للنعاس .
تكلم عماد مخاطباًلينا :
- ليس هناك حلٌ آخر يجب أن نصبر ونعبر تلكالمسافة مشياً، ربما نجد طريقة ما .
لم يسمع أياجابةمنلينا، فنظر خلفه ليفاجأ بأنهانائمة على الأرض! " هل أصابها مكروه ..؟" اقتربمنها وهو يشعر بالقلق،منظرهاالنائم على الارضية جعل ذكريات الغرق السيئة تتوارد إلى عقله وتسبب له الرجفة ..
ازدرد لعابه بصعوبه وبدأ ينادي :
- لينا؟ ارجوك إذا كنتِ تسمعيننيقولي شيئاً ..
جثا بجانبها على الأرض وأمسك بيدها وتشابكتأصابعهما وهو يقول :
- حسناً إن كنتِ تسمعينني .. شدي على يدي .. أرجوك .
ضغط على يدها برفق ولكنها لم تتحرك أو تصدر أية اشارة، فتحجفنيها، ثم تحسس رقبتها ، نبضات قلبها كانت سريعة وغيرمنتظمة،وكذلك التنفس .. ، بدا له بأنها فاقدة لوعيها اثر الارهاق، وضع حقيبته ورفع رجليهافوقها ..
مرت بضعه دقائق عاد عماد ينادي فيها على اسمها،ولكنها تلك المرة أظهرت استجابة بسيطة وأخرجت صوتاً يشبه التأوه ثم عادت للنوم .
" ليس هناك حلٌ آخر .. إنها مرهقة للغاية .." نظر إلى وجهها الجميل ملياً و اسرع بحمل حقيبتهمنالأمام ، ثم رفعلينافوق ظهره وحاول نزول الجرف بصعوبة .. " لاتخافي يا صغيرتي ، سوف أوصلك إلى بر الأمان .. " ، عندما وصلإلى نهاية الجرف .. استمر بالمشي طوال الطريق نحو الشرق .

- عماد .. عماد ..
هكذا تمتمتلينابعد ساعات وهي تشعر بالدوار .. " إنه يحملني .. " بدأت بالاستيعاب حولها عندما صدر إليها صوتهالذي تسائل بنبرة باهتة :
- هل تشعرين بالتحسن ..؟
- أنا عطشى للغاية ..
- لا بأس لقد وصلنا تقريباً ..
" لا أصدق، هل وجد بلدة حقاً .. ؟" رفعت رأسها بصعوبة وشاهدت أضواءالمدينةمنبعيد .. وعندها تسائلت وصوتها لا يكاد يخرج :
- هل حلّ الليل بتلك السرعة ..؟
" سأخبرك بصراحة انه كان أطوليومٍ مر علي مذ ولدت .. " ضحك ضحكة قصيرة وقال :
- نعم ، انسيتي بأننا في الشتاء والنهار قصيرللغاية .
لفت ذراعيها حول عنقه وقالت هامسة :
- لقد تعبت كثيراً ، دعني أنزل الآن . أنا بخير .
- لستِ كذلك .
- بلى! أرجوك دعني أنزل ..
- سوف اسمح لك عندما نصل إلى مدخل المدينة .
مازالت تشعر بالدوار والأرهاق، لم يكن هذا سهلاً، الوقوف على مدخلالمدينة، عندما نزلت على الأرض شعرت بأن الكون يدور وبشكلٍ لا أرادي تشبثت به ..
- لا تزالين متعبة، دعيني أحملك مجدداً ..
حركت رأسها معترضة وقالت :
- أنا بخير! سأتشبث بك قليلاً فقط ..
" لكن أنا أريدك أن تتشبثي بي طويلاً، وان تفعليها مراراً وتكراراً .. " بداخل قلبه،كان يشعر بالسعادة لأنها ماتزال إلى جانبه، وهي كانت تشعر بالامتنان لوجوده معها ..
بعد السير لفترة ، شاهدا مطعماً قريباً ، وبدون التأكدمنأي شيءاندفعا نحوه طالبين المياه والطعام ،
- آه لقد ظننت بأننا سنموت في تلكالاحراش!
نظرت إليه وهو يجرع المياه إلى فمه كل مرة وقالت باسمة :
- وكنت تخبرني بأن اتفائل ..؟ يالكمنمزعج!
تبادل معها النظرة ثم قال بمرح :
- لكننا الآن على قيد الحياة نشرب المياه الباردة..!
" يبدو لطيفاً مع ذلك الوجه المتسخ، وذلك الشعرالمبعثر" ابتسمتبامتنان ثم نطقت بشكلٍ مفاجيء :
- شكراً لأنك معي .
توقف الطعام في حلقه ورفع رأسه ينظر إليها وهو يفكر " هل ستخبرني الآنبأنها ستذهب في طريقها الخاص ...؟" تأمل وجهها وهو يترقب ما ستقوله، ولكنها بدلاًمنذلكقالت باسمة :
- سوف أذهب معك إلى مملكة الجليد، ربما أعملوأعيش هناك .
- حقاً؟
ضحك بسعادة مثل الأطفال،ولكنها قاطعت فرحته بقولها :
- ولكن ..
- ماذا..؟
" كيف سأقولها؟ أنا أشعر بالخجل الشديد .. " كانت تحككفيها في بعضهما بتوتر أسفل الطاولة، واستطاعت القول أخيراً بسبب نظرات عمادالمشجعة :
- لقد كانت لدي تذكرة بداخل حقيبتي، ولكنها الآن ليست موجودة ، لهذاأنت ..
وضع الملعقة أمام وجهها وقال على الفور :
- توقفي! لا تفكري في تلك الأشياء البسيطة فلدي الكثيرمنالمال ..
فكر عماد" أيضاً لا تذكري حقيبتك دائماً فهذا يصيبني بالإحباط ! .." وهمستلينابخجل :
- شكراً لك، سوف أعمل وأرد لك تلك النقود يوماًما .
قال مع ابتسامة :
- لكن أنا لا أريدمنكِ أنتقومي بردها، فقط استمتعي بالرحلة بدون التفكير في تلك الأشياء الجانبية . اتفقنا؟
- ولكن ..
وضع الملعقة أمام وجههامجدداً وهو يحاول ايقافها عن الحديث، عندها توقفتليناعن الجدال وابتسمت بصمت .
بعد انتهائهمامنتناول الطعام قاما بسؤال صاحبالمطعم عن مكانٍ للنوم، ولكنه أخبرهما بأن تلك القرية صغيرة للغاية وأن المدينةتبعد اميالاً بسيطة ..
لم يكن عماد قادراً على السير مجدداً، ولهذاوافق الاثنان على المبيت في غرفة جانبية للمطعم .
دخل عماد أولاً وتبعتهلينا، اشعل الرجل عدة شموعثم خرج وهو يتمنى لهما اقامة طيبة ، تأمل عمادالمكان " يالهمنمكان عتيق .." وفكرتلينا " على الرغممنكل تلك الشموع إلا انه لايزالمظلما ومخيفاً .."
كان المكان عبارة عن غرفة صغيرة، بها قنديلوعدة شموع متناثرة ، دولابٌ خشبي صغير يقبع في الركن، وسرير متوسط الحجم عليه مفارشقرمزية قطنية وفوقه رفٌ صغير عليه بعض الكتب والشموع، كانت الستائر الداكنةمتهالكة، وفي الجانب الآخر توجد أريكة حمراء داكنة، أمامها طاولة دائرية سوداءقصيرة، و خلفها باب الشرفة الكبير الذي تغطيه ستارة ثقيلة .
تمتم عماد وهويرمي بحقيبته السوداء على الطاولة الدائرية ومنثم يلقي بنفسه فوق الأريكة :
- سوف أنام هنـا و ..
توقف عن الكلامفنظرتلينانحوه وشاهدته يغط بالنوم .. ولهذا ابتسمت وهمست وهي تقتربمنه :
- ستنام هكذا ..؟
أمسكت باللحاف وقامت بتغطيته، ثم جلست بجانبه وتأملت وجهه النائمللحظات قبل ان تقف مجدداً وتتوجه إلى السرير.
------------------------

تناولا الإفطار مع صاحبالفندق، رجل كبير في السن، أشيب الشعر ، ودود جداً ولطيف المعشر .. وبينما تسائلعماد عن القطار السنوي، تكلم معه عن مدينة جميلة تدعى كيتاليا يسمع بأن بها قطارٌحديث!
في الطريق توقف الاثنان أماممنظر مدهش،كانت شجرة عملاقة ذات جذع ضخم وملتفة حول نفسها، بدا عدد الأغصان والأوراق وكأنهغير متناهي، أصدرتليناصوت تعجب وقالت بانبهار وهيتدور حولها :
- لم أر في حياتي شجرةكهذه!
- لقد أخبرني الرجل المُسّن في الفندق بأننا سنصادف الكثيرمنالظواهرالرائعة عندما نسير في طريق كيتاليا.
" كما توقعتمنه! سأل عن وجهتنا حتى قبل أننخرجمنهناك" تسائلت وهي تقفز لتلتقط ورقة شجرٍ صغيرة :
- حسناً ماهي خطتك؟
لم تسمع الإجابة فاستدارت لترىمالأمر وعندها فوجئت بأن عماد كان ينتظر لحظة التفافها ليلتقط صورة لها مع تلكالشجرة العملاقة ..
سقطت ورقة الشجرمنيدهاوعادت تتسائل بنبرةمندهشة :
- ما! ما الذي فعلته للتو!؟
ابتسم وهو يقول معغمزةمنإحدى عينيه :
- لا يجب أن تضيع تلك الأماكن الجميلةهدراً!
- لماذا أنا أيها المزعج؟
نظر حوله وهو يقول ساخراً :
- وهل يوجد أحد غيرك؟
قالت باعتداد :
- أعني! إنه يمكنك تصوير الشجرة بدون أن أكون هناك ..
ابتسم ابتسامة غريبة، فقد كان يشعر بالخجل الشديد قبل أن ينطق بصوتخفيض لا يكادُ يسمع :
- إنها، أجمل .. عندما تكوني هناك ... أ .. أيتهاالحمقاء ..!
" لماذا يتكلم هكذا! لم يتلاعببقلبي؟" لم تستطعأن تتحدث بسبب ضربات قلبها، نظرت إلى وجهه ثم انتقلت بعينيها إلى يديه اللتانتعبثان على أزار آلة التصوير ، وعندها تكلمت وهي تشعر بألم يجتاح صدرها :
- هيه! هل أنت ودود مع الكل بتلك الطريقة؟ لماذا لا تكون جاداً معالفتيات الأخريات، هل تريد أن تغضب عليك خطيبتك؟
أخفض بصره نحوها على الفور، كان وجهها غاضباً، وكل الملامح قدانزعجت وتبدلت ، حتى قبضتيها التي شدتهما في توتر إلى جانبيها .. شعر بتلكالموجةمنالكراهية التي تأخذه بعيداً عنها! ازدرد لعابه وزاغت عينيه يميناً ويساراًفهو لا يعرف كيف يجيبها!!
" الآن أصبحتي تتكلمين بجدية عن خطيبتي ..؟ ألمتفهمي بعد كما أنا متعلق بكِ! " جعله الانزعاج يتكلم بحدة وهو يعلق آلة التصوير على كتفه :
- نعم أنا ودود مع الكل! لقد ولدت هكذا لا يمكننيأن أغير نفسي .. وأيضاً ...
بسرعة اقتربمنها إلى حد الالتصاق ونظر إلىعينيها مباشرة وهو يقول بتحدي :
- لايمكن لحبيبتي أن تغضبمنهذاالأمر لأنها ... معجبة بشخصيتي .
تركها وسار متقدماً الطريق،بينما وقفت في مكانها وكأن صاعقة نزلت عليها! شعرت بالقهر وأردات أن تصفعه" أيها الأحمقالمزعج .. أنا أكرهك أكره وقاحتك وغرورك كثيرا! نعم .. لا أطيق أن أراك أمامي !" كان جسدهايرتجف وحاولت أن تبدو متماسكة وأن تسير خلفه بثبات .. ولكن بعد مرور القليلمنالوقتتسائلت بنبرة غاضبة :
- ألم يخبرك صاحب الفندق متى سنصل إلى كيتاليا ..؟
- عندما تظهر قضبان القطار سنعرف بأنه تبقى القليلمنالوقت .

حلّت فترة صمت طويلة لم يتبادلا فيهاالأحاديث، كان الجو قاتماً بين هاذين الاثنين .. هو، كان يعرف في قرارة نفسه بأنهيعيد اخطاءه! تلك الأخطاء الفادحة التي تجعله قاسياً ومتجاهلاً على الرغممنتفكيرهالجاد بالأمر! إنه يحاول إظهار مشاعره اللطيفة ولكنها تخرج بشكلٍ آخر .. وربما لاتخرج على الإطلاق ..!
أما هي فقد كانت هادئة، أردات أن تسترخي بعضالوقت وأن لا تفكّر فيه ولكنه يقفز إلى ذهنها وفكرها في كل دقيقة تبذلها محاولةالنسيان .. ، وكيف يمكنها أن تنساه بعد أن أصبح موجوداً في كل ذكرياتهاالسعيدة؟
أفاقتمنشرودها على صوته :
- يبدو بأننا وصلنا !
رفعت رأسها لتشاهدبعض أبنية متناثرة تظهر كالأشباحمنبعيد، وعلى الفور تفقدت الأرض فلمتعثر على أي أثر للقضبان الحديديه! وعندها تكلمت :
- ولكن، أين قضبان القطار ..؟
"هذا صحيح ، يجب أن نعثر عليها في مكانٍ ماوإلا فنحن نسير في الطريق الخاطيء ..! " حك رأسه وهو يفكر في الأمر وأصدر صوت " آه " وهو يتفقد البوصلة ويحاول أن يتذكر ما إن كان هذا هو الطريق الصحيح .. ولهذاتكلمتلينابقلق :
- هل ضللنا الطريق ..!
أجاب بالهمهمة وعاد ينظر إلى البوصلة وهو يفكّر، أما هي فقدراحت تنظر يمنة ويسرة علّها تشاهد قضبان القطاروبدأت في التفكير " كان علينارؤية القضبان التي تقطعالطريق إلى مدينة كيتاليا قبل أن نصل، ولكن ماذا عن تلك المدينة المليئة بالضباب؟أيعقل أنها المدينة الجميلة التي تحدث عنها صاحب الفندق ..؟! "
سار عماد متقدماً ولكنها تكلمت قائلة :
- هل ستدخل إلى تلك المدينة؟ لا تبدو مثل وصف الرجل! إنه مدينة غريبةوضبابية ..
تطلع إلى السماء المليئة بالسحب الداكنةوقال:
- ليس أمامنا حلٌ آخر الليل على وشك الهبوط ،والسماء على وشك أن تمطر .. وأنا اتضور جوعاً !
- يالكمنأناني! ألا يكفي ما مررنا بهمنمشاكلحتى الآن؟ وتريد أن تدخل إلى مدينة الأشباحتلك!
بدا الأمر لانهائي وهما يحتدان بالنقاش،ولهذا صرختلينالكي توقفه عن اقناعها :
- أنا لم أعد اثق بك ..
- لماذا؟ لقد كنت تثقين بيمنذ أننزلنامنالقطار السنوي؟ لماذا تغيرتي!
" يالكمنأحمق، كيف لم تفهم حتى الآن .." لم تنطقبكلمة أخرى فقط اكتفت بالجلوس على الأرض وهي تتنهد بتعب مع ملامح الضجر التي ارتسمتعلى حاجبيها المتعاقدين وشفتها المزمومة .

" ما الأمر معها؟ هل علي أن استسلم لفكرتها ونغيروجهتنا؟ ولكن إلى أين .. ؟ " تطلع إلى الشرق حيث الغابات مرةأخرى!
تكلم قائلاً وهو يمد لها يده لتنهض :
- حسناً إذاً، لن ندخل إلىكيتاليا!
ضربت يده لتبعدها ووقفت بنفسها ثم هتفت وهي تنفض التراب عن ملابسها :
- وما ادراك بأنها كيتاليا!؟
عض على شفته السفلى وهو لايدريماذا يقول، شيء ما داخل قلبه يجعله يظن بأن هناك خدعة ما ، ولهذا تكلم قائلاً :
- ربما ليس هناك وجود لـكيتاليا، ربما خدعنا ذلك الرجل ليقودنا إلىمدينة اللصوص تلك ..؟ ربما .. وربما هي كيتاليا حقاً .. لن نعرف ذلك أبداً بمجردوقوفنا هنا ..! ليست معي خريطة ، لقد وصف بأنها أول مدينة سوف نصادفها إن سرناباتجاه الشمال ..

بدأت قطرات المطر في الهطول الخفيف فسارالاثنان على عجل نحو الأشجار وعاد عماد يقول :
- هذا الاتجاه هو نحو الشرق ...
عاد ينظر إلى بوصلته التي بدأت تتحرك في كل الاتجاهات كالمجنونة،تمتم لنفسه وهو يحركها بشكل لا إرادي :
- هذا غريب ..!!
اقتربتليناونظرت إلى البوصلة وهي تقول :
- ما الأمر؟
- يبدو ان البوصلة اصابها الجنون، او .. ؟
- ماذا؟
- ربما نحن فيمنطقةتوازن مغناطيسي ..؟ أو .. شيءمنهذا القبيل ..

رفع عينيه وإذ به يرى كماً هائلاًمنالقلقوالتوتر حولها، لقد كانت يائسة وخائفة بشكلٍ مفرط ولهذا أسرع بوضع البوصلة في جيبهثم تكلم قائلاً وهو يضحك ضحكة مزيفة :
- يالهامنبوصلة سخيفة! هيا بنا سوف نسير فيذلك الاتجاه ..!!
اسرع بالمشي ولكنها تشبثت بحقيبته وهي تقول :
- ماذا لو ضللنا الطريق ولم نستطع الخروجمنهذاالمكان؟
- في أسوأ الأحوال سوف نعود إلى تلكالقرية!
ترقرت عينيها بالدموع وقالت :
- هل تستطيع العودة حقاً .. ؟
" بالتأكيد لا استطيع .. " رسم ابتسامة عريضة وقال :
- بالتأكيد! لماذا لاتثقين بي تلك المرةوحسب؟
" إنني أثق بك بالفعل، وإلا لماذا أسير معك حتىالآن! " قلبت شفتهاوهي تقول :
- هذا لأنني مضطرة !
ضرب كتفها بخفة وهو يقول بجدية :
- نعم! دعينا نتقدم ولا ننظر إلى الخلف ..

في تلك اللحظة ، شعر الاثنان بانهما في حاجة للنظر إلى الخلف .. وعندما استدارا ،، لم تعد المدينة موجودة!
----------------------
__________________
الى اللقاء