نظرت إليها وعيناي متسعتان .. قلت بصعوبة : - جاميان .. هل تعرفين أين هو ..؟ توقفت عن الحياكة وسقطت الإبرتان من يدها قائلة : - ماذا؟ هل ستذهب إليه ..؟ كان جسدي يرتجف بالكامل ولكنني أردت أن أسمع كل كلمة تقولها .. لأن هذا الخبر هو أهم خبرٍ في حياتي .. تذكرت كل شيء! وجهت أنظاري نحوها ولكنها كانت تنظر لي باستسلام وهمست : - عرفت هذا، لقد كنت أعرف بأنك سترحل بعيداً عن روسيا .. وأنك ستعود إلى وطنك ولن أراك مجدداً، كنت أعلم بأنك ستتركني . لم أفكر بـ نينيل من قبل . وكأنها المرة الأولى التي أرى وجهها فيها . . كانت في تلك اللحظات .. وحيدة جداً . وقفت نينيل واستندت على سور الشرفة وهي تقول : - أنا لم أكن أنوي أن أقع في الحب بعد ما رأيته من عذاب مع زوجي الذي انتهى إلى طلاقي وتحملي لمسؤولية آركيف لوحدي بينما أنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري .. استدارت إلي وابتسمت : - أردت فقط أن يكون شخصٌ ما بجانبي عندما يرحل آركيف إلى حياته الشخصية .. وعندما تخليت عن هذا الحلم .. ظهرت أنت في أحلامي وأنقذتني من وحدتي .. ولهذا أردت انقاذك ، وبهذا أصبحنا متعادلان . لم أعرف ماذا أقول لها نظرت إليها لثوانٍ .. ولكنها تركت الشرفة ودخلت إلى المنزل . بقيت صامتاً في مكاني .. لاحظت بأنني لم أعد أشتعل مثل السابق . . أصبحت مستسلماً ولا وجود لأي حلمٍ في عقلي .. بمعنى آخر .. تلاشت كل حيويتي . حقاً لقد أتممت الثلاثين من عمري وأنا في السجن . لقد مر وقتٌ طويل جداً .. ولكن أين امي الآن ..؟ أمي التي حلمت بان تعيش سعيدة في كل يوم وفي كل لحظة من اليوم .. أين هي ..؟ سمعت صوت نينيل وهي تقول : - جيرودا .. لقد بحثت طويلاً أثناء وجودك بالسجن وعثرت على هذا . مدت يدها من خلفي ورأيت ورقة بيضاء مكتوب عليها عنوانٌ كامل لمدينة داخل بريطانيا . وقفت والتقطت الورقة من يدها ببطء .. نظرت نينيل إلى وجهي وقالت مبتسمة : - هل أنت سعيد يا جيرودا؟ أخبرني فقط .. أجبت : - أجل .. انا سعيد . دمعت عيناها وهي تقول : - لماذا إذاً لا تبتسم ..؟ أرجوك ابتسم مجدداً . ابتسمت بصعوبة وقلت : - أنا .. لدي ابنتان، تركتهما خلفي، هذه بالتأكيد .. معلومات ٌجديدة! نظرت نينيل باستغراب وقالت : - اثنتان؟ - كل واحدة منهما أتمت الخامسة عشرة من عمرها وأصبحت بالتأكيد شابة جميلة . فكرت ... لقد وعدني كاميو بحمايتهما من كل مكروه . وسمعت صوت نينيل : - هذا رائع يا جيرودا .. أنت الآن تبتسم بصدق . نظرت إليها وانتبهت لأني كنت أبتسم حقاً .. وتكلمت بتفاؤل: - أنا أريد أن أراهما قريباً . لذلك سوف أجتمع مع عائلتي في مكانٍ ما . على الرغم من دموعها، كانت نينيل سعيدة وقالت: - بالتأكيد . أنت تستحق ان تكون سعيداً . بعد أيام، ودعت نينيل وآركيف في المطار، شكرتهما ووعدت نينيل بأنني سوف أراها مرة أخرى .. لقد كانت تبكي طوال الوقت وجعلتني أكرر كلمة الـ "وعد" ثلاث مرات . عندما ابتعدت الطائرة عن روسيا، دمعت عيناي وشعرت بالحنين . وقبيل الغروب اوصلتني سيارة أجرة إلى مبنى جميل من طابقين أمامه ممر مرصوف بالحجر الناعم ومحاطٌ بالاشجار الصغيرة . ترددت كثيراً قبل أن أضغط على الجرس. شعرت بأنه لو فتح جاميان الباب .. فسوف يتوقف قلبي على الفور. ولكنني استجمعت شجاعتي وضغطت على الجرس .. مرة تلو اخرى. ولكن ما من مجيب. أصابني الاحباط حتى كاد يقعدني أمام البوابة. ومشيت إلى البيت المجاور بصعوبة وفتحت شابة صغيرة فتسائلت وأنا أشير على منزل جاميان: - هل هذا منزل جاميان ديوفري؟ - صحيح .. ولكنهم ذهبوا إلى الشاطئ فاليوم عطلة. ذهبوا إلى الشاطئ؟ سألت الفتاة مجدداً : - هم؟ من هم؟؟ - أجل جاميان وزوجته وابنتيه . - زوجته؟ هل تزوج جاميان؟ كانت الفتاة تنظر لي باستغراب وكأنها تريد ضربي وقالت بتذمر : - إنه متزوج منذ سنوات . ولديه ابنتان أيضاً. قلت بخجل : - أنا آسف، فلم نتقابل منذ عشرة سنوات على الأقل . انصرفت وأنا أحمل حقيبتي على ظهري وتركتها أمام منزل جاميان ثم توجهت إلى الشاطئ . مشيت على الرمال لفترة وأنا أنظر إلى وجوه الناس .. وأفكر .. " من تكون زوجة جاميان، هل هي لندا؟ أم أن القدر فرّق بينهما ..؟" لم تكن في تلك الوجوه كلها أياً من جاميان .. أو حتى لندا . كانت الشمس على وشك الغروب . وشاهدت طفلتان صغيرتان تلعبان بالرمال وتتشاجران على أتفه الأسباب فتذكرت ريوري ورونا .. اقتربت منهما وقلت : - لماذا تتشاجران ..؟ نظرت لي الفتاة الكبرى، ولكن نظرتها البريئة أسرت القشعريرة في جسدي . لأن تلك العينان تشبهان عينا جاميان كثيراً .. ارتميت بجانبهما على الرمال وأنا ابتسم .. كان قلبي يخفق بسرعة وكنت سعيداً .. وبدأت الصغيرة في التشكي وقالت : - آيريس تسرق الرمال الناعمة التي أجمعها ..! إنهما ابنتا جاميان بالتأكيد .. عينا جاميان واسم أمي .. ووجه لندا، أم إنني أتخيل؟! كنت أبكي وأبتسم في نفس الوقت وتساءلت وأنا أمسح على شعرها : - وانتِ ما اسمك ..؟ - لورين . قالت آيريس وهي تنظر نحوي : - لكن الشاطئ مليء بالرمال الناعمة .. فلماذا تدّعي أنني أسرق منها؟ تكلمت وأنا اضحك : - سأبني لكن بيتاً موافقات؟ صاحتا بحماس : - موافقات!! بدأنا في بناء البيت الرملي .. ومر قليل من الوقت .. ولكن قبل أن ننتهي من بناء البيت الرملي سمعت من بعيد صوت جاميان ينادي : - آيريس! كتمت دموعي بصعوبة، أردت أن أكون رجلاً أمامه بعد كل تلك الأعوام .. ولهذا استجمعت كل ما أوتيت من قوة وشجاعة ونظرت للخلف .. كان جاميان يرتدي سروالاً قصيراً ولندا تلحق به، ولكنهما توقفا عن الحركة فور رؤيتي .. كنت أعلم بأنها لندا . إنه الحب الذي لم تفرقه تلك العواصف الكبيرة ..! كان جاميان مندهشاً! ولندا كذلك .. تحول اندهاش لندا إلى دموع وبكاء ، وهمست بصعوبة : - جاميان .. مستحيل! أردت أن أضم شقيقي الأصغر إلى صدري .. وأن أسمع دقات قلبه .. اشتقت إليه كثيراً، ولهذا اقترب مني وعانقته بسرعة .. تحولت دموعي التي اكبتها إلى ابتسامات وأشواق .. نظرت إلى لندا وقلت : - كيف حالك لندا؟ كنت أعلم أنك ستظلين إلى جوار جاميان حتى النهاية .. ابتسمت لندا وأومأت موافقة .. بدأ أنها لم تستطع السيطرة على دموعها حتى اللحظة . وأمسك جاميان بصغيرتيه وعرفني على آيريس ولورين ثم توجهنا للمنزل . عندما انتهيت من سرد تلك القصة، كان جاميان ولندا يبكيان ، كنت أبكي معهم أيضاً .. وشعرت بالمواساة لأن قلوبهم تخفق معي وتشاركني أحزاني وآلامي . حكينا وبكينا حتى طلع الفجر . تكلم جاميان وهو يحاول التذكر : - اتعلم جيرودا ..؟ منذ سنوات طويلة عرفت بأمر المركبة التي وصلت إلى الأرض .. لقد كنت مهتماً بها وبدأت في البحث مع لندا لعله يكون أنت . عض على شفته الشفلى بقهر وعاد يقول وهو يضغط على قبضة يده اليمنى : - لكن علمت بأنها امرأة . ولم أهتم .. لأنه... لم يخطر ببالي أبداً بأنها أمي . اجهش جاميان بالبكاء .. كان نادماً، حزيناً ، كان صعباً على جاميان بأن يبكي طويلاً . لقد كان ألمه أكبر من ألمي .. حاولت لندا قول أي شيء لكنه أصبح كئيباً وقال بهدوء : - اذهب للنوم .. أنت متعب . دخلت إلى الغرفة التي أعدتها لندا لي .. ولكنني راقبت شروق الشمس ولم استطع النوم . بينما استرجع الأحداث، تذكرت ذلك الصعلوك كاميو وغيرته من زالين .. ابتسمت وأنا أتذكر لوشيا وثرثرتها .. روسو الصارم عندما بكى لفراقنا .. ! وأمي الحنونة .. التي أحبت ريوري ورونا على الفور .. نينيل التي جاهدت من أجلي .. وبذلت كل شيء من أجل أن أحصل على السعادة .. بعد ساعات .. لم استطع النوم وخرجت إلى الشرفة فشاهدت جاميان يقف صامتاً ويفكر، مع هدوءه المتوازن وملامحه الجميلـة .. شعرت بأنني وصلت إلى حلمٍ من أحلامي . وهمست : - جاميان .. ارتفع حاجبيه ونظر لي بلطف ثم ابتسم بصدق وقال : - سوف نعثر عليها . ابتسمت وأنا أقول : - هل تعتقد ذلك؟ - لقد تكلمت مع بعض الأشخاص .. سادت لحظة من الصمت ثم عاد جاميان يقول بنبرة صوته الهادئة : - لقد اشتقت إلى بانشيبرا .. اهتز صوته في شبه ضحكة : - واشتقت إلى الصعلوك أيضاً! ضحكت أنا وجاميان وعندها قال : - عندما تقابلنا لأول مرة .. كنا في مدرسة التدريب على السيف، ولم نتجاوز العاشرة من العمر .. كان كاميو ينظر لي وكنت أنظر له .. وبقينا نتبادل النظرات لمدة ثمانية أعوام ولم نتبادل كلمة واحدة، ولكن أمارات التنافس كانت تختلج أنفاسه ، حتى دخلنا الحراسة المزدوجة في قصر الأمير نيروتا .. وبعدها أصبحنا صديقين .. ضحك جاميان ضحكة خفيفة ثم تابع: - في يوم ما تبارزنا بالسيوف .. وعندها قلت بشكلٍ مفاجيء " كاميو أنت لست من كوكبنا . تبدو غريباً" وعندها أصبح عصبياً جداً وبدأ بتوجيه الضربات السريعة لي واحدة بعد الأخرى ولم أعرف السبب .. انتقلت إلى الحراسة في إيموكيا ولهذا بدا انفصالنا جافاً .. اخذ نفساً عميقاً وعاد يقول وهو يتأمل الأفق أمامه : - لقد أصيب في صدره إصابة بالغة أثناء الحرب بين تيمالاسيا وبانشيبرا، ومع ذلك .. فقد أقسم على حماية أمرجيز .. وهذا ما جعلنا نختلف وتنفصل أفكارنا إلى الأبد . نظر جاميان فجأة إلى وجهي وقال : - يبدو أنكما تآلفتما جيداً . ابتسمت بارتباك وأمسكت ذقني وانا أقول : - لا أعرف حقاً .. لكنه بدا لطيفاً في النهاية . فجأة بدأ يرن جهاز الاتصال الخاص بجاميان ، وأمسك به بسرعة ونظر إلى اسم المتصل وظهر الامتعاض على وجهه ثم ضغط زراً وأجاب : - مرحباً .. ماذا؟ إذاً هي موجودة في روسيا ..؟ تحولت ملامحه إلى سعادة مفاجئة وعاد يقول : - شكراً لك . أغلق هاتفه وقال على الفور : - لقد وجدوا أمي .. ارتجف صوتي وقلت : - من هم؟؟ - مدير وكالة الأبحاث الفضائية الذي أعمل معه . امسك جاميان بذراعي وابتسم بهدوء ثم رفع حاجبيه وهي يقول : - لا بأس في أن تعود إلى روسيا صحيح ..؟ فدخولك إلى هناك سهلٌ جداً بما أنك مواطن روسي الآن سيد " سرجينيتش " قلت وأنا ما أزال في طور الصدمة: - أجل أستطيع! - إذاً هيا بنا إلى المطار بأسرع وقت .. ضرب جاميان على كتفي وعينيه تلمع بالإصرار، وانصرف بسرعة إلى الداخل . حدقت للحظة وأنا أفكر : " جاميان، بكل هدوء وتمكن .. لقد وجد أمي .. إنك دائماً هكذا، شخصٌ هادئ ورائع ومميز " هذا حقاً ماكان عليه جاميان .. ومنذ طفولته، رجل المهمات الصعبة . . وصلت برفقة جاميان إلى المطار في روسيا، واستقبلنا بعض الأشخاص بترحاب كبير لم يكن جاميان يعرف اللغة الروسية .. ولهذا .. قمت أنا بدور المترجم . عرفت بأن أمي تقيم في مكانٍ مثل القصر، إنها محبوبة من الجميع لأنها تحكي عن كوكبنا ولهذا استقطبت الكثير من العلماء والباحثين .. في السيارة المتوجهة إلى القصر الذي توجد به أمي ، كان جاميان ثابت النظرات هادئ الملامح، ولكنني كنت أشعر بتوتره .. تسارع أنفاسه .. ونبضات قلبه المتلاحقة .. إنه لم يرى أمي منذ فترة طويلة ، ولم يعرف بأنها على قيد الحياة طوال تلك المدة .. واكتفى بأن يدعوا لها بقلبه .. ومع ذلك فهو ليس أكثر توتراً وخوفاً مني، أنا الذي أشعر بأن يداي متجمدتان وجسدي يرتجف لا شعورياً، كما أصبح الصوت الوحيد الذي اسمعه يرن بداخل أذني هو صوت قلبي .. ! إنني أصبح ضعيفاً جداً حين يتعلق الأمر بمن احب .. عندما دخلنا إلى القصر قادنا أحد الخدم إلى جناح خاص .. نحن لم نخبر أحداً في روسيا بأن " السيدة آيريس " هي والدتنا ، ولهذا كان الموعد مع شخصين عاديين . كان هناك الكثير من الضيوف والصحفيين،، الذين خرجوا من القاعة واحداً تلو الآخر .. وعندها غمز جاميان بإحدى عينيه وقال بصوتٍ خافت ليخفي توتره: - إنها مشهورة جداً هنا، لقد استغرق البحث عنها ساعتين فقط .. خرج الخادم وقال بالروسية : - تفضلا لقد جاء دوركما .. نظرت إلى جاميان الذي يقف على يميني وأمسكت بيده المجاورة لي وضغطت عليها بقوة وقلت وأنا أرتجف : - لقد حان الوقت، لكنني خائف .. دمعت عينا جاميان ولكنه ابتسمت وضرب رأسي وهو يقول بمرح : - ما بك؟ سوف تكون أمي سعيدة جداً صحيح؟ ضغط على يدي وسحبني إلى البوابة .. كنت أسير بصعوبة .. لا أصدق بأن أخي الأصغر سناً هو من يحاول تهدأتي،، مشيت خلف جاميان ودخلنا إلى القاعة .. وهناك رأيت امرأة جميلة تحول شعرها إلى اللون الأبيض بالكامل .. وهي ترتدي نظارات طبية وفستان أسود أنيق .. تلك المرأة كانت تقرأ كتاباً في يدها، ولم ترفع رأسها إلينا .. لقد كانت تشبه أمي ، ولكنها أصبحت نحيلة جداً ، تلك المرأة التي يقولون عنها أمي .. تغيرت كثيراً .. وجهت نظري إلى جاميان فوجدته يحملق أمامه مذهولاً .. وعندها تكلمت بصعوبة وقلت بلغة بانشيبرا : - أمـ .. أمي ..؟ سقط الكتاب من يدها ورفعت رأسها ونظرت إلينا .. وتحولت نظراتها المتساءلة إلى صدمة بالغة . بدت جامدة لا تتحرك إلا مقلتي عينيها التي فاضت بالدموع .. تنظر لي تارة وتنظر إلى جاميان تارة أخرى .. ومرت الثوان ثقيلة كالأيام الصعبة .. ولكن جاميان ركض نحو امي وعانقها .. أما أنا فبقيت في مكاني ونزلت دموعي وأنا أنظر إلى المشهد الذي حلمت به طويلاً .. -------------------------
آه ! تثائبت بكسل وخرجت لأمشي قليلاً وعندها شاهدتني لندا من نافذة المطبخ وقالت وهي تصيح متذمرة : - إلى أين يا جيرودا؟ سوف يجهز الغداء بعد قليل .. لم تتغير لندا على الإطلاق، لوحت بيدي وقلت باسماً : - لن أتأخر .. أخرجت رأسها مجدداً وهتفت : - عد بسرعة يا جيرو ... آوه لورين توقفي عن أكل البطاطا !! انتابتني ضحكة قصيرة وتابعت السير ثم وقفت قليلاً في الحديقة الصغيرة وأنا أفكر .. لقد سرحت بأفكاري بعيداً . . اقترب شخصٌ ما من خلفي وضع يده على كتفي .. : - يجب أن تذهب . استدرت أنظر إلى وجه جاميان الذي بدا جاداً في كلامه .. وتساءلت وأنا أبتسم : - ألى أين ..؟ وضع يديه في جيبي معطفه الأسود وقال : - توقف عن صنع تلك الابتسامة المزيفة .. تعرف أنني أتكلم عن بانشيبرا .. إن قلبك هناك صحيح؟ لم أستطع أن أجيبه . هل قلبي هناك حقاً ..؟ يبدو بأنني لا استطيع أن أعيش في مكانٍ آخر . ولكن مع ذلك تكلمت بتلقائية : - لقد أخبرت كاميو بأنني سأعود من أجل بناتي، الآن مرت عشر سنوات .. ربما قاموا بنسياني أود العودة .. لكن .. تساءل جاميان : - ماذا ..؟ - لا يمكنني الذهاب وحدي . لن أستطيع مفارقتكم ومفارقة أمي مرة أخرى .. ومع ذلك أنا لا أحب هذا الكوكب .. الناس هنا ليسوا ودودين أبداً .. ابتسم أخي بلطف وهمس : - ونينيل ..؟ جعلني أرتبك فجأة، ودفعني للقول : - توقف .. أنا .. ضحك وقال: - وجهك يحمر خجلاً الآن .. أخذت نفساً عميقاً وقلت : - في كل الأحوال أنا لن أذهب . لف جاميان ذراعه حول رقبتي وقال بمرح : - ما رأيك أن نذهب معاً ..؟ تساءلت : - لكن كيف ..؟ كيف سنذهب ونحن لانملك خريطة .. أو حتى مركبة ؟ تركني جاميان وقال بثقة وهو يهم بالعودة : - سنجد حلاً، نحن الأخوان ديوفري أليس كذلك ..؟ مشى حتى اختفى بين الأشجار، فكرت في كلماته للحظات .. لا يمكن لجاميان أن يقول كلماتٍ غير محسوبة، لذلك فأنا أثق به إلى حد الإيمان . هبت نسمات الهواء الباردة ورأيت لورين صاحبة السبعة أعوام تخرج من بين الأشجار وقالت ضاحكة وهي تشير بسبابتها نحوي وتحركها وكأنها تطلق من مسدس : - بانج! بانج! عمي! وجدتك .. أمي تقول أن الغداء جاهز وسوف يبرد! بانج! أمسكت بها وحملتها على كتفي وأنا أضحك وقلت : - أليس من المفروض أن أكون ميتاً الآن وانتي تطلقين نحوي كل تلك الرصاصات .؟ كانت تضحك بمرح وهي تحرك رجليها في الهواء .. دخلت إلى المنزل وأنا أشاهد أمي وآيريس الصغيرة ولندا وجاميان جميعاً حول السفرة، أنزلت لورين فوق مقعدها وعندما جلست بدأت لندا بتوبيخي أنا وجاميان بسبب تأخرنا ، وعندها تأوه جاميان وصنع بوجهه حركة غريبة .. فضج الجميع بالضحك .. تبادلت مع جاميان نظرة ودية .. وابتسمنا. شعرت بالراحة والأمان وأنا أنظر لوجوه الجميع، وقررت أن لا أفكر بالأمر بعد الآن . ---------------------------
النهاية