(الثانى) حديث عبادة بن الصامت وله طريقان: [ الطريق الأولى ] أخرجها أحمد (5/322) قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الأَبْدَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثُونَ ، مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً)).
قال عبد الله بن أحمد: ((قَالَ أَبِي رَحِمَه الله: حَدِيث عَبْدِ الْوَهَّابِ هَذَا مُنْكَرٌ)).
وأخرجه كذلك الهيثم بن كليب ((المسند)) ، والخلال ((كرامات الأولياء)) (2) ، وأبـو نعيم ((أخبار أصبهان)) (1/180) والخطيب ((تالي تلخيص المتشابه)) (1/248) ، وابن عساكر (1/292) جميعا من طريق الحسن بن ذكوان به.
قلت: وهذا حديث منكر كما قال الإمام أحمد ، وله ثلاث آفات: (الأولى) عبد الواحد بن قيس ، وإن وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة الدمشقي ، لكنه لا يُعتبر برواية الضـعفاء عنه. قال أبو حاتم: يكتب حديـثه وليس بالقوى. قال البخاري: عبد الواحد بن قيس قال يحيى القطان: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب.
وقال ابن حبان في ((المجروحين)): عبد الواحد بن قيس شيخ يروي عن نافع روى عنه الأوزاعي والحسن بن ذكوان ، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات ، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن.
وقال في ((الثقات)): لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه ، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره. (الثانية) الانـقطاع ، فإن عبد الواحد بن قيس إنما أدرك عـروة ونـافع ، وروايته عن أبي هريرة مرسلة ، كما قال البخاري وابن حبان. فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره. (الثالثة) الحسن بن ذكوان يحدث عن عبد الواحد بن قيس بعجائب ، كما قال يحيى القطان وعلى بن المدينى والبخاري. وقال ابن معين: كان صاحب أوابد. وقال الأثرم: ((قـلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول في الحسن بن ذكوان ؟ ، قال: أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبي ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى)).
ولما كان الحسن بـن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، فـقد أورد له ابـن عـدى في ((كامله)) (5/125) أربعة أحاديث دلَّسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع.
وواحدة من هذا العلل الثلاث تكفي في الحكم على حديث عبادة بنفي ثبوته فضلا عن صحته ، ومنه تعلم أن قول الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/62): ((رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس ، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما)) ، وأقره السيوطي والمُناوي وغيرهما ، أبعد شيء عن الصواب !! ، وذلك لما ذكرناه آنفاً.
وأما قوله الحسن بن ذكوان من رجال الصحيح ، فالجواب عنه ما وصفه به الإمام أحمد من التدليس عن الكذابين ورواية الأباطيل. فإن قيل: قد أخرج البخاري له في ((كتاب المناقب)) من ((صحيحه)) (4/139. سندي) قال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ـ يعنى القطان ـ عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران بن حصين عـن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)).
فربما يكتفي بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر في ((هدى الساري)) بقوله: ((والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته في الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة)) !.
وأقـول: وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول: (1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح في الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه. (2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه. وقد قال أبو أحمد بن عدى: ((أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوي)).
ومما يفيده هذا التوجيه: أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال: يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بـن مهدي ، ويحيى بـن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن. [ الطريق الثانية ] أوردها ابن كثير ((التفسير)) (1/304) من طريق ابن مردويه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جرير بن يزيد حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو البزار عن عنبسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأبدال في أمتي ثلاثون ، بهم ترزقون ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون)) ، قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
قال الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/63): ((رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص ، وكلاهما لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح)).
قلت: ومع جهالة رواته عن قتادة ، فقد خولفوا على رفعه. رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: لن تخلو الأرض مـن أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم تنصرون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً.
أخرجه هكذا ابن عساكر ((التاريخ)) (1/298) من طريق عمران بن محمد الخيزراني عن عبد الوهاب به.
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |