فى قفص الاتهام كانت لورين بينت المعروفة من غالبية الناس راينى ، تستعد للرسم عندما رن هاتفها فى الساعة الثامنة والثلث صباحا .
وبما انها تدفع مبلغا اضافيا لتجنب الاتصالات المرؤجة لاى بضائع ، تصورت ان المتصل هو باربرا لاندرز احدى سكرتيرات السيد غولدبرغ ، مدير شركة "بطاقات المعايدة العالمية " ، حيث تعمل راينى.
كانت باربرا فى مثل سن راينى وعزباء . وقد انسجمتا منذ اليوم الاول الذى تعارفتا فيه ، وهما غالبا ما تتناولان الغداء او العشاء معا .
لقد التقت راينى بفضل باربرة المولودة فى نيويورك بالكثير من الاصدقاء ، وقد تلقيت الكثير من الدعوات الى حفلات لحضور السينما .
ابتعدت عن اللوحة ، وتوجهت الى مكتبها حيث رفعت السماعة .
-ستديو راينى بينيت للفنون الجميلة .
-راينى ، انا دون فلت مجددا .
-آه ، اهلا دون .
كان دون رئيس قسم الفنون فى دار الوردة الحمراء للمنشورات الرومنسية وقد اتصل بها فى الامس بشان مشروع جديد وارسل بواسطة الفاكس الاوراق التى تحتاجها لتبدا العمل الفنى .
وما بين المهام الموكلة اليها من شركة "بطاقات المعايدة العالمية " وتلك من دار الوردة الحمراء ، تراكم العمل لديها وفاق طاقتها . لكنها لن ترفض بالطبع اى عمل جديد فهذا هو عملها ومورد رزقها .
-اسف لازعاجك فى هذا الوقت المبكر .
-الوقت ليس مبكرا بالنسبة الى فقد قمت برياضتى الصباحية فى المنتزة . كيف يمكن لى ان اخدمك ؟
-هل يمكنك تزويدى باسم ورقم هاتف الوكالة التى استعنت بعارض منها لرسم غلاف عملية دمج فى منهاتن الرائع .
حولت نظرها الى الحائط حيث علقت لوحاتها الزيتية . كانت راينى تشعر بالفخر لان خمسة من اصل ثمانى لوحات كان هو بطلها ، بيعت للكتاب اصحاب الكتب التى يظهر على غلافها . وكانت التاسعة فى مراحلها الاولى.
عليها ان تقر بان تلك الرسوم رائعة . الا ان الرجل الذى يظهر على الغلاف هو من جعلها ملفتة ، وما راينى الا الوسيلة التى اظهرته .
-لم اعثر عليه فى اى وكالة لعرض الازياء ، دون .
انجذبت روح الفنانة فيها الى وجه رجل غريب وجسده فحملتها وسامته الطاغية على وضعه على كل غلاف نفذته لدار الوردة الحمراء .
يبدو ان عائدات مبيع تلك القصص كانت ضخمة ، اذا ارسلت لها ورودا حمراء مرات عديدة لتهنئتها على عملها الممتاز . والافضل من ذلك هو ان الشركة زادت راتبها ، فاستطاعت الانتقال اخيرا الى نيويورك والتفرغ للاعمال الفنية التى تنفذها لها ولشركة بطاقات المعايدة .
-اذا ، فهذا الرجل محطم القلوب الذى شغل قلوب الاف النساء من نسج خيالك فقط ؟
تهدجت انفاسها : لا . فحتى مخيلتى لا يمكن ان تحلم بشخص بروعته .
-اذن لابد انه صديق حميم تخفينه عنى .
ضحكت قائلة : الا يحق لى ان احلم ؟ بصراحة ، لا املك ادنى فكرة عن هويته .
اعقب ذلك صمت مؤقت قبل ان يضيف : اذن ، كيف حصلت على اذن لرسمه ؟
-لم افعل . منذ سنتين ، رايته فى صورة فوتوغرافية . كان مظهره رائعا ووجدت نفسى ارسمه فى كل مرة امسك بها بريشة .
سال من دون مقدمات : لمن تعود الصورة ؟
-لاخى .
-امازالت معك ؟
-لم تكن يوما لى لاحتفظ بها . السبب الوحيد الذى جعلنى ارى الصورة هو رغبتى فى مساعدة امى فى تنظيم غرفة اخى قبل ان يعود الى البيت . انت تعرفنى وتعرف طريقة عملى اذ غالبا ما استوحى الافكار من اناس اراهم فى الشارع او فى صورة ... واذا ما طاردنى وجه ما باصرار فينتهى بى الامر الى رسمه من الذاكرة وهذا ما حصل فى هذه الحالة . ثلث الاغلفة التى رسمتها لدار الوردة الحمراء نفذت من دون الاستعانة باى من العارضين كنموذج .
-اعلم ، ولم نصادف يوما اى مشاكل . وربما ما من مشكلة الان .
اشتدت قبضتها على السماعة قليلا واستوضحت : ما الامر دون ؟
-لا شئ على الارجح . ارسلت لى الدائرة القانونية مذكرة تطلب فيها معلومات عن الموضوع .
طرفت بعينيها : الدائرة القانونية ... هل تعلم ما يجرى ؟
-ليس بعد ... لكن بما انك اقريت انك رايت وجهه فى صورة فاريحينى وكلمى اخاك.
-دون ... انت لا تفهم . الرجل فى تلك الصورة كان ضمن مجموعة من السياح ، فكريغ مرشد سياحى فى النهر فى كولورادو . فى كل صيف ، يقل عشرات المجموعات على متن قوارب عبر نهر الكولورادو ويلتقط لهم صورا . انها سنته السادسة ولابد انه التقط المئات من الصور الجماعية وركنها فى صندوق فى خزانته . لا املك ادنى فكرة عن تاريخ تلك الصورة حتى .
-هل هى مؤرخة ؟
-ربما . لم اعر الامر اى اهتمام حينها . انه يخطط لافتتاح متجر رياضى ذات يوم وسيستعملها كديكور . قد يتذكر شيئا فريدا عن رحلة معينة لكننى اشك فى ان يتذكر اسما .
-هلا سالته على اى حال ؟ ثم اتصلى بى لتزويدى بالمعلومات فى اقرب وقت ممكن.
-لقد شارف حزيران على نهايته ، وهو يجول فى الانهار منذ ثلاثة اسابيع . جل ما يمكننى فعله هو ترك رسالة له فى معرض هورسيهد . سيخطرونه بوجوب مخابرتى ، لكن قد تمر بضعة ايام او اسبوعا قبل ان اسمع منه.
وساد الصمت مجددا ما ضاعف عصبيتها .
ثم تمتم دون فى النهاية : اسمعى ، ساتصل بالدائرة القانونية لاستعلم عن سبب طرح هذه الاسئلة ، ثم اعود الاتصال بك . هل يمكنك البقاء فى المنزل لبعض الوقت ؟
-نعم . فانا انهى رسم غلاف رواية " سر العروس " وسارسله الى مكتبك عبر البريد بعد غد.
-ممتاز . اتطلع شوقا لرؤيته . توقعى سماع صوتى قريبا .
اقفلت الخط ، وعادت الى لوحتها لكن اتصال دون احبطها لسوء الحظ .
وبدلا من تناول الفرشاة لاستكمال ما تبقى من خمار العروس ، توجهت الى الرسم الذى نفذته على غلاف رواية " عملية دمج فى منهاتن " .
ها هو هناك ... تجسيد حى لاحلامها على قطعة من القماش . كان يضج بالحياة بشعره الكثيف البنى القاتم وعينيه الزرقاوين اللتين بدتا وكانهما تتخيلان امورا لا يستطيع اى كان تصورها .
كانت ملامح وجهه الصارمة تدل على حياة الكد والتضحيات والانتصارات التى يعيشها . اما بنيته فتليق بغازِ تحت سترته الرسمية . انه شخص يتجرا على اكتشاف افاق جديدة ... وهو رجل لم يغيره بعد حب امرأة ... ربما سحرتها شخصيته ، ما جعلها تنجح فى بث الحياة فيه حتى استحقت الجائزة الاولى عن هذا الغلاف .
ستمنح جائزة فى آب وستتسلم بونى ريغلى ، الكاتبة ، جائزة عن روايتها " عملية دمج فى منهاتن " التى اختيرت افضل رواية عاطفية .
وبقدر ما سعدت راينى بهذا الشرف ، الا انها لم تستطع التخلى عن اللوحة.
رن الهاتف مجددا وهرعت راينى للاجابة : دون ؟
-لا . انا غرايس كارلو المحامية المسؤولة عن دائرة الشئون القانونية فى دار الوردة الحمراء . لقد قررت الاتصال بك بنفسى.
شعرت راينى ان العرق يتصبب من جبينها علما بان المكيف يعمل جيدا .
-شكرا لمعاودتك الاتصال بى بهذه السرعة اذ اقر باننى متوترة قليلا.
-بعد حديثى مع دون ، اظن اننا سنكون بخير . اين انت ؟
-ما بين الشارع رقم 86 ووليكسنغتن .
-هذا جيد . هل يمكنك الحضور الى مكتبى فى العاشرة ؟
اتسعت عينا راينى الخضراوان : اتعنين اليوم ؟
-تماما . فكلما اسرعنا بمعالجة الموضوع كلما كان افضل ، ساشرح لك ما يحصل عندما تصلين الى الطابق الثانى وانعطفى يسارا فانا فى اخر الرواق .
وانقطع الاتصال .
تسارعت نبضات قلب راينى فيما كانت تستحم وترتدى تنورة وبلوزة قطنية زرقاء اللون .
سرحت شعرها الاشقرالذهبى وانتعلت صندلا وخرجت من باب شقتها الصغيرة المفروشة . هرعت تنزل الطوابق الثلاثة الى مدخل المبنى الذى يعود الى ما قبل الحرب العالمية
ان لم تحل الامور وخسرت عملها ، فستعود الى كولورادو لكنها لا تتصور ان ذلك سيحدث قريبا .
بدا لها ان ذاك الحديث مع المحامية هو الشئ الوحيد المزعج الذى صادفها منذ انتقالها الى هنا قبل اربعة اشهر .
كانت تشعر بضالة حجمها بين السحاب بعد ان اقامت فى بلدة صغيرة طيلة حياتها . ونيويورك عالم مختلف يحوى اناسا من كل جنس ولون . كانت تحب الاختلاط بزحمة الناس وسط المحلات الراقية ، كما تحب تنشق الروائح وسماع الاصوات . وهى تحب مانهاتن لانها نابضة بالحياة وقد باتت الان جزءا منها ما يجعل كل يوم استثنائيا ... حتى اليوم !
شعرت بانقباض فى معدتها منذ تلقيها الاتصال الهاتفى . ماذا لو انها قامت بتصرف رهيب جدا يحرمها سعادتها الحالية ؟ هذا الخوف جعلها تحث الخطى .
وصلت الى دار الوردة الحمراء وصعدت السلالم المؤدية الى الطابق الثانى . وعندما بلغت نهاية الرواق ، دخلت الدائرة القانونية وتوجهت الى المكتب الامامى .
-انا لورين بينيت . غريس كارلو تتوقع وصولى .
ارشدتها عاملة الاستقبال الشابة الى المكتب فتوجهت اليه راينى .
لوحت لها المحامية من الداخل قائلة : جيد ! لقد حضرت فى الموعد المحدد .
كانت امرأة ضخمة وطويلة ، تبدو على الارجح فى الستينات من عمرها ، وترتدى بذلة سوداء وبلوزة مرقطة باللونين الابيض والاسود . رفعت نظاراتها عن شعرها الاشقر وتفحصت راينى لبعض الوقت .
-كم عمرك ؟
-سبعة وعشرون عاما.
-تبدين فى الحادية والعشرين فقط . انت محظوظة . يمكنك مناداتى غريس .
وابتسمت لها ومدت يدها فصافحتها راينى .
-اجلسى .
جلست راينى على كرسى مواجه لمكتبها وهى تقول : افترض اننى رسمت شخصية معروفة بالصدفة.
اصدرت المرأة صوتا مرحا من حنجرتها : الم تسمعى يوما بمصرف سترلينغ الاميركى ؟
عضت راينى شفتها : ومن لم يفعل ؟
-الم تسمعى بخطوط سترلينغ للنقل ؟
بدات راينى تشعر بثقل فى جسمها وردت بالايجاب بايماءة من راسها .
-الم تسمعى برئيس محكمة العدل العليا ريتشارد سترلينغ ؟
وهمست راينى : بلى.
-الم تسمعى بالسناتور فيليس سترلينغ – بويس ؟ السفير ليو سترلينغ ؟ الادميرال دانيال سترلينغ ؟
اطبقت عينيها بقوة لوهلة : طبعا .
وتملكها الارتباك فناولتها غريس مجلة صدرت حديثا عن اغنياء العالم معلنة : كل هؤلاء السترلينغ لا يضاهون هذا الرجل .
استرقت راينى نظرة واحدة الى الرجل على الغلاف واطلقت صرخة . قرات التعليق مرتين قبل ان تتامل الرجل الذى يعتمر قبعة ويتكئ الى كابل ضخم : . . . ملك الزجاج البليونير النيويوركى ، الذى سيغدو عما قريب تريليونير ، باين سترلينغ ، اكتشف مدفنا قديما اثناء مد شبكة فى مملكته السفلية قرب وال ستريت.
وادركت فجاة سر انجذابها اليه الذى دفعها الى رسمه .
ارتعش صوتها قبل ان تعيد اليها المجلة .
-يا الله !
نظرت اليها المحامية بتعاطف : انت محقة فهو من سلالة احد ابناء ايرل سترلينغ الذى ترك انكلترا واستقر فى الولايات المتحدة لبناء مملكته الخاصة .
وربتت على الغلاف مضيفة : هذا الرجل معرض للاضواء ولكنه جذاب جدا ما ينعكس عليه سلبا احيانا عن عمد او عن غير عمد .
ثم غمزت راينى التى تاوهت بصوت عال واكملت : سنتيا تافت هى اخر محامية انضمت الى فريقنا وقد تسلمت القضية عندما كنت فى اجازة . لقد جاءت من لوس انجلوس ولعلها لم تدرك التشابه لان باين سترلينغ شخصية معروفة على نحو مختلف عن شخصيات هوليوود . لدى عودتى لاحظت شبهه بالرجل على الغلاف ونبهت كلود الى ذلك ، لكنه طماننى اذ لم تطرا مشاكل مع الاغلفة الاخرى . ولن تكون المرة الاولى التى يرسم فيها فنان رجلا يشبه شخصا من الواقع .
واقرت راينى : باستثناء اننى رسمت من ذاكرتى .
-وفقا لدون انت غالبا ما تقومين بذلك .
-نعم .
-اظن اننا سنكون على ما يرام . لكن علينا اولا الاستعداد للقضية .
وتسارع نبضها اكثر : قضية ؟
-لقد تقدم محاميه للتو بدعوى لدى المحكمة وسيعقد القاضى جلسة مغلقة غدا فى الثانية بعد الظهر .
صاحت راينى مرتعبة : ماذا ؟ تعنين انه رفع على دعوى ؟
-انت والكاتبة بونى ريغلى ودار الوردة الحمراء .
-يا الهى !
ارتفع حاجبا غرايس : لا تنسى انك تتعاملين مع آل سترلينغ فالاسم يهد الجبال لكن لا تقلقى فهو لن يفوز . على فكرة من هو الشخص لدى مؤسسة بطاقات المعايدة العالمية الذى يمكن ان يدلى بشهادة لصالحك تفيد بانك لم ترسمى السيد سترلينغ على اى من منتوجاتهم .
كان الطلب سهلا فاجابت : سول غولدبرغ .
اومات المرأة الاخرى : اعرف سول . . . رجل طيب . حسنا لنبدا بالاولويات . اذا استطعنا حمل امك واخيك على الحضور فى خلال اربع وعشرين ساعة ، فيجب ان نقوم بذلك فورا . ستتحمل الدار نفقات رحلتهما .
-تستطيع امى المجئ لكننى لا اعلم اذا كان بوسعى الاتصال باخى حاليا .
رمقتها غرايس بنظرة مصممة : حاولى ، فمحامى السيد سترلينغ هو الافضل وقد دبر لنا القضية على امل ان يضبطنا فى حالة عدم جهوزية لكننا سنبرهن له العكس.
قدرت راينى تصميم المرأة الاخرى مع انها لم تكن تعرف شيئا عن غرايس كارلو .
-ساتصل بالشركة التى يعمل بها كريغ لحسابها لارى ما اذا كان بامكانهم العثور عليه . امى تعرف الرقم.
-بما انك ستتصلين بها ، اطلبى منها ان تحضر تلك الصورة معها . اسمعى ، قال دون انك ترسمين خربشات اولية قبل ان تبداى الرسم . اين هى رسوماتك الخاصة بالسيد سترلينغ ؟
رمقت راينى غرايس بنظرة خجولة وقالت : الرسوم القديمة مخزنة فى منزل والدى.
-هل تملكين صورا لها على اسطوانة ؟
-لا بل الرسوم النهائية . الاسطوانات موجودة فى شقتى.
-افهم . اخبرى امك ان تحضر الرسوم ايضا . ولدى عودتك الى شقتك ، احرقى الرسوم الجديدة .
ودت راينى البكاء على الرسوم التى نفذتها له فى زى راعى البقر منذ ثلاثة ايام . انها رسوم لن تبصر النور على اى غلاف اخر .
-استخدمى هاتفى ريثما اتحدث الى سينتيا التى تحاول اقتفاء اثر بونى ريغلى . ساعود فى غضون دقيقة لاعلمك بما يجرى .
ما ان غادرت غرايس الغرفة حتى هرعت راينى الى المكتب للاتصال بمنزلها . كانت الساعة الثامنة والربع هناك ولابد ان والدها وهو طبيب اسنان ، قد خرج الى عيادته .
سيتعين عليه ان يطلب من شريكه الحلول مكانه ليتمكن من ايصال امها الى مطار دنفر مع الاشياء المطلوبة .
اعلنت غرايس بعد مرور عشر دقائق على رحيلها : اخبار جيدة . ستحضر بونى ريغلى الى مكتبنا فى الصباح . كيف سارت الامور معك ؟.
-ستركب امى الطائرة مساء مع الاشياء التى نحتاجها . اما الشركة التى يعمل بها كريغ فتعلم مكانه وستعاود الاتصال بوالدى الذى سيخابر مكتبك ليعلمنا بما يحصل.
-ممتاز . ماذا تودين ان تاكلى على الغداء ؟ يقدمون طبق غولاش لذيذ مع الكيك بالجبنة لدى مطعم دثى فى اخر الشارع .
-يبدو لذيذا .
-حسنا .
انحنت غرايس الى الامام وشبكت اصابعها على المكتب موضحة : سيحاول السيد والاس اثبات ان دار الوردة الحمراء خرقت القانون عمدا واستغلت صورة موكله توخيا للمكاسب المادية من دون الحصول على اذنه . لقد تقدم بطلب لاحضار ارقام مبيعات تلك الكتب ليظهر ان العائدات تصاعدت مع ظهور موكله على الاغلفة .
همست راينى وقد شعرت بالذنب اكثر فاكثر : انها غلطتى . كان يجدر به ملاحقتى انا فقط وليس الدار.
-نحن عائلة واحدة فى الدار وندافع عنها وسنبرهن انه خطا غير مقصود . اسوا ما يحدث هو منعنا من استغلال شكل السيد سترلينغ على مزيد من الاغلفة .
واضافت : هذا مؤسف . فمع انه مسؤول عن البنى التحتية الجديدة ، الا ان 99% من قرائنا لا يعرفون ان السيد سترلينغ موجود . جل ما يهمهم هو الرجل الجذاب على تلك الاغلفة .
اشاحت راينى نظراتها : وهو كذلك .
-كما انك الفنانة اللامعة التى اظهرته بشكل منقطع الانفاس . تعد هذه الرواية من بين اول عشر روايات نشرتها الدار من حيث المبيعات ، وذلك بفضلك انت وبونى التى كتبت القصة الرائعة اولا . الدار محظوظة بانضمامكما الى فريقها .
-شكرا وامل ان تستمرى فى قولك ذلك عندما تنهى القضية .
-لست قلقة . ستحررنا الحقيقة عزيزتى ، لم لا تبداين باخبارى بما حصل بدءا من اللحظة التى اتصل فيها دون بك بشان " عملية دمج فى مانهاتن " . . . وانتهاء بشحنك اللوحة الى نيويورك ؟ لا تقلقى بشان التواريخ فقد سبق ان زودنى دون بما يلزم بهذا الخصوص.
شرحت لها راينى من دون مقدمات كيف نفذت العمل وكانت غرايس تقاطعها احيانا لتطرح الاسئلة . حضر الغداء وانتهى وهما مستمرتان فى الحديث . وعند الثالثة رن الهاتف فى مكتب غرايس وكان المتصل والد راينى الذى اخبرها ان كرايغ سيصل الى مطار كينيدى قبل منتصف الليل.
لمعت عينا غرايس للمستجدات وقالت : سيكون اخوك احد الشهود الاساسيين وساكون جد مسرورة لقدومه . ستغدو الامور افضل مما توقعت .
وهمست راينى : اذا كنت ترين ذلك .
-بل هى الحقيقة . سنجتمع صباح غد فى الثامنة والنصف فى قاعة المحاضرات اسفل الرواق . ساعيد ما سيجرى واحضر والدتك واخاك للاجابة على الاسئلة التى سيطرحها السيد والاس خلال الاستجواب . ستخضعين للاستجواب من قبل السيد والاس .
وعبست راينى : ماذا تعنين ؟
-ينبئنى حدسى بانه سيريك صورة لرجل او امرأة ما لم ترينها من قبل ثم سيطلب منك رسمها غيابيا .
-ما من مشكلة.
-بالطبع لا .
-ماذا سارتدى ؟
-الثياب التى ترتدينها مناسبة .
نهضت راينى من كرسيها : اشكرك على مساعدتك ولن اتمكن ابدا من رد جميلك .
-انه جزء من عملى .
-مازلت ممتنة لك . اراك فى الصباح .
فى طريق عودتها الى شقتها ، توقفت راينى لشراء الطعام والازهار قبل ان تهرع الى البيت لتنظفه وتجهزه لاستضافه عائلتها .
وصلت امها فى السابعة مساء واخوها فى الحادية عشرة ، وقد احضر معه كيسا للنوم فحمدت ربها . ستنام امها فى سريرها فيما تنام هى على الكنبة .
كانت مستعدة للتضحية باى شئ مقابل جمع شملهم فى ظروف مختلفة . لقد غدت فكرة تعرضها للملاحقة القانونية من قبل بليونير من اسوا الكوابيس التى عرفتها ، وقبل ان يخلد الجميع الى النوم ، بحثت راينى بين كومة الصور عن الصورة التى سببت لها الكثير من المشاكل وعندما عثرت عليها اخيرا عرضتها على اخيها ، تذكر الرجل دون اسمه .
-كيف كان يبدو كرايغ ؟
-كان ضمن مجموعة من عشرين شخصا واذكر انه كان ودودا ، ماخوذا بل ما يراه ومرتاحا جدا فى المياه .
-لا شئ اخر ؟
همس اخوها : تذكرت امرا . عندما اقل افواجا فى رحلة فى القارب ، اختار واحدا منهم استطيع الاعتماد عليه فى حالات الطوارى وقد وقع اختيارى عليه فمعظم الناس يرتعبون فى النهر لكنه لم يفعل .
بعد سماعها شهادة كريغ ، لم تعد راينى تستطيع الجمع بين الرجل الذى رسمته والرجل القادر على الحاق الاذى بالاخرين .
لقد بذلت غرايس ما فى وسعها لطمأنة راينى على حسن سير الامور لكنها وجدت صعوبة فى تصديق ذلك .
خلال الليل ، انهارت بالبكاء لذا بدا من الطبيعى ايضا ان تظهر بونى ريغلى فى الصباح الباكر بوجه كئيب وعينين متورمتين .
كانت المرة الاولى التى تلتقيان فيها . وما ان رات المرأتان بعضهما ، حتى ذهبتا الى الرواق للتحدث على انفراد .
فى ذلك الوقت ، كانت عقدة الذنب لدى راينى قد تفاقمت كثيرا .فلولا غلافها لما رفعت الدعوى ، ولما كان على المسكينة بونى ان تفسر كيف اخترعت الرواية ومن اين اشتقت افكارها .
وبعد حين ، استدعتهم غرايس الى قاعة المؤتمرات ومر الصباح بسرعة وهى تملى عليهم ما يجب قوله . بعد تقديم الغداء ، استقلوا سيارات اجرة وتوجههوا الى المحكمة فى برودواى.
عندما وصلت راينى مع عائلتها ، رات عددا كبيرا من رجال الامن متمركزين خارج المبنى وفوجئت بانهم يتواجدون فى الداخل باعداد اكبر .
قادها بعض الحراس مع عائلتها الى القاعة المنشودة حيث رات المزيد من الحراس . ومع انها لم تكن مقيدة الا انها شعرت وكانها مجرمة . وعندما استقروا فى الجهة الامامية الى يمين القاعة ، بدات تشعر بالغثيان .
دخلت غرايس مع سينتيا تافت المحامية الاخرى . كانت نظراتهما هادئة وهما تتخذان مكانيهما على الطاولة المواجهة لراينى . ولكنها مع ذلك ، لم تشعر بالارتياح .
وعندما نظرت الى بونى ، هزت الاخرى راسها كما لو انها ترفض تصديق ما يحصل.
لم تستطع راينى ايضا استيعاب الامر اذ ساد الاجواء شئ من اللاواقعية .
بالامس ، استيقظت من نومها سعيدة متحمسة ثم تلقت اتصالا غير مجرى حياتها . وتملكها الالم فلم تلاحظ وصول الخصم حتى لفت كرايغ انتباهها الى ذلك.
ادارت راسها لترى رجلين بثياب سوداء ، ووقع بصرها بعجز على الرجل الذى استرعى انتباهها بوسامته وحيويته كما لم يفعل اى رجل من قبل ، فرسمته.
كان طويلا ومتين البنية تماما كما راته فى الصورة . يمشى برشاقة لا مبالية ، بدت وكانها احدى السمات التى ولدت معه بالفطرة .
الجينات التى اجتمعت لتشكيل رجل بوسامة باين سترلينغ مذهلة حقا . كما ان الحيوية التى تنبعث منه تضفى عليه مزيدا من الجاذبية .
خافت ان يضبطها وهى تسترق النظر اليه فاشاحت بنظرها عنه . اذهلها ان هذا النوع من الافكار مازال يراودها عنه مع انه سبب وجودهم فى المحكمة الان .
-ليقف الجميع.
اجفلت لسماع هذا الصوت القاسى فرفعت راينى راسها لترى القاضى يدخل القاعة ويحتل مقعده : ان محكمة نيويورك لقضايا المطبوعات منعقدة الان والقاضى جايمس فولكنر ، قاضى مدينة نيويورك الرئيس يتراس الجلسة .
قاضى مدينة نيويورك الرئيس ؟ ؟ ! !
شعرت راينى ان ساقيها ترتجفان قبل ان تسمع ذلك الصوت مجددا : يمكنكم الجلوس!
. |