[ آلغــروب _ Sundown ]
[ها هو البدر ينقشع نوراً من بين ظلمة السماء وسكونها .. وشوارع مارسيليا هادئة خالية من الناس .. ها هى تلك الساعة الضخمة تدق معلنةً أن الساعة هى الثانية بعد نصف الليل .. والبدر فوقها منير .. تقف فوق الساعة قاتلة .. ذات رداء أسود .. ساكناً وجهها لا يتحرك .. تنتظر ضحية أخرى لتقتلها .. تراقب بعينيها الحمراء اللون شوارع مارسيليا .. ويلمع سيفها أمام ضوء القمر .. ثم أخيراً وجدت ضحية لتقول بسخرية :-
أرسين : تعال يا عزيزى .. تعال لأقتلكــ .. ها قد حل الصباح المشرق الجميل والساعة الأن السادسة ودقيقتين .. فتحت مارسيلا عينيها العسليتين الجميلتين برفق كانت تسمع صوت إمرأة تقول :-
((وقد وجدت الشرطة أثاراً دامية لجثة رجل ملقاه أمام برج الساعة .. ويعمل جهاز الشرطة على القبض على القاتل المجهول الذى يترك لنا جثثاً كل ليلة .. وحتى الأن مازال موعد حظر التجول ثابتاً إلى حين يلقى القبض على هذا القاتل المجهول.. والأن إلى الخبر التالــ .. )) ثم أغمضت عينيها وقالت هى الأخرى بسخرية واضحة :-
مارسيلا : ترى ..؟ من الغبى الذى يتواجد خارجاً فى هذا الوقت المـحظور وهو يعلم أن هنالك قاتلة تنتظره لتنهى حياته ؟!
نهضت مارسيلا من على الأرض والدماء تغطى ملابسها السوداء ثم أغلقت النافذة الكبيرة المفتوحة وأزاحت السيف الملطخ جانباً ومن ثم أغلقت التلفاز المفتوح منذ أمس وذهبت إلى الحمام لتغتسل من الدماء التى إعتادت عليها وعلى رائحتها كل صباح ..
وفى المدرسة إجتمعت الفتيات الثلاث عند فناء المدرسة :-
مارجى : لا أعرف إن كانت قد أتت أم لا ولكن ليس من عادتها أن تتأخر هكذا ..!.. أنا قلقة عليها يا مارسلين
مارسلين : دعينا منها الأن يا مارجى ما رئيكن أن نقيم حفل مبيت ؟ ميليسا : أظنها فكرى جيدة يا مارسلين ولكن يوم الأثنين والأربعاء سأكون مشغولة بالتدريب لذا إختارى يوماً أخر غير هاذين اليومين مارسلين : حسناً هل يناسبكن يوم الثلاثاء ؟ .. ما رئيكى يا مارجى ميليسا وافقت وأنتى ؟
مارجى :حسناً ولكن لن نقرر إلا حينما تأتى مارسى .. اليست مدعوة ؟
مارسلين :طبعــاً ..
ومن بعيد عند بوابة المدرسة أتت مارسيلا وهى تخطوا إلى فناء المدرسة الأخضر الواسع .. لا تبدوا سعيدة أو حزينة ولكنـها توقفت وظلت عيناها تتأمل .. ماتيوس .. فبدت ملامحها أكثر دفئً وجمالاًو.. هوان ..!.. فأبعدت عينيها عنه بسرعة وكفت عن التفكير فيه حتى لا تلاحظ أرسين حينما تشاهده من عيني مارسيلا وتقوم بقتله أثناء الليل البهيم .. لأنه الشيئ الوحيد الذى يملأ حياتها عوضاً عن والديها اللذان تسببا فى وجود أرسين وكل هذا الذل .. لتردد فى خفوت وحنق :-
مارسيلا : كم أن هذه الحياه مُذِلة وفظيعة ..
ودت الفتاه لو تصرخ ولكنها تعرف أنها لو أستسلمت لحنقها وحزنها وغضبها وكل تلك الكراهية ستنتصر عليها أرسين وتستولى على جسدها وتقتل مارسيلا من داخلها.. ذكرياتها و مشاعرها و ذاك الحب الذى يملأ قلبها .. فتنهدت وتابعت الطريق بهدوء تحاول ألايراها ماتيوس .. ولكنها فشلت :-
ماتيوس : مرحباً يا مارسيلا كيف حالكـ ؟
مارسيلا : بخير .. إعذرنــ ..
ماتيوس مقاطعاً : أسف لمقاطعتك ولكن .. هل تودين أنــ ..
مارسيلا : أسفة أنا لمقاطعتك ولكن عليّ الذهاب يا ماتيوس .. وبالفعل ذهبت بسرعة متجهة لمبنى المدرسة .. لتترك ماتيوس ذو الشعر الأشقر الكثيف والعيون الذرقاء الزاهية وهذا الوجه الأبيض اللئلاء ذو الملامح الجذابة .. تركته غارقاً فى لوعة حبها .. وصوتها يتردد فى أذنيه لحناً عذب لم يشهد لجماله مثيلاً .. كم يحبها .. يعشقها .. بجنون .. وقد أغمض عينيه وأبتسم ثم وضع يده على قلبه وقال فى سكون :-
ماتيوس : أحبـــك يا مارسيلا .. أحبك بجنون
لمحت ميليسا مارسيلا وهى متوجهة إلى مبنى المدرسة :-
ميليسا : أنظرن يا فتيات هاهى مارسى هناك ..
مارسلين : سأتى بها .. كانت ملامح الحزن على وجه مارسيلا واضحة جداً .. فشعرت مارسلين بالغرابة ولكنها أرادت أن تفرحها بالدعوى :-
مارسلين : مارسى حبيبتى صباح الخير .. تعالى أنضمى إلينا هناك مارسيلا : لا أود ذلك أسفة يا عزيزتى ..
أمسكت مارسلين بيد مارسيلا وجذبتها إلى هناك بوجه منزعج :-
مارسلين : بل ستأتى ..
مارجى : لماذا تأخرتى هكذا يا مارسى قلقت عليكى .. هل حدث شيئ؟
مارسيلا : لا .. لا شيئ فقط كنت نائمة يبدوا أننى سهرت البارحة كثيراً .. جداً ..
وعند هذه الجملة بالذات تحولت لهجتها للهجة مؤنبة وكأنها تكلم أرسين ..
مارسلين : إذاً .. سنقيم حفل مبيت ما رئيكى أنت تأتى ..؟
مارسيلا : حفل مبيت ؟ ماذا يعنى حفل مبيت ..؟
ميليسا و مارجى ومارسلين : ماذا .. لا تعرفين ماذا يعنى حفل مبيت ؟!!
مارسيلا ببساطة : أجل وما الغريب فى الأمر ..؟
مارسلين : حسناً سأشرح لكى ماذا سنفعل .. أنا سأقيم هذا الحفل فى بيتى ستأتى مارجى وميليسا سنرتدى ملابس النوم أولاً نأكل الحلوى ثم نلعب بعض الألعاب المسلية كحرب الوسائد و الحقيقة أم الكذب ثم نحكى بعض القصص المخيفة والرومانسية ونقرأ المجلات ونضع المساحيق ونستمع للموسيقى وفى النهاية ستخلدن للنوم عندى وفى الصباح سنذهب مع بعضنا إلى المدرسة .. إذاً .. هل أنتى مشغولة يوم الثلاثاء ؟
مارسيلا : لا .لالالالا لن أتى مطلقاً ..
مارسلين بلهجة مغرورة : ولماذا يا فتاه تتحدثين هكذا .. عدلى لهجتكى معى قليلاً .. فهمتى ..
مارجى تحاول أن تهدء الأوضاع : حسناً .. لن يكون فى هذا مشكلة ما رئيك فى يوم الخميس ..
ميليسا : عذراً ولكن يوم الخميس لا يناسبنى لأننا سنذهب أنا وعائلتى إلى مذرعة جدى فى قرية خارج مارسيليا ..
مارجى : إذاً .. ما رئيكن باليوم مساءً ؟
ميليسا : يناسبنى ليس لدى شيئً الليلة ..
مارسلين : حسناً أوافق .. مارسى هل ستأتى ؟
مارسيلا : قلت .. لا .. لن أتى ..
وبصوتاً خافت لم تسمعه إلا مارجى لأنها كانت تقف بجانب مارسيلا :-
مارسيلا : أكرهكى يا أرسين .. تباً لكى أيتها القاتلة ..
وبمجرد أن سمعت مارجى كلمتها الأخيرة حولت نظرها بسرعة إلى وجه مارسيلا وهى تتسأل فى شرود .. كيف عرفت أسم القاتلة التى يبحث عنها جهاز الشرطة .. تلك الوحش التى تقف كل ليلة فوق برج الساعة تنتظر ضحية .. وإن لم تجد .. فيمكن أن تنتقل بين المنازل لتقتل سكانها بلا شفقة أو رحمة ..؟ سادت فترة وجيزة من الصمت بدى وجه ميليسا فيها عادياً ومارسلين كانت بطبيعتها دائماً تقف بغرور كملامح وجهها تماماً وأما مارجى فقد صدمت وكانت ملامح وجهها بين الحيرة والصدمة القوية والخوف .. كانت تدعوا للغرابة ..
مارسلين : حسناً حفل المبيت اليوم مساءً إن وجدتى الوقت مناسباً أخبرينى يا مارسى .. حسناً أنا ذاهبة للصف ..
ميليسا : أنتظرينى سأتى معكى .. إلى اللقاء يا فتاتين
مارسيلا : مارجى ؟؟ ما بكى لماذا تحدقين بى هكذا ؟!
مارجى : أنـا .. لالا .. لا شيئ فقط شردت قليلاً .. حسناً سألحق بمارسلين وميليسا أراكى فى إستراحة الغداء .. وقفت مارسيلا وحدها .. لم ترغب أن تذهب معهم فذهبت لتجلس تحت شجرة وحدها .. وتحركت شفتاها الورديتان برفق وبدأت تغنى بصوتاً رقيق خافت .. وجلس ماتيوس فى الناحية الأخرى تحت الشجرة يستمع لغنائها الحزين الذى إمتزج بالدموع .. وبادلها نفس الشعور .. بالبكاء ..
وفى الصف بعدما فاتت ثلاثة دروس كاد رأس ميليسا ينفجر من تلك الألغاز المعقدة التى يشرحها مدرس الرياضيات .. ولكن مارسلين كانت تشعر بالملل شاردة فى لا شيئ .. مجرد سراب .. و مارجى كانت تحاول أن تستوعب وتبعد أفكارها تلك مؤقتاً عن ذهنها ..
وبعد وقتاً كاد ألا ينتهى فى الدرس الرابع .. أخيراً ضرب الجرس لتأتى معه إستراحة الغداء .. توجهت مارسيلا إلى قاعة الطعام (الكفيتيريا) وبعدما أخذت وجبة اليوم وقد قامت بشراء بعضاً من الصودا .. وضعت سماعات المسجل فى أذنيها المختبئتان وراء شعرها المنسدل وخصلاته المسترسلة البنية الرائعة .. توجهت لتجلس وحدها على إحدى الطاولات الخالية .. وبدأت تأكل بهدوء وصمت ..
وفى تلك الأثناء كانت مارجى وميليسا متوجهتان لتأكلان على إحدى الطاولات الخالية .. :-
ميليسا : صحيح .. ما أخبار دروس البيانوا ..
مارجى ضاحكة : غداً سوف يأتى الفريدوا سأحكى لكى ما سيحدث غداً ..
ميليسا : ها هى مارسى تعالى لنذهب إليها ..
مارجى : مرحباً يا عزيزتى ..
أرسين : مرحباً أيتها العزيزة ..
يا إلهى .. هذه أرسين التى تتكلم ترى ما الذى حدث كيف و متى ؟؟ المفروض أن أرسين تظهر بعد غروب الشمس كيف حدث هذا ترى هلـ .... إنتصرت أرسين على مارسى أم ماذا ؟؟
ميليسا : ما هذا هل وضعتى عدسات .. لقد تغير لون عينيكى .. عزيزتى لا يليق اللون الأحمر بكى أظن أن الأخطر سيكون مناسباً أكثر ..
أخفت مارسيلا وجهها عن الفتاتان وتحدثت وكأنها لا تستطيع أن تتنفس وقد تخللت الغلظة لهجتها ما أثار إستغراب مارجى أكثر من ميليسا ترى ماذا يحدث الأن ؟؟
مارسيلا : إعذرانى سأذهب لأنجز أمراً وسأعود .. توجهت مارسيلا بسرعة إلا خارج القاعة .. ورقدت فى الردهة حتى
دخلت الصف .. لم يكن هناك أحداً بالصف سوى مارسلين و أنجليكا زميلة مارسلين وميليسا ..
أنجليكا : مارسيلا ! مرحباً يا عزيزتى ..
مارسيلا : أنا ذاهبة .. تابعت مارسيلا الرقد حتى تصل إلى مكاناً خالى .. فخرجت لفناء المدرسة الخلفى لم يكن هناك الكثيرون .. فذهبت إلى إحدى الجوانب المخفية من المبنى .. وهى تشعر بالألم من رأسها ونبضات قلبها السريعة ..
مارسيلا : ماذا بكى يا أرسين ماذا تحاولين أن تفعلى ؟ أرسين توقفى ..
وفجأة بدأت تتحدث أرسين بفم مارسيلا حين تستطيع أن تستولى على جسد مارسيلا.. وكأن شبحاً إلتبسها .. وتحادثها مارسيلا حينما تستطيع أن تسيطر على نفسها ..
أرسين يلهجة ضاحكة ساخرة: هل تتألمين حقاً .. هل تشعرين بالألم أيتها الضعيفة .. ترى لماذا تقاومين .. لم يبقى شيئً لتعيشى من أجله .. هيا أجيبينى هل هناك شيئً تعيشين من أجله .. لماذا تعيشين أجيبينى ؟
مارسيلا : أعيش لكى أخلص مارسيليا من خطر القاتلة .. أعيش لأضع حداً لكى ولقتلكى الذى بلا سبب .. أعيش كى أقضى عليكى أعيش من أجل أن أحافظ على حياه أصدقائى .. فأنا أحبهم .. أنتى لن تفهمينى فقلبكى مجرداً من الحب مجرد من السعادة وإبتسامتكى ليست إلا إبتسامة مذلة تمتلئ بالحقد والكراهية .. أرسين .. لا تحاولى التلاعب بعاوطفى لن تستطيعى أن تغيرينى أو أن تمحين شيئً من ذاكرتى أتفهمين ..
أرسين بإبتسامة ساخرة : لا سأحاول رغماً عنكى سأحاول أيتها الغبية الضعيفة وأحذرك .. سأقتل كل من أعرف أنكى تحبينهم وكل من ستختلطين بهم أتفهمين .. سأترككى هذه المرة .. وداعاً أيتها القاتلة ..
تركت كلمة أرسين الأخيرة أثراً جارحاً فى نفس مارسيلا وقد إختفت محاولات أرسين للسيطرة على جسد مارسيلا .. ونظرت مارسيلا ليديها لتتذكر كل ليلة .. وكل منظراً فظيع .. كل لحظة تعيش فيها أرسين وتقتل وتقتل وتقتل .. لتنفطر من البكاء الخافت ..]