عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-31-2012, 02:20 PM
 
-أين ستذهب؟

-إنت ستنامين فترة طويلة أطول كثيراً من عمري الصغير، وعندما تستيقظين بعد ثلاثين عاماً سأكون قد متّ.

-متّ؟!؟!.....ماذا تعني؟......ما هو الموت؟


-الموت هو............يمكنك القول أنه خروج من الدنيا، ليس عليك أن تقلقي الآن بهذا الخصوص، أنتِ أيضاً لابد ستخرجين في أحد الأيام.

-لا.....لا أريدك أن تذهب......انتظرني حتى يجهز ثوبي وسنخرج معاً.

-ليس الأمر كذلك .....ولو كنّا نحن من اختار موعد الدخول لربما سنكون نحن من يختار موعد الخروج......قلت لك لا تقلقي......هيّا معي الآن قبل أن تشتد حرارة الشمس وأنت لا يسترك شيء.

-سأسير معك، لكن عدني أني حين أصحو وأخرج سأجدك تنتظرني.

لم يجبني راجي على جملتي الأخيرة، بل أخذ يحثني على السير وراءه بعد أن تأكد أن شعري يغطي جسمي، كان يطير أمامي لمسافة قليلة ثم يلتفت لي وهو يرفرف في الهواء وينظر لحركة قدمي......حين خرجت ووطئت الرمال الناعمة أحببت ملمسها، وقفت أنظر لانسياب قطرات الماء من شعري وعلى ساقيّ لتنتهي بين أصابع قدمي........

راجي كان يستعجلني

-ماذا تفعلين واقفة.......هيّا أسرعي.....سيكون لديك الكثير من الوقت بعد ذلك للعب.

شعرت بالسعادة وأنا أمشي على الرمل، أخذتني ضحكة سعيدة وأسرعت لألحق براجي. كان طريقاً رملياً صاعداً، صخور منبسطة مائلة تنكشف تحت الرمل كل بضع خطوات، لم يطل بنا السير حتى كدنا نصل لأعلى الكثيب، بدأءت ترتفع فوق الكثيب قمّة صخرية، وحين تقدمنا أكثر انكشف لي الكهف ......أمام الكهف مساحة منبسطة من الصخور الصلدة، تتخللها كثبان صغيرة من الرمل الأحمر.

عند باب الكهف كانت تنتصب تلك الصخرة التي تشبه جذع الشجرة المقطوع، حطّ عليها راجي وهو ينظر لداخل الكهف، عندما وصلت بقربه طار وحطّ بقرب باب الكهف الواسع، تبعته أيضاً.....وقفت بقربه أنظر للداخل، كان الكهف واسعاً وسقفه مرتفع، تتدلى منه صخرة عجيبة كأنها مخرز، كانت أشعة الشمس ترتمي على كثيب رملي مسترخي عند الباب من الداخل......دخل راجي وصار يقفز من مكان لآخر وكأنه يبحث عن شيء.......بعد أن بحث في كل الأرجاء طار في اتجاهي وحط على كتفي، أخذ يمسح رأسه بشعري المنسدل ويتحسسه بمقاره ثم طار وحط في الأسفل على تجمع الرمل...قال

-كنت أتأكد أن شعرك قد جف ولن يلتقط الرمل حين تجلسين هنا، تعالي واجلسي ...... سأجمع لك بعض الأعشاب المنومة من شاطئ البحيرة، لا داعي لأن تنتظري سنين طويلة حتى يجهز الثوب.

جلست على الرمل وأنا ألف شعري حول جسمي، غاب عني راجي لبعض الوقت ثم عاد وفي فمه عود أخضر، ثم تبعته طيور أخرى كثيرة وكل منها يحمل عوداً، تجمعت أمامي كومة من ذلك العشب، طلب مني راجي أن آكلها على مهل

-كليها كلها ولكن على مهل، ستمضين النهار معنا بشكل طبيعي، وحين يأتي المساء ستشعرين بالنعاس، ثم ستنامين طويلاً حتى ننتهي من غزل ثوبك......لا تقلقي .....سنكون دوماً هنا بقربك.

جلست والنسيم المتدفق من بابالكهف يداعب بعضاً من شعري المنفلت على وجهي، خرج راجي وبقيت معي بعض الطيور، كانتتراقبني في خجل ولم تتكلم معي، ثم لمّا رأتني انشغلت بأكل العشبة المنومة بدأتبإصدار أصوات جميلة رقيقة، لاحظت أن بعضها ريش بطنه أصفر مثل راجي، وبعضها الآخرأرجواني.......كانت ذوات اللون الأصفر تناكف ذوات اللون الأرجواني بمناقيرها،وأحياناً تعلو الأصوات....ولربما تضايقت بعض ذوات اللون الأرجواني وخرجت من الكهفلبرهة ، وتلاحقها الأخرى، ثم تعود جميعاً للداخل.......سألت أحدها عن سبب مضايقتهللآخر فلم يجبني وتراجع للوراء خلف الطيورالأخرى.


عندما ارتفعت الشمس لوسط السماء بدأت أعداد أخرى من الطيور تعود، وكان بعضهايحمل طعاماً يعطيه للطيور التي كانت معي، فاجأني راجي بدخوله السريع ووقوفه قربأصابع قدمي على الرمل.....قال

-الحرارة شديدة في الخارج.....أنتِ مرتاحةهنا.

-راجي.....أريد أن أخبرك شيئاً، هذه العصافير التي بطونها صفراء تضايقالعصافير الأخرى.....إنها تناكفها حتى تضطر تلك المسكينةللخروج .

-لا تقلقي من ذلك، هذه التي بطونها صفراء هي الذكور، وتلك التي تتزينباللون الأرجواني هن إناث مثلكِ....ما رأيتيه ليست مناكفة، بل هو توددوغزل......الذكور تحاول الفوز بقلوب الإناث، قد تبدو لكِ الأنثى أنها تضيق بهذرعاً، لكنها تحب هذا في كل الأحوال .

-يوم كنّا في البحيرة أنت قلت لي أننيأنثى........أليس كذلك؟!

-نعم....أنت أنثى، دوائر الماء لا تلد إلا إناثاً جميلة، إنهالا تلد الذكور على الإطلاق.....بعد ذلك تلد الأنثى ذكوراً وإناثاً كما يحصل عندالبشر.

-ومن هم البشر؟!

-بنات البشر يشبهنكِ في كل شيء غير أنك أجمل بكثير.



ثم تابع راجي كلامه بعد برهة سرحت فيها أفكر في البشر، قال

-اليوم سنبدأ غزل ثوبك، كم نحن محظوظون لنفعل ذلك.

-
محظوظون!!!....لماذا؟!؟!؟

-أنت لا تعرفين ماذا يعني مولدك.....إنه يعني أننا مقبلون على سنوات طويلة من الحياة الخصبة الطيبة، هذه الرمال والصخور الجرداء التي ترينها ستتحول إلى جنّة وارفة عمّا قليل، عندما تصحين من نومتك ستستغربين كثيراً.

-وماذا علي أن أفعل عندما أصحو؟

-ليس عليك أن تفعلي أي شيء سوى أن تعيشي كحورية في الجنّة، الثوب الذي سنعده لك سيقيك كل شيء، لن تحسي بحر ولاببرد....سيكون لطيفاً كخيوط شمس الأصيل، حين تلبسينه لا يتقدم بك العمر أبداً ولايتغير جسمك، وليس من السهل رؤيتك.....ستبدين للناظر كالخيال .

-أخشى أن أشعر بالوحدة.

-لن يحدث ذلك، يمكنك التجول في كل الأنحاء......ستدهشك أمور كثيرة، هناك الكثير من الكائنات لكن....ابتعدي عن البشر.

-لماذا أبتعد عنهم؟!.....ألم تقل أني أشبه بناتهم؟

-نعم قلت.....لكني أخشى عليك.

هذا آخر ما أذكره من حديث راجي، في تلك اللحظة أخذني النعاس وأحسست أني أميل برأسي للأسفل، استطعت أن أفتح عيني لمرّة أو مرّتين، رأيت راجي قريباً جداً من وجهي، وكأني لمحت في عينيه نظرة وداع.

لقصتي بقية.....