الروايه منقوله من ( أميرة العرب ) والمصدر ( منتدى بنات كول )
المقدمة
بنظرة عينيك الهادئتين .. تسير وحدك على الثلج البارد .. وتنغرز قدميك الحافيتين في دوامة برودته .. تُخِرج بخاراً دافئاً من بين شفتيك .. لتقف قبالة قطرات دمٍ تناثرت حولك .. حينها ، سأكون معك .. لا تظن بأني سأتركك .. ابتسم لك .. وامد كفي ناحيتك .. فامسك رجاءً بهما وبقوة .. سأمدك بدفء يروض ارتجافك .. ويبدد .. جميع أحـــــزانـــك..
( الجـــــــــــزء الأول )
جلستُ على كرسيَّ المنحوت بأجمل زخرفة ذهبية ،أمام نافذتي الطويلة ذات الشرفة الواسعة ، وبجانب منضدة صغيرة تحتوى على زخرفة مماثلة لزخرفة الكرسي ... وكان عليها قدحُ من القهوة الدافئ الذي صنعته لي إحدى خادماتي .. وبجانبه بعضاً من الأوراق البيضاء وكراسٌ صغير وقلم حبر ذا طلاء ذهبي .. كنتُ جالسة من غير أن يقفز في بالي شيء لأفعله .. لكنني أدرتُ وجهي نحو المنضدة والتقت عيناي بكُراسي ذا الغلاف الأسود والمدون عليه بخطٍ منظم (مذكراتي ).. حينها التقطته بهدوء وبقيت أتأمله بهدوء أيضاً .. أقرأه من غير أن أفتحه .. ولما وصلتُ لأخر شيء دونته .. تذكرتُ بأني لم أدون أهم شيء حدث لي في حياتي كلها .. قصتي المثيرة مع أغرب شاب .. ( غريب أطوار ).. لذا حملت قلمي بين أصابعي النحيلة .. وفتحت الكراس على صفحة بيضاء لم أدون فيها شيئاً .. وبدأت أخط بقلمي .. بداية قصتي ..
-كنتُ ضائعة في ذاك الوقت .. أمشي إلى حيث تقودني قدماي ..في طريقٍ طويلة ومظلمة ، لا يضيئها سوى ضوء القمر الذي يظهر تارة ويختفي تارة أخرى ؛ بسبب الغيوم المتلبدة حوله ... وشعوري في تلك اللحظة .. الخوف و الرغبة في البكاء .. لقد راوداني في ذاك الوقت و .. بشدة أيضاً.
لكن المهم الأن .. بأني أسير وحدي في هذا الطريق الذي بث الرعب داخلي وفي مثل هذا الجو البارد .. وفجأة توقفت عندما سمعتُ وقع خطواتٍ تسير خلفي ، أردتُ أن ألتفتت لكي أرى منْ .. لكن هُتاف عقلي لم يشأ لي ذلك حين قال:
" لا تلتفتي .. أستمري بالركض وحسب .. "
وبالفعل أطلقت العنان لقدميً وأخذت أركض بأكبر سرعة ممكنه لدي - وشعري القصير الذهبي الذي يشبه لون الذهب الخالص في لونه يتطاير خلفي - مستجيبة لهتاف عقلي وهروباً من الذي عاود اللحاق بي.. ركضتُ وقلبي يخفق بطريقة لم أكن أتوقع أنه سيخفق مثلها قط .. ورجلاي تكادان تخونانني وتسقطانني كي أكون فريسة سهلة ولقمة سائقة للشخص الذي يلحق بي .. وعيناي الزرقاوان المائلتان للخضرة بدأتا تسكب دموعي التي لم أسقطها على أي شيء من قبل .. وبقيت أركض وأركض .. حتى خرج لي أحدهم من أحد الأزقة وسحبني معه .. ثم أخذ يركض بي بسرعة تفوق خيالي كدت أسقط بسببه ... لكن بدل أن أُسّر وأنطلق معه لينتشلني من مأزقي هذا ، تباطأتُ في الجري خلفه خشية من أن يكون شخصاً سيئاً ، ووضعت كفي على يده كي أنتزعها من معصمي الذي أمسك به بقوة وأنا أقول له من بين بكائي " أتركني , أتركني يا هذا أتركني "
فتوقف هو للحظة وفعل مالم يكن في الحسبان .. حيث أنه دس يده تحت ركبتيَ والأخرى أسفل كتفيَ لأصبح محمولة بين ذراعيه ، ثم أخذ يركض بي بسرعة أكبر من سابقتها لأن الذي يلحق بنا يكاد أن يدركنا بعد لحظات معدودات .. وأخيراً وبعد ركضٍ طويل وصلنا لنهاية زقاق مسدود بحائط عالي من طوب ، امامه صناديق خشبية مركونة في الزاوية وفي الوسط بعضها فوق بعض .. أما أنا فشعرت في تلك اللحظة بأن نهايتي اقتربت وانها على المحك .. إلا أن الشاب الذي يحملني حطم توقعي ذاك بوثبة عالية منه على الصناديق الخشبية ليتجاوز الحائط العالي ويذهل مخيلتي .. خلته في تلك اللحظة طيراً وُهِب جناحين كبيرين وطار بهما .. فوثبة كهذه من الصعب القيام بها وخصوصاً إن كان الشخص يحمل معه وزناً أخرا .. ومما زاد ذهولي أكثر هبوطه الذي كان سهلاً على الرغم من أنه هبط على أرض تخلوا من أي حماية له .. وقد فعل ذلك كله وأنا أتشبث بقميصه بكلتا كفيَ واشًد عليه بقوة خوفاً من أن يسقط ويسقطني معه أيضاً .. ثم وقف بسرعة بعد أن كان يجثو على إحدى ركبتيه واتجه يساراً حيث شجرة ضخمة غلفتْ الحائط بأغصانها الكثيرة وأوراقها الكبيرة والتي تكونت فوقها طبقة من الثلج الأبيض ، فوضعني على الأرض على عجل وأزاح تلك الأغصان ليتساقط الثلج من عليها وليكشف عن بابٍ خشبي ذا قبضة كرويه .. فأدارها وأدخلني ثم دخل بعدي ..
أما بالنسبة للشخص الذي يلاحقنا أو بالأحرى .. يلاحقني ، فلا أظنه قد أستطاع القفز كما فعل الشاب الذي أنا برفقته الأن..
في داخل المنزل جلسنا نحن الأثنين بجانب الباب تقريباً .. أنا لم استطع التحرك لذا تهاوى جسدي دون حراك على الأرض .. أما هو فجلس بجانبي وهو يسند ظهره على الحائط ويمد رجله على الأرض والأخرى يرفعها كي يسند عليها ذراعه التي مدها هي أيضاً .. كنت أسمع انفاسه العميقة المتقطعة وانا اتنفس بتعب والرجفة لم تكن لتدع قلبي ويداي وشأنهما .. ومن غير أي تخطيط مسبق سقطت أعيننا في بعضهما البعض .. كانت عدسات عينيه تشتعلان باللون الأحمر .. والأسوأ من ذلك أنه يرمقني بنظرة حادة أرعبتني أكثر من رعبي من الشخص الذي يلحقني قبل دقائق قليلة .. لم أفهم معنى نظرته تلك أو حتى سببها .. وكذلك لم أتجرأ على سؤاله عن سر نظرته لي ، فقط بيقت احدق به بصمتٍ وخوف ...فنهض من مكانه بهدوء ليتضح طوله الذي يزيد على طولي بالنصف وقوامه الممشوقة ، واتجه إلى باب خشبيٍ أخر على جهة اليمين قريباً من الزاوية تقريباً ودخله .... أما أنا فزفرت الهواء من رئتي براحة وكأنني بذلك نجوت من نظرته التي كادت ان تمزقني أشلاءً .... بقيتُ على وضعيتي تلك لفترة أتأمل المنزل الذي دخلته فجأة .. كانت الأرضية خشبية وبها لمعة خاصة فيها ..ومنضدة متوسطة الحجم بجانب الحائط الذي على يساري وحولها أربع كراسي .. السقف كان خشبياً أيضاً.. الجدران مطلية باللون الأبيض الناصع ..والأبواب كثيرة .. فكان الحائط الذي خلفي به باب واحد وعلى ما اظن بأنه مخفي أو .. سري .. والحائط الذي على يميني به ثلاثة أبواب .. والحائط الذي أمامي به باب واحد .. أما الذي على يساري فكان به بابُ واحد أيضاً قريباً من الزاوية ، وساعة دائرية معلقة في وسطه... وفجأة سمعتُ صرير الباب الذي أمامي وشاهدته يدفع للأمام فبلعتُ ريقي استعداداً لمقابلة الشخص الذي سيخرج .. لكن ..خرج كلــــب أبيض وكبير بدلاً من إنسانٍ بشري .. عندها التصقت بالحائط الذي خلفي خائفة ، وأنا أراه يحدق بي بطريقة مخيفة .. فنبح فجأة بصوتٍ عالٍ جعلني أطلق العنان لصراخي الذي هدد أراكان هذا المنزل ..مما جعل من الشاب ذا العينين الحمراوين يخرج من الغرفة ويقول بقلق " ما الأمر ؟! "
وعندما رآني أشير للكلب وأنا لا أزال على وضعيتي السابقة ..رمقني بنظرة حاقدة لكنه ما لبثْ إلا أن ابتسم بشر واتجه إلى حيث الكلب وجثى على إحدى ركبتيه وقال وهو يمسح على رأس الكلب وينظر إليً " هل أخافكِ كلبي اللطيف ؟.. إني أعتذر بشدة ، لكني أخاله هذه الأيام يحب مرافقة الفتيات أكثر من الفتيان " .. ... ثم نظر إلى الكلب وقال " عزيزي دالاس .. اعتني بها جيداً " .. ... ثم نهض من مكانه وعاد للغرفة وابتسامته تلك ازدادت شراً ... وما إن دخل الغرفة حتى نبح الكلب من جديد وهو يتقدم مني اما أنا فنهضت من مكاني بسرعة وانا أصرخ متجهة للمنضدة فصعدت على الكرسي ثم عليها وانا ملتصقة بالجدار وصحت بخوف قائلة " أرجوك أبعد عني هذا الكلب .. إني أخاف الكلاب كثيراً .."
فعاد الكلب للنباح من جديد بصوتٍ أعلى بينما صرتُ أبكي وأرجو ذاك الشاب لكي يخرج ويبعده عني لكن .. لا حياة لمن تنادي .. وكأنه يريد بذلك الاستمتاع بخوفي من كلبه .. ولم تمضي سوى ثوانٍ قليلة حتى باغتني الكلب بوثبة سريعة منه على المنضدة فأصبح قريباً جداً من قدميً.. حينها صرخت برعب وتحركت حركة خاطئة أدت بي للسقوط من فوق المنضدة حتى الأرض .. فتألمتْ ذراعي اليسرى وتأوهتُ بألمٍ كبير .. حينها خرج الشاب من الغرفة وقد غير ثيابه بـبيجامة قطنية رمادية وسروال مثلها .. ولما رآني على حالي تلك قهقه بصوتٍ مسموع وأخذ يشق بخطواته الطريق نحو كلبه الذي لايزال واقفاً على المنضدة ولما وصل إليه قال " شكراً لك دالاس .. لقد فعلت الكثير من أجلي " .. ثم مسح على رأسه وأمره بالنزول من على المنضدة ففعل ذلك .. وبعدها أتجه إليً وجثى على إحدى ركبتيه وقال بتعجرف وابتسامة جانبية خُطت على شفتيه " شكراً لكِ أنتِ أيضاً .. فلقد أمتعتني حقاً بخوفكِ من دالاس "
فرفعتُ جسدي من على الأرض والدموع لاتزال في عيني واثرهما واضح على خدي وأنا أمسك بذراعي .. ثم نظرتُ لعينيه لوهلة .. كان لونهما مختلف .. إنهما خضراوان فاتحتين ولهما بريق مميز فقلت له بعفوية وتجاهلتُ عبارته التي من المفترض ان تثير غضبي " عيناك .. إنهما مختلفتان عن قبل قليل "
هزً كتفيه باللامبالاة وقال " إنهما مجرد عدسات لاصقة أحب ارتداءها .. ولقد انتزعتها قبل أن تصرخي خوفا ًمن دالاس في المرة الأولى ، لكن يبدوا بأنكِ لم تنتبهي ".... ثم وقف وقال بتعجرف " أدعى جان .. وأنتِ ؟ "
قلتُ بصوتٍ شبه هادئ " ألـس .."
قال لي وهو يحرك شعره الأسود الفاحم من الخلف " حسناً " .. ثم نظر للساعة المعلقة على الجدار والتي تشير للحادية عشر مساءً وسألني بهدوء مريب " لِمَ أنتِ تمشين وحدكِ في مثل هذا الوقت من الليل ؟ "
قلت بتوتر " لا لشيء.. كنتُ ضائعة وحسب "
جان " وأين كنتِ تودين الذهاب ؟ "
قلت " في الواقع .. لا أعلم ، فأنا هربتُ من منزلي وبقيت أمشي حتى أدركتُ بأني أضعتُ طريقي "
في تلك اللحظة نظر إليً باستغراب وقال " هربتِ ؟ "
اومأت له برأسي وقلت بغباء " أجل "
قال لي ببرود " أبنة من أنتِ ؟ "
قلتُ بهمس " أبنة ماك آل ديفيد "
وبس