عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-16-2012, 05:29 PM
 
3-خدعة صغيرة
كانت الساعة تقارب الثانية و النصف فجرا عندما سارالتاكسى على طول رصيف الميناء ، أضواءه الأمامية تضئ الطريق وسط الظلام الدامس. ورفع آلان سان كلير رأسه عن الخريطة التى كان يدرسها وخفق قلبه... هل سيكون هذا بداية لتغيير حظه.
وخرج شخص ضئيل الجسم يرتدى سترة رياضية ضخمة، من السيارة، ونظر مترددا حوله الى اليخوت. ثم شاهد المصباح المعلق فوق اسم اليخت ((ميليسا)) ولوح لآلان، ودفع أجرة التاكسى، وحمل حقيبته نحو اليخت الجميل. ورفع آلان المصباح المتحرك ليلقى الضوء على السلم، وتقدم ليلاقى الوافد الجديد، الذى يبدو كولد صغير رفيع.
وقال الولد بصوت أجش:
- سيد سان كلير؟ اسمي طونى هيستون، لقد أرسلتنى نورما.
- أهلا بك ..
وأخذ آلان يتفحصه، شعر أسود قصير، وجه جميل، شارب أسود، يثير السخرية، ولكن هناك شئ مألوف فى وجهه فسأله:
- ألم أرك فى مكان ما من قبل؟
وهز الولد رأسه :
- لا أظن هذا... هل صحيح أنك تبحث عن بحار ؟
- صحيح . . هل لديك خبرة بالابحار
- طبعا، والدى كان يصطحبنى فى قاربه، عندما كان حيا، وأعرف المبادئ الأساسية.
وبدت على آلان السعادة
- هل تستطيع قراءة البوصلة؟
- بشكل جيد، وأستطيع الطهو والتنظيف أيضا، وأشتطيع العمل على الرادار أيضا.
- والخرائط ؟

- كما قلت لك يا قبطان، اعرف المبادئ الأساسية، وسأتعلم سريعا مالا أعرفه.
ونظر آلان الى الولد باهتمام متزايد، انه فى الواقع صغير الجسم، تقريبا كالفتاة...وقال له:
- أنا لست مليونيرا يا طوني، كل ما أستطيع دفعه هو الأجر المتعارف عليه حسب التعرفة الدولية.

- سيكون هذا رائعا يا قبطان، كل ما أريده أن أصل الى وطني.

- اذا، كل شئ سيكون على ما يرام، المد سيبدأ، بعد عشر دقائق . . أتستطيع السفر معى فورا؟ كما أنت؟

- طبعا . .

وابتسم ابتسامة جميلة، ولكن هذا الشارب : انه حقا مضحك! لابد أن الولد المسكين رباه ليبدو أكبر سنا واكثر رجولة، ولكن عيناه البنيتان اللطيفتان كانتا ثابتتين تماما، ومع أن جسمه صغير، يلفه فى ثياب تبدو كبيرة عليه، فان هناك شئ ما فيه بدأ يجذب آلان. ونظر الى يديه القذرتين، كانتا نحيلتين أيضا، ورقيقتين تقريبا.

- كم عمرك يا طوني؟

- عشرون سنة يا قبطان.
منتديات ليلاس

- هيا .. انت لا تبدو فى الثامنة عشر. كم عمرك؟ خمسة عشر؟ ستة عشرظ

- أنا فى السابعة عشر يا قبطان.

ولكن آلان عرف بأنه يكذب.
- هل أنت واقع فى أي نوع من المشاكل؟ ما الأمر . .مع البوليس؟

- لا . . لا شئ من هذا. أنا نظيف، أقسم لك، يمكنك القول ان الأمر . . مشاكل عائلية!

- أي نوع من المشاكل العائلية؟

- حسنا، اذا كنت مصرا أن تعرف. والداي ماتا منذ مدة. وبقى لى عمتي . . وهى مقامرة . . .

- حسنا. ليس عليك أن تقول المزيد. سوف آخذك معى يا طوني . . دون أي سؤال. .أوكى؟

- هذا عظيم!

وأحس آلان بالأسف عليه، ولد مسكين دون منزل يأويه، ومسرورلأنه وجد صديقا.
- طوني. . اسمى آلان. . أو ((قبطان)).

- أنت على حق يا قبطان.

وضحك الولد، مظهرا أسنانا بيضاء جميلة. ومرة ثانية، أعتقد آلان أن هناك شيئا مألوفا فى ابتسامته. . ما هو ياترى؟ ورد هو الابتسامة وصافحه. وأجفل الولد. . مسكين ! انه حقا ليس قويا.

- هل ستكون على ما يرام يا طوني ؟

- طبعا يا قبطان، أنا قوي كالحصان ، صدقا.

وأدار آلان وجهه ليخفى ابتسامة.
- أمامنا خمس دقائق لنلتقط المد. ضع حقائبك فى الكابين، ولنبدأ العمل.

- حاضر يا سيدي.

وأقلع اليخت ((ميليسا)) نحو البحر، وامتلأ شراعه برياح الصباح الباكر، التى تندفع من أراضى أفريقيا نحو البحر. وامتد البحر أمام اليخت الرمادي وكأنه صفحة من الفضة السائلة، وملأت نفس نورما الغبطة لرؤية هذا الجمال، وأطاعت تعليمات آلان بدقة و صمت، وما ان حلت الساعة السادسة حتى أصبحت أفريقيا وكأنها بقعة حمراء طويلة فى الأفق. ثم أشرقت الشمس وبدا البحر بلونه الأزرق العميق، وتحولت السماء الى لون النحاس. وبدأ الحر سريعا. وغسلت مياه البحر أى أثر لرائحة الأرض على اليخت.

ونزلت نورما الى المطبخ، بينما أخذ آلان يدرس الخرائط. ونظر بدهشة عندما أحضرت له اللحم والبيض الساخن للافطار:
- هذه تبدو اجمل من مليون دولار. . أين تعلمت الطهو؟

- لقد تعلمته سريعا. . كان علي أن أتعلمه بعد وفاة والدتى. فوالدى لم يكن يعرف شيئا عن الطبخ، رحم الله روحه.

- لقد توفيت والدتى عندما كنت صغيرا أيضا، ولم يبق سواي مع والدى مثلك تماما

- حقا. . وماذا يعمل والدك؟

- مصمم مراكب. . لقد صمم هذه مثلا.

- جيد. . وأنت يا قبطان؟ هل أنت فى نفس المهنة؟

- لا. . ليس تماما. أنا أصمم الطائرات وليس المراكبز

- يا الهي!

- هذه حقيقة، أنا أصمم الطائرات النفاثة الخاصة للأثرياء، والهليكوبتر، وما شابه.

- أراهن بأنك ثري.

وأخذت تربت على شاربها، الذى بدأ الصمغ فيه يؤلمها. متى ستكشف عن نفسها؟ ليس قبل أن يبتعد جدا عن الشاطئ.

وابتسم آلان :

- لا.. أنا لست ثريا يا طوني. أكسب رزقى، هذا كل شئ. ولكن آمل أن تتحسن الظروف قريبا، بعد ان أتخلص من كل ديونى. انظر، لماذا لا تخلع هذه السترة ، سوف يصبح الحر لا يطاق بعد قليل، و الأفضل أن تبقى فى التى شيرت.

- آه ... أجل، بعد دقائق لدي رشح بسيط و. . .

- ولماذا لم تقل؟ سأحضر لك الدواء؟ هل تشعر بصداع؟

- لا . . أعنى. . أجل. .

- أيها الولد المسكين. . هاك، خذ قرصين من هذا.

وابتلعت نورما الأسبرين على مضض، مع قليل من الماء أحضره فى كوب لها. وأخذ منها الكوب ليرمى ما تبقى من الماء فيه، ثم توقف وحدق مذهولا فيه، كان فى الماء شئ يطفو كالشعر، انه الشارب، والتقت عيناه بعينيها بذهول، ثم أصبح وجهه قاسيا باردا.

- ماهذا بحق الجحيم؟
وتنحنت نورما بعصبية، على الأقل تستطيع الأن التخلى عن صوت ((طوني)) الأجش، وقالت:

- الأفضل أن أشرح لك سيد سان كلير.

- يا الهي . . انت ؟ نورما ليستر؟

- أجل. .

وتقدم نحوها ووجهه متجهم من الغضب،وللحظة ظنته سيضربها. فتراجعت قليلا. وأمسك ذراعيها بيدين قويتين، فشهقت . .
- ما نوع هذا المزاح؟ من أرسلك لتنفذي هذه اللعبة؟ أيتها الثعلبة الصغيرة؟

- لم يرسلني احد. . . أنت تؤلم ذراعي. . .

- أنا أؤلمك عن قصد، ماذا تقصدين بحق الشيطان بخداعي هكذا؟
- لأننى اعرف بأنك لن تقبل بي لو اقترحت عليك مرافقتك، أرجوك اتركني!

- أتركك؟ يجب ان أرميك الى سمك القرش !
- أردت فقط مساعدتك، على كل، أنا مدينة لك بجميل، أتذكر؟
- جميل؟ لم أكن يائسا الى هذا الحد . . هيا أخفضى الشراع يا آنسة ليستر، سنعود الى مومباسا.

- أرجوك انتظر . . ليس من فائدة فى الرجوع الأن.

- بلى . .هناك فائدة، سوف أعيدك الى الشاطئ، وأسلمك الى أصدقائك. أيتها الهاربة الصغيرة.

- سوف يكونون قد أبحروا عندما نصل، وأنا لن أصعد الى متن قاربهم ثانبة.

- لا يهمني أين تذهبين. طالما يكون هذا خارج مركبي. ذا لم تنزلى الشراع سأفعل بنفسي.

- أنت لا تستطيع رؤية شئ أبعد من غضبك، أليس كذلك؟ فأنت واثق جدا من صواب آرائك، ولكن، ماذا ستفعل بعد أن توصلني الى الشاطئ؟ هل ستجلس حتى تتعفن لأسابيع في مومباسا؟ ألا تدين لوالدك بشئ؟

- أنا أقرر، بماذا أدين، ولمن، لن أخاطر باهلاك والدي بوجود طفلة فاسدة مثلك !

- لقد رأيت بنفسك ما أستطيع عمله هذا الصباح . . جزء مما قلته لك صحيح . . فأنا أعرف تماما قواعد الابحار.

- نعم. . لدي اثبات واضح لمهارتك.

وأشار الى الجزء المحطم من سطح المركب. فقالت ةقد بدأ غضبها يتصاعد:
- لم اكن أنا من يقود تلك المركب، يا سيد يان كلير. فلماذا تلومنى؟ لقد قلت بنفست أننى لست من طرازهم، واذا كنت تريد أن تعرف لقد حاولت ايقاف بيتر عندما كان متجها لصدم مركبك.
منتديات ليلاس

- ولكنك لم تنجحى، أليس كذلك؟

- ليست هذه غلطتى. . لقد فعلت ما بوسعى.

- اذا كان ما حدث، أفضل ما بوسعك، فأنا أكره أن أشاهد ما ستفعلينه بمركبى !

- اذن . . أرجعنى الى مومباسا، وتعفن هناك اذا كنت تريد هذا.

- أفضل أن أتعفن فى مومباسا بدل أن أغرق على يديك.

وردت عليه نورما بهدوء:
- لست بحاجة لدروس من أحد حول السلامة البحرية، وهذا جزء من قصتى، حقيقى أيضا، والدي غرق فى المانش منذ خمس سنوات.

وحدق بها وقد بدأ الغضب يتلاشى من عينيه:
- أنا آسف ..لم أكن أعرف هذا.

- وعلمني الابحار عندما كنت طفلة، أستطيع فعلا مساعدتك يا سيد سان كلير.

- لقد أفسدت شعرك الجميل الأشقر، هل يمكن غسل هذا الصباغ؟

- لست أدري.

وحدق بها وفى عينيه ارتياب:
- ولماذا تريدين مساعدتي؟ يا آنسة. .ليستر؟

- لأننى كنت على المركب، وأريد أن أدفع لك قسما من الأضرار، وخاصة أن بيتر آشتون لا يبدو من المحتمل أن يفى بالتزاماته، ولكن أيضا لأننى مدينة لك بجميل. لن تستطيع معرفة مدى سعادتى عندما رأيت الرانج لوفر يظهر من خلال المطر ذلك اليوم. لا أظن بأننى كنت مذعورة هكذا طوال حياتى.

- وماذا عن رالف، وبقية أصدقائك؟ أعتقد أنهم لا يعرفون شيئا عن مشروعك هذا؟

- لقد تركت رسالة لهم، ولا أظن بأنهم سيفتفدوني كثيرا.

- والعزيز رالف؟ ماذا سيقول عندما يسمع بهذا الأمر؟

- فى الواقع . . لست أهتم بما سيقول.

خلال الصمت صفرت الريح عبر الأشرعة، وأصبحت الشمس مرتفعة الأن، وأخذت تعرق داخل السترة التى سرقتهامن غرفة بيتر آشتون.

- سوف تتعبين أكثر على متن((ميليسا )). . .وسوف تكون طريق العودة أطول.

- عملى ينتظرنى، واذا لم ترجعنى الى مومباسا سوف تتمكن من الوصول ((بميليسا )) فى وقت أسرع.

وعلمت بأنه سيوافق، وتفحصها بعينيه الجميلتين، وكأنه يراها للمرة الأولى، وقال بمرارة:
- يبدو ان ليس هناك ما أستطيع فعله . . وعليك أن تحاولى على الأقل التعويض عن بعض الأضرار التى ألحقها زملاؤك الأغبياء . . ولأجل الله، حاولى أن تفعلى شيئا لشعرك، لم تكونى سيئو جدا كطوني . . ولكن كنورما ليستر . . انت مريعة !

- سأبذل جهدى.

وابتسمت له بلطف، مما جعلها تبدو أجمل، على الرغم من شعرها البشع. ولكن آلان لم يكن غافلا عن الجمال الذى فى وجهها.

- سأراقبك باستمرار، فلا تفعلى أى شئ خاطئ. أفهمت هذا؟

- حاضر يا سيدى. هل أنهيت فطورك يا قبطان؟

. . . . .
__________________
سبحان الله وبحمده ~
سبحان الله الـعظيم ~