عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 06-16-2012, 05:29 PM
 
وعادت الى كابينتها، ووضعت رأسها فوق المغسلة، وبللته ثم غسلته بالصابون. عدة غسلات قوية قاسية أزالت آخر أثر للصبغة، وعاد شعرها ليكتسب اللون العسلى الذهبى الأصلى، لون جميل، غنى، كان والدها يسميه ((العسل البرى)) ولكنه أصبح قصيرا بشكل محزن، وأحست بالألم لفقدان خصله الطويلة الجميلة، وأخذت المقص، وبدأت شذب الأطراف غير المتساوية من شعرها، وعندما أنتهت أصبحت قصة شعرها قصيرة جدا، ولكن على الأقل متساوية. . .ولكن ، يا الهى كم أصبح قصيرا ! وارتدت تى شيرت وبنطلون جينز، ثم صعدت الى السطح.

وجدت آلان يطوي الشراع الرئيسى الذي كان الهواء يتلاعب به، فأسرعت بمساعدته بصمت تلف له الحبال وتربطها، وعقد آخر ربطة من الحبال وهو يتنهد واستدار ليواجهها:

- أنا سعيد لتخلصك من ذلك اللون القذر، ولكن لماذا قصصت شعرك هكذا؟ ألم يكن بامكانك اخفاءه تحت قبعة؟

- لم أفكر بهذا.

- لا . . لايمكن لك التفكير بهذا. تعالي يجب أن أرفع الشراع الصغير.

وهما يرفعان الشراع المثلث الشكل نظر اليها متفرسا وقال:

- آنسة ليستر، أظن أن ليس هناك . . . أى سخافات رومانسية برأسك؟

- ماذا تعنى؟

وأجاب ببرود:

- أعنى . . .أرحو أن لا تكونى قد تسللت الى هذا اليخت بسبب انجذاب عاطفى سخيف لي ؟

- بالطبع لا.

وشبك المشبك الفولاذى للحبل فى مكانه وقال:

- أنا سعيد لسماع هذا . . . فهذا كان سيعقد الأمور دون فائدة.

وقالت له وقد أحمر وجهها:
- أنا متأكدة من أن الأمور كانت ستتعقد، هل تواجه كثير من هذه المشاكل سيد سان كلير؟

- هذا ممكن، ولكننى لست مستعد لأى علاقة عاطفية آنسة ليستر، هل هذا مفهوم؟

- تماما.

وأحست بأنفاسها تختنق من عجرفته.
-جيد . .الساعة تقارب من الواحدة والنصف يا طوني هيستون. حان وقت الغداء، ألا تظن هذا؟
وغاصت الشمس ببطء عند الغروب، تملأ السماء بالشعاع. وتناولا طعامهما تحت النور القرمزى،
والعالم من حولهما ساكن تماما، ماعدا أصوات النورس التى تلحق بهما، وهمسات البحر السرية.
منتديات ليلاس

وبدأت النجوم تظهر واحدة واحدة، رؤوس دبابيس من الماس تضئ فى كبد السماء المخملى الأسود والقمر كان مكتملا تقريبا. ليس كالقمر الأنكليزى البارد، بل كتلة مشتعلة من أفضل أنواع الذهب يلمع بصفاء بين الأنوار الأخف،
ومال آلان الى الخلف مستندا الى جوار غرفة القيادة، ينظر الى القمر بعينين هادئتين.



- يقولون ان القمر كالعذراء. من السهل قول هذا فى أوروبا، ولكن هنا، قرب هذه الشواطئ الأفريقية لا يبدو كالعذراء، أليس كذلك؟ أم علي أن أقول هي؟ انها امرأة غنية جميلة، مستعدة للحب.

وجلست نورما تستمع اليه بصمت، لا تعرف ماذا تقول، ونظر اليها، وشاهدت اللمحة الساخرة فى وجهه وهو يتابع:
- أو . . هكذا يريدنا الشعراء أن نصدق.
على كل، سأشعل الأنوار على السطح.
ونهض بخفة، وذهب ليشعل الأنوار الخضراء والحمراء التى ستضئ ((ميليسا)) طوال ساعات الظلام. ونزلت نورما لتغسل الأطباق. ثم تفحصت البوصلة، لتتأكد من المسار الذى وضع المركب فيه. وعندما عاد، فتح الخريطة على الطاولة، وأشار بأصبعه، ثم قال:
- سوف نصل الى سلسلة صخور((مارغريتا)) قريبا،
وسوف أسير باليخت قرب الشاطئ، فأنا أفضل هذه الجهة من سلسلة الصخور بدلا من جهة البحر.
وأدار المقود ليتجه باليخت نحو الشاطئ، وبدت شواطئ أفريقيا بالتدرج وهى تقترب تحت ضوء القمر. ووقفت نورما قرب آلان فى غرفة القيادة، قريبة منه لدرجة احساسها بحرارة جسده. الليلة كانت مخملية، زرقاء، قاتمة، ليلة افريقية، وهما يقتربان من الشاطئ، بدأت رائحة الأرض الافريقية تأتى اليهم مع النسيم، رائحة نار المخيمات والنباتات العطرة. .
رائحة كانت نورما تعرف بأنها لن تنساها أبدا.
- ما هى هذه البلاد؟
- الصومال. سنتمكن من مشاهدة الشاطئ قريبا.
وفى هدوء الليل، وصلت الى أسماعهما أصوات هدير الموج على الشاطئ.
وفى وقت قصير كانا على مسافة استطاعا منها رؤية صفوف أشجار النخيل التى تحد الشاطئ، وهى تبدو كالأشباح الفضية تحت ضوء القمر. وعندما أصبح اليخت على مسافة قريبة من الشاطئ أدار آلان اليخت الى الأمام ووضعه فى مسار شمالى بمحاذاة الشاطئ الافريقى . . .
وتقدم آلان ليقف قربها للحظة ثم قال:
- علينا أن نتناوب السهر، سوف ندبر هذا فى الغد.
ليس هذا فى الواقع ضروريا، ولكننى احب أن أكون آمنا.
وتركها بعد قليل ليصعد الى غرفة القيادة، ووقفت لوحدها تتأمل جمال هذه الليلة، والخط الساحلى أمامها. صوت بعيد قليلا جذب انتباهها، سعلة خفيفة أتت مع الريح، فى البداية ظنت أنه آلان، ولكنها سمعتها ثانية. زمجرة خشنة قادمة من الشاطئ،
سببت لها القشعريرة فى رقبتها صاحت:
- آلان، تعالى واسمع هذا.
وما ان خرج الى السطح، حتى عاد الصوت ثانية، زمجرة خفيفة من على الساحل. ورفع آلان رأسه وعيناه ثابتتان، فهمست له:
- ما هذا؟
وانضم الى الزمجرة صوت آخر، وضحك آلان فجأة، وتوجه نحو غرفة القيادة وهو يقول:
- لنذهب ونرى ما هو. .يبدو أن رحلتك البرية لم تنته بعد، هذا اذا كنت محظوظة.
وحدقت الى البر، واليخت يقترب بهدوء، واقتربت الأصوات أكثر. فقالت بعصبية:
- هل الأمر آمن؟
- أجل. . . ابق عينك على الشاطئ.
- وعن ماذا أبحث؟
- عن الأسود.
وحدقت جيدا بالشاطئ،
كان على مقربة منه حتى أنها أستطاعت رؤية أشجار النخيل تتحرك، والقمر يضئ على الشاطئ. وسمعا الصوت ثانية واقشعرت بشرة نورما، كان هناك شئ مقلق فعلا حول هذه الأصوات. وشكرا لله أنهما على متن اليخت، وليس على الشاطئ ! وضحك آلان وكأنما قرأ أفكارها، وقال :
-المفترض أن تكون هذه الأصوات مخيفة،
الأسود تستخدم هذا الصوت عندما تكون تصطاد لتخيف الطريدة وتتجه فى الأتجاه الذي تريده. اصمتى الآن وابقي عينيك مفتوحتان.
ثم رأتهما . . . وتجمد الدم فى عروقها، بنصف رعب ونصف سرور. أسدان كبيران، يسيران ببطء بين أشجار النخيل نحو الشاطئ، وبصمت أنزل آلان الشراع،
ورمى المرساة. وسمع لسقوطها فى الماء صوت خفيف. وراقبي نورما الأسدين وهما يسيران فوق الرمال. على بعد أقل من مئتين يارد عنها. تحت ضوء القمر، جلدهما كان بلون الفضة المذهب. واعتقدت بأنها رأت الضوء اللوزى ينبعث من عينيها.
وخرجت من بين الأشجار ثلاث لبؤات لتنضم الى الأسدين فوق الرمال. . ووقف آلان بقربها يراقبان بصمت . . .
المخلوقات الضخمة أخذت تتقلب فوق الرمال، والذكور تنفض لبداتها الكبيرة. . ومثل القطط المنزلية أخذت تلعب، تعض بعضها وتضرب بمخالبها،
التى تستطيع كسر العظام، بلطف. ورقص قلب نورما لجمال المنظر، انه رائع، الرؤية الأمثل لشاعر متوحش. والضوء السحري أعطى المنظر لمسة غير حقيقية وكأنها الحلم.
منتديات ليلاس

ثم . . .وبصمت كما ظهرت ، عادت القطط الكبيرة الى ما بين الأشجار، تنادى بعضها من وقت لوقت بأصواتها المتحشرجة، وما ان أختفت الأسود، حتى أحست نورما أن يدها تؤلمها، فنظرت اليها لتجدها ممسـكه بيد آلان.
والتقت عيونهما فى الظلام، عيناها واسعتان ناعمتان، وعيناه سوداوان لا يمكن سبر غورهما. ثم . . . ترك يدها. واستدار ليرفع المرساة.

وتقدمت الى جانبه تساعده فى رفع الشراع ثانية، واصطدم كتفيه العريضين بها صدفة عدة مرات،وكأنها جزء من الأدوات التى على السطح.
وكأنما ذلك المشهد الغريب لم يحدث أبدا، واستدارت لتعيد النظر الى الشاطئ. وكان الشاطئ الفضى ساكنا، وكأنه مسرح مهجور.



- لقد انتهت المسرحية . . . هيا بنا نسير فى طريقنا.

وملأ الريح شراع ((ميليسا)) الطويل الشبيه بجناح النورس، وشق اليخت الرمادى طريقه فى البحر . . .
(نهاية الفصل الثالث)
__________________
سبحان الله وبحمده ~
سبحان الله الـعظيم ~