~8- حلمى الذى مات~
وسارت ميلسا مترنحه فى العاصفه خلال ايام ، والرياح العاتيه تتقاذفها دون رحمه نحو اسبانيا . سفينه الشحن التى مرت بهما لم تصدمهما ، ولكن الموجه الضخمه التى خلفتها ، رمت باليخت الى جانبه الى ان اعاده ثقل جسمه الى وضعه الافقى ثانيه .
وبدأت العاصفه تتلاشى تدريجيا ورفع آلان الشراع عندما خفت الريح .
وجهها فى نفس الاتجاه الى ان يتمكن من اصلاح المقود المكسور من قطع الغيار المتوفره لديه . ولكن كان هناك اضرار اخرى لا يمكن اصلاحها ، فعامود الالتقاط الخاص بالراديو حطمته الريح وقذفته المياه بعيدا ، ولم يعودا قادرين على التقاط السائل .
ولم يبق لديهم سوى اشارات المورس يلتقطونها على جهاز الطوارىء ، واصغيا الى تقارير الطقس الملاحيه بواسطه الترانزستور الصغير .
وكاليخت ، كانت نورما وآلان يعانيان اثار العاصفه ، كدمات وجروح ولكن ما كانت تشعر به نورما من فرح طغى على كل شىء اخر . واحست انها قد عادت الى الحياه ثانيه لاول مره فى حياتها ، وبأنها الان قد اصبحت مكتمله الانوثه .
وغمرها شعور بالاثاره والسعاده ، وبحب آلان الى ما لا نهايه . وراقبها آلان بعينيه العميقتين ، وكأنه يتسأل ما الذى تغير فيها خلال العاصفه . وعملا معا كفريق متكامل ، افكارهما كانت متجانسه الى درجه انهما احيانا لم يكونا بحاجه الى الكلام كى يعبرا عن رغباتهما .
وبرزت الشمس الدافئه ،
فى الوقت الذى كان اليخت فيه يعبر ممر جبل طارق ، بوابه العبور نحو الاطلسى ، واستدار حول فادش ، واستلقت نورما على السطح تستقبل اشعه الشمسوهى مرتديه البكينى . وكان قلبها يتفجر بالحب لآلان ، وتاقت لان تخبره ، وان تكون بين ذرعيه ... غريزتها الانثويه منعتها من قول اى شىء له ، وحتى من ان تظهر له ، بالتعبير ،
كم تشعر نحوه من حب عميق . واحست بانه يشعر بها ، بحاجه لان يفكر بها ، ومنعتها حساسيتها من محاوله دفعه لمعرفه مشاعرها ، فآلان يملك روحا حره ، كما روح اليخت الجميل ، ولا يجب عليها ان تقيده ، او تمسك به . فلو فعلت فسوف ينفضها عنه كما نفض اليخت الامواج العاتيه عنه ، وتابع طريقه . ولكن ، لو جاء هو اليها .. لا ..
عندما ياتى اليها ، فسيكون هذا الى الابد .
عندما يعودان الى انجلترا سوف تصرف بعض المال لشراء ثياب جديده . فقد اشتاقت للاحساس ببروده القماش الناعم على جسدها بدل البيكينى والتى شيرت . ونظرت الى السوار الفضى الثقيل حول معصمها .. انها جاريه آلان .. اجل سوف يجعل منها جاريه له .. وابعدت عنها الفكره وعادت الى التفكير فى الثياب ، اما بالنسبه لشعرها ، فان عليه بكل بساطه ان ينمو .
السماء كانت زرقاء من فوقهما ،
وليس كلون النحاس الغامق ، كسماء افريقيا ، بل ناعمه دافئه ، زرقاء ، كشمس اوروبا ، تتخللها بضع سحابات بيضاء . وكان الدفء لذيذا ، واسندت نورما نفسها على كوع واحد ، وشاهدت آلان على السطح يحاول وضع الحاجز النحاسى المخلوع فى مكانه . فوقفت وتقدمت منه . ساحل اسبانيا البنى والاخضر على يمينها ،
والهواء يحمل الرائحه الخفيفه للصيف من اليابسه الى البحر . ووقفت الى جواره ، تراقبه وهو يعمل . واستوى آلان فى وقفته ، ومدد عضلاته ، ثم استدار اليها ، فابتسمت له وقالت: ( مرحبا ..)
وابتسم لها ببطء ، واثاره . ولكن كان يبدو عليه توتر لم تفهمه ، وكأنها عدوه له ، عدو خطر يجب ان يبقى عينه مفتوحه عليه ليراقبه ويحذر منه . وكانت تعلم ، ان وقتا طويلا سيمر قبل ان يتخلص من عدم ثقته الراسخه بالمرأه .
وحمل الريح اليهما اريج الورود ، عطر ورود الصيف الحلو الثقيل ... ورفرفت بعينيها من الدهشه ، ورفعت انفها كى تشم الهواء الملىء بهذا العطر .. وضحك آلان قائلا :
( هذا يحدث احيانا ..
فهناك حقول واسعه من الورود فى جنوبى اسبانيا ، تزرع لاستخدامها فى استخراج العطور ، وعندما تهب الريح تحمل معها الروائح الى البحر . وقال لى احدهم مرة انه استطاع ان يشم هذا العطر فى وسط الاطلسى .)
- ( تخيل نفسك وانت وسط هذه الحقول .)
منتديات ليلاس
وابتسم ، ناظره الى عينيه ،
ثم تلاشت بسمتها ببطء . عينا آلان كانت تقلبان قلبها رأسا على عقب ، وتجعلانها تحس بضعف فى ساقيها . ولم تعد ، فجأه ، قادره على النظر اليهما ، فأحنت رأسها وقالت :
- ( آلان ... انا ... )
وانزلقت ذرعاه حول خصرها ،
دون اراده تقريبا ، وجذبها نحوه بلطف ، واحست بدفء بشرته ، وبرائحه الملح فيها . ورفعت رأسها اليه ، وضاعت فى عمق عينيه الرماديتين . وقال لها بثبات :
- ( اذهبى واستلقى تحت الشمس ايتها الصغيرة .
_ ( ولكن ... آلان ....
- ( امامى عمل اقوم به .
فابتسمت له وسألته :
- ( ولماذا لا تتركنى اساعدك . )
وهز رأسه بهدوء وقال :
- ( انا كبير السن عليك يا نورما ، كبير ، وقاس ، ومتشكك . )
ومدت ذراعيها الى رقبته ، وجذبته اليها اكثر ، وهى مصممه على جعله يتجاوب مع عناقها ، فاشتدت ذراعاه حولها ، ب
عاطفه هزتها . وسرعان ما ابعدها عنه ، فشهقت ، وصاح بها وصوته يرتجف :
- ( لاجل الله ! ماذا تحاولين ان تفعلى يا نورما ؟ )
- ( آلان .. اريد ... )
- ( انت لا تريدين ما تريدينه .
لا تتلاعبى معى يا نورما ، اذهبى وخذى حماما شمسيا . )
وابتعد عنها وأرجع الحاجز الثقيل مكانه بحركه واحدة ، فاستدارت ببطء مبتعده ، وقد لاحظت ان يديه البنيتين القويتين ترتجفان .
......
آخر ايام رحلتهما كانت مليئه باشعه الشمس . وبقى آلان مشغولا ببعض الاصلاحات الضروريه ، وساعدته نورما قدر استطاعتها .
وفى صباح احد الايام ، ظهر امامها الخط الابيض للساحل البريطانى . واستخدم آلان جهاز الارسال اليدوى لارسال رساله الى ولده ، يبلغه بانه قادم باليخت الى حوض شركه سان كلير فى بلايموث وهكذا فجأه ، وبطريقه ازعجت نورما ، وصلت رحلتهما على اليخت الرمادى الى نهايتها القريبه . واستندت الى الحاجز الامامى ،
بينما كانت ميليسا تمر بانتصار الى داخل ميناء بلايموث وهى تشعر بمزيج معقد من السعاده والحزن ، فكره افتراقها عن آلان كانت تحطم قلبها ... يجب ان تراه ثانيه 1 النورس الذى كان يطوف بهم صائحا ، وكأنه ينادى بالوداع حتى ان عينيها امتلأتا بالدموع . وفى وسط الانشغال برسو اليخت وتسليمه لوالده ،
هل ستتمكن من ان تقول له بانها تريد ان تراه ثانيه ؟ وتطلعت بحزن الى الرصيف الذى يقترب منهما محاوله ان لا تبكى.
وبدا امامهما حشد صغير عند الميناء . وما ان اقتربت ميليساحتى صدر عن مئات
الاشخاص صيحات الترحيب . وناداها آلان
- لا تقفي هكذا، تعالي و ساعديني في انزال الأشرعة!
- من هؤلاء الناس؟
فحدق قليلا ثم قطب:
- لست أدري.
وحدق مرة أخرى فلاحظ سيارتين كبيرتين كتب عليهما((بي بي سي. الارسال الخارجي)) ونظرا الى بعضيهما بحيرة. وما ان التصقت ((ميليسا)) بالرصيف، حتى رمى آلان حبل الربط الى الشاطئ. وأسرعت الأيدى الى التقاطه وربطه جيدا الى اليابسة. بضعة أعضاء من الاتحاد البحرى كانوا يلوحون لهما من ضمن الحشد وهما ينزلان الى البر. وصاح أحد مراسلى الصحف وهو يضعهما أمام كاميرا التلفزيون:
- أهلا بك في بريطانيا سيد سان كلير. كيف تشعر لعودتك الى الوطن؟
وحدق آلان من حوله بعينين باردتين وسأل بحدة:
-ماهذا كله ؟
وتقدمت نورما لتقف الى جانبه بارتباك، وهي تشعر بأن الأرض غير ثابتة تحت قدميها بعد هذه الأيام التى قضتها فى البحر
وقال مراسل آخر، وهو يضع الميكرفون تحت أنفها:
- أنسة ليستر..هل كنت خائفة خلال العاصفة ؟
- أنا ...وكيف عرفتم بأمر العاصفة ؟
ونظرت بذهول الي الميكرفونات وكاميرات التصوير وأنوارها التى تلمع. وتكلم شخص آخر، وقال أنهم أبطال وطنيون، وأن الأمة كانت تتابع تقدمهم بأهتمام بالغ. . .
وفجأة، تجاذبهم الجمع، يسألون، بطالبون، يسجلون، يصورون.
وأحست نورما بيد قوية صغيرة تمسك بكوعها، وامرأة جذابة جميلة في الأربعينات تجذبها الى جانب، وقالت لها بصوت محترف:
- أنا لوليتا باترسون، من الصنداي تايمز ...لا تتكلمي مع أحد يا نورما . .ليس قبل أن تستمعي لشروطنا .
- شروطك لماذا ؟
- عقد . .لقصتك بالطبع. خمس مقالات، كل منها بألفي دولار، ما رأيك؟ القصة ستكون بعنوان (( كيف أنقذت حياة حبيبي من العاصفة)) وليس عليك أن تكتبي كلمة منها. هل كان لديك كاميرا؟ هل التقطت أية صور؟ لا بأس، سوف نخترع بعض الصور في وقت قصير . . .
__________________ سبحان الله وبحمده ~
سبحان الله الـعظيم ~ |