لا ادري لما يشعر الإنسان فجأة بالحزن...... دون أية مقدمات مسبقة
ينتشل نفسه من دوامة الحياة وأفراحها وبهجتها ليغلق عليه حجرته
وحواسه عن العالم المحيط به..لا يريد أن يسمع سوى دقات قلبه....
يجلس وحيداً بالظلام الدامس منزوياً في أحد الأركان متقوقعاً على نفسه..
يخفى وجهه بين راحتيه.. ينكمش..وينكمش يتمنى أن يصل لمرحلة اللاشئ...
يكتنفه زهد وقناعة بالحياة غريبين....
تتضاءل أمامه الأشياء حتى تكاد تصل لمرحلة العدم..تنتابه نوبة ضحك هستيرية
ما تلبث أن تتحول إلى شلال من الدموع تنهمر من مقلتية لا يستطيع إيقافها
كأنما إنهارجهاز المناعة بداخلة...تتلاشى مقاومتة شيئاً فشيئاً..
يشاهد حياتة كفيلم سينمائي..لقطات سريعة غير مرتبة...
هذا يوم حصولة على الشهادة الجامعية وهو فرح اشد الفرحة بانتهاء مرحلة
التعليم المملة من وجهة نظرة..إنه يريد الانطلاق..لدية طاقه كامنة يريد أن يفجرها
ويخرجها من القمم التي سجنت فيه سنين..ولكن هاهي لمحة الحزن تطل من بين الفرحة
تفسدها..سيفارق أصدقاء الدراسة..جدران لها معه ذكريات جميلة..وجوه لا يريد نسيانها
أحبها ولم يعلم بوجود كل هذا الحب إلا في هذه اللحظة..قلب اعتقد انه سيبقى إلى جواره
ولكنه ذهب كما يذهب الدخان إلى أين لا يعلم...ولا يريد أن يعلم....
*********** ************* **************
....ثم يفاجئ بأن حياته كلها تنقلب في لحظه.. يشعر بالقهر والذل عندما وجد من يسرق مجهوده
ويخطف منه ما كان يحلم به..لا لأنه يستحقها..بل لأنه من أولاد أكابر هذا الزمن..من يسطون على
أحلام البشر ويتاجرون بها..بجرة قلم يمحى مجهود إنسان سهر الليالي وحارب الظروف..
بجرة قلم يتم تغيير مصير إنسان ومستقبله ...وتتصاعد الأسئلة المرة التي لا تجد لها إجابة شافية
..لماذا التعب في الدراسة إذن؟؟
ألم يكن أولى إلغاء التعليم..طالما أن كل شئ يسير بالواسطة الملعونة..أحلام تتحطم وتتبخر في
الهواء..
************* **************** **************
تعود به الذاكرة إلى الوراء قليلاً... صوت موسيقى متصاعدة تشيع جو من التوتر والإثارة..هاهو
يخرج من مدرستة الثانوية متجهاً لمنزله بعد يوم دراسي شاق في أحد أيام الشتاء ..ليفاجئ بحركة
غريبة داخل المنزل..وجوه حزينة نظرات زائغة..صوت أنين مكتوم ينبعث من أحد الحجرات..يدلف
لحجرتة يجلس مهموماً..ماذا يحدث؟
عقلة الصغير لم يكن على مستوى الحدث..توقف كالمصاب بالشلل..عندها وجد من يهمس في أذنه
بموت أحب البشر إلية...لم يدر ماذا يفعل..ارتسم تعبير غريب على ملامحه كمن يسمع كلمة الموت
لأول مره بحياتة وكأنما شعر صاحب الهمسة بعدم وعى الصغير ..فتشجع وبصوت باك احتضنه
وأعادها عليه مرة أخرى..لم يبك الصغير..لم يشعر بشئ مطلقاً.. توقف الزمن به...رجعت به
عقارب
الساعة إلى أيام جميلة.... ها هو يحتضن الصغير ويداعبه..ويجلسه على رجليه يخبره بأنه مسافر
للخارج ليوفر له كل احتياجاته..الصغيرلا يريده أن يبعد عنه ولكن ليس بيده شيئاً..كان ينتظر إجازته
بفارغ الصبر..يذاكر ويجتهد ليحقق له ما يحلم به يريد إسعاده بغربتة..معقولة أنه لن يراه مره
أخرى...ولكنه عاد هذه المرة دون أن يراه..لم ير سوى جموع من البشر تحمل نعشاً..يبكون..وهو
يمشى معهم في ذهول..يريد أن يقتحم الجموع ليكشف الغطاء..يريد أن يقبله
يراه لآخر مره بحياتة..ولكنهم منعوه..وهنا فاضت دموعه غزيرة ساخنة ..صوته لا يخرج من بين
شفتية...عرف لأول مرة ما معنى أن تفقد عزيزاً غالياً...عرف ما معنى الموت...
وما زالت اللحظات الحزينة تطارده يحاول أن ينتشل نفسه منها ولكن لا يستطيع..كلما ظن أنه يبعد
عنها كلما وجد أنه يغرق فيها أكثر... حتى أصبحت جزءاً منه... لا يستطيع أن يعيش بدونها..افتقدها
في
عز الفرحة لم يعد يدرى حقاً..هل هو من هذا النوع الذي يستمتع بلحظات الألم ويتلذذ باستعادتها ؟؟
أم
أنها أصبحت طابع وعنوان لحياته ؟؟
والسؤال.. هل أصبح الحزن ضيفاً لا يفارقنا... نشتاق إليه كلما بعد عنا.
.
نحن إليه حتى في لحظات السعادة..
سؤال ما زلت أبحث له عن إجابة ؟؟؟؟؟؟؟؟