الشبهة الثانية : قالوا : أن المعنى المراد بقوله تعالى (( إلى ربها ناظرة )) أي : منتظرة لرحمة الله !
الرد عليها : هذا قول باطل وتأويل فاسد لا يستقيم مع المعنى الظاهر من الآية .. فالنظر له عدة معان ... وليس محصوراً في معنى الانتظار ..
وإليك تلك المعاني .. 1- إما أن يكون الله عز وجل عنى نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالى (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) .. وهذا لا يجوز ... لأن الآخرة ليست بدار اعتبار .. 2- أو يكون عنى نظر التعطف ... كقوله تعالى : (( ولا ينظر إليهم يوم القيامة )) .. وهذا لا يجوز أيضاً ... لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم .. 3- أو يكون عنى نظر الانتظار ... كقوله تعالى (( ما ينظرون إلا صيحة واحدة )) .. وهذا لا يجوز أيضاً ... للأمور الآتية : أولاً : أن النظر هنا ذكر مع الوجه ... وإذا ذكر النظر مع الوجه .. فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه... كما إذا ذكر أهل اللسان نظر القلب .. فقالوا : انظر في هذا الأمر بقلبك .. لم يكن معناه نظر العينين .. ولذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار الذي بالقلب ..
قال أبو منصور الأزهري في كتابه تهذيب اللغة : (( ومن قال : إن معنى قوله (( إلى ربها ناظرة )) بمعنى منتظرة فقد أخطأ ... لأن العرب لا تقول : نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته .. إنما تقول : نظرت فلاناً .. أي : انتظرته ... ومنه قول الحطيئة .. وقد نظرتكم أبنــــــــاء صادرة ................................... للورد طال بها جوزي وتنساسي فإذا قلت : نظرت إليه .. لم يكن إلا بالعين .. وإذا قلت : نظرت في الأمر .. احتمل أن يكون تفكراً وتدبراً بالقلب )) .. ثانياً : مما يبطل القول بأن المراد من معنى الآية الانتظار قوله تعالى (( وجوه يومئذ ناضرة )) أي : مشرقة وبهية وحسنة ... فمن أين لتلك الوجوه ذلك الاشراق والحسن والجمال إن لم تكن ترى الله عز وجل ... ؟!!!
لقد نظرت تلك الوجوه إلى وجه ربها وخالقها فنضرت وتهللت وأشرقت بنور وجه الله العظيم سبحانه وتعالى .. وازدادت جمالاً إلى جمالها ... أما تلك الوجوه الأخرى فإنها محجوبة عن رؤية الله فمن أين لها النضارة والنور والجمال ؟؟
يقول الحسن رحمه الله : نظرت إلى ربها فنضرت بنوره .. ثالثاً : أن الفرق بين الانتظار والنظر لا خلاف فيه عند العقلاء .. فإن الانتظار تنغيص .. والنظر إكرام من الله تعالى لعباده المؤمنين .. رابعاً : أن نظر الانتظار لا يكون مقروناً بقوله (( إلى )) لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار إلى ... ألا ترى أن الله عز وجل لما قال (( ما ينظرون إلا صيحة واحدة )) لم يقل " إلى " إذ كان معناه الانتظار .
وقال عز وجل مخبرا عن بلقيس : (( فناظرة بم يرجع المرسلون )) فلما أرادت الانتظار لم
تقل " إلى " . وقال امرؤ القيس: فإنكما إن تنظراني ساعــــــــــــة ................................. من الدهر تنفعني لدى أم جندب فلما أراد الانتظار لم يقل " إلى " فلما قال سبحانه (( إلى ربها ناظرة )) علمنا أنه لم يرد الانتظار وإنما أراد نظر الرؤية .
أما ما يستشهدون به من شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه من كون النظر جاء معدى بإلى ولم يفد حقيقة النظر .. وجوه يـــــــــوم بدر ناظرات ................................... إلى الرحمن يأتي بالفلاح فيجاب عنه بالآتي : أ- يتحقق في المعنى المراد بهذا البيت معنيين كلاهما صحيح هما النظر والإنتظار .. فتلك الوجوه كانت تتطلع إلى السماء لكأنها تنظر إلى الله ليأتي بالنصر والفلاح . . . وهذه هي الفطرة التي فطر الله العباد عليها. . . أنهم ما أن تحل بهم الأزمات والمصائب إلا رفعوا وجوههم وأيديهم نحو السماء لكأنهم ينظرون إلى الله تعالى ويسألونه النجاة والفرج . . . إذاً فعلامة النظر هي تتطلع الوجوه والأبصار إلى السماء لكأنها ترى الله سبحانه وتعالى من فوقها . . . وعلامة الإنتظار هي الشوق إلى نزول الرحمة والفلاح . . . . . ولكن تلك الوجوه والأبصار لا ترى الله سبحانه وتعالى على الحقيقة . . . لأن رؤيته سبحانه في الدنيا منفية إذ لا طاقة للحادث الفاني أن يرى الأزلي الأبدي
أما في الآخرة فيتبدل ويتغير كل شيء بحيث يصبح الإنسان المؤمن مهيأ بقدرة الله عز وجل لرؤية ولقاء ربه جل شأنه في جنات النعيم . . . وليس أدل على ذلك من صريح الكتاب وصحيح السنة . ب- فإن أصررتم على قولكم بأن المعنى المراد به هو الانتظار ... قلنا لكم لا بأس ولا حرج في ذلك
فإن النظر إذا عدي بإلى ولم تكن هناك قرينة تصرفه عن معناه كما هو ظاهر وبين من قوله تعالى (( إلى ربها ناظرة )) أفاد المعنى المراد به من غير أدنى شك ... أما في البيت المذكور فهناك قرينة قوية تصرف المعنى عن ظاهره المراد ( الرؤية ) وهي : ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة من نفي حصول الرؤية في الدنيا ... فيسقط بذلك استدلالكم بهذا البيت .. ج- أنتم مطالبون بإثبات صحة سند هذا البيت .. لأن الأمر متعلق بقضية إيمانية عظيمة .. والسند
لا بد منه في قضايا الدين والعقيدة ... ونحن لا نترك كلام ربنا وسنة نبينا لأشعار ضعيفة الحجة والسند .. 4- أو يكون عنى نظر الرؤية .. كقوله تعالى (( انظروا إلى ثمره إذا أثمر )) ..
وهذا القسم هو الصحيح .. وبقية الأقسام الثلاثة المتقدمة فاسدة .. وعلى ذلك يحمل النظر في الآية الكريمة على الرؤية لما يأتي :
- تعديه بإلى ..
- إسناده للوجوه ..
- انتفاء القرينة التي تصرفه عن معناه .. ومع الشبهه الثالثه باذن الله تابعوني...
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |