كان يجلس القرفصاء مطلقاً العنان لخياله ....
ليعود به الى ذكريات اصبحت في ركن الزمن المنسي
ترى في نظرة عينيه انكسار وحسرة على ما آلت به
الايام وما رسمه الزمن على جسده الهزيل...
عرفت العم علي منذ كنت طفلاً ، كنت أراه عندما كان يأتي الى المسجد الذي كان بجانب منزلنا القديم ليرفع الآذان وكم كنت أطرب لسماع صوته الشجي الذي كان يسحر قلبي الصغير... كم كانت فرحتي عظيمه عندما كان يصحبني والدي للمسجد فاعرف انني سوف أراه مباشرة وهو يستخدم مكبر الصوت ليرفع الآذان انها براءة الاطفال وعفويتهم المطلقة لاستكشاف كل جديد من حولهم .... لم يكن العم علي فقط مؤذناً بل كان ينبه الناس لوقت السحور في رمضان مستخدماً عبارات ما زالت عالقة في ذهني حتى يومي هذا...( يا نايم وحّد الدايم... يا نايم وحّد الله )..... كان يجوب في تلك القرية الصغيرة ليلاً طيلة ايام الشهر الفضيل لا يترك منزلاً الا ويمر من أمامه لا يغادره الا بعد ان يتأكد ان أهل ذاك البيت قد افاقوا من نومهم ليبدأو مشاعر السحور تلبية لأمر النبي الكريم " تسحروا فأن في السحور بركة ". أذكر انني سألت أبي مرة عن العم علي الذي كان الناس يلقبونه باليمني فقال لي انه أتي من اليمن وأستقر في بلدتنا الصغيرة ونظراً لعذوبة صوته فقد صار مؤذن البلدة كبرت وكبر العم علي ولكن الزمن كان قاسياً عليه فقد أصيب بالخَرف الأمر الذي جعل أهل بيته ينبذونه ويتركونه يسير في الطرقات ويجلس في الأزقه لا يربطه بالزمن الا ذاك الجسد الهزيل... لقد آلمني منظر العم علي عندما رأيته أخر مرة فتقدمت منه وعرضت عليه المساعدة ولكن ذهبت محاولاتي ادراج الرياح فهو لم يتكلم معي ولم ينطق حرفاً واحداً ... مع نظرة الانكسار والحزن في عينية كنت أرى شموخاً وعزة نفس مات العم علي... وترك بصمات في ذاكرة الزمن لرجل كان شامخاً بالرغم من كل المحن التي المت به