عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-28-2012, 05:38 AM
 
.
.
.
لقد أخذوه
في مدينة صغيرة تقبعّ في شمال اليابانّ .. كانَ الليل قدْ أسدلَ غِطاءة الأسودْ .. وَالتمعتْ تلكَ النجومّ الذهبية بِشكل جذابْ .. مع ذلِك كانَ الشارِع مُزدحِم .. فالليل في أولِه إلى الآن .. فَـ ترى هُناكَ رجُلٌ عائشدٌ إلى المنزل بعدَ يومِ عملٍ شاقّ لكسبِ قوتِ عيشة .. وَعلى إحدى طاوِلاتْ مطعمّ يجلسْ خطِيبانِ يتغزلانّ .. وَتلكَ فتاة بِزيٍ رسميّ مدرسيّ عائِدة مُتأخِرة بعدما أطرتْ للبقاء مُتأخِرة .. وَمجموعةِ شبابْ يسيرونَ في الطُررقاتْ باحثينَ عنّ فريسة جديدة للعبْ معها .. أضواء المحلاْ لا تزالْ مُشتعِلة وَأناسٌ تدخُل وَأناسٌ تخرُج .. كمَّ الحالْ في مدينة الملاهيّ تلكْ .. هُناكَ حيثُ بدايتُنا .. فَـ منْ بينّ العديدْ مِنَ الناسّ .. يقفْ أربعّ مُراهقينّ ..
قالتْ بِملل وَهيَ تلعبْ بإحدى خصلاتْ شعرها الكستنائيّ المُتمرِدة : إذاً ؟ ماذا سنلعبْ ؟
اجابها أحدَهُم وَهوَ يُحدِق بعينيه الحمراوتينّ الغريبتينّ في المكانّ : أسأليّ غيريّ فَـ...
~ منزل الرُعبْ ، نيلسونّ ، منزلْ الرُعبّ !
قالتها فتاة بِشعرّ أحمرّ قصيرّ يصلْ إلى نهاية رقبتِها مُجعدّ .. وَقدْ رفعتْ رأسها إلى الأعلى بِشكل مائِل فكادتْ تصطدِمْ بآخرٍ يقفْ جانبِها وَهوَ يُحدِق بعينيه الزرقاوتينّ إلى يدها التيّ كادتْ تخترقّ وجهه فَـ صاح : انتبهيّ ، ماريا !
تجاهلتهُ ماريا مُستمِعة إلى نيلسونّ التيّ تقول : لقدْ سئِمتُ التفكيرّ .. لِنلعبْ منزلْ الرُعبْ إذاً !
~ بواااااااااهه !!!!
وَبرزّ هيكلّ عظميّ لامِعّ وسطَ الظلامْ ،، فتنهدَ صاحبْ العينينّ الحمراوتينّ وَهوَ يقولْ : أهذا مُرعِب ؟
وَبِصوتٍ واحدْ أجابوه : لاا !!
لطالما كانتْ هذه الكلِمة على لِسانِه نظراً إلى أنهُ يُكره مثلَ هذه الأشياء .. كمَّ أنهُ دائِماً يقوم بهذه الحركة المُثيرة للاستفزازّ .. وَفيْ لحظة حينَ أجابوهُ بِـ " لا " .. ظهرَ رأسٌ مِنْ خلفْ الهيكلّ العظميّ قائِلاً : ماذا عنيّ ؟!!!
هذه المرة فعلاً فزِعوا .. فليسَ مِنَ الطبيعيّ أنّ تقولَ مثلْ هذا الكلامْ .. وَبعينينّ مركزتينّ وسطَ الظُلمة وَلمعانّ الهيكلّ العظميّ .. اتضحَ شكلُه قليلاً .. فكانَ فتى في الثالِثة عشرّ تقريباً .. بِشعرٍ ثلجيّ طويلْ .. وَعينينْ سماويتينّ ناعستينّ .. يرتديّ عباءة بنفسجية .. اغلِقتْ مِنَ الأعلى بِزرٍ وَاحدْ كبيرّ بعضَ الشيء .. أخيراً ادركتْ نيلسونّ من يكونّ لتقولْ : أوه كريستوفرّ ؟! أهذا أنتَ كريسّ ؟! ماذا تفعلُ هُنا ؟!
رمقها كريستوفرّ بِنظرة : ماذا أفعلْ ؟!! سؤال وجيه فِعلاً !
التزمَ الصمتْ بعدها علُها تفهمّ منْ نفسِها لكنها ظلتْ تُحدِقْ بهِ بِلا أيّ تعبيرّ .. ثارَ حينها .. لا يفهمّ لِمَ الكُل يتعاملّ معهُ بهذه الطريقة دائِماً .. لكنهُ أحكمَ قبضتيه .. علّهُ يُفرغ قضبة وَقالْ: أنا هُنا بِأمر مُباشِر مِنَ المجلس لأخذِك !!
تمتمتْ : المجلسّ ... الأعلى ؟
زفرَّ بتعبْ .. في بعضّ الأحيانّ يتسأل .. ما الذيّ يجعلْ الجميعّ يتصرفْ بِغباء هكذا معه ؟ يبدوا لهُ كمَّ لو أنهُم يُعانونَّ الزُهايمرّ ...! : سايلاس ؟
لمْ يتلقى منها أيّ إجابة أيضاً : ذاكَ العجوزّ ذو التجاعيدّ وَالعباءة الزرقاء ؟
ظلتْ على حالتِها تلكّ فصاحّ : العجوزّ الذيْ منعَ عنكِ الحلوى في صِغرِك !!!
حينها فقط تفاعلتْ هيَ معهُ قائِلة : أجل ، تذكرتُه ذاكَ العجوزّ البغيض !!
ابتسمَ أخيراً بينما قالتْ : أيُريدُ الاعتِذارَ ليّ ؟
حدقَ فيها لوهلة بِغباء .. وَسُرعانَ ما بعثرَ شعرهُ قائِلاً : غبية ، غبية ، غبية !!
توقفَ أخيراً ليقول : أتعلمينّ ؟ أنا أملك الحلّ ؟
لمْ يفهمّ أحدٌ منهُم قصده بعدّ .. فَـ هيَ وَكمَّ معَ الكُل تتسائل دائِماً لِمَ تتصرفْ معهُ هكذا ؟ ما الذيّ يجعلُها تنسى مُعظم الأشياء حينَ تتعاملّ معه ؟ لمْ تسترسلّ طويلاً .. فَـ حينَ تمتمَ هوَ " افتحيّ وَخُذينا إلى قاعة المجلس الأعلى !! "
بدأتْ المكانّ يدورّ وَيدورّ وَتراءَ لهُم بِأنَّ أجسادهُم بدأتْ تختفيّ .. حتى أصبحوا غيرَ موجودينّ إطلاقاً !!
في قاعةٍ عملاقة .. ملِئتْ بالمُدرجاتْ .. بينما ارتفعتْ خمسة أعمِدة إلى الأعلى .. فكانَ الأوسط طويلاً وَكُتِبَ عليه بِلونٍ أزرقّ ..
[ المجلس الأعلى ]
وَالعمودانّ على الجنبانّ أقصرُ قليلاً وَكُتِبْ عليهُما بِلونٍ السماويّ ..
[ المجلس الدِراسيّ ]
وَالعمودانّ الآخيران أقصرّ وَكُتِبْ عليهُما بلونٍ أخضرّ ..
[ المراكزّ المُهمة ]
أمَ الأرضية فكانتْ تلمعّ لدرجة انعِكاسّ الصورّ عليها .. وَكامِلّ المكانّ كانَ بِدرجاتْ اللونّ الرمليّ .. تأمل بعينيه الحمراوينّ المكانَ قائِلاً : ساحِرّ .. هذا المكانُ ساحِرّ !!
زفرتْ نيلسونّ بينما تُعدِل ملابِسها التيّ ظهرتْ فجأةً وَهيَ عباءة تفاحية اللونّ بِذاكَ الزرّ الضخمّ وَقُبعةُ سحرهٍ قمعية الشكلّ حوله شريطٌ أسودّ حريريّ .. وَهيَ تقولّ : لنّ يُعجبك المكانّ بعدما يبدأونّ ، نيكولاس !
رفعَ نيكولاس أحدَ حاجبيهِ قائِلاً : وَلِمَ ؟!
وَقبلَ أنّ يتسنى لها الإجابة .. وصلَ إلى مسامِعهم ذاكَ الصوتْ الصارِمّ : لنبدأ حالاً ...!
سُرعانَ ما تقدمَ خمسةُ أشخاصٍ بِذاتْ العباءاتْ وَالقُبعاتْ لكنّ باللوان مُختلِفة ليجلسوا في مقاعِدٍ تخفتْ خلفَ تلكَ الإعمِدة فتوسطهُم عجوزٌ كهلْ .. غزا الشيبُ شعرُه الطويلْ المربوط إلى الخلفْ بِشكل مُنخفِضّ .. وَعينينّ عسليتينّ باهتتينّ بينما ملئتْ التجاعيدّ وَجهه الشاحِبْ .. وَهوَ يرتديّ العباءة وَالقُبعة بِلونٍ أزرقّ : آنِسة نيلسونّ .. كمَّ أرى أنتش هربتِ مِنْ عالمّ السحرة إلى عالمْ البشرّ .. أتعلمينَ كمّ شخصاً أرسلنا لإحضارِك وَفشِلنا ؟
أخذتْ تعُدّ على اصابِعها وَتُتمتمّ حتى قالتْ : ثلاثةَ عشرّ ، صحيح ؟
تنهدَ قائِلاً : وَثلاثةَ عشرّ .. ليسَ بِعددّ قليلْ كمَّ تعلمينْ !!
نظرتْ إليه وَهيَ تلعبّ باصابِعها : أجل ، صحيحْ !
حولَ بصره نحوَ البقية قائِلاً وَقدْ رفعَ أحدْ حاجبيه : وَ.. سيدّ كريستوفرّ .. هلا شرحتَ ليّ منْ هؤلاء ؟
نظرَ إليهُم كريستوفرّ ثُمَ حكَّ رأسهُ مِنَ الخلفْ قائِلاً بارتِباك : كمَّ ترى سايلاس أنا لمْ أتقنّ عملية [ النقلّ المُحددّ ] جيداً بعدْ لِذا أتيتُ بِهُم معيّ بِلا قصدّ !
تنهدَ قائِلاً : وَما العملُ الآن ؟
فوراً أجابه : استعملّ تعويذة [ محوّ الذاكِرة ] سايلاس !!!
رفعَ [ سايلاس ] أحدَ حاجبيه : أنتَ تعرفْ أنَّ تعويذة [ محوّ الذاكِرة ] ممنوعة إلا عندَ الضرورة ، أوليسَ كذلِك سيدْ كريستوفرّ ؟
أومأ بِنعمّ بينما يُتمتمّ بامتِعاضّ : لكننيّ أردتُ رؤية كيفية عملِها !!
أردفَ سايلاس بانزِعاجّ بعدها : وَأنا السيدّ سايلاس وَليسَ سايلاس وَحسبْ ، سيدّ كريستوفرّ !
قال بِملل : أجل ، أجل .. أعلمُ ذلِك وَأفهمُهُ جيداً !
وَتمتمَّ بِغيضّ : لِمَ هذا بِحقّ الله ؟ سيدّ سايلاس ...؟ هذه سذاجة !
نظرَ سايلاس إلى البقية : عرِفوا عنْ أنفُسِكُم !
أرتبكَ الثلاثة قليلاً قبلَ أنّ يقولَ روبرتْ باسلوبِه المُحترمّ مُعرِفاً عنْ نفسِه : أنا أُدعى روبرتْ ماكسيميليانّ سيديّ !
ابتسمتْ ماريا ابتِسامتها الغبية تلكّ وَهيَ تُجيبُه : وَأنا أد..أدعى ماريا واتسونّ سيديّ !
كانَ الآخيرُ شارِداً يتأملّ المكانّ مأخوذاً بِجمالِه .. فَـ مدتْ ماريا يدها لتقرُصَ جنبه .. فصاحَ بِألمّ مُثيراً استغرابْ جميعَ منْ في القاعة .. فأنبَ روبرتْ ماريا هامِساً : أكانَ لا بُدَّ مِنْ قرصِه يا فتاة ؟ ألا يُمكِنُك لكزُه وَحسبّ ؟
قالتْ وَقدْ لوتْ شفتيها بامتِعاضّ : لمْ يطريّ ليّ أيّ حلْ آخرّ ...!
بالنسبة لـ نيكولاس .. فقدّ أُحرِجَ تماماً وَبِداخلِه كانَ يتوعدّ لِـ ماريا بَ القتلّ .. أعادَ سايلاس آمره : عرفّ عنْ نفسِك !
وَبابتِسامة مُختلطة بالخجلّ مِمَّ حدثْ وَحِقدّ على ماريا المُتسبِبه بِذلك وَالمُبتسِمة بِلا مُبالا الآنْ قال : أُدعى نيكولاس كار.. أوكتافيوسّ !
قاطعهُ الصوتّ المُنفعِلْ مِنْ قِبلّ سايلاس : كيفَ تُفسرينَ هذا آنِسة نيلسونّ ؟
ارتبكتْ نيلسونّ وَتبعثرتْ كلِماتُها .. لكنها لملمتها لتُجيبّ : لمْ أكُنّ أعلمْ بكنيته الحقيقية .. ثُمَ رُبما هوَ مُجردّ تشابُه وَحسبْ !
~ لا يُمكنّ للبشرّ وَالسحرة أن يتشابهوا ، آنِسة نيلسونّ ...
أمَ كريستوفرّ الذيّ كانَ يتذمرّ في نفسِه كونه يُنادى بِـ سيدّ وَيُجبرّ على أنّ يقولَ لِـ سايلاس سيدّ .. أدركَ أخيراً ما سمعّ فَـ صاحّ : أوكتافيوس ؟!!!!!!
وَعلى آثرّ تِلكَ الصرخة .. هدأ الجميعّ وَالتزموا الصمتْ مُدركينَ أنّ هذا لا يُبشِرّ بخيرٍ أبداً .. حاولتْ نيلسونّ التحدُث قائِلة : كريسّ هذا ..
قاطعها كريسّ وَهوَ يُخاطِبْ نيكولاس بعينينّ مُتسعتينّ : أأنتَ جادّ ؟ أوكتافيوسّ ؟ أوليسَ أكتوفسْ أو أوكتيفُس مثلاً ؟
لكنّ نيكولاس أنكرَّ ذلِك بِحركة مِنْ رأسِه : بل أوكتافيوسّ أنا ..
قاطعهُ : لا يُمكِنّ ذلِك .. إمَ أنكَ تهذيّ أو أننيّ أنأ منْ أهذيّ .. أو رُبما أنا نائِمّ .. أيُعقلّ أننيّ ميتْ ؟ لرُبما أنا في الغابة وَوقعتُ على يدّ أحدْ الظِلالْ .. أجل .. أجل .. أنا في [ خيال ظليّ ] !!
صمتْ لوهلة بينما أخذَ نيكولاس يرمشّ مطولاً وَبِسُرعة مُستغرِباً ما يسمعُه : بل .. واقِعّ إنّ كانَ هذا ما تعـ...
قاطعهُ وَقدّ أمسكَ ياقة قميصه وَأخذَ يهزّه : أتعرِف من هُم أوكتافيوسّ يا هذا ؟!!! أتعرفْ ما هيَ هذه العائِلة حقاً ؟!!!
أبعدهُ عنهُ قائِلاً : ماذا تعنيّ بِذلِك ؟!
صاحَ بهِ كريستوفرّ : أنتَ .. أنتَ هوَ الوريثّ الشرعيّ للمملكة .. أنتَ هوَ الوريثْ الذيّ خُطِفَ وَاختفى .. الوريثّ الذيّ كانَ يجبْ أنّ ينقِذّ المملكة منذو زمنّ .. أنتَ من كانَ يجبّ أنْ يُنقِذهُما .. بِسبب إختفاءِك أنا .. أنا .. أ..
لمْ يستطعّ نطقها أو نطقَ أيّ شيء آخر .. خدرَّ لِسانُه .. وَاختنقَ صوتُه .. وَخارتْ قِواه ليقعّ على الأرض وَهوَ مُستندّ بكفيه على الأرض .. شعرَ بالدموعّ تحتشدّ في عينيه .. لكنهُ ما كانَ ليسمحّ لأحدْ برؤيتها .. لقدَ تعهدَ بِذلِك .. تعهدَ بِ ألا يدعّ أحداً يراها بعدما حدثّ .. فنهضَ راكِضاً إلى الخارِجْ .. كادتْ نيلسونّ تلحقُه .. لو لمْ يمنعها سايلاس قائِلاً : دعيّه .. هوَ لنْ يسمحّ لكِ برؤيته وَهوَ في هذه الحاله !
طأطأتْ رأسها بِحُزنّ .. لا يسعُها فعلُ شيءٍ تجاهها بعدَ كُل ما فعلهُ لها هوَ ..
~ هكذا إذاً .. فهمِتُ كُلَ شيء الآن .. أنا .. الوريثْ ؟ أنا .. ساحِرّ ؟
رفعتْ رأسها لتُحدِقْ بِـ نيكولاس أمامها .. بدا حزيناً رُغمَ شبحّ الابتِسامة على شفتيه تمتمتّ نيلسونّ : نيـ...ـكو ؟
تجاهلها مُتابِعاً : قبلَ سنتينّ .. حينَ ماتَ وَالديّ .. أو منْ كُنتُ أظُنه كذلِك .. أخبرنيّ بِبعضّ الأمورّ .. لكننيّ لمْ أفهمها جيداً ..
وَأغمضَ عينيه مُسترسِلاً بذكرياته ..
قبلَ سنتينّ مِنَ الآن .. خرجَ مِنَ مدرستِه بزيّه الأسود لَصفّ المتوسط .. وَكمَّ العادة اتجه فوراً إلى المشفى لزيارة والِدُه المريضّ .. دخلَ المشفى بِخطواتْ هادِئة مُحدِقاً في الزهورّ التيّ أحضرها له .. حينَ سمعَ صوتْ تلكَ المرآة التيّ تتكلمّ عبرَ مُكبِرِ صوتٍ دائِماً .. مُناديتاً على الطبيبّ إلى غُرفة والِده فَـ حالتُه أصبحتْ خطِره .. مِمَّ جعلهُ يترُكّ حقيبته وَالزهورّ خلفه مُهروِلاً نحوَ غُرفة والِده .. وَبِغضّ البصرّ عنْ المراتْ التيّ كادَ يتعثرّ بِها .. وَالمراتْ التيّ تعثرَ بِها فِعلاً .. وقفَ بِشعرٍ مُبعثرّ .. وَعينينّ تعبتينْ .. أنفاسْ مُتسارِعة .. وَوجده مُخدشّ بِخفة آثرَ الوقوعّ عدةَ مراتْ .. يُحدِقْ في سريرْ والِده المجرورّ مِنْ قبل بضعة مُمرضينّ وَطبيبينّ .. حتى تقدمَ إليه وَهوَ يصيحّ : أبيّ .. أبيّ .. لنْ ترحلْ كمّ فعلتَ والدتيّ ، أليسَ كذلِك ؟
نظرَ إليه والِدُه بِوهنّ بعدما تمكنّ نيكولاس مِنْ الوصولّ إليه ليُمسِكَ يدَ والِده التيّ بدتْ كخرقة بالية الآن : ن..نيك..نكولاس .. أ..أنا لستُ .. هه .. لستُ بِو..بِوالِ...دك ..
تجمدَ نيكولاس وظئتَ الكلامْ وَلمْ يتمكنّ مِنَ الحراكْ إطلاقاً .. ظلَّ جامِداً في مكانِه .. لمْ يتكلمْ .. لمْ يتحركّ .. حتى لمْ يرمشّ .. فقط يُحدِقْ في الفراغّ أمامه ..
زالَ تأثيرّ الكلامْ بعدَ فترة قصيرة .. فلحِقَ بِهمّ ليجلسّ خارجْ قسمّ العملياتْ .. انتظرَ وَانتظرَ وَانتظر .. حتى خرجَ الأطِباء بِـ أخبارْ غيرّ سارة .. وَتعاطُفاً مع حالة نيكولاس .. سمحوا لهُ بالدخولّ لرؤية والِده المُحتضِرّ .. وَحينَ دخلّ .. حدقَ بِذاكَ الجسدّ المُستلقيّ على سريرٍ أبيض .. مُتلحِفاً بِـ غِطاءٍ أبيضّ خفيفْ .. وَجهُه شاحِبْ .. وَجسدُه مُغطاً بالأجهِزة .. وَعينيه مُرهقتينّ وَذابلتينّ .. لا يُهمه إنّ كانَ هذا الرجُل أمامه هوَ والِدُه أمْ شخصاً آخر .. الشيء الوحيدّ الذيْ هوَ مُتأكِد منه .. أنَّ هذا هوَ الرجُل الذيّ رباه .. وَلا غيره : أأنتَ بخيرّ ؟
أجابهُ بِتعبّ : لا بُدَّ وَأنهُم أخبروكْ ..!
رفعَ رأسه لتتبينَ عينيه الدامعتينّ : لكنّ .. هُناكَ أمل .. لا بُدَّ مِنْ ذلِك .. ليسوا دائِماً على حقّ .. وَالوقتُ ليسَ سيئاً لتمنيّ مُعجِزة !!
ابتسمَ والِدُه بِوهنّ على كلامِه : أنتَ مُتفائِل .. اكره احباطك .. لكنّ .. الأمرُ انتهى .. لِهذا أردتُ إخبارك بالحقيقة على الأقل !
سدَّ أذنيه فوراً وَهوَ يعترِضّ : لا أريدْ .. لا أُريد تلكَ الحقيقة التيّ ستُبعدّ كونك والِداً ليّ ...!
لكنّ ما منْ مجالّ لنِقاشّ في هذا : يجبُ ذلِك .. حتى لو لمْ تُرِدّ !
خنقتهُ العِبرة .. هوَ فكرَ بالأمرّ مِنْ جميعّ النواحيّ .. عدمْ معرِفتُه بالواقعْ لنّ يجلبْ إلا المشاكلْ .. فهوَ سيعيشّ وحده لآنهُ وَبطريقة آثارتْ استغرابه .. لا يملكّ أيَّ أقارِبْ إطلاقاً .. لكنهُ أيضاً قدْ قررَّ مُسبقاً بِأنهُ لا يُريدُ ذلِك .. فليبقى جاهِلاً وَحيداً لا بأس .. على أية حال لنّ تتقبله عائِلتُه الحقيقية بعدَ كُلَ هذه الأعوامْ .. بل وَكيفّ سيُصدِقونه وهوَ منْ ظهرَ هكذا فجأةً .. لا فائِدة مِنَ معرِفته .. لكنّ والِده أصرّ على ذلِك .. وَما جعلهُ يقتنع كلِمة والِده ..
[ أنتَ لا تنتميّ إلى هذا العالمْ ]
لمْ يفهمّ مقصده إطلاقاً .ز لِهذا قررَّ بعدَ تردُد طويلّ الإستِماعّ .. فكيفَ لِهذه الجُملة أنّ تكونَ صحيحة ؟
بدأ والِدُه حديثه : عندما كُنتَ صغيراً .. أنا .. أنا اختطفتُك مِنْ منزِل والديكَ سِراً .. وَوالِدتُك لمْ تدعكَ وحيداً .. فهيَ .. لمْ توجدّ أصلاً .. أنتَ مِنْ عائِلة ضخمة وَكبيرة تُدعى أوكتافيوسّ .. لا بُدَّ وَأنهُم لا زالوا يبحثونَ عنك إلى الآن .. لِهذا أمرتُك بِأنّ تحترِسّ مِنْ بعضّ الأشخاصْ .. لمْ أجرؤ على العودة إلى هُناكْ بعدَ الخطاء المُشينّ الذيْ ارتكبتُه ..
أغمضَ عينيه في تلكَ اللحظاتْ يتذكرّ الأمرّ وَقالَ بِخفوتّ : أنتَ لا تنتميّ إلى هذا العالمْ !
طالَ صمتُ والِده .. لمْ يعُدّ يشعُر بِبطنِه الصاعِدّ الهابِط .. أيُعقلْ أنهُ ...؟
همس : أبيّ ........ أبيّ ؟
لا مُجيبّ .. صاحَ حينها : أبـــي .. لا تترُكنيّ .. أبـــي !!
بعدَ كلامِه عمَّ حدثَ له .. كانتْ اللسِنتهُم في جحورِها .. فلمْ يجرؤ أحدٌ على الحديثْ .. تأملتْ نيلسونّ تلكَ الدموعّ المُحتشِدة في عينيه .. كمَّ الأمرُ معها .. فَـ هيَ بالرُغمْ مِنْ أنها سمِعتْ هذه القُصة كثيراً مِنه وَمِنّ أللسُنّ أولئِكَ الا مُبالينّ الذينَ يتحدثونّ دائِماً في المدرسة .. إلا أنها تأثرتْ أكثرَ هذه المرة .. فسرتْ تِلكَ الابتِسامة على شفتيه بِـ أنهُ سعيدٌ لفهمِه الأوضاعَ الآن ..
تقدمَ بِخطواتْ حاولَ بِجُهدّ عميقْ ألا تتحولّ إلى هرولة .. هوَ بِحاجة إلى بعض الهواء حالياً .. فأتخذَ نفسّ الطريقْ الذي اتخذه كريستوفرّ مِنْ قبلِه .. فخرجَ مِنْ بوابةٍ ضخمة نحوَ حديقةٍ خضراءَ ضخمة .. توسطتها نافورةٌ حجرية رمادية اللونّ .. حولها ثلاثةُ كراسٍ مُعاكِسه .. وَبجانِبْ النافورة كريستوفرّ الجالِسّ على ركبتيه على العُشبّ .. مُتكِئاً ببقية جسدِه على النافورة يُحدِقْ بانعِكاسِه في المياه .. مسحَ نيكولاس تلكَ الدموعّ المُنزلِقة ، وَاقتربَ منه : ماذا فعلتْ ؟
أجابهُ كريستوفرّ بينما يُحركّ بطرفْ اصبعه السبابة المياه : أعتذرّ عمَّ بدرَ منيّ .. انفعلتُ قليلاً !
جلسَ نيكولاس على كُرسيٍ بِجانِبْ كريستوفرّ الجالِس على العُشبّ بحيثْ قبعة النافورة خلفه : أو..ـكتـ..ـافـ..ـيوس .. لمْ أتوقعّ هذا أبداً !!
ظلا الاثنانْ يُحدِقانّ باتِجاه مُعاكِسّ لِبعضِهما مطولاً : سمِعتُ قُصتك .. آسِفْ لِمَ جرى .. يبدوا أننيّ آذيتُك !
~ لطالما شعرتُ بِأنيّ لا أشبِه أبيّ إطلاقاً .. وَالآن ؟ اتضحتْ الأمورّ !!
~ لمْ أقصِدّ ما فعلتُه إطلاقاً .. كانَ خاطئاً .. أسامحتنيّ ؟
~ منْ كانَ ليتوقعّ ذلِك .. أنا .. الوريث ؟
~ كيفَ انفعلتُ بِتلكَ الطريقة بِحقّ الله ؟
~ يبدوا أننيّ سببتُ لكَ الآذى بِالسابِقّ ..
بِخفوتّ ضحِكَ كريستوفرّ .. ليُحدِقّ بهِ نيكولاس : ما المُضحِك ؟
~ بِبساطة .. أنا أتحدثّ بشيء وَأنتَ تتحدثْ بشيءٍ آخر !
حركَ نيكولاس قدميه خلفْ ، أمام بينما يقول : كُنتُ أُحاوِل جعلكَ تنسى .. أعنيّ هوَ ليسَ بالأمرّ المُهِم .. لا ألومك فيبدوا أننيّ أفسدتُ شيئاً في حياتِك بِسببْ اختفائيّ ..!
~ لا بأس .. إنهُ شيءٌ قد انتهى ألآ..
توقفَ عنْ الحديثّ فاستغربَ الأخيرُ منه : ما الأمرّ ؟
بِهمسّ : منبوذّ !
~ ماذا ؟
~ هُناكَ طاقةُ منبوذّ في المكانّ .. أشعُرُ بِها !
~ منبوذّ ...؟ منْ هوَ المنبوذّ ...؟
قطبَ حاجبيه باستغرابْ فهوَ لمْ يفهمّ شيئاً على الإطلاقْ .. أمَ كريستوفرّ فأمسكّ بيديه : أصغيّ إليّ وَلا تُعارِضّ إطلاقاً ، أفهمِتْ ؟
أمَ القاعة فقدّ كانَ المكانُ هادِئاً للغاية .. لمْ يجدوا ما يقولوه .. ثورة كريستوفرّ تليّها قُصة نيكولاس .. فعلاً انعقدتْ اللسِنتهُم .. قاطعة صمتهُم صاحِبة الشعرّ الكستانئّ قائِلة : أبي .. أتآذنّ لي باللحاقِ بِهم ؟
أومأ لها بِـ نعمّ .. فابتسمتْ وَخرجتْ خلفها روبرتْ وَماريا .. عبرتْ تلكَ البوابة نحوَ الحديقة الضخمة .. لتُحدِق في الهيئة الغريبة لكريستوفرّ .. فقدْ كانَ واقِفاً بِلا حراكّ يُحدِقّ في العدمّ بِوجه مدهوشّ .. وَالهواء يُحركّ شعره مِنْ خلفه .. نادتْ عليهِ مرة وَاثنتانّ وَثلاث بِلا فائِدة .. وَبعدما شدتّ ماريا شعره بِشدة وَلمْ يُبديّ أيّ استِجابة .. تأكدتْ نيلسونّ مِنْ أنهُ تحتَ تأثيرّ تعويذة [ الثباتّ ] .. مِمَّ جعلها تعودُ مُهروِلة إلى القاعة مُناديتاً سايلاس .. مُخبِرتاً إياه بِـ أنَّ كريستوفرّ تحتَ تأثيرّ تعويذة [ الثباتْ ] .. وَهيَ شعرتْ أنَّ هُناكَ سِحرُ منبوذّ في الأمرّ ... وَكمَّ يعرفْ الجميعّ تعاويذّ المنبوذينّ دائِماً لهُ تأثيرٌ سلبيّ إذا أطالَ البقاء .. فانتفضَ سايلاس واقِفاً مِنْ مكانِه .. وُبادراكِه لضعفِه وَعدمّ مقدرتِه استعمال السِحرّ في هذا العُمرّ .. فَـ استعانَ بِـ أحدّ سحرة مجلس الدِراساتْ ليُساعِدة على [ فكّ ] التعويذة .. وَهوَ رجُلٌ في الثلاثينْ ذو شعرٍ بُنيّ مائِل إلى السوادّ .. وَعينينْ بِنفسّ اللونْ .. يرتديّ عباءة سماوية وَتلكَ القُبعة ذاتها .. وَامكانيتهُما معاً .. فكّا تلكَ التعويذة .. وَشيئاً فَـ شيئاً بدأ كريستوفرّ يتحركّ .. حتى وقعَ على الأرضِ قائِلاً : لقدْ أخذوه !
BrB ~
__________________
.
.
.
" اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القيوم لا تأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوم
لهُ مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرْض مَنْ ذا الذي يَشفعُ عِندهُ إلا بإذنِه
يَعَلَمُ مَا بَينَ أيدِيهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بشيءٍ مِنْ عِلمِه إلا بِما شاء
وسِعَ كُرسيهُ السماواتِ وَالأرض ولا يؤودهُ حِفظهُما وهوَ العليُّ العظيم "
.
.