الموضوع
:
ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ..!
عرض مشاركة واحدة
#
1
07-28-2012, 08:09 PM
محب الصحابه
ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ..!
الغضب وإن كانت حقيقته جمرة تشعل النيران في القلب ، فتدفع صاحبها إلى قول أو فعل ما يندم عليه ، فهو عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولٌ بالحق ، وغيرةٌ على محارم الله ، ودافعه دوماً إنكار لمنكر ، أو عتاب على ترك الأفضل .
والغضب له وظيفة كبيرة في الدفاع عن حرمات الله ودين الله ، وحقوق المسلمين وديارهم ، لكنه إذا ابتعد عن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحول إلى شر وعداوة ، وخلافات وفرقة .
والغضب ينقسم إلى نوعين : غضب محمود وآخر مذموم ، ولكل منهما آثاره على النفس والمجتمع ، من سعادة أو شقاء ، وثواب أو عقاب .
فالغضب المذموم هو ما كان لأمر من أمور الدنيا ، وكان دافعه الانتصار للنفس ، أو العصبية والحميّة للآخرين .. وهذا الغضب تترتب عليه نتائج خطيرة على صاحبه وعلى مجتمعه ، ومن ثم حذرنا منه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأوصانا بعدم الغضب في أحاديث كثيرة ، ومناسبات عِدَّة ، من ذلك : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ
، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
) رواه
البخاري
. والصٌّرَعة: هو الذي يغلب الناس بقوته.
وعن
أبي هريرة
ـ رضي الله عنه ـ قال : (
أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أوصني ، قال : لا تغضب ، فردد مراراً ، قال : لا تغضب
) رواه
البخاري
، وفي رواية (
لا تغضب ولك الجنة
) رواه
الطبراني
.
أما الغضب المحمود فهو ما كان يغضبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لله ولحرماته ، ولم يكن لنفسه فيه نصيب ، وكان بسبب اعتداء على حرمة من حرمات الله ، أو قتل نفس مسلمة ، أو أخذ مال بغير حق ، وغيرها من المحرمات والمحظورات التي نُهِيَ عنها في دين الله ، ففي مثل هذه الحالات كان غضبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
عن
عائشة
ـ رضي الله عنها ـ قالت: (
ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل
) رواه
مسلم
.
فلم يغضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه أبدا ، يبين ذلك
أنس
ـ رضي الله عنه ـ فيقول : (
خدمت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ عشر سنين ، لا والله ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أف قط ، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته
) رواه
أحمد
.
أما مواقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي غضب فيها لله فهي كثيرة ، منها :
عن
عائشة
ـ رضي الله عنها ـ أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أي في العفو عنها) ، فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا
أسامة
حب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكلمه
أسامة
، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
أتشفع في حد من حدود الله ؟!، ثم قام فاختطب فقال : أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن
فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها
) رواه
مسلم
.
ومن مواقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي ظهر غضبه فيها ، حين بعث
أسامة بن زيد
ـ رضي الله عنه ـ في سريّة ، فقام بقتل رجلٍ بعد أن نطق بالشهادة ، وكان يظنّ أنه إنما قالها خوفاً من القتل ، فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فغضب غضباً شديداً ، وقال له : (
أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟!، قلت : يا رسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟!، فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ
) رواه
مسلم
.
وعن
عائشة
ـ رضي الله عنها ـ قالت: (
دخل عليّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي البيت قرام
(وهو الستر الرقيق)
فيه صور ، فتلوّن وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم تناول الستر فهتكه ، وقال : من أشد الناس عذابا يوم القيامة ، الذين يصوّرون هذه الصور
) رواه
البخاري
.
وشكا إليه رجل إطالة الإمام في صلاته ، ومشقة ذلك على المصلّين ، فغضب ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى قال
أبو مسعود
: " ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ " ، ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
يا أيها الناس ، إن منكم لمنفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة
) رواه
أحمد
.
بل كان يغضب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجرّد تباطؤ الناس عن الخير، فعن
جرير بن عبد الله
ـ رضي الله عنه ـ قال : (
خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحثنا على الصدقة ، فأبطأ الناس ، حتى رؤى في وجهه الغضب
) رواه
أحمد
.
من هذه المواقف وغيرها يتبين لنا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم كان يغضب ، وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ، أو تأخر الناس عن فعل الخير .. لا انتصار فيه للنفس ، ولا مدخل فيه للهوى أو حب الدنيا ..
ومن ثم فعلى المسلم أن يتجنب أسباب الغضب ودواعيه ، من الحقد والحسد ، والحرص على الدنيا ، والجدال والخلاف .. وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة .
هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الغضب :
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، فالشيطان الذي أخرج آدم ـ عليه السلام ـ من الجنة ، ودفع قابيل لقتل هابيل، هو نفسه الذي يثير الغضب ، فلا يترك الإنسان حتى ينساق له ويتمثل لأمره ، لذا أرشدنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند الغضب ، لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم .
عن
سليمان بن صرد
قال : (
استب رجلان عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه
(العروق المحيطة بعنقه)
، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
) رواه
مسلم
.
وعن
أبي هريرة
ـ رضي الله عنه ـ قال : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه
) .
ومن وصايا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للغاضب : أن يغير مكانه ، فإذا كان واقفًا فليجلس أو يضطجع ، فعن
أبي ذر
ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (
إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع
) رواه
أبو داود
.
وفي ذلك علاج لتهدئة النفس ، وإخماد نار غضبها ، لأن الإنسان في حالة الوقوف يكون مهيئًا للانتقام أكثر منها في حالة الجلوس ، وفي حالة الجلوس منها في حالة الاضطجاع ، لذا جاء الوصف النبوي بهذه الوصفة الدقيقة ، التي أكدتها الدراسات النفسية المعاصرة .
السكوت وضبط اللسان هدي ودواء نبوي لعلاج الغضب ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
علِّموا ، ويسِّروا ولا تعسّروا ، وإذا غضب أحدكم فليسكت ، قالها ثلاثًا
) رواه
أحمد
.
فإطلاق اللسان أثناء الغضب قد يجعل الإنسان يتلفظ بكلمات يندم عليها بعدها ، ومن ثم أوصى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغاضب بالسكوت ، وأوصى المسلم بوجه عام بقول الخير أو الصمت ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت
) رواه
مسلم
.
ومن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الغضب كظمه بالحلم والعفو ، ولا شك أن ذلك يفتح أبواب المحبة والتسامح بين الناس ، ويسد أبواب الشيطان التي يمكن من خلالها أن يدخل بين المسلمين ، فيثير العداوات والبغضاء في صفوفهم ، بل ويرتقي بالغاضب إلى الإحسان إلى من أساء إليه .
وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ القولي والفعلي في عدم الغضب وكظم الغيظ والعفو كثير، من ذلك :
قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (
من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء
) رواه
ابن ماجه
.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (
ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله
) رواه
مسلم
.
فهذه الأحاديث وغيرها تحث المسلم على عدم الغضب ، بل على العفو والتسامح ، والابتعاد عن الانتقام ، وتبين الأجر العظيم لذلك في الدنيا والآخرة .
وعن
أنس
ـ رضي الله عنه ـ قال : (
كنت أمشي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد ، مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ، ثم أمر له بعطاء
) رواه
البخاري
.
هكذا كان هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهو أَمْلَكُ الناس لنفسه في مواطن الغضب ، إلا أن تُنتهك حرمات الله تعالى ، فعندها يغضب ، فما أحوجنا للامتثال بهديه صلى الله عليه وسلم ، في الرضا والغضب ، بل في حياته كلها .
اسلام ويب
محب الصحابه
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى محب الصحابه
البحث عن المشاركات التي كتبها محب الصحابه