عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-01-2012, 12:20 PM
 
هبة رياح الخير فاغتنمها


أخي الحبيب ها هو شهر رمضان قد دنا فمن مستعد ومتثاقل، وفي غمرة الانشغال بهذه الدنيا أردت أن أساهم في التعاون على الخير بذكر نصائح تعينني وإخواني على اغتنام هذا الشهر الكريم.
وقبل أن أسردها دعني أسألك: كم رمضان قُبل منك فيما مضى؟ وهل ستدرك غيره في المستقبل؟(1)

ينبغي أن تكون الإجابة بـ "لا أدري"؛ فنحن من القبول في قلق، لم لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورُب قائم حظه من قيامه السهر» (2). وقال في وصف الخوارج(3): «يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (4) أي "لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل ."(5)

هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يضمن أحد منا أن يدرك رمضان آخر، قال تعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]، وثَم أناس كانوا معنا رمضان الماضي هم الآن في قبورهم، ”كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر كم من مستقبل يومًا لا يستكمله و مؤمل غدًا لا يدركه:

كم كنت تعرف ممن صام في سلف*** من بين أهل و جيران و إخوان
أفناهم الموت و استبقاك بعدهم *** حيا فما أقرب القاصي من الداني"(6)

فإذا كان ذلك ما علمت، فلا بد من الانتباه حتى نغتنم هذه الفرصة: فرصة إدراك شهر رمضان، ومن العوامل المعينة على ذلك:

أولا: شهود المنة واستشعار النعمة:

نعم، إن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة، فعن أبي هريرة قال : كان رجلان من بِلى من قُضاعة أسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فأريتُ الجنة، فرأيت فيها المؤخَّر منهما أدخل قبل الشهيد، فعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة؟!» (7)

وفي رواية "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس قد مكث هذا بعده بسنة؟» قالوا : نعم. قال:«وأدرك رمضان فصامه وصلى كذا وكذا في المسجد في السنة؟» قالوا:بلى، قال: «فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض».(8)

ثانيا: الصدق الصدق:

إن كثيرًا منا يحب أن يفعل كثيرًا من الطاعات في رمضان ثم يدركه، وما هي إلا أيام فيصبح هذا مجرد أمنيات لم تُحقق إلا من رحم ربي، ومن أسباب ذلك ضعف الصدق مع الله، (وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، وخص المنعَم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقًا، ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانًا منه وتوفيقًا، ولهم مرتبة المعية مع الله فإن الله مع الصادقين ولهم منزلة القرب منه إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين، وأخبر تعالى أن من صدقه فهو خير له فقال: {ْفَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد : 21]، وأخبر تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم: من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق فقال: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة، وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان، وقسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق فقال: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 24]، والصدق يكون في الأقوال باستواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، ويكون في الأعمال باستواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد، ويكون في الأحوال باستواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة، فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق). (9)

لا تنس الصدق في الأحوال أركانه: الإخلاص، واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة.

وتعلَّم الصدق من الصادقين، واعرف كيف يوفي المؤمنون ما عاهدوا الله عليه عسى أن تلحق بالركب، فها هو أنس بن النضر يضرب لنا مثلا واقعيًّا على الصدق – جعلني الله وإياك من الصادقين- فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن اللهُ أشهدني قتالَ المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعنى أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعنى المشركين - ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ، الجنة، ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفى أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية [الأحزاب، 23]. (10)

أين منا من يقول: لئن أدركت رمضان ليرين الله ما أصنع، ثم يوفي؟!

وانظر إلى الأدب قال: " ليرين الله ما أصنع " وفي بعض الروايات: "وهاب أن يقول غيرها"(11) "أي خشي أن يلتزم شيئا فيعجز عنه فأبْهم" (12)، ثم وفى بما عاهد الله عليه حتى قال سعد بن معاذ: " فما استطعت يا رسول الله ما صنع " "دل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن سعد ابن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر(13)على ما صنع أنس ابن النضر "(14)
واحذر أن تكون ممن عاهد فلم يوفِّ؛ فقد قال الله تعالى في وصف المنافقين: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:75-77]، ودع عنك قولهم في ثعلبة بن حاطب الأنصاري(15)، وتدبر السياق القرآني، وقد قال العلامة السعدي – رحمه الله تعالى –: "فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع أن يعاهد ربه إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق كما عاقب هؤلاء."(16)
فانظر إلى فعل أنس بن النضر وفعل أولئك، واختر لنفسك!

ثالثا: المسابقة إلى الخيرات:

قال تعالى: {فاستبقِوا الخَيْراتِ} [البقرة: 148] وقال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعًا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: «ذكرت شيئا من تِبرٍ عندنا، فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته» (17). وفي رواية: «كنت خلّفت في البيت تبرًا من الصدقة؛ فكرهت أن أبيته، فقسمته».(18)
"لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز و جل: {فاستبقوا الخيرات} {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فهموا أن المراد من ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة و المسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه، فكان تنافسهم في درجات الآخرة و استباقهم إليها، كما قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، ثم جاء من بعدهم فعكس الأمر فصار تنافسهم في الدنيا الدنية، و حظوظها الفانية، قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة(19)، و قال وهيب بن الورد : "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل"(20) و قال بعض السلف: لو أن رجلاً سمع بأحد أطوع لله منه كان ينبغي له أن يحزنه ذلك، و قال غيره: لو أن رجلاً سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب، صاحب الهمة العالية و النفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية، و إنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى، و لا يرجع عن مطلوبه و لو تلفت نفسه في طلبه، و من كان في الله تلفه كان على الله خلفه.

قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد ؟ قال : كرامته أريد.
(21) (و إذا كانت النفوس كبارا***تعبت في مرادها الأجسام )
" فحيهلا إن كنت ذا همة فقد *** حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهم *** إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا...
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ***ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة***فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي *** ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا"(22)

وختامًا:

أسأل الله تعالى أن ينفعني وإخواني بهذا، وأن يكون حجة لنا لا علينا.
اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا فيه حسن الطاعة، وتقبله منا، إنك أنت الجواد الكريم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.