اني لاعظكم واني لكثير الذنوب الحمد للّه الذي اختصَّ الإنسانَ بفضيلةِ البيانِ، وصلَّى اللّه على محمدٍ خاتمِ النبيين، المرسل بالنور المبين، والكتابِ المستبين، الذي تحدَّى الْخَلْقَ أن يأتُوا بمثله فعجزوا عنه، وأقرّوا بفَضْلِه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً وبعد في باب الوعظ
قال الأصمعي: بلغني أنّ بعض الحكماء كان يقولُ: إني لأعظكم، وإني لكثيرُ الذنوب، مسرفٌ على نفسي، غير حامد لها، ولا حاملها على المكروه في طاعة اللّه. وقد بلوتها فلم أجد لها شكراً في الرضاء، ولا صبراً على البَلْوَى. ولو أن أحداً لا يعظ أخاه حتى يحكم أمرَه لترك الأمر؟... ولكن محادثة الإخوان حياة القلوب وجلاء النفوس، وتذكيرٌ من النسيان، واعلموا أنّ الدنيا سرورُها أحزان، وإقبالها إدبار، وآخر حياتها الموت، فكم من مستقبل يوماً لا يستكملُه، ومنتظر غداً لا يبلغه؟ ولو تنظرون الأجل ومسيره لأبغضتُّم الأمل وغرورَه.
جمع عبد الملك أهله وولده فقال: يا بني أميّة، ابذُلوا نَدَاكم، وكفوا أذاكم، وأجملوا إذا طلبتم، واغفروا إذا قدرتم، ولا تُلْحِفُوا إذا سألتم، ولا تبخلوا إذا سُئلتم؛ فإن العفو بعد القدرة، والثناء بعد الخبرة، وخير المال ما أفاد حمداً ونَفَى دمّاً. |