09-20-2012, 06:50 PM
|
|
كان دكانه في آخر القرية ، بينه وبين الحقول مسافة قصيرة ، وكان متواضعا جدا ؛ ليتناسب مع البيئة التي فتح فيها . رأيته جالسا على كرسي قصير ، وأمامه منضدة عالية عليها أدواته . وكان متوسط العمر ، على وجهه آثار الصحة ، وفي كفيه خشونة تتناسب مع الصنعة ، قابلني بوجه رزين لا ينبىء بشيء لم يكن فيه تودد ولا ترحيب . ألقى عليه نظرة خاطفة ، وهو يفحص الحذاء الذي قدمته له ، وأحسست بوطأة الخجل ، وهو يقلبه بين يديه ، كما يقلب الطبيب طفلا ميتا ؛ وكأنه يقول لي بغير كلام : لم يبق فيه ، يا سيدي شيء يصلح ، ثم وضعه على المنضدة أمامه ، وانصرف إلى خياطة حذاء جديد على وركيه . كل هذا ولم يرفع إلي طرفا ؛ فأحسست بقلق وضجر ، وغيظ ، وبعد فترة ، تناهى إلي صوته يقول ، وهو مطرق نحو حجره : ماذا تريد يا سيدي ؟ - أريد أن تصلح لي الحذاء . فأجاب دون أن يغير وضعه ، وكأنه يتحداني :خمسون جنيها . - أنا لا أسألك عن تكاليف الحذاءالجديد . - مفهوم . وسكت كل منا ، وجعل يعمل إبرتيه المقوستين فيما بين يديه دون أن يكلمني . فقلت له : - ألا يكفي ثلاثون ؟ - يفتح الله . وخطفت الحذاء ، وانصرفت قبل أن أضربه بشيء ، مما أمامه . وسرت في طريقي أتمتم بدعوات وتمنيات مختلفة ، حتى وصلت إلى حجرتي ، وجلست أستعيد الموقف . ولما هدأ غضبي قلت : - لا مفر هل أسير حافيا ؟ ليكن ما يكون ! وعدت إليه ؛ وكان جالسا كما كان ، يعمل إبرتيه المقوستين .. وألقيت عليه السلام، فلم يرفع إلي طرفا ، وجلست ، فلم ينظر إلي ، ووضعت الحذاء أمامه ، فلم يتحرك . عندئذ قلت : - أرجو أن تنتهي من إصلاحه هذا اليوم . - إن شاء الله . فبلعت ريقي ، وقلت في سذاجة : - ألا يمكن أن تتنازل لي عن عشرة جنيهات ؟ إنك تبالغ . - أنت تعرف جيدا الحالة التي آل إليها حذاؤك . - افرض أنني لا أملك هذا المبلغ . - في هذه الحالة ، استغن عن الحذاء وامش حافيا . فرفع إلي وجهه ، وابتسم للمرة الأولى ، وقال بصوت خافت : - لا تغضب ! ليس في الدنيا شيء يستحق الحزن . - أنت لا تعرف كيف تتكلم ! - يخيل إلي ذلك . أنا لم أخطىء . في الدنيا ناس يتمنون على الله أن يسيروا حفاة ، ويكونوا سعداء جدا بذلك . ألا تصدق ؟ وفك ربيعة رجليه ، وأظهر إحداهمامن تحت جلابيته فإذا بها مقطوعة ، وكان مع ذلك يبتسم في هدوء ! عندئذ ، ذكرت المثل القائل : ( خرجت أطلب حذاء فوجدت أُناسا بدون رجلين ) # آحمدوآ آلله على آلنِعم ! + آلقصه مُقتبسه (: |
|