صفق جادين بيده وقـال بفرح :
ـ أصبت نوا ، لقد قلتهـا الملعون في تلك الحـالة ، شبه ميت ، جراحه تُشفى بسرعة ، والموت لا يُكتب عـليه ، أي لن يستطيع أن
يموت حتى يتذوق آخـر جرعة مـن كأس البؤس ، إذا علمـياً يٌعتبر الملعون ميتـاً ،
ـ كأس البؤس ، لقد ذكرته تونسيـا سابقـاً مـا هو ؟
ـ إنه مجرد مسمّىً أي لا يوجد كأس فعلي ، فقط اسم آخر وألطف من اللعنة ،
ـ ألطف ؟ يا للسخرية ...هـيا فا لنكمل الباقي ، "وتموتون مرةً " ترجموهـا ..
اطبق على المكان الصمت الموحش نفسه ،
ـ آم ، ايعقل بأن الملعون ، يموت قبل أن يعود للحياة ؟
ضربته على رأسه ، لا ألومه ،لهذا هـو مرتبكٌ دائمـا كلامه يجلب الضرب له :
ـ أيهـا الأخرق ، توقف عن التفوه بالأمور الشركية ، إن إعادة الحياة وما شابه ، لن يمكننـا فعلهـا ، أخرق
ـ هنـاك أمرٌ مشابه لمـا يقوله ، الملعون حـين تفك لعنته ، تخرج من جسده خلية خلية ، لذلك يشعر بالألم لدرجة اعتقاده بأنه
سيموت ، وأعتقد بأنه مجرد تشبيه ، وليس الموت الفعلي ، وقـد قـال مرةً أي نفى التكرار ، إذا فعـلا هـو يعني الألم لا غير ،
ـ لأنني عشت سيد من أسياد اللعنة ، أكثر من سبع سنين لذا من البديهي أن أعرف عن هكذا أمور ،
وأنهى جملته بابتسامة ساخرة ،
ـ آخر جزء ، تأكلون دائمـاً ، تجوعون
ابتسم جادين بسخرية وقـال :
ـ بـل إنه الأسهـل ، معروفٌ في الموت الشنيع ، أن الملعون ، أو الوحوش ، نادراً مـا يتملكهم الشعور بالجوع ...
ـ عكس البشريون ، فإنهم في أكـل مستمر ، وجوع غـير منتهي
ـ إذا ، فهم يشبهوننـا بأننـا لا نشبع ، لذلك أستخدم هذا التشبيه الصعب ، لذا هـي صفة من الصفات التي ستعود بـعد أن تنفك
اللعنة من الملعون ، إنهم أغبياء صدقوني ،
تنهدت بارتياح ، وارتمى الأصدقاء على الأريكة بأريحية تامة ، أخيراً حللنـا اللغز هذا ، والآن مـاذا سنفعـل ؟
كـأن جادين كـان يقرأ أفكاري ، إذ قـال بابتسامة جميلة ، كنت قـد اشتقت لرؤيتهـا منذ مدة :
ـ هـيا فا لتذهبوا لأخذ قسطٍ من الراحة ، سـوف نتوجه غداً إلى المكـان المعهود ، وأحب أن أذكر ، بأن البوابة سوف تفتح في
أعلى مكـان في المنطقة ، أتعرف أي مكـانٍ كهذا زايدن ؟
ـ آه ، نعم ، هنـاك برجٌ طويل ، و مهترئ ، لا شك بأنه الاعلى بالمنطقة
ـ إذا فا لتناموا ، تصبحون على خير
وخرج مـن الغرفة مسرعـاً ، تبعه زايدن و نوا ، وبقينـا أنـا وتونسيـا وحدنـا ،
ابتسمت ابتسامة أكـاد أجزم بأنهـا الأولى الحقيقية من بعد موت والداي ، بادلتني تونسيا بابتسامة شاحبة نوعـاً مـا ، لم أهتم ،
ربمـا من الإرهاق ، خرجـنا كلتانا من المكتبة ، لقد قضينـا فيهـا كـل النهار ، ولا أتمنى العودة إليهـا بعد الآن ، كـانت الدنـيا لا
تسع سعادتي ، فأخيراً ستنفتح اللعنة ، وسأصبح حرة مجدداً ، ذهبنـا إلى النوم في تلك الليلة من دون أحداث تذكر ، كنت خائفة
حقيقة من فـشل المهمة ،
حـل الصباح ، وكنـا بقلوبنـا الخـائفة والمرتجفة ننتظر جادين بأن يأتي ، مـع سيارة كـان قـد سرقهـا من أحد المعلمين في المبنى
b ، أتى بهـا ، كانت صغيرة تحمـل أربع مقاعد فقط ، حُشرنـا بهـا ، وكنـا ننتظر المُتنفس فقط ، بعـد حلول الساعة والنصف
تقريبـا ، كنـا قد وصلـنا إلى المكـان المنشود ، كـان التاريخ الرابع عشر ، إذاً فربمـا الليلة هـي المنتظرة ، كـانت الأمطـار تهطل
بشدة ، لم أستغرب ، فقد أطلعنـا زايدن على مناخهـا الرطب ، ، بقينـا في الفندق دون أي أحداثٍ تُذكر ، هدوء على كـل مكـان ، لم
يقترب أحدنـا من الآخر قـط ، الساعة الحـادية عشرة والنصف مساءاً ، اجتمعنـا بأسفـل البرج القديم ، كـانت الأمطار لا زالت
تهطـل بشدة ، بدأ جادين بإعادة سرد الخطة ، وأنـا أنظر إلى الغيوم المكثفة ، منتظرةً انقشاعها لتظهر عـن البدر ، بقينـا منتظرين
نصف ساعة أسفل المطـر بصبر ، اقتربت العقارب من الثـانية عشرة ، كـانت قلوبنـا بارتجاف ، ارتجاف شديد ، وقف العقرب
على الثانية عشرة تماماً ، صرخ جادين :
ركضنـا كلنـا بأقصى سرعتنـا ، نصعد درجات السلم الدائرية ، أصبت بالدوار حقـاً ، ولكن عـلينـا بأن نصـل بالوقت المناسب تماماً
، للغريب ، بمجرد وصول العقـرب على الثانية عشرة ، حتى توقفت الأمطـار عن الهطول فجـأة ، وظهر البدر من وسط الغيوم
السوداء ، ا كـان يحمـل لونـاً مائــلاً للاحمرار ، جواً مرعبـاً ذو رائحة غريبة ، وصلنـا إلى الأعلى ، ظهر دخـان أحمـر كثيف
للغاية ، شعرت بالاختناق ، لم أعد أستطيع التنفس ، يا إلهي ساعدني ، و أُغشي عـلي تماماً ...
رائحة غريبة تسللت إلى جيوبي الأنفية جعلتني أنهض فزعة ، شاهدت الأصدقاء وهم ينظرون إلى حولهم بدهشة شديدة ، كنت
مركزة على مـلامحهم الخـائفة أكثر من المكـان نفسه ، نهضت و وقفت على قدمي ، رويداً رويداً ، حتى أدركت بأنني في عـالمٍ
مختلف تماماً ، عن عالمـنـا ، كـانت حبيبات الأكسجين ذات لونٍ ظاهرٍ للعيان بشدة ، الأرض سوداء محترقة ، كأن الحرب قـد
اندلعت و رمّدت كـل شيء ، رائحة كالصدأ منتشرة ، أبخرة سوداء متصاعدة من باطن الأرض ، أشجار ، سوداء ذات جذور
حمراء ، مقتلعة من أماكنـها بقسوة ، أحب اللونين الأحمـر والأسود ، ولكنني لم أعتقد بأنهمـا يلونان الجوانب السيئة أيضاً ،
رفعت رأسي للسمـاء ، كـانت فاجعة ، شهقت خوفـاً بشدة ، كـانت حمـــراء قـانية ، تضم غيومًا سوداء فاحمة ، مخيف ، مخـيف ،
مخـــيف ، أيقظت حسي ، تـلك الانفجارات المندلعة من وسط الأشجـار أو مـا تبقى من الأشجـار ، ازدردت لعـابي ، وتبعت جادين
والآخرين و قـد هموا بالركض نـاحية الصوت ، قلعة كبيرة ، سوداء كالظلال ، الأعلام السوداء في كـل قمة ظاهرة عُلقت بهـا ،
فعـلاً اسمٌ على مسمى ، الموت الشنيع ، صرخ جادين :
ـ انتبهوا ،
آرجو عدمم الرد ....