كـان تحذيره أتى متأخراً ، إذ كـان نيزكـاً مشتعلاً ، متوجه إلينـا ، أغمضت عيني على مضض ،
ولكنني سمعت صوت ارتطام عجيب ، فتحت عيني لأُصدم بديميتروس ، وهـو يضع الحـامية العملاقة
أمـام جسده وصـاعدٌ على تنينٍ أسود كبير مُقشعر للأبدان ، وبجانبه وحش اللعنات الذي لا يُنسى ،
سقط النيزك أرضـاً وخمدت نيرانه ، التفت ديميتروس إلينـا بـ بدلته الحديدية وصاح قائلًا بغضب :
ـ لماذا تظهرون في المواقف الحامية دومـا ، سحـقاً لكم ماذا تريدون ؟
حدثه جادين باحترام لا يليق بمكانة الحقير ديميتروس :
ـ أعتذر ، ولكننـا بصدد البحث عن علاجٍ للعنـات حاليـ ...
ـ حسنـاً حسنـاً ، اعدكم سأساعدكم لاحقـاً ، لكن حاليـاً ، اختفوا عن أنظاري ، في كهف التنين ،
أسرعوا ،
وطـار بـ تنينه بعيداً عنـا ، يبدو أنهم في مشكلة ، تجاهل جادين رد ديميتروس القاسي ، واستمر
بالمشي ، بـاحثـاً عن الكهف ، مشيـنا خلفه بانصياعٍ تـام ، كنت أرى الأفـاعي السوداء تزحف أسفـل
قدمي بأريحية ، و أنـا أرتعش خوفـاً فوقهـا ، وصلنـا إلى الكهف ، كـان مهول الحجم ، مظلم الضوء
، رائحة عفنة تصدر مـن داخله ، لم أتهيأ للدخول ، وبقيت خارجـاً قليلاً ، ترى ما لذي يحدث هنا ألدى
جادين أي فكرة ، ربمـا علي الدخول لأفهم منه لم يكونوا قـد تعمقوا كثيراً في الكهف ، وصلت إليهم
و قـد كـانوا يتكلمون ، وعندمـا اقتربت صرخ جادين بحذر :
لا ألومهم فهم لا يرون شيـئاً ، صحت قائلةً أنـا الأخرى بغيض :
سمعت تنهد تونسيا الأنثوي ، تبعه صوتها الحزين :
ارتميت على أرضية الكهف الساخنة ، كم أبغض الانتظار ، :
ـ هيه ، جادين ، ما لذي يحدث ؟
ـ لا فكرة لدي ، ربمـا أحد الأسياد قـام بخيانته
ـ لماذا ، سنتغلب بهذه الطريقة عـلى ديميتروس وسيكون النـصر لنـا ..
ـ شيلا ، أيمكنكِ السكوت لبرهة ؟
صمت وأنـا مجروحة الكـرامة هذه المـرة الألف التي أشعر بهـا أنني مزعجة وغـير مرغوبٌ بـي هنـا
، نهضت من الأرضية بقوة ، ممـا أحدث خشخشة خفيفة عـلى الأرض ، سمعت صوت تونسيا القلق
وهـي تقول :
صرخت وأنـا أمشي لخـارج الكهف بخطواتٍ قوية :
ـ لا تقلقوا المزعجة ستذهب بعيداً عنكم ، تباً
سمعت أصواتهم المتعارضة ولكن لم أتوقف ، خرجت من الكهف ، وتوقفت خارجه برهة أحاول
التنفيس عن غضبي قليلاً ، نظرت إلى السماء ولحظت جسمًا يطير من بعيد ، ضيقت عيني لأراه
،كـان تنين ديميتروس ، اقترب كثيراً ، وبدأ يحلق فوقي تمـاماً ، كـانت أصوات تصفيق أجنحته
ببعضهمـا ، أخرجت الأصدقاء من الكهف برهبة ، قفز ديميتروس مـن عـلى ظهر تنينه الذي كـان
يبعد عن الأرض ، سبعة أمتار ، تنفس الصعداء ، وقـال بهدوء :
ـ لـقد تخلصتُ من المشكلة الآن ، ولن أنكـر بأنني وعدتكم بفك اللعنة عنكم ..
أخرج سيف ، صُنع من الفضة اللامعة ، كـان مقبضه يحمـل زمردة حمراء ، اقترب منـي ، وخدش
كتفي لتتساقط بضع قطرات من الدماء في علبة صغيرة أخرجهـا من مخبأه ، تألمت ولكنني لم أحب
أن أُظهر ألمي ، اقترب من جادين ، وعمـل لـه نفس الحركة ، ابتعد عنا قليلاً ، وابتسم بخبث ، شرب
الدمـاء مباشرة من القنينة ، تباً له ، مقزز ، كسر القنينة بيده ، وقـال وهـو يصعد إلى تنينه الذي هبط
منذ لحظات :
ـ أغبياء ، دمائكم ستمحني المزيد من القوة ، العلاج لن أحققه لكم ليس الآن على الأقـل
قهقه من الضحك ، واستطرد بعدها بسخرية :
و صعد تنينه ، لكن جادين كـان له بالمرصاد ، إذ اقترب منـه وأمسك بقدمه ، قبل أن يصعد ، أخرج
ديميتروس ، السيف وقطـع كتف جادين ابتسم بعدهـا ، وقـال متظاهراً الحزن :
ـ لم أرد أن أفي بوعدي ، يا للأسف
، صدمنـا كثيراً ، صرخت وأنـا أقترب منهمـا :
ـ سحقاً لك ، ديميتروس الغبي ،
قفزت عـلى ظهره ، وأخذت أعض رقبته من الخلف ، وأنـا أشعر بشعيراته تتداخـل وسط أسنـاني
لأقطعهـا بغضب ، وأنـا أشعر بالغيظ الشديد منـه ، دفعني بقدمه ، ومسح رقبته باشمئزاز ، ارتطم
رأسي على الحجرة الحادة ، لتنزف قليلاً ، نهضت بسرعة متناسية ألمي ، اقتربت من جادين ،
وأمسكت بكتفه ، صـاح متألمـاً ، ابتعدت بخوف ، وبدأت الدموع بالنزول شيئاً فشيئاً ، :
ـ جادين ، جادين ، انهض أرجوك ، لن نستطيع أن نعيش من دون ذكـائك ، جادين هـيا ..
فتـح جادين عينيه البنفسجيتين كـانتا ذابلتين للغاية ، مـد يده ، ليبدأ بمسح خدي برفق ، قـال
والابتسامة قـد شقت وجهه :
ـ شيلا أعتذر عن مـا فعلته ، سأقــول لكِ العلاج الوحــيد ، كـان بأن يموت أحدانـا ، كنت أتمنى بأن
أكـون أنـا ، و الحمد لله ، حُققت الأمنية ، فعـلاً شيلا ، هذا كـان العلاج منذ البداية ولكن كنت أعلم
بأنني إذا دخلت إلى عـالم اللعنـات لن أخرج حيـاً منهـا ، سامحيني عـلى مخاطرتي بكِ ، شيلا ، لم
نَمُت أنـا و والداكِ سوى لأننـا نريدكِ أن تعيشي سعيدة ، لا تخييبي ظننـا ، ولتكوني أسـعد فتـاة في
الحـياة ، نحن نحبكِ للـ غـ ..ا ية ..
توقفت أنفاسه ، حركة جسده تجمدت ، الشيء الوحيد الذي كـان يتحرك هـو تدفق الدمـاء من جسده
بغزارة ، أمسكت تونسيـا بذراعي وأنهضتني مـن الأرض ، كنت كالآلة منصاعةً لأوامرهـا ، نزع نوا
معطفه ، وغطى نصف جسد صديقه ، خرجـنا من عالم اللعنـات بسهولة أكبر من خروجـنا ، كـان
من المفترض أن أعود إلى عالمنـا بفرحة ، فأخيراً سأعود إلى الفتاة الطبيعية ، ولكن قلبي ، وكـأن
بـه طعنة كبيرة ، الدموع لم تتوقف عن الانهمار ، لم أقضِ معه طويلاً ولكننـا تعلقت بـه كثيراً ، كم
أتمنى بأن ترقد بسلام ، أغمضت عيني ، وتبسمت وسط دموعي وقـلت هامسة بصوتي الشـاحب :
ـ فا لترقد بسـلام ، جادين ...
تلك هـي قصتي قـد خطهـا قلمي أنـا " شيلا " ، كنت أعتقد بأن السعادة تكمن عندمـا يكون كـل شيءٍ
في محله ، ولكنني ومـع تقدم الأيـام ، علمت بأن السعادة الحقيقية تلك التي تكون ، أثناء بعثرة
الزمن ، والآم الحيـاة ، السعـادة الحقيقة تكمن في الأصدقــاء ، كـانت أيـام لعنتي ، هـي مـا جعلتني
أتعرف على الكثير من الأصدقـاء الصدوقين فا لتقلبوا الأمور لصالحكم ، لا تحزنوا ، ابتسموا للدنـيا
، ستبتسم لكم مرغمة ،و الآن قـد تخرجت من الثـانوية ، وأصبحت كـاتبة مشهورة في عـالم
الروائيين ، كـل رواياتي تتحدث عـن سلسلة اللعنة ، لتكون مستقبلاً علاجٌ لأمثـالي سابقـاً ، صديقتي
الجميلة تونسيـا ، أصبحت ممثلة شهيرة ، جسد جمـيل ، وجه أجمـل ، ما لمانع ، نوا ، أصبح مـحامٍ
كبير ، وصيده في كـل البلاد ، زايدن ، أبٌ سعيدٌ مـع أبنائه ، أصبحت نسخة من أمـي ، في أخلاقهـا
وتصرفاتهـا ، لا زلت كـل يومٍ أدعـوا لجـادين في السعـادة أينمـا كان ، لا زال عـالم اللعنات كمـا هـو
، ولا زال سنوياً الكثير من الأطفـال يُلعنون كم أتمنى بأن أساعدهم ، ولكن ما باليد حيلة للأسف ،
أمـام هذه السمـاء الكبيرة ، ذكرياتنـا قـد حدثت وانتهت ، استغـل أوقاتك ، ما دمت أسفـل السمـاء ،
أكمـل أيامك ، إذا لم تذهب لأعلى السمـاء بـعد ، ولا تكـن ملعونـاً مثـلي ، بــل اصنع من الحـياة لوحة
أنـت زينتهـا ، ولا تنسى بأن الأصدقـاء والأهـل الذين يبيعون حياتهم لشراء سعادتك ، أولائك ، من
عـليك بأن لا تخيب ظنونهم ، توقف عن كرههم ، واستغـل الأوقـات ببناء مسـتقبلٍ هم يتمنونه
، أحبكم يـا من قرأتم قصتي بدون تملل ، لـقد عانيت كثيراً من اللعنة ، ولكنني الآن سعيدة ، فلتكونوا
أنتم كذلك ..
^^