عرض مشاركة واحدة
  #276  
قديم 10-08-2012, 08:55 PM
 


قالت لجارتها يوما تسائلها عنّي ، و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال الفتى في الدّار معتزلا كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا و للحديث مجال ، و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم ، لا تبدو نواجده و إن بكى ، فله نزع و إرنان

كأنّما كلّ عضو فيه بركان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم يا جارتي ، كان لي أهل و جيران
فنبّت الحرب ما بيني و بينهم كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذا كان لي وطن فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها تلك المغاني ، و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة بالشام ، ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لوعتهم لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى ، فقلت لها هيهات ، ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله كمن عليه أكاليل و تيجان ؟
قالت ، و يا ويح نفسي من مقالتها كفكف دموعك ، بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل عنه جارتنا بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان ؟
و هل تعود إلى لبنان بهجته و هل أعود و في لبنان نيسان ؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟
بني بلادي ، و لا أدعو بخيلكم غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي ، و لا أدعو جبانكم ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي ، و كم أدعو ...! أليس لكم كسائر الخلق أكباد و آذان ؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة و لا تناموا و في لبنان سهرا
__________________

وما من كاتب إلا سيفنى ويبقى الدهر ماكتبت يداهـ فلا تكتب
بخطك غير سطراً يسرك في القيامة أن تراهـ


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
كن هادءاً كالماء، قوياً كالدب، شرس كالمستذئب
رد مع اقتباس