قالت لجارتها يوما تسائلها عنّي ، و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال الفتى في الدّار معتزلا كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا و للحديث مجال ، و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم ، لا تبدو نواجده و إن بكى ، فله نزع و إرنان
كأنّما كلّ عضو فيه بركان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم يا جارتي ، كان لي أهل و جيران
فنبّت الحرب ما بيني و بينهم كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذا كان لي وطن فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها تلك المغاني ، و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة بالشام ، ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لوعتهم لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى ، فقلت لها هيهات ، ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله كمن عليه أكاليل و تيجان ؟
قالت ، و يا ويح نفسي من مقالتها كفكف دموعك ، بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل عنه جارتنا بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان ؟
و هل تعود إلى لبنان بهجته و هل أعود و في لبنان نيسان ؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟
بني بلادي ، و لا أدعو بخيلكم غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي ، و لا أدعو جبانكم ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي ، و كم أدعو ...! أليس لكم كسائر الخلق أكباد و آذان ؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة و لا تناموا و في لبنان سهرا