النهر المتجمد يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟ أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟ ***
بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور ***
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق ***
بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي ***
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي ! *** ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟ ***
ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال ***
والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ ***
تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى ***
وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء ***
لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع ***
وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار ***
وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم ***
والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن ***
والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن ***
وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب ***
قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج ***
قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل ***
فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها ***
سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء ***
نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد *** وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ ***
يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا
***
__________________ لا اله الا الله سبحانك اني كنت من الظالمين |