أصله ونشأته
كان سيف الدين قطز في الاصل هو محمود بن ممدود وجهان خاتون بنت خوارزم شاه ملك بلاد ما وراء النهر (بلاد فارس الآن) وكان أبوه قائداً لجيوش المملكة الخوارزمية وكانت هناك مناوشات وحروب بين التتار وخوارزم شاه إلى ان مات جده وأصبح خاله جلال الدين هو الملك وظل في حرب دائرة بينه وبين التتار إلى ان تششت جنده وكاد ان يهزمه الجيش التترى وفقد ابنته جهاد وابن اخته محمود وهم كل ما تبقى من عائلته وبيعا جهاد ومحمود في سوق العبيد تحت أسماء جديدة جلنار (جهاد) وقطز (محمود) كان سيف الدين قطز عبدًا لرجل يسمى "ابن الزعيم"
بدمشق ثم بِيع من يدٍ إلى يد حتى انتهى إلى "
عز الدين أيبك" من أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر. وتدرج في المناصب حتى صار قائدًا لجند أيبك، ثم قائدًا للجيوش عندما تولى "عز الدين أيبك" السلطنة مع
شجرة الدر.
ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن "سيف الدين قطز": ".. لما كان في رِقِّ موسي بن غانم المقدسي بدمشق، ضربه سيده وسبَّه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيءًا سائر يومه، فأمر ابن الزعيم الفرّاش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفرّاش أنه جاءه بالطعام وقال له: كل هذا البكاء من لطمة؟ فقال قطز: إنما بكائي من سَبِّه لأبي وجدي وهما خير منه؛ فقلت: من أبوك؟ واحد كافر؟!.. فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكت وترضيته" كما يروي انه قال للعز بن عبد السلام أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار فهناه واكد له ماراى، وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمة، وأنه من الصلاح بحيث رأى رسول الله واصطفاه الله بذلك كما أكرمه بالشهادة وادخر شهرته وجزاءه العظيم له في الآخرة لذلك فهو مغمور في الدنيا، وأن له دورًا في صناعة التاريخ، وتغيير الواقع الأسيف الذي يحيط به من كل جانب.ولا شك أن قطز ورضى عنه كان مبعوث رحمة الله ومبعوث العناية الإلهية بالأمة العربية والإسلامية وبالعالم كي يخلص العالم من شر وخطر التتار للأبد، وكان وصوله لحكم مصر من حسن حظها وحظ العالمين العربى والإسلامي.
تذكر المصادر التاريخية ومنها رواية وا إسلاماه لعلي أحمد باكثير عدة روايات عن أصل قطز فمنهم من يقول إن اسمه الحقيقي هو محمود بن ممدود الخوارزمي ابن أخت السلطان جلال الدين منكبرتي آخر السلاطين الخوارزميين.
واسم قطز أسماه له التتار حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له.. ومعنى قطز بلغتهم المغولية "الكلب الشرس".وربما يكون تجار الرقيق هم الذين أعطوه هذا الاسم. قطز من بين الأطفال الذين حملهم التتار إلى دمشق وباعوهم إلى تجار الرقيق.
وقد وُصف قطز بأنه كان شاباً أشقر، كث اللحية، بطلاً شجاعاً عفاً عن المحارم، مترفعاً عن الصغائر مواظباً على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من بني قومه ولم يخلّف ولداً ذكراً بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئاً بعده
وصايته على الحكم
قام الملك
عز الدين أيبك بتعيين قطز نائبا للسلطنة ،وبعد أن قتل الملك المعز
عز الدين أيبك على يد زوجته شجرة الدر، وقتلت من بعده زوجته
شجر الدر على يد جواري الزوجة الأولى لأيبك، تولى الحكم السلطان الطفل
المنصور نور الدين علي بن عز الدين أيبك، وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير الذي كان يبلغ من العمر 15سنة فقط.
وأحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم اضطرابات كثيرة في
مصر والعالم الإسلامي، وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قبل بعض
المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر، ولم يهربوا إلى
الشام مع من هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك، وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية ـ واسمه
"سنجر الحلبي" ـ الثورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل
عز الدين أيبك، فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه.. كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات المختلفة، فأسرع بقية
المماليك البحرية إلى الهرب إلى
الشام، وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعزّ، ولما وصل المماليك البحرية إلى الشام شجعوا الأمراء
الأيوبيين على غزو مصر، واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء، ومنهم "
مغيث الدين عمر" أمير
الكرك (بالأردن حالياً) الذي تقدم بجيشه لغزو مصر.. ووصل مغيث الدين بالفعل بجيشه إلى مصر، وخرج له قطز فصدّه عن دخول مصر، وذلك في ذي القعدة من سنة
655 هـ، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد، ولكن صدّه قطز مرة أخرى في ربيع الآخر سنة
656 هـ..
كان قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه يدير الأمور فعلياً في مصر ،ولكن الذي كان يجلس على كرسي الحكم سلطان طفل، فرأى قطز أن هذا يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلاً.فقد كان السلطان الطفل مهتماً بمناقرة الديوك، ومناطحة الكباش، وتربية الحمام، وركوب الحمير في القلعة، ومعاشرة الأراذل والسوقة، تاركاً لأمه ومن وراءها تسيير أمور الدولة في تلك الأوقات العصيبة، وقد استمر هذا الوضع الشاذ قرابة ثلاث سنوات، على الرغم من تعاظم الأخطار وسقوط بغداد بيد المغول، وكان من أشد المتأثرين بذلك والمدركين لهذه الأخطار الأمير قطز، الذي كان يحزّ في نفسه ما كان يراه من رعونة الملك، وتحكم النسوان في مقدرات البلاد، واستبداد الأمراء، وإيثارهم مصالحهم الخاصة على مصلحة البلاد والعباد.
هنا اتخذ قطز القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي, واعتلاء قطز بنفسه عرش مصر.حدث هذا الأمر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة
657 هـ، أي قبل وصول
هولاكو إلى
حلب بأيام.. ومنذ أن صعد قطز إلى كرسي الحكم وهو يعدّ العدّة للقاء اللتتار
توليه الحكم
عندما تولى قطز الحكم كان الوضع السياسي الداخلي متأزماً للغاية, فقد جلس على كرسي حكم في مصر خلال عشرة أعوام تقريبا ستة حكام وهم : الملك الصالح
نجم الدين أيوب، ولده
توران شاه,
شجر الدر، الملك المعز
عز الدين أيبك، السلطان
نور الدين علي بن أيبك,و
سيف الدين قطز. كما كان هناك الكثير من المماليك الطامعين في الحكم, ويقومون بالتنازع عليه
كما كان هناك
أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد من جراء
الحملات الصليبية المتكررة، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي.
فعمل قطز على أصلاح الوضع في مصر خلال أعداده للقاء التتار
الإعداد للقاء التتار
استقرار الوضع الداخلي
قطع قطز أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد، وهو وقف زحف التتار ومواجهتهم, فقام بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وقال لهم في وضوح :
"إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم".
فهدأ معظم الحضور ورضوا بذلك. كما قام قطز بتعيين أمراء من
المماليك البحرية، رغم أنه نفسه من
المماليك المعزية التي كانت على خلاف مع المماليك البحرية، فقام بإقرار
فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي مكانه كقائد للجيش، حيث وجد فيه كفاءة عسكرية وقدرة قيادية عالية.
التصالح مع المماليك البحرية
كان هناك خلاف كبير بين
المماليك البحرية وبين
المماليك المعزية، عندما قتل سيف الدين قطز بالتدبير مع السلطان المعز ومن ورائه زوجته، قتل
فارس الدين أقطاي اتابك الدولة (وزير الحرب) ووالي الإسكندرية ،و زعيم المماليك البحرية سنة
652 هـ،الامر الذي جعل الامير ركن الدين بيبرس البندقداري يفر الي الشام مقتنعا بانه كان الهدف التالي لمؤامرة شجر الدر مع زوجها السلطان المعز ونائبه قطز ثم بدأ الخلاف يتفاقم تدريجياً إلى أن وصل إلى الذروة بعد مقتل الملك
المعزعز الدين أيبك بواسطة شجر الدر التي دفعتها الغيرة الزوجية لذلك عندما علمت بان السلطان إصطفي له جارية من الحريم ثم قتل قطز
لشجر الدر في ١6 نيسان أبريل ١٢57 م، ووصل الأمر إلى أن معظم المماليك البحرية ـ وعلى رأسهم القائد
ركن الدين بيبرس ـ فروا من مصر إلى مختلف إمارات الشام، ومنهم من شجع أمراء الشام على غزو مصر مثلما فعل بيبرس مع ملك دمشق الناصر يوسف وملك الكرك والشوبك المغيث عمر، فلما اعتلى قطز عرش مصر قبل الصلح مع بيبرس الذي أرسل الرسل لقطز كي يتحدا للتصدي لجيوش المغول التي كانت قد دخلت دمشق آسرة الناصر يوسف ملكها.
استقبل قطز المماليك الفارين استقبالاً لائقاً, كما استقدم
ركن الدين بيبرس، فلما قدم بيبرس إلى مصر، عظّم قطز من شأنه جداً، وأنزله دار الوزارة، وأقطعه "
قليوب" وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدَّمين، بل وجعله على مقدمة الجيوش في معركة
عين جالوت.
التوحد مع الممالك المحيطة بمصر
كانت العلاقات مع إمارات الشام الأيوبية متوترة جداً، وقد فكروا أكثر من مرة في غزو
مصر، ونقضوا الحلف الذي كان بين مصر والشام أيام الصالح أيوب، واستقطبوا
المماليك البحرية عندهم عندما فروا من مصر، بل إن
الناصر يوسف الأيوبي أمير
دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط
بغداد أن يعاونوه في غزو مصر.
سعى قطز إلى الوحدة مع الشام، أو على الأقل تحييد أمراء الشام، فيخلوا بينه وبين التتار دون أن يتعاونوا مع التتار ضده. فأرسل قطز رسالة إلى
الناصر يوسف الأيوبي يعرض عليه الوحدة، على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي هو ملك مصر والشام، فإن تشكك الملك الناصر الأيوبي في نية قطز فيستطيع قطز أن يمده بالقوات للمساعدة في قتال التتار كما ترك قطز للملك الناصر اختيار قائد الجيش المصري الذي يذهب لنجدته في الشام، ولكن الناصر الأيوبي رفض ذلك فسقطت كل من
حلب ودمشق في يد التتار وفر الملك الناصر الأيوبي إلى
فلسطين. بعد فرار الناصر الأيوبي انضم إلى قطز جيش الناصر، فازدادت بذلك قوة الجيش المصري.
راسل قطز بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير "
المنصور" صاحب
حماة، وجاء من حماة ومعه بعض جيشه للالتحاق بجيش قطز في مصر.
أما
المغيث عمر صاحب
الكرك، وبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الذي فقد فضلا الحلف مع المغول والخيانة.
وأما الأخير وهو الملك السعيد
حسن بن عبد العزيز صاحب
بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل انضم بجيشه إلى قوات التتار ليساعدهم في محاربة المسلمين.