~ 2 ~
~ الإتفاق ~
أصوات هادئه ساكنه شعرت بها أنجي بريكسل القابعة على سرير خشبي جميل ذو غطاء حريري سماوي اللون , طافت ثواني بسيطة مبعدة عنها و فتحت عينيها الخضراوين فرأت أمامها رجل عجوز ذو لحية طويلة بيضاء كالثلج .
خافت أنجي منه و أردات أن تقف مبتعده عنه و لكن جسدها لازال نائماً و يصعب عليه التحرك , فتحدث العجوز :
" إهدئي أيتها الفتاة ! ... لم يتحسن جسدكِ بعد ! ".
" ماذا ؟ ... مابه ؟؟... ماذا فعلت بجسدي ؟؟؟ ".
كانت أنجي ترمي بنظرتها نحو العجوز تارة و نحو جسدها تارة أخرى و كأن هناك رابط غريب بينهما .
لم يتحدث العجوز بل إبتسم نحوها إبتسامة بسيطة و هادئة و لم تكن أنجي لتفهم شيئاً , لقد رأت نفسها في غرفة جميلة المظهر .
كانت هناك ثريا مليئة بالشموع المضيئة الخافتة معلقة في السقف , و كراسي خشبية محنطه بشكل آخاذ تحيط بها فلم تتحدث أنجي الخافئه و لكنها تفاجأت بظهور تلك المرأة أمام باب الغرفة قائلة ً :
" آه ! ... يبدو بأن مريضتنا قد إستيقظت ! ".
نظر لها العجوز و لم تمحى الإبتسامة عنه بعد :
" إنها بخير الآن أيتها الملكة ".
لم تتحدث أنجي بل كانت مدهوشة من جمال تلك المرأة ذات العينين الزرقاوين الصافيتين و شعرها الأصفر الحريري من خلفها , و كان فستانها الأبيض الطويل زاد بريق عينيها المحدقتين بها :
" هل أنتِ بخير أيتها الفتاة ؟ ... هل أنتِ جائعة ؟ ".
أردت أن تتحدث أنجي و فتحت فمها الصغير الوردي و لكن سندريلا لم تدع لها مجالاً و صفقت بيديها :
" أيها الحرس ؟! ".
أتى إثنين من الحرس الملكي بردائهم الأزرق الفاتح المخطط و قباعتهم الحمراء الطويلة المضحكة .
" نعم سيادة الملكة ؟ ".
إلتفتت سندريلا نحوهما بإبتسامة لطيفه منها :
" أخبرا الطباخة مارجريت أن تحضر لهذه الفتاة بعض طعام العشاء الدافئ , فالمسكينة لم تأكل منذو يومين ! ".
فهمت أنجي لماذا شعرت بمثل هذا الخمول و التعب في جسدها و إستغربت بأنها لازمت الفراش ليومين كاملين فأسرع الحارسين بالخروج طوعاً لأمر سندريلا .
نظر العجوز نحو الملكة بإهتمام :
" يبدو أنها بخير الآن و عملي هنا إنتهى أيتها الملكة سندريلا ! ... كل مايجب عليها أن تفعله أن تأكل جيداً و أن ترتاح قليلاً فقط ".
" حسناً ... شكراً لك أيها الطبيب ".
خرج الطبيب من الغرفة و بقيت أنجي محدقة بذهول لسندريلا التي لم تكن تعلم بأن هذه الفتاة التي أمامها قد علمت من تكون و أنها ستسرقها !.
...#...
نزلت الشمس من كبد السماء و نشرت خيوطها الذهبية الحارقة لتعلن للجمبع بقدوم " الشفق " لأرجاء هذه المدينة السعيدة التي كانت تقطن بعيدة عن قصر الملك الباهر .
كانت ألاشعة تلامس نافذة شبه مغلقة في أعلى فندق كبير و بالقرب من زجاج النافذة تجلس إمرأة عجوز ذات شعر مرفوع شبه دائرة للأعلى كان ما يميزها هي تلك الخصلات البيضاء التي تظهران في الجانب اليمين و الشمال من شعرها الكثيف .
جلست تداعب بيديها الناشفتين قطها الأسود السمين في حضنها , كانت ساكنه صامتة و القط يموء بدلل و راحة .
فتح باب غرفتها المظلمة و ظهرت تلك الفتاتين الخائفتين منها , إحداهما ذات شعر أسود قصير و طويلة بشكل غريب , ألقت بنظرها لوالدتها بقلق :
" إننا خارجتين من أجل دعوة الحفلة التي تقيمها سندريلا من أجل إبنتها إليزابيث ... هل أنتي قادمة يا أمي ؟ ".
لم تتحدث العجوز بل ظلت تداعب فرو قطها لوسيفر بهدوء .
نظرت الفتاة الأخرى بشعرها الأحمر الكثيف و رفعت رأسها لتنظر نحو أختها الطويلة و قالت بحدة :
" دريزلا ؟ ... هل أنتي حمقاء ؟ ... أخبرتكِ بأن والدتنا لن تذهب و لم تستمعي إلي ".
نظرت لها دريزلا و قالت بتأنيب لشقيقتها :
" أنستازيا ؟! ... يجب لوالدتنا أن تعلما بمكاننا أم تودين منها أن تغضب ؟ ".
أكملت أنستازيا القصيرة :
" بالطبع لا أحبها أن تغضب ! .. ولكن الجميع يعلم كم تكره سندريلا و ... ! ".
" صمتاً !!!! ".
صرخت العجوز و قفز قطها الأسود لوسيفر من حضنها بخوف و حضنتا الأختين بعضهما البعض برعب .
لم تتحرك العجوز تارمين من مكانها بل أتت كلماتها معبرة عما يجول في خاطرها :
" ... عندما تدعوكما الملكة ... فيجب عليكما الذهاب بالطبع ! ... لربما تجدان من يراكما زوجتين جميلتين بعد كل هذة السنوات و ستعيشان بسعادة وهناء إلى الأبد ".
حلت الإبتسامة والطمأنينة على الأختين معاً و إستغرب لوسيفر من أمر سيدته ثم إنطلقتا الأختين للخارج الغرفة بفرح .
" ... أه ! ... شكراً أمي ! ".
" يجب علينا الإسراع بالخروج ".
" لماذا كل هذة العجلة ؟ أليس من المفترض أن نكون شقيقتا الملكة هاهاها ! ".
" نعم !.. نعم !.. إنكِ على حق و...!".
أقفل القط لوسيفر الباب بجسمه السمين و جلست عينيه الصفراوين الواسعتين تحدقان بسيدته الساكنه على الكرسي .
فجأة إتسعت عينيه وسعاً عندما شعر بأن ظلاً أسود ظهر خلف سيدته !.
...#...
" أخبريني من تكوني ؟ و ماذا تفعلين في حديقة القصر الملكي ؟..هل كنتِ تسرقين من فاكهة القصر ؟ .. لا تخافي ! ...لن أخبر أحداً ... بإمكانك أن تتحدثي الآن !!".
كادت أنجي أن تخرج كل الحساء الدافي الذي شربته فور سؤال سندريلا لها كومة من الأسئلة و الرمي عليها بالفرضيات الغريبة و لكنها فضلت أن تبتلعه قبل أن تحرج نفسها أمامها .
أردت أنجي أن تتحدث و لكنها لم تعلم ماذا تخبرها ؟... ( إنني من عالم آخر و أتيت من بوابة قد فتحها لي شخص نحيل و مخيف يحتجز والداي و شقيقتاي رهائن من أجل ماربه اللعينة ) .
لم يكن أمراً يسهل التحدث به و بدت أنجي بالتفكير في أمراً آخر و ما حصل بعد قليل قد ساعدها كثيراً فلقد دخلت عليهم فتاة جميلة صغيرة ذات شعر ذهبي تتبعها خادمة طيبة المظهر تحمل بعض الزهور في يديها .
إبتسمت سندريلا لطفلتها التي ركضت نحو حضنها :
" ماما ! ".
" أوه ! ... عزيزتي و غالتي إليزابيث ! ... أين كنتي ؟ ".
نظرت اليزابيث نحو أنجي ثم للخادمة و أشارت بيدها الصغيرة :
" لقد ذهبننا أنا و ماندي للحديقة و جمعنا الأزهار ".
عادت نظرات الصغيرة نحو أنجي مجدداً و أحمرت وجنتيها بسرعه , فإبتسمت أنجي و كذلك سندريلا التي قالت :
" أوه !.. إنها هدية من أجلها .. كم أنتي لطيفة يا فتاتي الغالية ".
أعطت ماندي الأزهار لأنجي و شمت الآخرى رائحتها ثم نظرت لإليزابيث و قالت :
" شكراً لكِ ".
رمقت سندرلا أنجي بدهشة :
" و أخيراً تحدثتي ؟ ".
إقتربت إليزابيث من أنجي و أمسكت بشعرها الأحمر ضاحكة :
" سوف نلعب كثيراً ... في حفلتي ! ".
نظرت أنجي نحو سندريلا بإستغراب :
" حفلة ؟! ".
ضحكت سندريلا و نظرت لإبنتها بحنان :
" إنها عيد ميلادها الخامس ! ".
كانت أنجي مستمتعة برؤية إهتمام و محبة سندريلا لإبنتها كثيراً فلقد تذكرت والدتها و شقيقتيها للحظة فقط !.
نعم ! ... كانت لحظة بسيطة مرت على أنجي و من ثما إستعدت لتخبر سندريلا بأمرها و من أين أتت ؟!.
...#...
" مياوا ؟!! ".
كان صوت القط لوسيفر خائفاً و مرعوباً من ذلك الظل الطويل الذي يقف خلف السيدة تارمين , و لكن الآخرى كانت تبتسم في كرسيها فلقد كانت تعلم من يكون ؟!!.
" لم أتوقع بأنني سأراك في يومِ من الأيام ! ".
قالتها السيدة تارمين ثم وقفت من على الكرسي الخشبي و نظرت للخلف نحو ذلك الرجل الشديد النحاف الذي يرتدي عباءة سوداء اللون و لا يرى وجهه !.
ظهرت يدي الرجل النحيلتين جداً و قال بصوت هادئ :
" تبدين يائسة ؟ ... مالذي حصل ؟ ".
صرخت السيدة تارمين في وجهه بحدة :
" لقد خدعتني !! ".
لم يتحرك الرجل ذو العباءة و بقي ساكناً في مكانه , و أكملت تارمين وخطواتها تسبقها نحوه :
" لقد أخبرتني بأنني سأحظي بالنهاية السعيدة التي أريدها عندما أتزوج بوالد سندريلا ! ... و أنظر ما حصل لي أيها الكاذب الأحمق !! ".
ضحك الرجل ذو العبائه و قال بصوت خافت :
" أنا فعلاً أخبرتك بذلك... أولم تحصلي على ما تريدين ؟! ".
سألته السيدة تارمين :
" ماذا تعني ؟ ".
قال الرجل بحدة بعدما عقد يديه النحيلتين بعضهما ببعض :
" أعني بأنك قد حصلت على مال ذلك الرجل و عشت بهناء وهذة كانت غايتك منذو البداية ... لم أكذب في النهاية السعيدة التي أردتيها ! ".
صرخت السيدة تارمين في وجهه الغير مرئي تحت الغطاء :
" أي نهاية سعيدة تتحدث عنها ؟ أم أنك تسخر مني ؟ .. إنني أعيش في غرفة صغيرة داخل فندق رديئ منذو وقت طويل وكل يوم أشارك فتاتي حماماً واحد و أنت تقول بأنني حصلت على ما أريد ! ".
أشار بيده النحيل نحو السيدة تارمين التي إبتعدت عنه بفضل سحره و أرغمها على الجلوس في الكرسي الخشبي الذي تحرك من تلقاء نفسه ليلتقطها !.
لم تستطيع السيدة تارمين أن تتحرك من على الكرسي و إقترب الرجل ذو العباءة نحوها فقال بحدة :
" لا يهمني ما يحصل لكِ ... إنني أريدك في أمر ما ! ".
" لن أفعل ما تريده ".
" لا تقلقي هذا الأمر سوف يسعدك كثيراً ... لربما يجلب لكِ النهاية السعيدة التي تريدينها ! ".
هدأت العجوز تارمين عندما سمعت ( النهاية السعيدة ) و عاد هدوئها المخيف فقالت بجدية :
" حسناً ... أخبرني مالذي تريده ؟ ".
إقترب الرجل أكثر من وجهها و قال بصوت أكثر جدية منها :
" أحضري لي ... حذاء سندريلا الزجاجي !".