من الأخطاء الشائعة في كثير من المجتمعات أن تنظر الأسرة لابنها الأعسر على أنه مريض وشاذ بين إخوته، وأن استخدامه ليده اليسرى عيب أو عاهة أو إعاقة، فيضغطون عليه لتغيير الاتجاه السائد لديه ويجبرونه على استخدام يده اليمنى. ويحاكيهم في ذلك بعض المدرسين الذين يميلون إلى إجبار الطفل الأعسر على استخدام يده اليمنى في الكتابة جهلاً منهم واعتقاداً بأن ذلك هو التوجه السليم مما يجعله يقع في حيرة وبلبلة! الصواب هنا أن الطفل الأعسر ليس مريضاً وليست لديه عاهة ولا إعاقة ويستخدم الناحية اليسرى من جسمه بدلا من الناحية اليمنى لأن له تركيبا دماغيا يختلف عن باقي الأطفال بحيث يكون لديه النصف السائد من المخ هو النصف الأيمن، وهي حالة طبيعية وتشكل أقل من 10% فقط من أفراد المجتمع. إن استخدام اليد اليسرى ليس عيباً ولا شذوذاً ولا يعني أن الطفل أقل في القدرات والذكاء عن بقية أقرانه، كما أن هذه الصفة ليست مرتبطة بالعبقرية ولا تمنحه ميزة عن أقرانه كما يعتقد البعض، وإنْ تَمَيَّزَ هذا الشخص في حياته فإن ذلك يعود إلى اجتهاده الشخصي ورغبته البحتة في التفوق وإثبات الذات والتغلب على إحساس النقص الذي زرعه فيه أهله ومجتمعه.
بينما نجد أن النسبة الكبيرة من هذه الفئة من المجتمع لا يستطيعون التحول إلى استخدام اليد اليمنى بدلاً من اليسرى مهما كانت وسائل الإقناع وقوة الضغط عليهم، لأنهم غير مهيئين وظيفيا أو تشريحيا لاستخدام الناحية اليمنى ويكون لذلك نتائج سلبية عليهم مثل تأخر الكلام أو التهتهة أثناء الحديث، ظهور علامات القلق الشديد عليهم نتيجة عدم القدرة على التكيف أو على إرضاء الآخرين مثل الوالدين والمدرسين، الاتصاف بضعف الثقة بالنفس حيث يظن دائماً أنه المسؤول عن أي فشل يتعرض له في حياته وعن عدم قدرته على النجاح.
والنصيحة هنا أن يترك الطفل وشأنه، وان لا يقدم الوالدان ولا يسمحا لسواهما بتوجيه أي نوع من اللوم أو الضغط على الابن الأعسر لاستخدام اليد اليمنى، بل يقدما له كل دعم معنوي لما يتعرض له من زملائه صغار السن.
د. عبد الحفيظ خوجة* * استشاري في طب المجتمع ..