إننا بحاجة ماسة إلى الدواء الذي به درء هجوم الأعداء الذين يسيئون لحضرة النبي وصد ضربات الألداء ثم الالتفاف حولهم بهجمات الأنوار الكاشفة المضادة التي تشهدهم الضلال الذي هم فيه يهيمون وبأشعة الأنوار المحمدية المخترقة التي تدخل قلوبهم وعقولهم فتزيل عنها يبس المادة وتذيب ران المادية المتسلطة على حياتهم فتستعيد أجهزتهم الروحانية قدراتها على استقبال الأنوار الإلهية وتجد لديهم إخلاصا في الأعمال الدنيوية فترق طبائعهم وتهفو أرواحهم إلى إتباع هدى الله والسير في نور حبيبه ومصطفاه
متحققين أن في هذا الدين السعادة الحقة الدائمة على كل حال وأنه باب الفوز في الدنيا و يوم المآل وأن به تحصيل المسرَّات والملذات التي تتضاءل دونها كل الآمال التي عرفوها أو حتى لم يصلوها بالخيال والدواء الناجع الذي به الفوز في هذا السجال والسلاح الذي لا يقهر بحال إنما هو زاد الأوصاف والخلال : الأوصاف المحمدية والخلال الإيمانية اعلموا علم اليقين أن سر السعادة في الدنيا والآخرة لأي مسلم أو لأي مؤمن أو لأي أمة مسلمة أو مؤمنة هو إتباع حبيب الله ومصطفاه هذا هو مفتاح السعادة في الدنيا ومفتاح الحسنى والزيادة في الدار الآخرة وحسن إتباعه يُلْزِم ويَلْزَم للمرء قبله وأثناءه وبعده أن يعمر قلبه بمحبته صلى الله عليه وسلم فإن محبته هي الأساس وهي بمثابة الالتماس الذي يقدمه الخواص لربِّ الناس ليكرمهم الله فينزل لهم من كنوز فضله وكرمه بعض ما خص به عباده الخواص
ولذلك فإن منزلة كل ولي وكل عبد عند الله تكون على حسب ما في قلبه من الحب لحبيب الله ومصطفاه وكلما زاد الحب زاد القرب كلما زاد النور كلما زاد البهاء والجمال في الصدور كلما وافى هذا العبد من الله ما لا تطيقه العبارات ولا تلحقه الإشارات من أنواع الإتحافات والعطايا والإكرامات التي يتنزل بها الله على قلوب عباده الصالحين ومفتاح ذلك كله : حبُّ حضرة النبي لأنه هو الأساس وهو النبراس لدرجة أن يغلب هذا الحب حتى يجعل الإنسان يبحث عن أي كلمة تتحدث عنه في تراجم سيرته ويسعد بالإطلاع عليها وقراءتها ويرغب أن يجلس في أي مجلس يتحدث أهل هذا المجلس عن حضرته ولا يكلُّ اللسان ولا يملُّ من الصلاة عليه
لأن الله أمر المسلم أن يستزيد من الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} ولم يحدد عدداً لأنه كلما زدت في العدد كلما زاد الله لك من المدد ولذلك لم يحيز الله عدد صلوا عليه كم نصلي؟ ما شئت قال سيدنا أبي بن كعب {يا رسول الله كم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ما شئت قال : الثلث ، قال : وإن زدت فهو خير لك ، قال : الثلثين قال : وإن زدت فهو خير لك , قال : إذاً أجعل لك صلاتي كلها ، قال : إذاً يكفك الله همك ويغفر لك ذنبك}[1] أي أن رسول الله أقرَّ هذا الأمر فلا مانع أن تجعل حياتك كلها صلاة على حبيب الله ومصطفاه وقد يقول قائل : بدلاً من الصلاة على رسول الله ؟ أذكر الله ولكن الصلاة على رسول الله تعتبر ذكر لله
من فينا يستطيع أن يصلى على رسول الله ؟ لا يوجد فينا من يستطيع أن يصلي على رسول الله من الذي يطيق أن يصلي على رسول الله؟ فعندما نزلت هذه الآية ذهب إليه أهل العناية وقالوا : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ولكن كيف نصلي عليك ؟ قالوا: فنظر إلى الأرض وأطال حتى قلنا ليتنا لم نسأله وذلك لأنه يريد أن يأتي بصيغة تلاءم الجميع ولن يحدث ذلك فأين الصيغة التي ستلاءم الناس العاديين والمشتاقين والمحبين فكل واحد له مزاجه وله قدره من الحب فجاء بالصيغة التشريعية وقال : قولوا " اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد "
فرسول الله صلي الله عليه وسلم عندما خرج من فيه الكيفية التي نصلي بها وهي الصلاة الإبراهيمية التي في الصلاة عندما ننظر إليها نجدها توكيلاً من العبد لمولاه ليصلي الله على قدره بذاته على حبيبه ومصطفاه لأن العبد عاجز عن هذه الصلاة فالعبد يقول "اللهم" - يعني يا الله - وكلتك عني فصلِّ على حبيبك بما شئت وكيف شئت - لأنك على ما تشاء قدير - وأنا على هذا الأمر عاجز وضعيف إذ كيف أصلي على رسول الله؟ من الذي يصلِّي إذاً؟ الله هو الذي يصلِّي على حبيبه ومصطفاه وعندما أبدأ بـ "اللهم" فإنه ذكر لله بأن يصلي على رسول الله بذلك فإن حقيقة الصلاة التي نصليها على رسول الله أننا نطلب من الله أن يصلي على حبيبه ومصطفاه بالهيئة والكيفية والحال التي يعلمها الله
لأنها أحوال غيبية لا نستطيع بضعفنا وعجزنا أن نؤديها ولكن الله وهو ذو الفضل العظيم يتكرم ويتحلم ويقوم بالنيابة عنا بالصلاة على حضرة حبيبه ومصطفاه وإذا كان البعض يقول أن الصلاة من الله صلة ومن الملائكة رحمة ومن الناس استغفار أو غير ذلك فإن كل هذا لم تطالبنا به الآية ؟ بل قال الله عن هذه الصلاة {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فلا ينبغي لنا أن نسأل عن الكيفية الإلهية التي يصلي بها الله والملائكة على خير البرية لأنها أمور غيبية لم تصل إليها حتى أرواحنا إذا وصلنا بها إلى الرياض القدسية {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} فعلينا أن نصلي على حضرته ونكل أمر هذه الصلاة وهيئتها وكيفيتها إلى حضرة الله جلَّ في علاه ونقول في شأنها {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}
[1] رواه الألباني في صحيح الترغيب و مشكاة المصابيح
منقول من كتاب: واجب المسلمين المعاصرين
نحو رسول الله صل الله عليه وسلم
للمطالعة أو التحميل مجانا اضغط
واجب المسلمين المعاصرين نحو رسول الله صل الله عليه وسلم