أقوال الصحابة في أن الله مستو على عرشه فوق السماء
ومن المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم في إثبات العلو لله تعالى، مارواه ابن أبي حاتم والبيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" عن جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد يحدث قال: لقيت امرأة عمر رضي الله عنه يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها رأسه، حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: ياأمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز. قال: "ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ماانصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها" وقد ذكر هذا الأثر أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب وقال: رويناه من وجوه.
قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} حتى ختم الآية.
وقال البخاري في تاريخه قال محمد بن فضيل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكب عليه وقبل جبهته وقال " بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا "، وقال: " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت ". وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه، فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي بكر أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله ثم استأخر، فذكره.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي، عن أنس رضي الله عنه قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين" ورواه ابن سعد في الطبقات، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
ومن ذلك مارواه سنيد بن داود، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم" إسناده صحيح.
وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " ما بين السماء السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام،والعرش على الماء والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم علية" إسناده صحيح،
ورواه البهقي في كتاب "الأسماء والصفات" من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة فذكره بنحوه، ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تبارك وتعالى على العرش يعلم أعمالكم"
ورواه البيهقي أيضا من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة –وهو المسعودي- عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل – واسمه شقيق بن سلمة- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فذكره بنحوه.
ومن ذلك ما رواه إسحاق بن راهويه، عن عكرمة في قوله تعالى مخبرا عن إبليس أنه قال: { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (17) سورة الأعراف , قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يستطع أن يقول من فوقهم علم أن الله من فوقهم.
ومن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: " من قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن" قال ابن القيم في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" أخرجه العسال في كتاب "المعرفة" بإسناد كلهم ثقات.
ومن ذلك قصة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مع امرأته حين وقع على أمته وهي مشهورة. وقد ذكرها ابن عبد البر في الاستيعاب وقال: رويناها من وجوه صحاح، وذلك أنه مشى ليلة إلى أمة له فنالها، وفطنت له امرأته فلامته فجحدها، وكانت قد رأت جماعه لها فقالت له: إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فإن الجنب لا يقرأ القران فقال:
شهدت بأن وعد الله حق --- وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء حق --- وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكـة غـلاظ --- ملائكـة الإله مسـومينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه، وقد رواها الذهبي في "سير أعلام النبلاء" بإسناده إلى عبد العزيز بن أخي الماجشون، وفيه أن امرأة عبد الله بن رواحة قالت: له لما جحد خلوته بجاريته، إن كنت صادقا فاقرأ آية من القرآن فقال:
شهدت بأن وعد الله حق --- وأن النار مثوى الكافرينا
قالت فزدني آية فقال:
وأن العرش فوق الماء طاف --- وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكـة كـرام --- ملائكـة الإله مقربينـا
فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه فضحك ولم يغير عليه. و ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة من حديث سعيد بن جبير رضي الله عنه قال " تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماوات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك ". وذكر الطبراني في شرح السنة من حديث سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال قيل لابن عباس إن ناسا يكذبون بالقدر. قال " يكذبون بالكتاب لئن أخذت شعر أحدهم لا ينبتونه إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه ". ومن ذلك ما رواه ابن سعد أنبأنا مالك بن إسماعيل النهدي أنبأنا عمر بن زياد، عن عبد الملك بن عمير قال: جاء حسان بن ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أسمك يا رسول الله قال: "قل حقا" فقال:
شهدت بإذن الله أن محمدا رسول الذي فوق السموات من على
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد" فقال:
وان الذي عادى اليهود ابن مريم له عمل من ربه متقبل
فقال "وأنا أشهد"
وقد ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" وقال في البيت الأخير:
وان الذي عادى اليهود ابن مريم نبي أتى من عند ذي العرش مرسل
وهكذا هو في ديوان حسان بن ثابت رضي الله عنه. و قال الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت نافعا يقول: " قالت عائشة رضي الله عنها: وأيم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته ـ تعني عثمان ـ ولكن علم الله من فوق عرشه إني لم أحب قتله ". ومن ذلك ما رواه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب "النقض" على المريسي بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك". ومن ذلك ما روي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال " لما لعن الله إبليس وأخرجه من سمواته وأخزاه قال: رب أخزيتني ولعنتني وطردتني عن سمواتك وجوارك فوعزتك لأغوين خلقت ما دامت الأرواح في أجسادهم، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السماوات والأرض خطايا ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه لغفرتها وبدلت سيئاته كلها حسنات " وقد روى هذا المتن مرفوعا، ولفظه " وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي " ـ وذكره.
اجتماع الجيوش الاسلامية - 2 قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم:
قال يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه حدثنا البكائي عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجود الكندي عن العرس بن قيس الكندي عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال " خرجت مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة طويلة وقال فيها: فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته ".
اجتماع الجيوش الاسلامية - ص 52 وكما أن هذه الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على اثبات العلو لله تعالى. ففيها أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معيه ذاتية. __________________