التعلم المستمر.. يقوي العقل ويعزز الصحة النفسية والجسمية «العالم كله مختبر كبير للعقل المحب للتعلم» (مارتن فيشر).
أتذكر، عندما تخرجت من الدراسة، أنني شعرت بإحساس غامر من الفرح والبهجة لأنني انتهيت من المدرسة وسأعيش وأستمتع بحياتي.. لا امتحانات أخرى ولا سهر.. لا أساتذة ولا دكاترة متكاسلون مملون.. أخيراً انتهيت من الدراسة وسأنطلق لأمارس مغامراتي وحياتي بحرية. عندما تكون في سن الحادية والعشرين تكون الدراسة وسيلة لغاية، حيث تنتقل من المدرسة للجامعة وربما تواصل دراساتك العليا - كل هذا بغرض إعداد نفسك للعمل ــ وربما درست دورات إضافية وصادفت معلمين حفزوا فيك الفضول وحب الاستطلاع واستثاروا فيك حب التعلم.. ولكن تظل عينك وأنت في المدرسة لا تنظر إلا إلى متى تنتهي من الدراسة؟ بضع سنوات بعد أن تترك الدراسة
وتبدأ «الحياة الحقيقية» وتقع تحت ضغط الحياة، عندها فقط تعرف كم كانت لذيذة ومريحة حقاً تلك السنوات التي قضيتها في التعلم. ستشعر أن وجود الحرية لقضاء أيام في التنمية الذاتية واكتساب المعرفة والمهارات الجديدة منحة لا يمكن أن تقدر حق قدرها. وأنا بكل الصدق، أقول: إن هناك توازناً بين الحياة والتعلم.. فهناك متعة عظيمة في التعلم من أجل التعلم، ولكن المتعة الحقيقية والإنجاز يكونان أكبر إذا ما استطعت تطبيق ما تتعلمه في تحسين حياتك وحياة الآخرين،
وهذا ما حدث بالنسبة لي بشكل كبير في السنوات الأخيرة. بعد التخرج من الجامعة، قفزت إلى «الحياة الحقيقية» بحماس، وتسلمت عملاً مثيراً في مجال العلاقات العامة.. تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال وأنا في الثلاثينيات من العمر، ثم قضيت العقدين التاليين في تعلم فنون تربية الأطفال، لم يكن هناك الكثير من الوقت لأي تعليم رسمي، لكنني حافظت على عملي في العلاقات العامة والاستشارات وطورته، وكنت أقرأ أي شيء يقع في يدي وأتمكن من الحصول عليه.
عندما كبر أطفالي في السن، عاد إليَّ الوقت والرغبة في توسيع مهاراتي بطرق تدعم عملي كمدرب على تطوير وتحسين طرق ونمط الحياة، وتحسين قدراتي ومهاراتي في الكتابة والتدوين، عدت إلى الدراسة للحصول على شهادة في التدريب، وأخذت دورات لأتعلم كيفية إنشاء مدونة، والقيام بإنشاء أعمال تجارية عبر الإنترنت،
وشحذ مهارات الكتابة لديّ، والآن أشعر أكثر بالإنجاز في عملي وفي حياتي من أي وقت مضى..
فماذا عنك أنت؟ هل تجد في نفسك تحدياً لمواصلة التعلم في بعض الطريق الذي من شأنه تعزيز التنمية المهنية والعقلية والروحية الخاصة بك؟ إن التعليم المستمر طوال العمر ضروري وحيوي لتشعر بالرضا وبالسعادة وبالإنجاز للأسباب التالية:
1- التعلم يأتيك بالمزيد من المال: إذا كنت تقدمت وتطورت مهاراتك المهنية، أو تعلمت مهارات جديدة، فإنك تصبح أكثر قيمة لمنظمتك، ولزبائنك، ولرئيسك في العمل.. إذا واصلت تطوير ذكائك العاطفي ومهاراتك القيادية، فسينظر لك كلاعب أكبر بصفات ومميزات أفضل تمكنك من المضي قدماً في حياتك المهنية.
2- التعلم يجعلك أكثر جاذبية وإثارة للاهتمام: إذا قمت بتطوير قاعدة المعرفة والمهارات والخبرات والاهتمامات الخاصة بك، تصبح أكثر جاذبية، وأكثر إلماماً بالمستجدات، وأكثر تطوراً.. وعند توسيع آفاقك الفكرية والعاطفية، تستطيع أن تجذب مجموعة أوسع من الناس، ويمكنك النظر إلى العالم من منظور أكثر استنارة.
3- التعلم يعزز ثقتك بنفسك: عندما تتحدى نفسك من أجل تعلم شيء جديد وعندما تتقن شيئاً ما، فإن هذا سوف يعزز بشكل كبير ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك.. فمعنى الإنجاز في عملية التعلم وتطبيق التعلم شيء مثير للغاية.. وعندما تكون غارقاً في التعلم، فأنت «في تدفق»، بنفس الطريقة التي تشعر بها عندما تنهمك في التأمل أو العمل الإبداعي.
4- التعلم يُبقي عقلك قوياً حتى في سن الشيخوخة: كما أن ممارسة الرياضة تبقيك لائقاً بدنياً، يعزز التعلم اللياقة الذهنية، ويبعد شبح الشيخوخة. ففي كتاب «الدماغ الذي يغير نفسه»، يكشف الباحث والطبيب النفسي «نورمان ديودج» قصصاً كثيرة تثبت أن التعلم يمكن أن يغير تشريح الدماغ لدينا، ويؤدي إلى تحسين الإدراك والتصور، حتى ونحن نتقدم في السن.. وقد ثبت أن هذا لاشك صحيح عندما تتحدى نفسك لتمدد عقلك في المناطق التي كانت ضعيفة أو عديمة الخبرة، فالقاعدة مع العقل كما هي مع باقي أعضاء الجسم؛ استخدامه أو ستفقده.
5- للتعلم متعة وجاذبية لا تقاوم: وخصوصاً إذا كنت تتعلم شيئاً تحبه، فعالم التعلم هو قوقعتك التي تعيش فيها، وقد جعل الإنترنت التعلم المستمر من أسهل الأشياء، وبأسعار معقولة، ويمكن الوصول عليه، ومن الصعب إيجاد ذريعة جيدة لعدم مواصلة تطوير جميع مجالات حياتك. فإذا كنت تقضي الساعات الطوال يومياً في مشاهدة التلفزيون، وقراءة الروايات الخفيفة أو المجلات بانتظام، أو تنشغل في أعمال ومهام قليلة القيمة، فأنا أدعوك إلى دورة دراسية معجزة ستغير حياتك.
وها هي بعض الأفكار التي قد تدفعك لبدء مغامرة التعلم:
أ- التعلم المهني الاحترافي: - استثمر في المهارات أو المعرفة التي يمكن أن تساعدك على التقدم في حياتك المهنية أو تنمي عملك، وقم بالانخراط في دورة للتعليم المستمر في مجال عملك، أو ابدأ في العمل على الحصول على درجة علمية متقدمة، ويمكنك الآن الحصول على شهادة علمية من خلال برامج العمل من المنزل عبر الإنترنت، وهناك الكثير من المواقع التي تحقق لك هذا الهدف من خلال الشبكة العنكبوتية.
- طور موقع الإنترنت الخاص بك ومهارات وسائل الإعلام الاجتماعية؛ لأنها سوف تساعدك في أي عمل أو مهنة، إذا كنت ترغب في إقامة أعمال تجارية خاصة بك على الإنترنت، أو إذا كانت لك شركات قائمة في السوق، واعلم أنك سوف تخسر الكثير وربما تخسر كل شيء إذا كنت لا تقوم باستمرار بتحديث المعارف والمهارات الخاصة بك في هذه المجالات.
- إذا كنت لا تزال تحاول معرفة ما تريد القيام به في حياتك، فتعلم كيف تكتشف ميولك، وهناك دورات تعلمك كيف تكتشف ومن ثم تحقق أحلامك خطوة بخطوة.
ب- تعلم تطوير الذات: - قم بدراسة تعزيز وتنمية قدراتك الذاتية والروحية والنفسية من خلال برامج ودورات يمكن أن تساعدك على أن تصبح أكثر وعياً بما لديك من قدرات؛ ومن ثم خلق علاقات أفضل، وتعلم مهارات التعامل يجعل ذكاءك أكثر حدة وأقوى تأثيراً، ويشحنك بالدوافع، ويؤدي إلى تعميق حياتك الروحية.
- اقرأ الكتب التي توسع مداركك وتحفزك لتصبح شخصاً أفضل. الكتب المساعدة تلك تعتبر جزءاً قيماً للغاية في تنميتك الذاتية والشخصية. ضع كتاباً بجانب سريرك باستمرار.
- يفضل أن تعمل مع مدرب، معلم، أو مستشار لمساعدتك على التعلم بحماس وحمية، وهذا من شأنه أن ينمي قدرات الاستبصار والأفكار والعمل لديك، وهذا هو ما يعادل التدريب الشخصي لتنمية لياقتك البدنية.
جـ- تعلم التأمل والتفكير: - إذا كان لديك شغف أو اهتمام في مجال معين، فقم بأخذ بعض الدورات لإثراء شغفك وحبك بهدف المتعة فقط.. وهناك جامعات، مثل «آيفي كولدج»، تقدم مثل هذه الدورات حيث توفر أكثر من 300 دورة في كل فروع العلم والفن.
- هناك طريقة مثيرة حقاً للتعلم هي أن تأخذ إجازة تعليمية أو ثقافية. والسفر في حد ذاته يوفر فرصاً رائعة للتعلم وتوسيع الآفاق الخاصة بك، وهناك العديد من البرامج التعليمية التي تقدم من خلال السفر إلى وجهات فريدة من نوعها، تقدم خبرات تعلم خطيرة. قبل عدة سنوات كان هناك إعلان تلفزيوني له شعار مميز يقول: «شيء فظيع أن نضيع العقل»،
أرجوك: «لا تفرط في عقلك». هناك فرصاً للتعلم تستعصي على الحصر تقدم لك متعة التعلم الحق، عند أطراف أصابعك، في متناول يدك، فبمجرد النقر بالماوس تصل إلى أقصى نقطة على ظهر البسيطة. عندما تحس بالملل أو الاكتئاب، أو الافتقار إلى الدافع أو إلى الحماس للحياة؛ اذهب إلى ذلك الجهاز العجيب وتعلم شيئاً! فهكذا فقط يمكن أن تتحسن حياتك. |
__________________
“When you have to shoot, shoot. Don’t talk”
|