عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-21-2012, 11:25 AM
 
الجزء الثانى .
لم يفكر الأب طويلا .. كان يعرف بخبرته وثقافته وسعة إطلاعه أن إبنته إستنزفت قدرا كبيرا من طاقتها النفسية فى الإنفعالات التى إكتنفتها وهى تشاهد جثث الأم واطفالها الصغار وكان بينهم رضيعا لايتعدى عمره بضعة أشهر وأن تعويض بعض هذه الطاقة يستلزم \" تجديد الهواء \" ولذلك أومأ للأم برأسه متفهما ونظر فى ساعة يده وإلى النهار من خلال النافذة وأومأ برأسه ثانية لكن هذه المرة كانت لنفسه وهو يردد فى صوت خفيض :
- حمدا لله أن اليوم يوم عطلة وأننا مازلنا نمتلك ناصية النهار .. ماشى ! هيا بنا يا حبيبتى ....
وإجتذب إبنته من يدها وهو يتمتم لها مردفا بمرح من يداوى جراحا :
- سأطير بك بين المتنزهات والملاهى .. سأجعلك تحلمين بتلك الفسحة طول العمر !
- دريم بارك يا بابا !
- إلى \" دريم بارك \" لنذهب من فورنا !
- أحبك يا بابا !
- هيا يا ملاكى !
وعلى إستحياء ترددت على وجه الأم بداية إستبشار وتفاؤل وانية وتورد هذا المحيا المعذب قليلا وهى تتنهد وتغالب لتتناسى صور المأساة التى عرضها التلفاز والتى سببت لإبنتها الصغرى بل وللكبرى أيضا ولشقيقها وللأب ولها ولكن بقدر متفاوت تلك الآلام المبرحة للنفس والتى لايتحملها بدن يحوى أقل قدر من الإحساس والتعاطف الإنسانى وناهيك عن أواشج وعرى القرابة بحكم وحدة المنشأ والقومية والقضية والمصير ..
- إن الشقيق الفلسطينى يحارب نيابة عن باقى أفراد الأ سرة لا عن وطنه ووجوده فحسب كما يتصور بعض من تخلى عنه من أشقائه سواء كرها أو طوعا .. إنها عين ألقضية التى إنتصر فيها صلاح الدين وحرر الأقصى والقدس من الهجمة التى تأتى دوما من الغرب وما الدولة العبرية هذه المرة إلا \" مخلب قط \" !
وإنتبهت الأم من معركتها الصغيرة مع نفسها إلى صوت المتحدث وخالت لأول وهلة أن أحدا أعاد فتح التلفاز وإنبرت لتعنيف من قام بذلك فإذا بها تكتشف أن الصوت كان لإبنها وهو يتجاذب أهداب الحديث مع شقيقته وبدا لها أنه كان يقرأ أفكارها وأفكار الجميع ومع ذلك أوصته وأخته أن يحبسا - ولو مؤقتا - تلك الأفكار داخل برجى عقليهما لأن فى البيت \" مشكلة \" وإن سرت روح الحديث بينهم على هذا النحو فستتفاقم ولن تفلح الجهود المبذولة لإقالة أختهما الصغرى من كبوتها النفسية ويبدو أنها مست فى أعماق الولد والبنت وترا حساسا لأن وجهيهما إمتقعا بغتة فى توقيت واحد وبدا انهما على وشك البكاء ولم تفهم الأم المسكينة إن كان مرد ذلك حكم الموقف عموما أم أنها إرتكبت بقولها خطأ وتنازعتها إنفعالات شتى فلم تتحمل وأنشجت تبكى وهى تتساءل حيرى ومعذبة وعيناها تنظران لأعلى :
- رباه .. ماذا حدث لنا جميعا ؟
وتسمر الإبن فى وقفته على حين تحركت الفتاة إلى أمها مدفوعة بنوازع الرحمة والحنان وإحتضنتها وهى موزعة بين تكفيف دموعها ودموع امها مغمغمة :
- إننا جميعا فى الحقيقة نعانى لارضوى وحدها ولا خلاص لنا إلا بأن نهتف فى الشوارع قائلين للشعب الفلسطينى .. لست وحدك !
نطقت تلك الكلمات وأسرعت تهرول خارجة من البيت وشقيقها فى أعقابها كأنهما أزمعا على الفور تنفيذ ما جرى على لسانها من البحث عن تظاهرة للتضامن مع الأشقاء الذين قدر لهم أن يحرقوا - أرضا وبشرا - بأيدى من سبق لهم ان عانوا ويلات - المحرقة التاريخية - التى أضرمها ويتحدث عنها الآن بكل الإجلال من ينتمى للعالم الغربى الذى يساندهم الآن بكل قواه تكفيراعن ذنبهم ولتحقيق المأرب التاريخى الذى حال الناصر \" صلاح الدين \" بينهم وبين تحقيقه وعبثا حاولت الأم إيقافهما بالنداء عليهما أن يرجعا فإنهما سرعان ما تواريا عن ناظريها فارتمت على إحدى الأرائك منهارة وواصلت البكاء إلى أن تعبت وراحت فى النعاس ولم تدر بنفسها ولا كم من الوقت نامت إذ فوجئت عندما إستيقظت بالليل قد أرخى سدوله وبالظلام يعم البيت فقامت متثاقلة وأنارت كل الأرجاء ودلفت إلى المطبخ وتشاغلت بإعداد الطعام لمن تترقب عودتهم بين لحظة وأخرى ودعت الله أن يجىء بالعواقب سليمة وألا يكون قد تعرض أحد من اسرتها لمكروه وفيما هى كذلك دخل الأب حاملا إبنته وبادرها قبل أن تجزع موضحا أنها الآن على خير مايرام وانها نائمة لاأكثر وعندما سألها عن الإبن والإبنة الأخرى إستشعر فى لهجتها قلقا شديدا فطمأنها عليهما مؤكدا لها بالقول السائد حاليا بين العامة تبريرا لكل ضروب التقصير \" أن كل فى شغل بأمر نفسه وأن لاأحد لديه وقتا للإهتمام بأحد لدرجة ظهور أعمال مسرحية عن \" مدرسة المشاغبين \" وعن \" أخويا هايص وأنالايص !\" وعن \" الشاهد اللى ماشافش حاجة \" .. وماما أميركا ! وختم خطبته وهو يضع برفق إبنته على الأريكة التى كانت تنام عليها الأم منذ قليل قائلا :
- بإختصار .. كل شىء هادىء فى الشارع .. وعما قليل يحضران ..
وماكاد ينتهى من قوله حتى دخل عليهما كل من الفتى والفتاة فى إثر بعضهما والإرهاق الشديد باد عليهما وبداأنهما يقاسيان أكثر من خجل أوخيبة أمل .. وتظاهر الوالدان بأنهم لايلحظان شيئا مخافة أن يتطور مايشعران به إلى إحباط .. وتناولت الأسرة وجبة الغداء فى وقت العشاء لما وقع من امور غير مؤاتية فى هذا اليوم وأووا جميعا إلى فراشهم وكلهم أمل أن يكون الغد أفضل .. ولكن الغد أتى بما لم يخيب رجاءهم فحسب .. بل بما أسقط قدرتهم جميعا على فهم الموقف وتصديق ماتراه أعينهم .....

تابع ........
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس