اعترض آدم:
لماذا؟ بدل الأماميين حتى نتخطى الصخور .. ولا تنس أن التحكم فيهما أيضا ..
حسنا! أعترف ببراعتك ..
بدأ أسامة بتخويف آدم الذي جلس على مقربة منه يحاول تنظيف جروحه ببعض المناديل الورقية قائلا:
آدم! لقد تحطمت أنت وسقطت، هل تشعر بأن قدمك مكسورة، أنت تعرج!
رفع آدم طرف سرواله الأزرق وقال:
إنها منتفخة وزرقاء اللون وتؤلمني جدا ..
ألقى أسامة نظرة سريعة ثم عاد إلى إطاراته وقال:
حتى السيارة لم تسلم من تلك الغابة، لم يتبق سواي!
هل أنت مجنون! لا تقل ذلك لن يحصل لك شيء ..
يجب أن يحصل لي شيء!
أساااامة! هذا يكفي .. لا أعرف كيف تمزح ونحن في تلك الظروف العصيبة ..
قبل أن ينطق أسامة سمعا صوت صهيل جواد .. كان صهيلا عاليا وله صدى وكأنه يأتي من مكان قريب، وقال آدم بخوف:
إنها المرة الثالثة التي أسمع فيها ذلك الصهيل ..
قال أسامة بلا مبالاة وهو يربط آخر مسمار في الإطار الأول:
الغابة تحتوي أيضا على الخيول البرية مثل بقية الحيوانات الأخرى ..
تمتم آدم وهو ينظر حوله :
لكن ذلك الصوت ... يشعرني بالخوف!
ضحك أسامة وقال ساخرا:
لم أكن أعلم أنك تخاف من الخيول ... إنها أروع المخلوقات على الكرة الأرضية!
قال آدم بضجر:
أظن أنك أروع منه!
أنظروا من يمزح!
أنا لا أمزح ..
توقف الاثنان عن الكلام لفترة طويلة، حتى انتهى أسامة من تركيب الإطار الثاني وعندها قال:
لقد انتهينا، على الأقل سنصل إلى أقرب وكالة تصليح غدا .. أفضل من أن لا نصل بتاتا!
تساءل آدم وهو ينفض التراب إلى الخارج:
هل سنتأخر كل هذا الوقت؟
أنا أمزح ... سنصل في المساء، أتمنى أن نخرج من هنا بسلام ..
تغيرت نبرة صوت آدم إلى نبرة هادئة وهو يقول:
سيقلق علي والدي كثيرا ..
قال أسامة وهو يخرج مفاتيح السيارة من حقيبة الظهر خاصته:
أتظن أنه ليس لدي والدان يقلقان علي؟
ابتسم آدم وقام أسامة بتشغيل السيارة ، عاد أسامة إلى الخلف ثم ألتف بها وعادا من نفس الطريق ببطء .. بطء شديد ..
كانت الصخور تعيق حركتهما أكثر وتبادلا الأحاديث عن المدرسة حتى بدأ الظلام بالهبوط على المكان وهتف أسامة بفرحة :
حمدا لله ، لقد خرجنا أخيرا من نطاق الغابة .. نحن الآن على الطريق السريع...
ثم أردف بأسلوبه الاستعراضي المعتاد:
مرحبا بكم على الطريق السريع، لقد تجاوز البطء الذي تسيرون به المقدار المسموح، ألا وهو مقدار السلحفاة ، نرجو منكم زيادة السرعة لتجنب حوادث الاصطدام بالأرانب، وشكرا!
ضحك آدم وقال:
أراهن بأنك ستصبح ممثلا يوما ما!
قال أسامة ضاحكا:
ذكرني بذلك حتى أدفع رهانك!
*********
طلع النهار وتوقفت العربة العرجاء كما أطلق عليها أسامة أمام أول وكالة تصليح سيارات تقابلهم على أول خط المدينة .. كان العامل مذهولا وهو يحدق بكم الأضرار الهيكلية التي لحقت بالسيارة وترجل آدم بصعوبة وجلس على إحدى الكراسي فقال أسامة مازحا:
ألا نجد من يصلح الأضرار الخارجية التي لحقت بهذا الشاب؟ و .. عطل داخلي عند عجلته السفلية ..
ابتسم آدم وقال:
أرجوك! هناك من يأخذ المزاح على محمل الجد!
ماذا سيفعل؟؟
سيعتبرك مجنونا ..
هتف أسامة وهو يراقب سيارته:
إنني كذلك يا صديقي!
لا تتحاذق علي يا أسامة!
ظل الصديقان الصغيران يراقبان السيارة وهي تعود كما كانت، أخذ الإصلاح وقتا كثيرا ومالا أكثر، ولم يتبق سوى خدوش الطلاء، بالطبع استغنى أسامة عن ذلك لأنها ستحتاج وقتا ..
توجه أسامة من فوره إلى المستشفى رغم اعتراض آدم الشديد وإصراره، ولكن أسامة كان أكثر عنادا وإصرارا منه ..
وسار آدم يعرج وأسامة يسنده حتى دخلا من باب الطوارئ ، وعند فحص الأشعة وجد الطبيب أن آدم مصاب بكسر في ساقه اليسرى فقال أسامة بلؤم:
مرحبا يا صاح!
ثم تابع وهو يقلد آدم بتصغير الصوت ساخرا:
إنني بخير، إنه ليس كسرا سوف أسير على قدمي غدا ونحن ذاهبان للمدرسة ..
وطوال الطريق إلى منزل آدم ظل أسامة يضحك ويسخر عليه وهو مجبس ووجه مليء باللاصقات الطبية وكان آدم يصطنع الضجر من نكات أسامة التي لا تتوقف ..
وصل آدم أخيرا إلى منزلهم وساعده أسامة على الصعود ثم طرق أسامة الباب بطريقته الخاصة، التي تصيب آدم بالخجل دائما ..
فتحت شروق الباب وشهقت وهي تنظر إلى آدم المتسخ والذي امتلأ باللاصقات الطبية وسروال من الجينز الممزق ورجله المجبسة تظهر من تحته مشرقة ..صاحت شروق :
أمي ى ى ى ى ى ى ى ى ى ى ى
فأمسك آدم بفمها وقال:
لا داعي للإعلانات أرجوك!
قال أسامة وهو يترك آدم:
أعتقد أنك الآن بخير .. سأتركك .. على الأقل والدتك إلى جانبك!
ضحك آدم وهو يقول:
ألا تخرس قليلا ..
مستحيل!
تعجبني ثقتك!
السياج الأخضر
مضت عدة شهور على ذلك ..
كان على آدم وأسامة أن ينشغلا في اختبارات نهاية العام، لذلك فقد بدأ آدم بتناسي الأمر حتى لا يؤثر على علاماته ..
مرت فترة الاختبارات بصعوبة شديدة وببطء كالعادة ولكنها انتهت بأي حال ..
ركضت شروق بفرحة وهي تحمل شهادتها وتريها لآدم، نظر لآدم إلى علاماتها الممتازة وقال:
أنت رائعة يا شروق .. مبارك!
استدارت شروق حول نفسها بسعادة وهي تلحن ثم بدأت تغني:
سأدخل إلى المتوسطة، بعدها الثاااااااااانوية .. بعدها الجـ ...
قبل أن تكمل شروق دخل ياسر وضحك متابعا بألحان شروق:
سوف أدخل إلى الصف الثاني .....
ضحك آدم وصفق لهذا العرض الرائع فتساءلت شروق:
متى ستظهر نتيجتك يا آدم؟
نظر آدم قليلا للسقف وتنهد قائلا:
لا أريدها أن تظهر .. لن تكون جيدة جدا ..
هيا آدم! متى؟؟
بعد أسبوعين من الآن ..
همس ياسر:
سمعت أبي يقول لأمي .. أنه يريد عمل حفلة تخرج لك ..
ضحك آدم وقالت شروق بغيظ:
أيها النمّـام! تفسد كل شيء دائما ..
رد ياسر وهو يقذفها بعبوة البسكويت الورقية التي كان يحملها:
أنت النمامة!
في تلك اللحظة ضغط أحدهم جرس الباب فقال ياسر:
أنا سأفتح ..
ركض ياسر مسرعا وبدأت شروق بتناول بسكويته ، وسمع آدم صوت ياسر يصيح:
آدم .. إنه أسامة!
ذهب آدم مسرعا وقابل أسامة فقال أسامة وهو يصافحه:
لدي أخبار سيئة .. تعال!
جذب أسامة آدم من يده فقال آدم بسرعة:
ياسر، أغلق الباب ولا تفتح للغرباء وأخبر أمي وأبي بأنني لن أتأخر إذا جاؤوا قبلي فهمت ؟
لم ينتظره أسامة حتى يسمع رد أخيه الأصغر وخلال دقائق كانا يمشيان إلى جوار بعضهما في الشارع وقال أسامة بجدية:
آدم .. لقد عرف أبي النتيجة قبل ظهورها في المدارس ..
نتيجتك؟
بل نتيجتك أنت ..
نظر آدم باندهاش وقال:
ماذا؟ لقد قلت أخبارا سيئة .. هل تمزح؟
لقد رسبت يا آدم ..
ضحك آدم باستخفاف وقال:
هيا .. لا تفعل ذلك أعلم أن علاماتي ستكون جيدة!
قال أسامة وهو مصرّ على موقفه:
صدقني!
توقف آدم مشدوها وتمتم :
بالتأكيد هناك خطأ ما، لقد حصلت على علامات كاملة في النصف الأول .. أيعقل هذا؟
قال أسامة وهو يلوح بيده المنبسطة أمام وجه آدم:
هيييه! هل تحدث نفسك؟
انتبه آدم ونظر لأسامة الذي بدأ في ضحكة خبيثة ثم قال:
كنت أمزح معك!
تغيرت ملامح آدم إلى الضجر وبدأ بضرب أسامة فركض أسامة وهو يضحك بشدة وتبعه آدم وهو يزمجر:
سأقتلك أيها الشرير الكاذب !! لن أصدقك أبدا ..
*******
حفلة تخرج آدم وأسامة وأصدقائهم كانت أكثر من رائعة تجلى فيها حبهم لبعضهم، وظهرت فيها فرحتهم، كان آدم سعيدا برفقة أصدقائه وأسامة خصيصا، لقد تخرج الجميع بتفوق، وهاهي الحفلة التي أقامها الجميع في حديقة منزل أسامة!
وفي نهاية الحفل المسائي، أشعل آدم المفرقعات فأضاءت السماء بألوان مبهجة وتعالت الصيحات والهتافات والتصفيق .. قام البعض بإطلاق صفارات عالية من أفواههم وضحك آدم وقام أسامة بضرب ظهره بقبضة يديه وقال في أذن آدم حتى يسمعه من الضجيج المحيط:
أحبك يا صديقي! مع أنك معتوه!
ضحك آدم وابتسم بامتنان وهو ينظر إلى أسامة ثم أشار إليه وقال:
أنت أيضا يا صاح! الطيور على أشكالها تقع!
التف باقي الأصدقاء حول آدم وأسامة في الحديقة ليقطعوا معا كعكة النجاح المزينة بالشموع الملونة على عدد الناجحين في الحفل وشوكولا على شكل قبعات تخرج ..
بعد انتهاء الحفل كانت شروق قد تناولت جرعة زائدة من الشوكولا مما أصابها بالإعياء وحملها آدم إلى داخل المنزل وهو يضحك ويسخر منها ..
بعد مضي أسبوع من الإجازة، كان آدم قد بدأ يشعر بالملل ..
مضى يومين آخرين يعتبران أجازة من كل شيء وقال آدم يخاطب والده وهو يتثاءب :
لا أحب الإجازات الطويلة، لأنني أتثاءب طوال الوقت وأنام كثيرا!
أجاب أيمن وهو يرشف رشفة من قهوته :
ما رأيك في رحلة ؟
قال آدم وهو يقوم واقفا:
وإلى حين الرحلة ، سأبدأ بترتيب غرفتي ، فربما يشعرني ذلك ببعض التحسن ..
دخل آدم ليغير من روتين يومه الممل، وقف ونظر إلى غرفته الغير مرتبة وقال:
ستبدأ المهمة المستحيلة ...
في البداية حمل كل كتبه وأدواته القديمة ووضعها في أدراج مكتبة والده الكبيرة، كأنه أضاف نقطة إلى بحر في لم تؤثر على كم الكتب الموجود في المكتبة ..
قال وهو يضحك:
تخلصت منك!
دخلت شروق وقالت:
هل أساعدك يا آدم ..
كان آدم يخرج أغراض الغطس من أسفل سريره وبدا صوته مكتوما وهو يقول:
شكرا! يمكنني تدبر الأمر ...
ابتسمت شروق وفتحت أدراج آدم بتطفل وقالت:
إذن سأهتم بالمكتب ...
ثم أخفضت صوتها وهي تكمل كلامها:
فأنا في شوق لمعرفة كل مقتنياتك ... و كشف أسرارك!
أخرج آدم رأسه من أسفل السرير بعد أن اصطدمت بقوة بطرفه الخشبي وقال وهو يضغط عليها متألما :
شروق ... ابتعدي عن مكتبي أرجوك!
أريد أن أرتب شيئا! كما أنه ليس مكتب الوزير!!
قال آدم وهو يناولها معدات الغطس:
ساعديني على توصيل هذه إلى المخزن، هيا ..
هزت شروق رأسها نفيا وقالت:
سأرتب مكتبك ..
قال آدم بتثاقل:
أعرف ما سيحصل ، ستجدين ألبوم صوري الكبير وتشاهدينه للمرة الألف!
تبا لك يا آدم ... لن أساعدك!
خرجت شروق من الغرفة غاضبة فنادى آدم:
هيييه شروق! حسنا لا تحزني، اهتمي بالمكتب ..
عادت شروق مبتسمة فقال آدم وهو يحمل معدات الغطس ويخرج:
وأرجوك، أتوسل إليك! أنجزي عملك!
هزت شروق رأسها موافقة وتحركت خصلات شعرها الناعمة فابتسم آدم وخرج .. أخرجت شروق جميع الأدراج وسكبتها على السرير ..
نظفت المكتب جيدا ومسحته بقماشه مبللة، ثم نظفت جهاز الحاسوب الخاص بآدم وهي تلعن إهماله ... عاد آدم ونظر إلى أغراضه المسكوبة على السرير بألم وهو حزين على ما آلت إليه ثم تنهد وفتح دولابه وبدأ بترتيب ملابسه المبعثرة ..
بدأت شروق بإعادة الأدراج وتمتمت بسعادة:
بدأ العمل الأجمل، ترتيب أغراض آآآدم!
ضحك آدم وقال وهو يعلق ملابسه الرسمية برتيب :
كأنها ستزين كعكة العيد!
فتحت الأدراج الستة وبدأت بتصنيفها فقال آدم :
ضعي أوراقي وكتبي الخاصة في الدرج الأول ..
أجابت شروق ببرود:
لاحظ أنني من يرتب هذا!
زفر آدم بضيق وتمتم:
لم تجد سوى المكتب!
احمد الله أنك وجدت من يرتب لك هذا الـ ...
التفت آدم ينظر إلى شروق الغاضبة وهي تبحث عن كلمة مناسبة .. وقالت فجأة:
هذا السوق الذي كأنما أصابته قنبلة فبعثرت خضرواته!
تمتم آدم وهو يفكر:
سوق؟؟ قنبلة؟؟
لم تعلق شروق وبدأت بوضع الأغراض داخل الدرج فقال آدم:
يبدو سوق خضروات كبير ..
لم تعلق شروق مجددا ولكنها بدت مستفزة جدا من آدم ثم أمسكت ببطاقة وهي تقرأ:
ما هذا؟؟؟ لماذا تحتاج إلى بطاقة لطبيبة نساء وتوليد؟؟؟ أنت رجل!!!
تفاجأ آدم ولكنه سرعان ما تذكر ذلك واقترب من المكتب وتطلع إلى البطاقة :
" الطبيبة : نهى رباح
عيادة النساء والولادة
رقم الهاتف ............... "
عادت إلى ذهن آدم ذكريات مضى عليها عام تقريبا .. وبما أنه سيتم ثمانية عشرة عاما بعد شهرين .. فقد مضى عام تقريبا.....
وتذكر شيئا واحدا فقط وهو ينظر إلى يده اليسرى ... بالأخص إلى خاتم زواج والده الذي لم ينزعه يوما ..
تذكر فقط ..... السياج الأخضر ...
السياج الأخضر
رفع آدم سماعة الهاتف بتردد وقام بطلب الرقم ...
انتظر ثوان حتى سمع صوت فتاة:
مرحبا؟
مرحبا، أهذه عيادة الطبيبة نهى؟
أجل وبم أساعدك؟
كنت أود التحدث إليها ..
أنا آسفة جدا، ولكنها الآن في المستشفى الرئيسي ... إنها تداوم في العيادة من السادسة صباحا وحتى الواحدة ظهرا .. يمكنك موافاتها غدا وسأسجل لك موعدا ..
شكرا سيدتي ..
حسنا .. الاسم لو سمحت؟
آدم يوسف ..
آدم؟
أجل..
هل قلت آدم يا سيدي؟
أ ... أجل أجـل ..
آسفة ظننت أنني سمعت خطأ ..
لا بأس ..
حسنا لديك موعد غدا في الثامنة صباحا ..
شكرا جزيلا ..
إلى اللقاء ..
إلى اللقاء ..
أعاد آدم سماعة الهاتف إلى مكانها ،، إنه حتما يتوق إلى رؤية والدته، وهذه الطبيبة أخبرته من قبل أنها ربما تملك لأمه صورة ..
استيقظ في اليوم التالي مبكرا على غير العادة ورتب سريره، لأنه قرر أخيرا المحافظة على نظافة غرفته من الإهمال ..
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف، تجهز آدم سريعا وطرق باب غرفة والديه .. فتحت والدته الباب وكان ظاهرا على وجهها أنها لم تستيقظ بعد وغمغمت:
ياسر؟ هل أحضر لك الإفطار ؟؟
ابتسم آدم وقال:
أمي، سأخرج في مهمة سريعة، لا تقلقي علي .. أنا آدم ولست ياسر!!
هزت الأم رأسها موافقة ثم دخلت إلى الغرفة وعادت إلى سريرها وسحبت البطانية عليها، كان والده نائما ولم يشعر بذلك، فأغلق آدم الباب الذي نسيته أمه مفتوحا وقال ضاحكا يحدث نفسه:
أشك أنها علمت أصلا مع من تتكلم، السهر ليس عادة حسنة!
خرج آدم بسرعة، كان سيتصل بأسامة ليذهب معه إذا كان هنا، ولكنه كان مسافرا منذ بداية إجازة نهاية العام، ولذلك فقد بدا آدم وحيدا ..
وصل آدم إلى العيادة في الثامنة إلا خمس دقائق، كان إيجاد العنوان سهلا جدا، ودخل إلى العيادة وكانت هناك ثلاث سيدات وقالت مساعدة الطبيبة:
هل أنت آدم يوسف؟
حدقت السيدات بآدم مستغربات وأجاب آدم وقد توردت وجنتاه خجلا:
أ .. أجل!
أعطته رقما وقالت:
انتظر دورك!
جلس آدم على آخر كرسي في مقاعد الانتظار وكانت السيدات يتهامسن وينظرن إليه ... كاد أن ينفجر خجلا ولكنه حاول تناسي الأمر ..
بعد فترة خرجت الممرضة وقالت وهي تقرأ باستغراب:
.. آ .. آدم .. يوسف؟
دخل آدم إلى الطبيبة، كانت مبتسمة وقالت وهي تصافحه:
هل أستغرب أنك مازلت تتذكرني، أم أشكر الظروف التي جعلتني أراك مجددا؟
ابتسم آدم وقال خجلا:
إنه شرف لي يا سيدتي أن أقابلك مجددا ..
أشارت الطبيبة بحركة من يدها إلى أحد المقعدين أمام مكتبها وقالت:
تفضل ..
جلس آدم فجلست على المقعد المواجه له ، وبدأت بالموضوع قائلة:
أعلم لما جئت، أنت تريد صورة والدتك أليس كذلك؟ وتريد أن تعلم عنها أي شيء ..
بلى ..
ابتسمت الطبيبة وقالت:
لدي أجازة يوم الجمعة دائما .. سأنتظرك في منزلي .. لأن العيادة مزدحمة ولن استطع أبدا أن أحكي لك عن والدتك ... ما رأيك؟
موافق..
سأراك الجمعة القادمة إذا؟
إن شاء الله ..
حسنا خذ رقم هاتفي المحمول، وسأصف لك العنوان ..
أخذ آدم الرقم من الطبيبة نهى ومن ثم عاد إلى المنزل، كانت الساعة تقترب من التاسعة والنصف وكان والديه يدوران في المنزل قلقا وقال السيد أيمن وهو ينظر إلى ساعته:
لقد تأخرت عن عملي ...
قالت السيدة نوال بقلق:
أين هو يا ألهي!! لم يخبرنا حتى إلى أين سيخرج مبكرا هكذا!!!!
أتمت السيدة نوال جملتها وسمعا صوت الباب، كان آدم عائدا وهو يهز مفاتيحه فتحدث صوتا،، نظر فرأى القلق على وجه والديه وقال السيد أيمن غاضبا:
كان على الأقل يمكنك أن تترك لنا رسالة هنا ..
قال آدم وهو يلقي بمفاتيحه على الطاولة:
صدقني يا أبي لقد أيقظت أمي وأخبرتها، إنها لا تتذكر شيئا ، كانت نائمة ..
قال أيمن وهو يخرج :
لقد تأخرت إلى اللقاء ..
أجاب آدم ووالدته في نفس الوقت:
إلى اللقاء ..
بعد أن خرج السيد أيمن تساءلت السيدة نوال بحدة:
أين كنت يا آدم؟؟
صمت آدم قليلا وقال:
كنت مع أسامة ...
في هذا الوقت؟؟
كان مريضا ..
تنهدت الأم ودخلت إلى المطبخ وهي تقول:
أيقظ أخوتك لأنني شرعت في إعداد طعام الإفطار ..
كان آدم يحب إيقاظ إخوته، وخاصة ياسر عندما يمرر آدم قطعة ورق صغيره فوق أنفه فيظل ياسر يبعدها ظنا منه أنها ذبابة .. ويشتم ويزمجر منها وهو مازال نائما ..
استيقظ الجميع وتناولوا طعام الإفطار ..
كان آدم حائرا .. ولكنه كان سعيدا لأنه سيعرف أي شيء عن والدته، سيرى صورتها أخيرا ..
ربما يتوصل إلى شخص ما يعرف والده أيضا .. كم سيكون هذا رائعا!
اليوم هو يوم الثلاثاء ..
يتحرق آدم شوقا إلى يوم الجمعة ..
وأخيرا صباح الجمعة استيقظ آدم مبكرا، تناول إفطاره مع والديه وتوجه والده إلى المكتبة ليحضر كتابا فقال آدم مخاطبا والدته:
أمي ... سأذهب اليوم إلى أسامة .. حسنا؟
نظرت له والدته وهي تشعر بشعور غريب وقالت:
حسنا ..
خرج آدم إلى الشارع واتصل بالطبيبة من هاتف عمومي .. أجابت:
نعم؟
مرحبا .. أنا آدم يوسف!
آه .. مرحبا يا آدم .. يسرني أنك مازلت تتذكر ميعادنا، خشيت أن أراك الجمعة من العام المقبل ..
ضحك آدم وقال:
إنني هنا يا سيدتي لا تخافي!
حسنا خذ عنوان المنزل ..
وصل آدم إلى المنزل في تمام العاشرة والربع صباحا، بعد قليل من البحث ..
فتح له رجل فقال آدم بتلكؤ:
هل هذا هـ .. هو منزل الطبيبة ...... نهى؟
أجل؟
أ .. لقد ..
ابتسم الرجل وسأل:
هل أنت آدم؟
أجل!
صافحة الرجل وقال:
تفضل يا بني .. تبدو أكبر من سنك ..
جلس السيد رامي زوج السيدة نهى والسيدة نهى أيضا وآدم .. قالت السيدة نهى:
لقد كنت صديقة أمك الوحيدة، هي أيضا كانت صديقتي الوحيدة والمفضلة، تعارفنا عندما كنا ندرس في جامعة الطب .. وعينا فيما بعد في نفس المستشفى فزدنا قربا وصلة .. كان خالك آدم، مصدر حزن كبير لها وكانت تسعى دائما إلى إيجاد علاج يريحه، عندما تزوجت والدك، تزوجت أيضا في العام نفسه، وقد أنجبتك عندما كنت حاملا في ابنتي " ندى" وعندما أطلقت منى عليك اسم آدم، كنت الطفل الوحيد بهذا الاسم .. لم يشأ والدك أن يعارضها بشأن اسمك، كان يحبها كثيرا .. وكان يريد أن يفعل أي شيء حتى يرفع من معنويات خالك آدم المريض ..
كان آدم يستمع باهتمام وقال السيد رامي :
سأستأذن منكم الآن لأن لدي موعدا مهما ..
وقف السيد رامي وصافح آدم ثم توجه إلى خارج غرفة الجلوس .. ابتسمت السيدة نهى وقالت:
ومع كل هذا فأنا لا أمتلك صورة شخصية لها ..
تفاجأ آدم وأصابه نوع من الإحباط وخيبة الأمل ولكن السيدة نهى أردفت مبتسمة :
ولكن يمكننا أن نحصل على صور كثيرة لوالديك ..
أين؟
تساءل آدم بلهفة ، فأجابت السيدة نهى:
في منزلكم ...
منزلنا؟
أجل لقد مررت به عدة مرات، إنه مغلق، لأنه "ملعون" كما يقولون .. ، وأن تلك القرية ملعونة كما يزعمون .. وبالطبع فأنت الشخص الوحيد الذي يحق له دخول المنزل ..
وقف آدم وقال:
حسنا ... سنذهب ..
السياج الأخضر
استغرقت الرحلة حوالي الساعة والنصف وقال آدم متسائلا:
إن المنزل قريب من الغابات المحرمة ..
أجابت الطبيبة :
هذا صحيح ... كانت قريتنا الجنوبية تقع قريبة من الغابات المحرمة ، لقد أصبحت مهجورة الآن .. إلا من بعض السكان القدامى ..
قال آدم :
يبدو أن الجميع انتقل منها .. لماذا؟
صمتت الطبيبة قليلا وبدا أنها تركز قيادتها على الطريق ولكنها قالت بهدوء:
لقد بطش " هارون" بكل أهالي القرية الجنوبية ليحصل على معلومة تفيده عن مكان خالك آدم ولكنه .. لم يفلح ..
تساءل آدم باستغراب:
ومن هو؟
شخص ذو نفوذ ، ثري، ادعى أنه من ضغط على عم آدم .. ليضع له البلورة في صدر آدم .. وسمعت أنه كان يخفيها في صدر آدم عن عصابات أجنبية ولذا لم يكن من المتوقع أن تكون في صدر فتى قروي ..
صمت آدم يفكر في ذلك متألما وقالت الطبيبة:
يبدو أننا وصلنا ..
كان المكان أشبه بالمدينة المسكونة .. أشجار جافـّة، طرقات رملية قديمة وبيوت مهدمة أو مهجورة تلفها الأتربة أو القاذورات وتحيط بها خيوط العنكبوت وتعبث بها الحشرات والحيوانات الصغيرة ..
تمتم آدم بذهول:
لا أخال أن أحدا يعيش هنا!
أنا أيضا أظن ذلك .. ولكن هناك فعلا من يقدس ذلك المكان ..
من؟ الأشباح!
ابتسمت الطبيبة وقالت:
كلامك منطقي .. ويصيبني بالخوف ..
توقفت الطبيبة بسيارتها أمام منزل قديم .. ثم قالت وهي تطفئ محرك السيارة:
كنت تعيش في هذا المنزل الجميل عندما كنت ولدا في الثانية من عمرك ..
ترجل آدم من السيارة وتوجه إلى باب المنزل ببطء تتبعه السيدة نهى ..
وقف آدم أمام الباب فقالت:
هيا ... إنه مفتوح بأي حال .. كل المنازل مفتوحة ..
وضع آدم يده على مقبض الباب البارد والمتسخ جدا، فتحه بهدوء فأصدر صريراً مزعجاً، نظر جيدا إلى خيوط العنكبوت التي ملأت أرجاء المنزل ..
كان كل شيء في مكانه، الأثاث القديم المهتريء والآنية المكسورة .. تمتمت الطبيبة بألم:
رحمكما الله منى ويوسف ..
قال آدم:
آمين ..
صعدا الدرج فأصدر صوتا غريبا،، وتحطمت إحدى درجاته الخشبية بينما كانت الطبيبة تتبع آدم .. سارا في الممر العلوي ببطء حتى وصلا إلى غرفة النوم ..
الملابس، والفرش، والسجاد .. كل شيء قديم و متهرئ ... بالإضافة إلى الأتربة وطبقات الغبار المكومة والصرير الذي تصدره الأرضيات الخشبية عند المشي فوقها ..
هناك بعض الأثاث الخشبي قد تآكل وسقط ..
فتش آدم الأدراج، كانت هناك الكثير من الأشياء المختلفة،، هناك نقود، ومساحيق تجميل والدته ... و.. ألبوم صور كبير ..
فتش آدم مجددا عله يجد صورا أخرى ولكنه لم يجد شيئا وقالت السيدة نهى:
أتذكر ذلك الألبوم .. كان المفضل لدى والدتك ..
تساءل آدم:
هل هناك غيره؟
لا أعلم صدقني .. أنا أتذكر هذا وحسب ..
توقفت السيدة عن الكلام فقال آدم:
إنه مغبر جدا ..
هيا بنا نعد إلى السيارة وننظفه ثم نشاهده بتأنٍ ..
عاد آدم برفقة السيدة نهى إلى السيارة بسرعة،، ولكنهما توقفا مذهولين أمام باب المنزل وهما يحدقان بالسيارة ..
حدث ذلك الشيء مجددا،، الطلاء الأبيض مخدوش خدوش مؤذية وكثيفة تحتاج وقتا،، العجلات الأربع مفرغة من الهواء كشافات الإضاءة وزجاج السيارة بالكامل كان محطما .. والتراب يملأ المقاعد وكأن السيارة كانت جزءا من تلك المدينة المهجورة،، قالت الطبيبة بهلع:
مستحيل، هذه ليست سيارتي!!!
همس آدم يكلم نفسه:
مستحيل أن يكون حدث ذلك مجددا!!
تمتمت السيدة نهى وهي تحملق بآدم مندهشة :
مجددا؟؟
********
شعر السيد أيمن بقلق عارم، ونظر إلى الساعة التي تشير إلى الثالثة بعد الظهر،، قال والعائلة تلتف حول مائدة الغداء:
لماذا تأخر آدم؟؟
قالت السيدة نوال وهي تضع الأطباق مع ابنتها شروق على السفرة:
قال أنه سيذهب إلى أسامة ... ربما سيتناولان الغداء معا ..
انتصب الأب في جلسته فجأة وقال بسرعة:
هل هو من أخبرك بهذا؟؟
نعم؟ ما بك ...؟؟
يا إلهي! إن أسامة في إجازة مع عائلته لزيارة أهلهم في مدينة أخرى،، إنهم مسافرون ومن بداية العطلة ...
تطلعت الأم مذهولة وتمتمت:
لقد أخبرني في المرة التي سبقت تلك أنه كان مع أسامة لأنه كان مريضا ..
قالت شروق بقلق:
لماذا كذب علينا؟؟ هل يقوم بأمر خاطئ؟؟
وقف السيد أيمن وارتدى معطفه وهو يقول بانفعال وخوف :
سأبحث عنه ...
أمسكت السيدة نوال بيده وقالت :
إلى أين .. انت حتى لا تعرف أين هو .. ولم تتناول غداؤك ..!!
سوف أسأل أصدقاءه أين يمكن أن يكون ..
قالها واندفع خارجا من الباب .. فقال ياسر بخوف وبراءة الأطفال تملأ كلماته:
أتمنى أن يكون بخير وان لا يفعل شيئا سيئا أو يدخن!!
*******
بدأ آدم بربط مسامير الإطار الوحيد الذي يوجد له بديل ..
كانت السيدة نهى تمسك بالألبوم وهي مرتعبة وقال آدم :
أخشى أننا لن نسير بسرعة ... سنتأخر ..
كان هاتف السيدة نهى الخليوي لا يعطي إشارة لوجود شبكة الاتصالات في المنطقة وقالت بيأس وهي تحاول تدفئة نفسها بضم الألبوم إلى صدرها:
إننا في مكان مهجور .. أتمنى أن يمر ذلك على خير .. ومازلت أتساءل .. من يمكنه فعل ذلك؟؟
بدأ آدم بإزالة الأتربة من فوق المقعدين وركب أمام المقود وقال:
ربما الأشباح ..
قالت السيدة نهى مرتعبة:
كلامك منطقي!! ويصيبني بالرعب ..
بدأ آدم بتشغيل السيارة ودار بها عائدا من نفس الطريق وببطء شديد ... أمسكت السيدة نهى بألبوم الصور جديا وتساءلت بقلق واضح في صوتها :
هل سيخيم علينا الليل في هذا المكان؟؟ الساعة تقترب من الرابعة ..
سنكون قد خرجنا من هنا!
تقارب حاجبي السيدة نهى وقالت وهي تنظر إلى الطريق الذي يمر ببطء وبكل تفاصيله المخيفة:
سنكون في نطاق الغابة المحرمة ..
لا تخافي .. سنكون بخير ..
أنظروا من يصبـّر من!!
ابتسم آدم محاولا إخفاء قلقه وكان يحدث نفسه:
" إنها مفزعة بما يكفي صباحا،، ماذا سيحصل عند المساء؟؟ لقد خرجت أنا وأسامة من هذا النطاق قبل أن تظلم علينا .. يا رب ارحمنا"
مضى قليل من الوقت فقالت السيدة نهى:
دعني أتولى القيادة لبعض الوقت وتعال لتشاهد الصور ...
قال آدم بشهامة:
سوف يكون لدي متسع من الوقت فيما بعد لرؤيتها ... إن شاء الله!
أنت فتى عاقل! وهذا ما يطمئنني وأنا برفقتك!!
شكرا سيدتي ..
السياج الأخضر
لم تفتح السيدة نهى ألبوم الصور حتى لا تشغل آدم عن القيادة في ذلك المكان الخطير ..
بعد مضي ساعة ونصف من الوقت راحت السيدة نهى في نوم عميق جدا،، حتى إن الألبوم تزحزح وسقط مائلا إلى جانبها ..
ألقى آدم نظرة على السيدة وتابع تلك القيادة المملة جدا ..
اقتربت الشمس من المغيب،، وبعد قليل أظلمت السماء إلا من لون الشفق الأحمر فقال آدم وهو يحدث نفسه وينظر إلى الأشجار الملتفة:
" أخشى حتى أن أتوقف وأصلي المغرب ... هيا .. كن شجاعا يا آدم!!"
نزل آدم من السيارة ووقف على الطرق الترابي ثم استدار عند نافذة السيدة نهى وقال بلطف:
سيدتي ,,, آ .. كنت .. سيدتي؟؟
لم تستيقظ السيدة نهى ..
بتردد كبير وضع آدم إصبعه السبابة على كتفها الأيمن وقام بنقرها وهو يقول مجددا:
سيدتي .. لقد توقفت لكي أصلي و .. أريدك أن تستيقظي ..؟
لم تجب السيدة نهى ..
بدأ آدم يشعر بالقلق ورفع صوته قليلا و بدأ بتحريك السيدة نهى :
سيدة نهى؟؟ أيتها الطبيبة؟ ما الأمر؟؟
بدا أن السيدة نهى ميتة .. فهي لا تتكلم ولا ترمش ولا تتنفس ...
سقط آدم على الأرض وتعرق رغم برودة الجو خوفا والصدمة تعتري ملامحه البريئة .. كان ذراعاه يرتجفان وتمتم آدم بعينين دامعتين:
سيدة نهى؟؟ سـ .. سيدتي أرجوك!!!
وبسرعة أمسك بهاتفها الخليوي .. كان آخر رقم اتصلت به هو " ندى" .. قام آدم بالاتصال ولكن الهاتف أعطى رسالة بأنه خارج حدود الشبكة ..
سمع آدم أصوات خطوات بين الأشجار، كان آدم يمسك بالهاتف و يهتز.. إنه يرتجف من الخوف والوحدة ..
أغلق أبواب السيارة جيدا،، وكانت النوافذ محطمه ،، وأمسك بالمقود يتابع الطريق لكن الرؤية كانت مستحيلة في ذلك الظلام وبدون مصابيح السيارة أو أي مصدر ضوء .. حتى القمر لم يخرج للوجود ذلك اليوم،، لا يعرف آدم إن كان في آخر الشهر الهجري لأن حظه عاثر ...
مضت عشر دقائق وآدم ممسك بالمقود وهو متأكد تماما أنه ضل الطريق في ذلك المكان الترابي المبهم .. فهو لم يعد يرى آثار الطريق الحقيقي ...
حبك الليل ظلمته،، وأصبح الوضع لا يحتمل بالنسبة لآدم ،، فهو تائه و بجانبه جثة ويقود خردة لا تريد السير وهو في مكان خطير ويشعر بالبرد والوحدة والخوف والجوع ...
ظل يدعو الله في قلبه أن يكون هذا هو الطريق الصحيح ..
أمسك بالهاتف الخليوي وأعاد المحاولة، ولكنها فشلت مثل سابقتها فهذا المكان مقطوع عن العالم الخارجي ..
من بعيد بدأ آدم يلمح ضوءا ..
إنها على الأرض؟؟ أحدهم يشعل نارا في ذلك المكان ...
من يكون هنا؟؟ من يبقى في هذا المكان بمفرده أو حتى مع مجموعة ويشعل نارا ..
ارتعب آدم ولكنه واصل السير نحو الضوء مخاطرا بكل شيء وقال لنفسه:
" ربما هم فرقة كشـّافة ... لا يمكن للأشباح أن تشعل النار"
عندما اقترب من النار مسافة كافية شاهد شخصا واحدا هناك، وعندما سمع ذلك الشخص صوت السيارة وهي تقترب ببطء التفت إلى الخلف ثم أسرع يركض نحوها ملوحا ..
كان شابا وسيما يقترب من السابعة والعشرين من عمره وكان قوي البنية،، كان يحاول إخفاء خوفه الشديد .. وهو وحيد في ذلك المكان ويبدو أنه تائه أيضا .. لديه ملامح هادئة ووجه لطيف معبر ..
قال الشاب وهو يمد يده لمصافحة آدم من النافذة المحطمة:
أشكر الله على مجيء شخص في هذا المكان ..
ابتسم آدم وقال وهو يصافحه:
وأنا أشكرا لله أيضا على أنني وجدتك .. هل تعرف الطريق؟
لو كنت اعرف الطريق لما بقيت هنا ..
ترجل آدم من السيارة .. وقال والخوف باد على صوته :
أنا تائه،، سيارتي معطلة و .. يبدو أنني خرجت عن الطريق لأنني لا أرى شيئا بسبب الظلام ...
نظر إلى السيارة فشاهد السيدة نهى وهي لم تتحرك قيد أنملة فدمعت عينيه وقال:
و.. لقد توفيت ..
لم يستطع آدم تمالك نفسه ونزلت دمعة من عينيه وتحشرج صوته فربت الشاب على كتفه وقال:
اهدأ يا صديقي .. هل هي والدتك؟؟
أ .. أجل ..
هل توفيت؟؟ ربما تكون في غيبوبة؟؟
لـ .. لا أعلم ..
كان آدم يبكي فعلا وقال بيأس:
لم أعد أعرف شيئا أنا يائس حقا!! ما كان علي أن آتي إلى هنا مجددا!
هل جئت إلى هنا من قبل؟؟
أجل .. وحدث معي ذلك .. ولكن كان الوقت والحال أفضل بكثير ..
ألقى الشاب نظرة على السيدة نهى ثم قال:
هل تعاني من السكر أو الضغط أو أي مرض؟؟
لم يعرف آدم كيف يجيب ولكنه قال:
لا ... لا أعلم تماما !!
حسنا .. دعني أتفقدها فقد أفهم قليلا في الإسعافات الأولية ..
فتح آدم الباب من جهة السيدة نهى،، واقترب الرجل ممسكا بمعصمها ثم ابتسم قائلا:
إنها على قيد الحياة، لا تخف ..
ابتسم آدم وهو يمسح دموعه وقال:
حقا؟؟ يبدو أن الخوف جعلني لا أدرك ذلك!!
قال الشاب وهو يفتح الباب الخلفي للسيارة:
ربما هي مصابة بغيبوبة،، ربما ارتفع السكر أو زاد الضغط فجأة فهذا يحدث غالبا مع كبار السن .. سنحملها الآن ونمددها على المقعد الخلفي هيا ..
حملاها إلى المقعد الخلفي،، لم تكن ثقيلة جدا وضع آدم معطفه ليغطيها فقال الرجل:
أنت ولد بار فعلا .. هيا بنا سنحاول الاسترشاد بالنار ..
وكيف سنفعل ذلك؟
********
عاد السيد أيمن من رحلة البحث الطويلة عند الساعة السابعة مساء ...
ارتمى على المقعد وكان يبدو غاضبا وقلقا بطريقة غير طبيعية، ولذلك فلم يسأله أي أحد عن آدم، لأنه لم يجده ولم يعرف مكانه ..
كان ذلك بديهيا وقالت شروق لوالدتها:
أمي .. أين يكون آدم قد ذهب؟؟
كانت السيدة نوال تشعر بقلق كبير وقالت:
لا أعلم ... لا أعلم حقا!!!
أسندت شروق ظهرها على الأريكة ونظرت إلى الساعة وتمتمت:
يا رب أحفظ آدم!!
*******
سار آدم بالسيارة مجددا وقال الشاب وهو يخرج يده بشعلة خشبية كبيرة من النار محاولا إضاءة الطريق:
حاول الخروج من نطاق الأشجار يا ..
صمت للحظات فقال آدم وهو يركز نظره على الطريق الترابي:
آدم ..
ابتسم الشاب وقال:
آدم؟؟
أجل ،، لا تضحك أعلم أنه غريب ..
لم يقل الشاب شيئا وتابع الطريق فتساءل آدم:
وأنت ما اسمك؟
يوسف!
ابتسم آدم ونظر له جيدا ثم قال:
يوسف؟؟ إنه اسم والدي؟؟
حقا،، هذا رائع ..
تساءل الشاب المدعو يوسف قائلا:
أهذا لك؟ هل أنت متزوج؟
فهم آدم أنه يقصد خاتم الزواج فقال:
لا ... إنه خاتم والدي ارتديته لأنه توفي منذ زمن وهذا يذكرني به دائما فأدعو له بالرحمة ..
لم يقل الشاب شيئا وظل يمسك بالشعلة جيدا ويتابع الطريق فتساءل آدم:
لم تخبرني كيف ضللت الطريق هنا؟، إنه مقطوع وبعيد جدا ...
هتف يوسف قبل أن يجيب على السؤال:
إننا نسير على الطريق الصحيح ... إنني أرى الشارع الممهد السريع يبدأ من بعيد ...
نظر آدم جيدا ولكنه لم ير شيئا وأجاب:
يوسف! انت مخطئ أنا لا أرى سوى الأشجار ...
قبل أن يجيب يوسف انطفأت الشعلة الكبيرة فجأة،، سمع آدم صوت طرق على معدن السيارة من الخارج وصاح بذعر وهو لا يرى يده في الظلام الحالك:
يوسف،، هل أنت بخير؟؟
لم يسمع آدم سوى صوت الطرق وهتف مجددا:
يوسف .. أين أنت؟؟
حاول آدم أن يمسك بيوسف ليتأكد أنه بخير ولكنه تحسس الكرسي فوجده فارغا .. أصابه الذعر وتشنج في مكانه وهو يصرخ:
يوسف!! أين أنت ..
توقف الطرق على معدن السيارة ولم يعد آدم يسمع أي شيء سوى صوت الريح القوي ... ارتجف آدم من برودة الجو وكان يريد أن يتأكد من أن السيدة نهى بخير ... ولكنه لم يستطع .. كان مذعورا وشعر بالتجمد في كل أطرافه .. نظر بعدوانية حوله وهو يحاول معرفة ما الذي يجري فعلا ..
إنه الرعب الحقيقي .. حينما ينظر حوله فلا يجد سوى الظلام .. وهناك شيء غريب يحدث ..
السياج الأخضر
فتح آدم عينيه .. كان واضعا رأسه على المقود وشعر بألم شديد في جسده ورقبته بسبب تلك الطريقة الخاطئة في النوم ..
انتبه فجأة ليجد نفسه في المكان الذي توقف فيه ليلة الأمس .. كان النهار قد طلع والساعة تشير إلى السابعة وخمس دقائق صباحا .. لقد مر وقت طويل جدا ..
" هذا غير صحيح،، كان ذلك حلما .. "
كان آدم يحدث قلبه وهو يريد تصديق أنه حلم لكن الباب المجاور له كان مفتوحا،، الشعلة الخشبية مطفأة وملقاة على بعد متر واحد تقريبا من السيارة والسيدة نهى مستلقية بالخلف .. وهي بخير وتتنفس بانتظام ..
أصبح آدم يصاب بالذعر كلما تذكر ما حدث ليلة الأمس ...
أين ذهب ذلك الشاب؟؟ من الذي خطفه؟؟ لا يمكن أن يكون أطفأ الشعلة وركض في ذلك المكان المهجور بمفرده من دون سبب معقول ..
نظر آدم إلى أخشاب الشعلة بحزن وتساؤل، وقبل أن يعود إلى السيارة أنتبه إلى خاتم الزواج الخاص بوالده .. لم يكن في يده اليسرى كالعادة ..
لقد أٌخذ منه ...
اندفع آدم نحو السيارة يفتش عن ألبوم الصور لكنه لم يجده .. لقد ضاع!!!
كيف حدث ذلك ..!!؟؟
أغلق آدم الأبواب وبدأ يقود السيارة بيأس وهو يدرك أن كل تلك الصعوبات لم تجد نفعا فقد ضاع الهدف الذي جاء من أجله وهاهو تائه لا يجد تفسيرا لبعض الألغاز وهناك مريضة تستلقي في الخلف ..
بعد مضي دقائق شاهد آدم الطريق الترابي السريع المؤدي للطريق الممهد ...
لم يصدق عينيه وحدق جيدا عله يكون سرابا، وتذكر فجأة كلمات الشاب الذي كان معه بالأمس .. عندما قال أنه يشاهد الطريق الترابي السريع ..
كان من المستحيل رؤيته من داخل الغابة .. ماذا يكون ذلك الشاب؟؟
تنهد آدم بتعب وهو يحاول نسيان ذلك وبدأت السيارة تمشي أسرع قليلا على الطريق الترابي ، وعندما اقتربت الساعة من التاسعة صباحاً سمع آدم صوت السيدة نهى تغمغم بشيء ..
أوقف آدم السيارة بجانب الطريق وترجل منها ثم توجه للمقاعد الخلفية،، تحركت السيدة نهى وفتحت عينيها،، كانت تبدو مريضة جدا وقالت بصوت ضعيف منخفض :
آدم .. أين نحن .. أريد أن أعود إلى منزلي ..
قال آدم مرتبكا:
إننا نقترب يا سيدتي .. ارتاحي فقط سوف آخذك للمستشفى ..
لا ... أريد أن أعود إلى منزلي وحسب ..
حسنا كما تشائين ..
عندما اقترب آدم من الطريق الممهد كانت شجرة ضخمة ملقاة بعرض الطريق الترابي تسد المخرج إلى الطريق الممهد ، ترجل أدم محاولا زحزحته ولكنه لم يستطع كانت الشجرة ضخمة حقا!!
تمزقت ثيابه واتسخ قميصه وهو يحاول زحزحة الشجرة بأية طريقة بلا فائدة،، سقط مرات متتالية وجرح في يده ودخلت الأخشاب الصغيرة تحت جلد أصابعه ..
كان ذلك مؤلما جدا ..
ولم يكن أمامه سوى التفكير في البحث عن طريق آخر وهو يخرج تلك الأخشاب الصغيرة من يده وقد تقارب حاجبيه وهتف متألما بعد أن انتهى :
حمدا لله! إنها مؤلمه!!
صعب جدا وجود طريق آخر فنهاية الطريق الترابي متصل ببداية ذلك الطريق الممهد، فكر آدم في طريق جانبي لكن كان ذلك بمثابة توغل جديد داخل الغابة وربما لن يستطع إيجاد الطريق السريع تلك المرة أبدا ..
مزق آدم نهاية قميصه الكحلي في شريط طويل وربط بها أصابع يديه الداميتين ثم توجه مجددا نحو الشجرة،، حاول زحزحتها بعد أن أزال كل الحشائش والصخور الصغيرة ولكن ذلك كان بمثابة زحزحة نملة لفرع ساقط على الطريق ..
مضى وقت طويل وانتصفت الشمس في كبد السماء وأصبح الجو حارا جدا،، أصيب آدم بالعطش وقد نفذت المياه التي لم يضع خطة لشرائها لأنه لم يعتقد أنه سيبقى في ذلك المكان حتى ظهيرة اليوم التالي ..
فجأة سمع صوت صهيل حصان بعيد ..
دب الخوف في قلبه مجددا وتذكر ذلك الصوت جيدا،، وبدون سابق إنذار خرج حصانٌ بني اللون من وسط الأشجار ومر من خلف السيارة بسرعة ورشاقة ..
تصلب آدم في مكانه وهو يراقب الحصان يبتعد من الجهة الأخرى ويركض إلى داخل الغابة الموازية للطريق الممهد ..
اختفى الحصان بين الأشجار، والتقط آدم أنفاسه وقال في نفسه:
" ليس من الجيد أن تكون جبانا لهذا الحد .... إنه مجرد حصان!"
لم تمض ثوان حتى شاهد آدم الحصان يركض عابرا الطريق الممهد إلى الجهة الأخرى من الغابة ..
علم آدم بطريقة غير مباشرة أن هناك طريقا جانبيا قريبا يستطيع آدم الخروج منه إلى الطريق السريع، تساءل فجأة في نفسه عن ذلك الجواد الذي ظهر من العدم ليريه طريقا آخر ثم اختفى !!!!
ترك آدم التفكير في ذلك حتى لا يشعر بالخوف وقاد السيارة ليعثر فعلا على الطريق الآخر ...
بعد مضي ساعة، كان آدم قد وصل إلى أول محطة تصليح سيارات، هي نفسها التي وقف فيها مع أسامة من قبل ..
مضت ساعة أخرى في تصليح السيارة ولكنها على الأقل ستسير مجددا لم يفعل آدم شيئا للطلاء كالعادة وكان المصباحان الخلفيان معطلان ولكنه أهمل ذلك ...
وبسرعة الريح ..
انطلق آدم أخيرا على الطريق السريع وبعد أن اقتربا من المدينة اتصل مجددا من الهاتف الخليوي الذي عمل تلك المرة ..
سمع آدم جرس الطلب وبعدها سمع صوت فتاة تهتف بلهفة:
أمي ... أين أنت؟؟
تلكأ آدم قليلا ثم قال:
آ.. مرحبا؟؟
من أنت؟؟ أين أمي؟
إنها بخير .. سنصل بعد قليل ولكنها توعكت قليلا أثناء سيرنا ..
ماذا؟؟ أين هي أود محادثتها!!
إنها نائمة لبعض الوقت ..
كان صوت تنفس الفتاة في الهاتف مضطربا جدا وقالت بخوف:
أين أنتم؟!؟ ... لماذا تأخرتم كل هذا الوقت، لقد بلغنا الشرطة عن اختفائكم ..
إنه حادث بسيط!!
حادث!! ياللهول!! يا ألهي .. أ .. هل أمي بخير ..
لا تخافي .. إنها بخير .. نحن نقترب من المنزل ..
حسنا سأخرج على الباب أنا في انتظاركم ..
حسنا ..
أغلق آدم سماعة الهاتف ...
وبعد عشر دقائق كان آدم يقف بالسيارة التي تغيرت معالمها أمام المنزل .. لمح آدم فتاة جميلة ومذعورة تنزل الدرجات القليلة أمام منزلهم ..
خرج آدم من السيارة مرهقا وقال مخاطبا الفتاة وهو يفتح باب السيارة الخلفي:
لا تخافي إنها بخير .. اعتقد أن حرارتها مرتفعة قليلا ..
نظرت الفتاة لآدم للحظة مصعوقة من منظره وانتبهت إلى أصابعه المربوطة بأجزاء من قميصه ثم دخلت إلى السيارة وحركت والدتها بلطف:
أمي .. هل انت بخير؟؟
فتحت السيدة عينيها ببطء وتمتمت:
ندى!
أمي انت بخير، حمدا لله!
حاولت ندى إسناد والدتها فقال آدم:
دعيني أساعدك، يمكنني حملها ..
نظرت ندى بحدة إلى آدم فقال آدم:
إنها مثل أمي ..
ابتعدت ندى فحمل آدم السيدة نهى بصعوبة وساعدته ندى على حملها ثم دخلا إلى المنزل ووضعها آدم على أقرب أريكة في الردهة ..
أحضرت ندى غطاءا من الأعلى ووضعته على والدتها فقال آدم وهو يخرج من المنزل:
يسرني أنها بخير ..
كان آدم مرهقا جدا وسلم ندى مفاتيح السيارة فقالت:
ألن تخبرني ما الذي حدث؟
إنه مجرد حادث بسيط،، و .. كانت هنالك .. شجرة ضخمة اعترضت طريقنا..
ثم أشار إلى ملابسه وقال:
لم استطع إزاحتها، وبحثت عن طريق آخر ولذا تأخرنا ..
ابتسمت ندى وقالت:
لقد تحملت المسؤولية إذا ..
ابتسم آدم وقال بعجلة من أمره:
لست شجاعا جدا إذا ظننت ذلك ،، لقد ارتعبت على والدتك!! حمدا لله أن هذا الأمر مر على خير .. إلى اللقاء ..
قالت ندى :
حسنا .. مع أنه من المفترض أن أدعوك لترتاح قليلا و...
قاطعها:
لن أوافق ،، لا بد أن عائلتي قلقة عليّ .. إلى اللقاء ..
حسنا كما تشاء ،، إلى اللقاء ..
انصرف آدم وأغلقت ندى خلفه الباب،، ابتسمت للحظة وهي تفكر فيه،، إنه حقاً شاب مميز .. انتبهت فجأة فركضت عائدة إلى والدتها ورفعت سماعة الهاتف لتحدث والدها وتطمئنه على عودة أمها متوعكة لكنها سالمة ...
السياج الأخضر
عاد آدم إلى المنزل مرهقا،، فتح السيد أيمن الباب وحدج آدم بنظرة قاسية ثم قال:
ادخل ..
دخل آدم ووقف، لم يفكر ماذا سيقول أو كيف سيبرر موقفه، وخاصة أن مهمته باءت بالفشل .. فزعت السيدة نوال وهتفت :
ما الذي جرى لك بني ... ؟؟؟
قاطعها السيد أيمن:
نوال من فضلك!! دعينا الآن ..
بقيت السيدة نوال تنظر بقلق ودخلت شروق وهي تختلس النظرات من خلف الباب وياسر يقف خلفها .. قال السيد أيمن بصرامة :
أين كنت؟؟ ولماذا كذبت علينا ..
نظر آدم حوله،، كان مرهقا جدا، كأن المكان يلتف ويدور حول رأسه وقال محاولا الاعتذار:
لم أقصد الكذب عليك يا أبي .. كنت أعلم أنني لو أخبرت فإنك لن توافق علـ ...
توقف آدم عن الكلام فجأة وهو يشعر بالدوار فاختل توازنه واستند على الجدار .. وقفت السيدة نوال بسرعة وأمسكت به وهي تقول بهلع :
أيمن إنه ليس بخير ...!!
حاول السيد أيمن أن يكون قاسيا ولكنه لم يستطع وأمسك بذراع آدم الذي بدا تائها في عالم آخر، وأسنداه حتى سريره ...
أغمض آدم عينيه ورأى نفسه يركض ويركض ..
اقترب آدم كثيرا من الأشجار الملتفة شاهد شخصا هناك يعطيه ظهره،، إنه يقف أمام السياج الأخضر،، توقف آدم ينظر إلى ذلك الشخص ..
التفت الشخص إليه، كان شاباً وسيما يبدو هادئا جدا .. قال بهدوء ولصوته صدى غريب:
مرحبا يا آدم الصغير .. إنه أنا .. خالك، لقد كبرت وأصبحت شابا رائعا ..
ظل آدم مبهورا ولم يقل شيئا وسمعا صوت صهيل،، له ذلك الصدى وكأنهم يقفون في مربع فراغ ،، اقترب من بعيد حصان بني يحمل علامة بيضاء على جبهته ،، ركض حتى توقف وأمسك آدم الكبير بلجامه وتحسس رأسه بحنان وهو يقول:
وهذا جوادي،، سريع .. إنه اسم على مسمى .. ما رأيك فيه؟
تمتم آدم الصغير بتلكؤ:
إنـ .. إنه رائع!!
انحنى آدم الكبير على الأرض وقال وهو يمسك بشيء ما:
هذا الشيء مضى على وجوده هنا أكثر من ثمانية عشر عاماً ،، إنه مفقود..