عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-07-2012, 08:33 AM
 

ثم اعتدل وهو يمسك بعلبة صغيرة مغطاة بالأتربة والحشائش وتابع:
طلبت من منى أن توصله لأيمن،، ولكن يبدو أنها نسيت .. اسمع يا آدم الصغير،، لا تتخلى عن والدتك يوما ما .. هل تسمعني .. ثم .. تخلص من ذلك الشيء بأي طريقه ..

ظل آدم ينظر بدهشة وعرف مكان العلبة جيدا فهي مدفونة بالقرب من السياج ،، وردد آدم الكبير:
هل تسمعني يا آدم الصغير؟؟
رفع آدم عينيه لينظر إلى خاله ولكنه لم يجده ..
لقد اختفى ..

***********

فتح آدم عينيه مفزوعاً، كان النهار قد طلع،، ونظر آدم حوله فوجد نفسه في غرفته ..
لقد كان يحلم،، ابتسم آدم لأنه رأى خاله لأول مرة في حياته ..
إنه يتذكره جيدا فقد كان حلما واضحا .. قبل أن ينهض آدم تشنج في مكانه وهو يتذكر شيئا ..
الحصان ..
الحصان الذي دله على الطريق بشكل غير مباشر، لم يكن حصانا برياً، كان حصانا بنياً لديه علامة بيضاء جميلة على جبهته ..
الأهم من ذلك ..
كان لديه سرج ولجام،، إنه ملك لشخص ما،، إنه حتما سريع .. قال آدم يحدث نفسه كالمجنون:
يجب أن أكف عن التفكير في ذلك حتى لا أجن!!!

نظر إلى نفسه وملابسه المتسخة بقرف ثم دخل ليأخذ حماماً ،، كان عليه أن يستعد للاستجواب الذي سيعرض له بعد قليل ..
خرج آدم نظيفا، ويشعر بالقليل من البرد وقابل شروق أولا التي تساءلت بقلق:
آدم .. هل أنت بخير؟؟
أجل يا عزيزتي!
لقد قلقت عليك أين كنت ..؟
ستسمعين القصة كلها الآن .. في الاستجواب الصباحي ..

ضحكت شروق وسارت خلف آدم حتى وصلا إلى غرفة المعيشة الكبيرة،، كان السيد أيمن يجلس بمفرده وقال آدم بحيوية :
صباح الخير يا أبي؟؟
نظر السيد أيمن وبدا حزينا ولم يرد فجثا أمام والده على ركبتيه وقال:
سأحكي لك الآن ما حدث معي،، لأن ذلك بدأ منذ العام الماضي ..

بدأ آدم يحكي ذلك للسيد أيمن،، كان السيد أيمن مشدودا ومتعجبا وهو يسمع ذلك،، لم يسمح لآدم طوال سنين أن يبحث عن شيء أو يعرف أي شيء يتعلق بوالديه أو بخاله حتى لا يؤثر ذلك عليه ..
وقد جاء الوقت الذي خرج فيه آدم عن السيطرة ..

انضمت السيدة نوال إلى القصة وكانت شروق موجودة من قبل ..
لم يحك آدم التفاصيل، أو الأحلام أو ما لاحظه واكتشفه،، اكتفى فقط بسرد القصة ببساطة وبنصف أضرارها وأحداثها فقط ..
قال السيد أيمن بقلق:
آدم يا بني أرجوك، لا داعي لكل هذا، لقد مضت تلك القصة وانتهى عهدها منذ زمن ... الغابة خطيرة، وأنت أدركت ذلك جيدا ...
أجاب آدم ... بعد فترة صمت قصيرة:
أجل يا أبي، فقط ، .. كان لدي شوق لمعرفة ما جرى، وتلك المرة أحببت رؤية صورة أمي ..
ابتسمت السيدة نوال بحزن فقال آدم:
لم أعد بحاجة إلى ذلك الآن .. فأنا هنا بينكم ..
وقف السيد أيمن وربت على ظهر ابنه وعلى شفتيه ابتسامة مطمئنة...

************

مر يومين بطيئين ومملين كالعادة، كانت شروق ترمي نكاتها على آدم وتضايقه طوال الوقت أما ياسر فكان مشغولا بدراسة الحروف الأبجدية والكلمات وبدا أنه فتى مجتهد من صغره ...

توجه آدم إلى أقرب هاتف عام وطلب الرقم،، بعد سماعه رنين الانتظار سمع صوت ندى التي أجابت:
من المتصل؟
مرحبا.. أنا آدم ...
من؟ آدم؟ من أنت؟
آه .. حسنا، أنا الشخص الذي أحضر والدتك منذ يومين، كنت فقط أود الاطمئنان على صحتها..
تغيرت نبرة صوت ندى وقالت بلطف:
مرحبا آدم، لم أكن أعرف اسمك .. أمي .. إنها بخير، كانت تسأل عنك ..
حسنا أبلغيها سلامي الحــار، وأخبريها أني آسف على كل شيء ..
سأخبرها، عليك أن تذهب لزيارتها مجددا فقد كانت تبحث عنك ..
سأفعل..
حسنا يا آدم يسرني التعرف إليك..
وأنا أيضاً . إلى اللقاء.
إلى اللقاء.

شعر آدم بالارتياح بعد أن اطمأن على السيدة نهى، وعاد إلى منزله مجددا، مضى يومين آخرين وآدم وشروق يتنافسان في لعبة على جهاز الألعاب الالكترونية ،، كانت شروق تفوز دائما لأنها معتادة على اللعب أكثر من آدم..
كان يمتلك روحا رياضية لكن شروق كانت على عكسه تماما فعندما تخسر مرة لا يعوضها أي شيء عن ضرب آدم بقوة وركله وكان آدم يضحك عليها دائما ويسخر منها ويغيظها ...
فجأة ارتفع رنين الهاتف وانطلق ياسر كالعادة وهو يصيح:
أنا سأجيب!
تكلم آدم وشروق في نفس الوقت قائلين وهما يمسكان بأذرع التحكم في اللعبة:
نعرف!

وأردفت شروق وهي تركز على اللعبة :
أنت من يجيب ومن يفتح الباب دائما ..لا أحد ينافسك في هذا!

أجاب ياسر ثم وضع سمـّاعة الهاتف، وصاح:
إنه أسامة!
ترك آدم الذراع الالكترونية وركض وهو يصيح:
لا تغشي!
أوقفت شروق اللعبة بعد أن ركلت لاعب آدم ركلتين قاضيتين وانتظرت،، أما آدم فقد ركض نحو الهاتف والتقط السماعة من يد ياسر وقال مسرعا:
مرحبا أسامة!
أهلا آدم، لقد اشتقت إليك!
أنا أيضا أيها الفالح!
هاهاهاهاها، شكرا، ما أخبار النتائج؟ قبلت في أي جامعة؟!
أطمئن لم تظهر بعد ...
هذا جيد ..
هيه أسامة! متى سترجع مع أن الحياة حلوة من بعدك!
آهآآ هكذا إذاً؟ سأرجع اليوم حتى تصبح الحياة مرة في عينك!
لاأأ .. أسألك فعلا!
لماذا؟ هل اشتقت إليّ إلى هذا الحد؟
لدي مغامرة أحكيها لك عن الغابة المحرمة ..
هل تمزح؟
لا صدقني ...
حسنا أمامي أسبوعا واحدا .. وسآتي لأريك !! كيف تجرؤ على القيام بمغامرات وأنا لست معك!؟
لن انتظرك يا صاح! انت من سافر وليس أنا ...
سأريك! صدقني!
هذا رائع سأنتظر هاتفا منك تخبرني فيه أنك عدت.. مستعد لك! احذر أن تضل طريق العودة!
مستحيل!
تعجبني ثقتك!
مجنون!
سأنتظرك!
موافق .. أراك لا حقا!
إلى اللقاء .

انتهت المكالمة بين الصديقين وعاد آدم إلى شروق ونظر في الشاشة إلى خط حياته الذي هبط للحضيض قائلا بدهشة وشروق تبتسم بمكر:
لقد غششت يا فتاة!!!


 السياج الأخضر


بعد امتحانات القبول للجامعة، كان أسامة وآدم يتشاجران على اختيار الجامعة، كتب آدم الهندسة فمزق أسامة الورقة ...
صاح آدم بضجر:
انت أيها المشاغب!! دعني أركز ..!!
تمتم أسامة وهو يبتسم ابتسامة شريرة:
لا داعي للتفكير،، لقد قررت وأنت ستقرر ما أقرره أيها الذكي ..
نظر آدم إلى الورقة التي يدون فيها أفكاره وقال بلا اهتمام:
ماذا قررت يا صاح؟
صاح ، صـاح!!! ما حكايتك؟؟ ماذا لو كنت نائما مثلا!!
ابتسم آدم وقال:
تبدو صاحيا! وعيناك مفتوحتان كالدينار الفضي القديم!

ضحك أسامة بعفوية وقال بحماس زائد:
ولهذا سننضم أنا وأنت إلى جامعة المغامرين، الأقوياء، سننضم إلى المسيطرين الذي يدفعون حياتهم فداءا لأرواحهم أحيانا .. و ..
قاطعه آدم قائلا بسخرية:
أنت تحلم بأن تصبح معلما طبيبا كيميائيا فيزيائيا ميكانيكيا مهندسا منذ كنت تعد على أصابعك! من الجيد أن تجد جامعة تحتوي كل هذا دفعة واحدة ...
صمت أسامة وقال بجدية:
إنها كلية الشرطة يا عزيزي! الشرطة!
ضحك آدم ساخرا وقال:
تريدني أن أصبح شرطيا بعد كل تلك السنوات في الدراسة!!
سنكون ضابطين قويين وتحت أمرتنا جنود، وجيش ...
أنت تحلم!
أنا جاد يا آدم!
حسنا إذن ... أدخلها وحدك فأنت لن تتحكم في أفكاري!
سأقبض عليك!
لن تستطيع!
بلى!

توقف الاثنان فجأة عن ذلك الشجار الذي لا يحمل أي معنى وتمتم آدم قائلا:
هل أنت جاد؟
أجل، أريد أن أصبح ضابطا!
صمت آدم للحظة وقال وهو يستند بظهره ليريحه على الأريكة:
لن أكذب عليك إن قلت لك أنني فكرت في ذلك كثيرا، سيكون لدينا مؤهلات لان ندخل مواقع محظورة على الآخرين! مثل الغابة المحرمة .. أو التحقيق في قضايا أغلقت ..

أسند أسامة ظهره أيضا بجانب آدم وقال:
سنكشف الخبايا ونقبض على المجرمين!
سنحل الألغاز وستكون كلمتنا مسموعة، سنصبح شخصين مهمين جدا!
أجل يا آدم! وسنكون ضابطين وسيمين جدا!
ضحك آدم باستخفاف وقال:
هذه المعلومة ليست صحيحة جدا! من الواضح أنك تأخذ فكرة خاطئة عن نفسك!
وعنك أيضا!

*********

مضت ستة أشهر طويلة،، ندم فيها أسامة وآدم على ذلك القرار الفظيع الذي اتخذاه معا في لحظة طيش كما كانوا يسمونها،، فهم في جولات ميدانية يتدربان طوال الوقت أو إنهما يدرسان استراتيجيات صعبة ...

كان الضباط، قاسين جدا على الطلاب المبتدأين .. وضجر أسامة من ذلك وقال وهو يأخذ حماما ويصرخ من داخل الحمام:
ما الذي أصابني بالجنون وجعلني أفكر في السيطرة! عاااااه!!! الجميع يسيطر عليّ هنا!!

ضحك آدم الذي كان يجلس في الغرفة وهتف بصوت مرهق:
لقد كانت فكرتك السوداء يا حضرة الملازم!
ظل أسامة يصرخ ويقول:
سأقطع جلدي من الغيظ!!
الصابون لا يقطع الجلد!
سأقطعه بأظافري!!
عاد أسامة إلى الصراخ فقال آدم:
الصراخ في دورات المياه لا يعود بنتيجة إيجابية حتما! كف عن هذا!!

خرج آدم مرهقا بسترته العسكرية يسير في إحدى الحدائق ويحاول أن يخلو بنفسه مثل السابق، لم يعد يستطيع فعل ذلك بعد أن تسارع رتم حياته بتلك الجامعة الصعبة والمرهقة جدا!

أمسك بقبعته وظل يطوحها في الهواء ويمسك بها قبل أن تسقط،، كان آدم وسيما جدا في تلك السترة العسكرية البيضاء ، هبت نسمة هواء قوية فطارت القبعة ولم تسقط رأسا، ركض آدم خلفها ولكن شخصا ما امسكها عندما اصطدمت بمقدمة حذاءه ..

رفع آدم عينيه، كانت فتاة جميلة رقيقة، لكنه كان يعرفها ..
لقد رآها من قبل .. ابتسم آدم وهو يلتقط القبعة بخجل وقالت الفتاة:
مرحبا يا آدم، أنت رائع بهذه السترة!
شششـ .. شكرا يا ندى..
من الجيد أنك مازلت تتذكر اسمي ..!

ابتسم آدم وقال بارتباك:
بالتأكيد أتذكره، فـ ... من الصعب نسيانك!
ضحكت ندى برقة وقالت:
لم تعلم كم بحثنا عنك طوال العام الماضي،، لقد سألت عنك أمي كثيرا!
حقا؟ لكن .. لماذا؟
لقد نسيت شيئا مهما عندنا ..
صمت آدم للحظات ثم قال:
وما هو؟
إنه ألبوم صور عائلتك.. لقد وجدناه أسفل المقاعد الخلفية، لقد بحثت أمي عنك حتى تعيده إليك ..

وقف آدم وقد اختلط شعوره بين الفرحة والانبهار والإثارة ولم يستطع قول أي شيء ..
ابتسمت ندى وقالت:
أظن أنك مازلت تذكر طريق منزلنا، أم ماذا؟
بـ .. بالتأكيد ..
حسنا إذا، سنراك قريبا؟
إن شاء الله!

ابتسمت ندى مجددا وقالت بلطف:
إذا سمحت لي بمديحك، فأنت تبدو رائعا، لم أتخيل أنك ستصبح ضابطا!
قال آدم مازحا وهو يحاول أن يخفي خجله:
أحاول أن أثبت نفسي!
ثم انتبه آدم وقال:
آآه! لم أسألك عن جامعتك .. أنت بالجامعة أليس كذلك؟
أجل، سوف أصبح كيميائية قريباً، بعد فترة مدتها أربع سنوات!

ضحك آدم بعد الدعابة التي أطلقتها ندى وقال آدم:
أتمنى لك التوفيق، وأبلغي سلامي إلى والدك ووالدتك!
حسنا يا آدم! إلى اللقاء إذا!

لوحت بيدها ثم استدارت وابتعدت، وظل آدم يراقبها وهي تبتعد وفي عينيه بدت نظرة إعجاب، كانت ندى فتاة رشيقة وجميلة، لديها شعر بني قصير وعينان واسعتان داكنتان،، إنها رقيقة بقدر ما هي قوية ...

في إجازة نهاية الأسبوع، اتصل آدم بالسيدة نهى حتى يمكنه أخذ ميعاد معها، أجابت ندى على هاتف والدتها وقالت:
مرحبا؟
مرحبا .. أنا آدم!
آه أجل، كيف حالك؟
إنني بخير ..
من الجيد أن أسمع صوتك بسرعة ...
أنت تخجلينني بهذا الكلام ..
حسنا لحظة واحدة وسوف تكون أمي معك!

انتظر آدم لحظات على سمـّاعة الهاتف وبعد قليل سمع صوت السيدة نهى العميق:
مرحبا يا آدم! ألم أقل لك إنني أراك مرة كل عام!!
أنا آسف جدا، لم أرد أن أكون شخصا ثقيلا ..
حسنا، ماذا إذا كنت أود رؤيتك؟ اختفيت كالطيف، كما ظهرت!! لقد كنت بدأت أظن أنك شبح ..
ضحك آدم وقال بتهذيب:
أنا آسف جدا، لا أحب أن أفرض نفسي على الآخرين، وخصوصا إذا تسببت لهم في مشاكل كفاية!
قالت السيدة نهى بعتاب:
أنت أكثر من شخص عادي، أنت مثل أولادي يا آدم!
شكرا سيدتي ..
متى ستأتي لأخذ ألبوم صورك؟
في أي وقت تشائين ..
حسنا يا عزيزي، سأنتظرك يوم الجمعة ..

بعد انتهاء المحادثة، تمدد آدم على الأريكة قليلا، وبعد قليل سمع بكاء شروق وهي تصيح بحدة وتقول شيئا
وقف آدم واتجه إلى غرفتها ثم أنصت من خلف الباب المغلق فسمعها تتشاجر وتبكي والسيدة نوال تقول:
هذا يكفي، إن هذا لمصلحتك!
صاحت شروق مجددا:
لكنني لا أريد ذلك!! لا أرييييييد!!
لن أناقش هذا الأمر معك مجددا، هل سمعت!

طرق آدم الباب بهدوء فتوقفتا عن الكلام وقالت السيدة نوال:
تفضل!
دخل آدم وعلى وجهه ابتسامة هادئة، وشاهد شروق تبكي فقال وهو ينظر إلى السيدة نوال:
أمي؟ ما الأمر؟
بدت السيدة نوال متضايقة وتركت الغرفة وخرجت , فنظر آدم تلقائيا نحو شروق وقال:
ما الأمر؟؟ أخبريني..
التقطت شروق أنفاسها وكفكفت دموعها وقالت بحزن:
أبي وأمي يريدان أن أنضم إلى المدرسة الداخلية لأنها أفضل من المدارس الأخرى ..
ابتسم آدم وهو يجلس إلى جانبها وقال:
أنت قلتها بنفسك، إنها الأفضل!
أجابت شروق بانفعال:
أعلم ولكنني سأكون بعيدة عن المنزل طوال الأيام كلها!! لا أريد أن أبقى هناك!

ضم آدم شروق بحنان وقال وهو يمسح على شعرها :
ستكون فترة مؤقتة، أما والداي فإنهما لن يفعلا شيئا إلا إذا كان في صالحك، لقد كبرت الآن وأريدك أن تتقبلي الأمر بهدوء وتكملي المرحلة المتوسطة بلا تذمر فأمامك عام واحد جديد .. وبعدها ستكونين في المرحلة الثانوية وتصبحي شابة جميلة ...

ظلت شروق معانقة آدم وقالت وعينيها تترقرق بالدموع مجددا:
آدم ..
ماذا؟
لقد حلمت بأنك تموت وكنت لا أستطيع إنقاذك .. كنت محبوسة داخل المدرسة الداخلية وأراك من خلال زجاج النافذة ...

أفلت آدم شروق ونظر لوجهها دقيقة ثم قال باستنكار:
لا تخافي، إنه مجـرد حلم سيء!
لقد حلمت به مرات كثيرة ..
مسح دمعة تسللت على خدها ثم ابتسم وقال:
يقولون، إذا حلمت بشخص يموت فاعلم أن عمره طويل!
ابتسمت شروق أيضا وقالت:
أتمنى ذلك يا أخي الحبيب!


 السياج الأخضر

استيقظ آدم صباح الجمعة بنشاط يدفعه التشوق والأمل ...
عند الساعة الرابعة مساء، كان آدم يطرق باب السيدة نهى،، واستقبلته استقبالا حافلا مع بعض ضربات التأنيب على كتفه وهي تقول:
لقد تنازل حضرة الضابط وجاء إلى بيتنا أخيرا ...
كان آدم سعيدا جدا وقال:
خشيت أن أكون شخصا مملا ..
حقا؟؟ كدنا نصبح عائلة، وخاصة بعد أن تشاركنا معا أوقاتا عصيبة!!
الحق معكِ يا سيدتي ..
خرجت السيدة نهى من الغرفة وهي تقول:
سأتأخر لدقائق وحسب ..
بدا آدم متشوقاً جداً لرؤية صور والديه ... وعادت السيدة نهى سريعا وهي تحمل الألبوم الكبير وقالت باسمة:
لقد نظفته ندى بعناية!
اشكريها بالنيابة عني ..
موافقة، مع أن ذلك حدث منذ فترة طويلة ..

ابتسم آدم وجلست السيدة نهى إلى جواره ثم سلمته ألبوم الصور بهدوء .. تساءل آدم في نفسه وهو يهتز:
" لماذا أرتجف!!"
فتح آدم الألبوم بعد برهة قصيرة من التردد ...
نظر في الصورة الأولى بعناية وكانت باللونين الأبيض والأسود، كانت لفتاة صغيرة جميلة وإلى جانبها فتى يصغرها سنا،، وكانا في حوالي السادسة والثامنة من العمر وقالت السيدة نهى:
إنها والدتك .. وخالك آدم، قبل حادثة وضع الشيء أيا كان في صدره طبعا ..

نظر آدم إلى الصورة الأخرى كانت ملونة، وهي لشابة في العشرينات، وكأنه رآها من قبل وقالت السيدة نهى:
إنها والدتك عندما كنـّا معا بالجامعة ..
تمتم آدم:
كأنني رأيتها من قبل ..
قلب آدم صفحات الألبوم وشاهد والدته تحمله،، كان صغيرا جدا، ربما في شهوره الأولى تذكر تلك النظرة جيدا في عينيها وتلك الابتسامة فانتفض فجأة مذعورا وسقط الألبوم مقلوبا على الأرض ..

وضعت السيدة نهى يدها على قلبها مفزوعة بالمثل وهي تنظر إلى آدم الذي يلتقط أنفاسه بصعوبة وقال وقد تقارب حاجبيه وبدا متأثرا جدا:
إنها أمي ... أجل ..
ربتت السيدة نهى على كتفه بهدوء وقالت:
نعم .. إنها والدتك ..
تأزم وضع آدم وصاحت السيدة نهى:
ندى، احضري كوبا من الماء بسرعة يا ابنتي ..
دمعت عينا آدم وتمتم بصعوبة:
لقد قابلتها، إنها شبح ..
قالت السيدة نهى:
ما هذا الكلام يا آدم؟ .. لا تزعج نفسك .. أعرف كم هو من الصعب فقـ ..
قبل أن تكمل السيدة نهى لاحظت أن آدم يتابع التحدث وهو ينظر أمامه بعينين زائغتين تنظران في كل الاتجاهات وكأنه يرى شيئا وكان يقول:
إنها السيدة في الكوخ .. لقد استضافتنا .. أنا وأسامة .. , و .. و ..

حضرت ندى بسرعة وهي تمسك بإبريق زجاجي مملوء بالماء، وكوب وجلست إلى جوار والدتها وقالت مستاءة وهي تنظر إلى وجه آدم:
ما به؟؟
أخذت السيدة نهى كوب الماء وقربته من آدم وهي تقول:
آدم، هيا اشرب يا عزيزي انت متوعك ...
كان آدم يقول وهو في نفس الحال وقد و اغرورقت عيناه بالدموع:
لقد كذبت عليّ ، قالت لي ... إن اسمها السيدة أمل ..!!!
قالت السيدة نهى وهي تعيد الكوب إلى ابنتها كما هو :
متى حصل ذلك يا آدم ..؟؟
منذ عامـ .. عامين تقريبا ..
وأين رأيتها؟؟
اتسعت عينا آدم ونظر أمامه، كان يرى نظره يسير مسرعا مقتربا من السياج الأخضر وقال:
عند السياج، السياج الأخضر ...

شعرت السيدة نهى بألم آدم الكبير وقالت وهي لا تفهم شيئا:
أرجوك أهدأ يا بني!ّ
أغمض آدم عينيه فجأة وهو منتصب الجلسة وآثرت السيدة نهى الصمت فهمست ندى:
ما الذي حصل له!! كان على ما يرام عندما وصل ..؟
نظرت السيدة نهى إلى ابنتها وقالت بصوت منخفض:
ومتى رأيته عندما وصل ؟
عضت ندى شفتها السفلى بخيبة أمل بعد أن كشفت والدتها أمر التجسس وقالت :
لقد خمنت هذا!

فتح آدم عينيه والتقط الألبوم من على الأرض وهو يقول بلهجة اعتذار:
آسف جدا، لقد تخيلت أشياء غريبة ..
لا بأس يا بني ..
نظر آدم إلى السيدة نهى فشاهد ندى تجلس إلى جوار والدتها فصمت وهو ينظر إليها، كانت ندى مبتسمة وقالت:
مرحبا آدم!
مرحبا .. آسف، لم ألاحظ وجودك!
ابتسم آدم ولاحظت الأم تلك النظرات فقالت بسرعة :
أكملي عملك يا ندى بسرعة .. هيا ..

فهمت ندى ذلك وابتسمت ثم وقفت وخرجت من الغرفة بينما كان آدم يتابعها بنظراته ثم انتبه وقال:
هل تخبرينني عن باقي الصور؟
بالتأكيد ..
بدأ آدم بمتابعة الصور من جديد، وفي الصفحة الثانية، صادفته صورة والده، فتمتم:
يوسف ...
أجل إنه والدك، لقد عرفته من تلقاء نفسك، إنك تشبهه كثيرا .. عدا بعض الأشياء التي ورثتها عن والدتك وخالك آدم ..
لم يسمع آدم ما قالته السيدة نهى وظل محدقا بالصورة لثوان وهو يتذكر الشاب صاحب الشعلة في الليل ..
لقد كان والده ..

نزلت دمعة من عينيه وسقطت على الصورة وقال:
لم أعرف ذلك أبدا ..

حزنت السيدة نهى وهي تنظر إلى وجهه وقالت:
بلى أنت تشبهه حقا ..
ثم انتبه إلى يده اليسرى وقال في نفسه:
" لقد استعاد خاتم زواجه ... ولكنه ترك لي ألبوم الصور، ولو لم يظهر في ذلك الوقت، لكنت مت من الخوف واعتراني اليأس ... "

بدأ آدم يتصفح باقي الصور وتعرف إلى جده وجدته وبعض من عائلته التي توفى جميع أفرادها ..
وشاهد صورة لخاله آدم مع السيد أيمن ..
كان أيمن شابا مبتسما وممتلئا بالحيوية بينما كان آدم صامتا نحيلا وفي عينيه نظرة غريبة، لا حظ آدم تلك النظرة الغريبة وكانت عيناه تلمعان بشدة وقال آدم وهو يحك الصورة بأصبعه برفق:
ما هذا؟ إنها تلمع ..
ابتسمت السيدة نهى وقالت:
لاحظت ذلك ..
أخرج آدم الصورة من خلف العازل البلاستيكي ووضع يده على وجه خاله آدم وهو يقول:
ظننت أنه انعكاس ضوء ما من هنا ..
لا، ربما انعكس وميض آلة التصوير على عينيه ..

رفع آدم إصبعه من فوق وجه خاله وهمّ بإعادة الصورة إلى مكانها ولكن وجه خاله في تلك اللحظة كان قد اختفى تماما وكأن شخصا ما قام بكشط الصورة ..
فزع آدم وسقط الألبوم مجددا من يده ووقف قائلا:
ما هذا .. أنا لم أفعل شيئا!! م .. ما الـ ..!!
كانت السيدة نهى تشعر بفزع مماثل ولكنها حاولت التماسك وقالت:
لا بأس إنها صورة قديمة بأي حال بني!

هز آدم رأسه نفيا وقال:
لا يمكن، هناك شيء ما يحصل معي ..
أهدأ يا بني ..
حاول آدم الحفاظ على رباطة جأشه وحمل ألبوم الصور بعد أن أدخل صورة خاله والسيد أيمن وقال :
سأذهب الآن ..
لكنك لم تكمل ما تبقى من الصور ..
على الأقل أمسيت أعرفهم!!
نظرت السيدة نهى بقلق إلى نظرات آدم الشاردة وقالت:
هل أنت بخير يا آدم، أنا قلقة بشأنك ..
قال آدم وهو يضم الألبوم إلى صدره بيده اليسرى ويمسح عينيه بيده اليمنى:
أنا على ما يرام ..
آمل ذلك ..
إلى اللقاء سيدة نهى، وآسف على كل ما سببته لك من متاعب ..

قالت السيدة نهى بحنان:
آدم، لو كنت تعتبرني والدتك حقا، لما قلت ذلك، صدقني أنا أحبك مثل أبنتي ندى وأكثر .. تعرف أنني لم أرزق بالصبية واعتبرك ابني ..
أشكرك يا سيدتي ..
ستطمئن على والدتك نهى إذا؟ أم إنك لن تسأل عنها حتى العام المقبل؟
سأفعل ..
أوصلت السيدة نهى آدم حتى بوابة المنزل وركب آدم سيارته ثم ألقى التحية العسكرية للسيدة نهى مبتسما وانطلق ..
دمعت عينا السيدة نهى وهي تودعه واكتشفت أن آدم كان يمتلك قلوب المحيطين به دائما، ومن أول نظرة .. وكانت ندى تراقب آدم وهو يبتعد من نافذة غرفتها ثم ابتسمت وهمست لنفسها:
بالتوفيق آدم!

********

عاد آدم إلى المنزل مرهقا، بدا ذلك على عينيه ونظرت شروق إليه ولم تقل شيئا ..
دخل إلى غرفته ووضع ألبوم الصور أمامه وهو ينظر بتثاقل ... أعاد مشاهدة الصور مجددا، ثم بدأ رؤية الصور الجديدة ..
كانت هناك صور أخرى لخاله آدم وكل الصور بها لمعة في عينيه ، بدا فيها حزينا ومتألما على الرغم من الابتسامة التي يرسمها على شفتيه ..
وكانت آخر صورة لخاله آدم يقف في مكان جميل، وهو يمسك بلجام حصانه البني "سريع" وكان هناك بروز عليها فعلم آدم أن هناك شيئا كتب خلفها ولذلك فقد أخرجها ونظر خلفها وقرا:
بحيرتي ( وشاح الأمل الأزرق) للذكرى الخالدة.

عاد آدم ونظر في الصورة جيدا ثم أدرك شيئا واحدا فقط ..
أن خاله يقف في تلك الصورة مكان السياج الأخضر،، وخلفه تبدو بحيرة الغابة المحرمة ..
اكتشف آدم أن هناك علاقة لخاله آدم بهذا المكان، وكل ما حدث ..
كان محاولة ما، من شخص ما ..
لكي يكتشف آدم السر وراء كل ما حصل،، وكل ما تسبب في مقتل والديه، وموت خاله .. يجب أن يثأر لهما ..
كان على آدم في تلك اللحظة أن يجمع أفكاره وأن يقرر ..
وكان القرار حاسما ... جدا ...


 السياج الأخضر

في صباح اليوم التالي كان آدم في كلية الشرطة ولكنه كان مشتت الذهن على غير العادة،، وفي المحاضرة الفنية ،، لم يستطع التركيز ..
كان يتساءل في قلبه .. هل يخبر أسامة .. أم لا؟
بعد انتهاء المحاضرة سار أسامة بجانب آدم – التائه- تقريباً وقال:
مرحبا يا صاح!! كيف كانت عطلتك؟؟

نظر آدم إلى وجه أسامة لثوان ثم قال:
كانت مرعبة، ومخيفة أكثر مما تتخيل!!


********


أنهى أسامة تصفح ألبوم الصور ونظر إلى وجه آدم وهو يقول بخوف:
هل حقا حدث ما تحكيه عن صورة خالك؟ أتعني أن وجهه كان موجودا هنا عندما رأيته؟؟
نعم .. صدقني ..

أمسك آدم الألبوم وقام بتصفح بعض الصور ثم توقف عند إحداهن وقال:
أسامة أنظر إلى المكان الذي يقف فيه خالي آدم ..
نظر أسامة جيدا ثم قال بعد برهة :
إنه المكان الذي كان به السياج الأخضر .. وكوخ السيدة "أمل" التي اتضح فيما بعد بأنها شبح وأنه لا "أمل" لنا ألبته ..

قال آدم بحزن:
إنه شبح أمي بأي حال ...
ضغط أسامة بيده على كتف آدم مواسيا ثم قال:
آدم، ماذا يريدون منك؟؟
أخرج آدم من جيبه ورقة وسلمها لأسامة وهو يقول:
هذا كل ما حصل معي وما رأيته، وحتى ما حلمت به ... حاولت جمعه وتدوينه في ورقة علي اكتشف شيئا أو أربط أحداثا ببعضها ...

فتح أسامة الورقة وقال وهو يلقي نظرة:
ما هذه الورقة الكئيبة!!

قال آدم مدافعا:
ما بك يا صاح! إنها رائعة لقد أهدتها شروق لي ذات يوم ..
أهدتها لك فارغة؟
نعم .. هل ارتحت الآن ..
لم أرتح .. خطك سيء جدا ..
على الأقل واضح!! ليس مثل خطك فهو سيء ومبهم ..
لن يهدأ لي بال حتى أتمكن من قراءة تلك الألغاز ..
حسنا اقرأها حتى يهدأ قرارك!
سأناقش ذلك معك يوما ما!

__________________
الى اللقاء
رد مع اقتباس