الفصل الثالث
ستناقشها الآن أيها الواثق ..
حسنا يا صاح ..
ثم ضحك وبدأ بالقراءة .. .[/]
قال أسامة بعد أن أنهى قرأتها :
من الجيد أنني لم أحضر الفقرة الثانية والثالثة ، لأنها كانت مرعبة فعلا ..
أظن ذلك .. وأظن أنك لم تحضر الرابعة أيضا ..
نظر أسامة وقال:
لماذا لم تفكر في تلك العلبة؟؟ كيف كان حجمها؟
فكر آدم للحظات ثم قال وهو يضع يده في شكل مربع:
كانت صغيرة، ربما في حجم مكعبات أخيك الصغير ..
ضحك أسامة وقال:
أهذا هو أجمل وصف قمت به؟؟
ضحك آدم وطوى أسامة الورقة الصغيرة وهو يقول:
استعد للمغامرة .. سيارة مغامرات قويه، أربع إطارات احتياطية .. جالون من البنزين، ومفاتيح احتياطية .. ما رأيك ..؟
لا يا أسامة! لن تدخل في هذا مجددا!
بل سأدخل!
لا تكن عنيدا ..
سوف نكون بخير ونحن معا ..
**********
قال أسامة وهو يدير سيارته الجديدة ضاحكا:
حان الوقت يا عزيزي ..
ثم اندفع بالسيارة وآدم يقول:
أنت ثري يا أسامة ولكنك فعلا شجاع !!
لن يقف شيء في طريقنا بإذن الله ..
إن شاء الله!
مضى الطريق في الحديث بين آدم وأسامة عن كلية الشرطة .. كانا ضجرين منها أكثر مما هما سعيدين بها ..
مضت الرحلة كالمعتاد ..
وقال آدم يداعب أسامة خلال الرحلة:
أسامة .. هل أخذت احتياطاتك اللازمة؟؟ أظن أن الأمر تلك المرة سيكون أكبر بكثير من كل المرات السابقة ...
تساءل أسامة بقلق :
ولماذا تعتقد ذلك؟؟
نحن الآن ذاهبان لنعثر على شيء ما ..
ألقى أسامة نظرة خاطفة على آدم ثم عاد بنظره ليتابع قيادته فقال آدم :
سأوضح كلامي .. في المرة الأولى ذهبنا مصادفة .. وحصل ما حصل، في المرة الثانية،، ذهبت مع السيدة نهى من أجل الصور .. وفي ذلك اليوم لاقيت رعبا لم أر له مثيلا ... والآن ..
قال أسامة :
لست خائفا .. لأنني لو كنت المرة الماضية آخذ باحتياطك لما ضعت في الغابة ولما ظهرت لك الأشباح ولما تأخرت أصلا ..
ابتسم آدم وتمتم:
نسيت أنك ضابط شرطة بارد الأعصاب!!
قال تلك الكلمة وبدأ يتأمل الطريق فعاد أسامة يقول :
سألني عنك شخص ما ..
من؟؟
لا أعرف اسمه لكنه سيتخرج هذا العام ..
ماذا سألك؟؟
أمسك أسامة بالمقود جيدا ثم قال:
سؤال غريب جدا ..
وما هو؟
سألني: هل هذا هو آدم الصغير؟
تفاجأ آدم من السؤال وقال:
أحقا سألك هذا السؤال؟
أجل ..
ما معناه؟؟
لا أعلم ..
نظر آدم إلى أسامة جيدا ثم قال:
ماذا قلت له؟؟
قلت له .. لا أعلم عن ما تتكلم فقال لي، " أقصد إنه آدم الوحيد هنا" .. إنه آدم،، ابن الطبيب يوسف الذي احترق حيا ؟؟ أم ماذا؟؟
سرت قشعريرة في جسد آدم وتذكر خاتم الزواج المحترق وردد بصوت مرتجف:
احترق .... حيا؟؟
أدرك أسامة أنه أخطأ بذلك فقال معتذرا وهو يلوم نفسه:
لـ .. لم أقصد أن أ .. أ ..
قاطعه آدم وتساءل باهتمام :
لا بأس .. هيا أخبرني ماذا قال لك أيضا؟؟
لم يقل شيئا،، بعد أن بدوت لا اعلم شيئا تركني وذهب ..
بعد تلك الكلمة شاهدا أشجار الغابة الملتفة وهي تظهر من بعيد ونظر آدم إلى ساعته وقال:
لقد وصلنا في تمام العاشرة والربع .. تذكر إننا متأخرون أكثر من نصف ساعة .. قلت إننا سنصل هنا في التاسعة و أربعون دقيقة ..
أومأ أسامة موافقاًً ثم قال:
التحدي مازال قائما بيننا وسوف تكون في بيتك في الرابعة، هذا وعد ..
حسنا، أرني قوتك!
توقفت السيارة بعد خمسة عشر دقيقة أمام حاجز الأشجار العملاقة،، ترجل أسامة وحمل حقيبة الظهر خاصته، وكذلك آدم ..
ولوح أسامة مودعا سيارته الجديدة وهو يقول:
مع السلامة .. لكم يؤلمني أن يتكسر زجاجك بتلك الطريقة ..
وضع أسامة المفتاح في جيب قميصه فقال آدم :
لماذا لم تضعه في الحقيبة؟؟
ضحك أسامة وقال بهدوء:
حتى يمكننا الهرب إن اضطررنا للركض بدون الحقائب الثقيلة تلك!
شعر آدم بالقلق الشديد على عكس المرات السابقة ،، كانا يتذكران الطريق منذ المرة الماضية، ومضى بعض من الوقت حتى وصلا إلى المكان ذاته،، السياج الأخضر ..
السياج الأخضر
عندما وضعا رجليهما في المكان سمع آدم صوت صهيل حصان مرعب فقال بقلق:
أسمعت هذا؟؟
تطلع أسامة إلى الأفق وكان يفكر في شيء ما ويبدو أنه لم يسمع شيئا وقال بضجر:
سوف تمطر قريبا،، هذا من اجل الحظ السعيد ..
قال آدم وهو ينظر على السياج الأخضر:
إن المطر فأل حسن ..
ثم اقترب أكثر وقال :
هل هو قبر أمي؟؟
نظر أسامة نحو آدم بسرعة ثم قال:
أنت تفكر في أشياء مقززة ومخيفة!!
بدأت قطرات المطر الباردة تنقر الأرض ،، فقال أسامة:
دعنا نبحث عن العلبة الصغيرة قبل أن توحل الأرض ويصعب الأمر .. !!
بدأ آدم بالحفر في ذلك المكان بجانب السياج الخشبي ..
وقام أسامة بالحفر بالقرب منه وصاح:
هناك شيء ..
نظر آدم بترقب فأخرج أسامة حصاة كبيرة ولذلك عاودا الحفر مجددا ..
بدأ ا يشتد هطول المطر فابتلت ملابس آدم وأسامة والحقائب،، بعد دقائق سمعا صوتا أنثويا يصرخ:
ابتعدا ..
التفت آدم وأسامة ونظرا بذعر ..
كانت والدة آدم تقف غاضبة وقد بللت مياه الأمطار ثيابها وشعرها، وهي تمسك بفأس حاد ضخم ..
سقط أسامة مفزوعا وتأمل آدم لدقائق وهو ينظر إلى الفأس فعادت تصرخ بغيظ :
لن تجدا ما تبحثان عنه،، ولن أسمح لكما بنبش قبره .. هل سمعتما؟
ظل آدم يحدق بوجهها ويبعد ماء المطر عن عينيه بينما ظل أسامة متحجرا في مكانه واقتربت والدة آدم بالفأس فقال آدم:
أنت السيدة منى ..؟
شهقت والدة آدم بفزع وتراجعت وكاد أسامة أن يبدأ في البكاء، فوقف آدم واقترب قليلا وهو يقول بشجاعة:
أنا أعرفك،، رأيت صورك في منزلنا القديم،، ألا تعرفينني .. أ .. أنا آدم ..
صرخت :
لست آدم!! لقد مات آدم منذ عشرون عاما ...
حاول آدم أن يلتقط أنفاسه وقال بصعوبة:
أنا آدم، ابنك ... آدم يوسف ..
سقط الفأس من يدها وهي تحدق بوجهه ,, هزت رأسها نفياً وقالت :
لا .. لقد مات ابني الصغير،، قتله هارون وقتل أيمن ... أنت محتال، أتيت إلى هنا لكي تنبش قبر أخي المسكين ..
تفاجأ آدم وقبل أن يقول شيئا ضرب هزيم الرعد أرجاء المكان فاهتز بعنف ووضع أسامة يديه على أذنيه من شدة الصوت ، وأغمض آدم عينيه ..
وعندما فتح آدم عينيه كانت السيدة منى تحمل الفأس مجددا وتركض نحو آدم،، صرخ آدم وركض مبتعدا ولحق به أسامه .. وظلت السيدة منى تركض ورائهما ..
وصرخ أسامة بهستيريا وهو يسقط في الوحل وبسرعة يحاول الركض مجددا :
شبح يلحقنا ليقتلنا .. آدم! آآدم .. افعل شيئا ..
توقف آدم عن الركض ومسح ماء المطر عن وجهه مجددا ثم التفت ينظر إلى والدته وقال:
لن يقتلنا شبح يا أسامة ..
تعثر أسامة وسقط على وجهه ثم جلس بصعوبة وهو يقول:
وماذا إن لم تكن شبحا ..!!
اقتربت الأم كثيرا وظل آدم واقفا بلا حراك وهو يهتف:
إن كنت متأكدة بأنني لست ابنك آدم فاقتليني .. إنني أنتظر ..
صرخ أسامة مذعورا:
هل فقدت عقلك ..؟
توقفت الأم عن السير ونظرت لآدم فعاد آدم يصيح :
ألا أشبهه ؟؟ ألا أشبه والدي؟؟ هكذا أخبرني السيد أيمن عندما كنت صغيرا ..
ارتمت الأم على ركبتيها وألقت بالفأس أرضا فاقترب آدم وأخرج بطاقته وهو يقول:
لا أعتقد أنه يمكننا تزوير تلك !!
تمتم أسامة داخل قلبه:
ماذا يحاول ذلك المجنون أن يثبت لإحدى أشباح القرية!!
نظرت الأم إلى هوية آدم ثم نظرت إلى عينيه مليا، كانت تبكي بدا ذلك واضحا لكن آدم لم يستطع تمييز دموعها من قطرات المطر التي تسيل على وجهها اللطيف ، ظل آدم ينظر بقوة مقدما بطاقته أمام وجهه ،، ووقفت الأم وحملت فأسها ثم ركضت مبتعدة ..
التقط أسامة أنفاسه ورفع آدم حاجبيه مستغربا فقال أسامة:
لو كانت أمي في مكانها لأخذتني بالحضن!
التفت آدم ينظر إلى أسامة فصرخ أسامة فجأة مذعورا :
إنها تعود!
عاد آدم والتفت مجددا لينظر إلى والدته فرآها تعود فعلا كما قال أسامة وعندما اقتربت كفاية صاحت حتى يسمعاها في ضجة الأمطار :
اتبعاني ..
قال أسامة وهو يمسك بذراع آدم:
أرجوك .. دعنا نذهب من هنا،، سوف تحبسنا وتأكلنا ..
كأن آدم لا يسمع أسامة أبدا عدل من وضعية حقيبة ظهره وسار متوجها خلف والدته وهو يقول:
هيا بنا،، عسى أن نعرف شيئا ما ..
ظل أسامة يصرخ ويزمجر حتى وصلا إلى الكوخ الصغير ..
دلفا خلف الأم التي تركت الباب مفتوحا،، كان المكان مرتبا وجميلا وقال أسامة يكلم نفسه بخفوت وكأنه مصاب بانفصام :
على الأقل نجفف ثيابنا .. اهدأ يا أسامة .. لا .. أرجوك أهدأ يا حبيبي .. هيا لا تنس أنك ضابط شرطة ... لكن هل سيمكنني القبض على شبح؟؟
نظر آدم نظرة خاطفة على أسامة ثم تمتم وهو يضع حقيبته أرضا :
شفاك الله ..
ظلت ثيابهما تقطر ماء المطر على الأرض ونظرت السيدة منى من خلف الباب ثم قالت بهدوء:
أتذكركما،، لقد جئتما إلى هنا من قبل ..
نظر أسامة بخوف ثم قال:
ياللهول .. الأشباح تتمتع بذاكرة قوية جدا ..!
خرجت السيدة منى من خلف الباب ثم وقفت وقالت :
أولا يا سيد أسامة،، أنا لست شبحا .. ثانيا،، أتذكركما جيدا جدا .. لأنه لم يأت إلى هنا زوار غيركما ..
ارتعد أسامة وظل آدم يحدق بوالدته مسلوب القلب ثم قال:
لست شبحا؟؟
نظرت الأم باستغراب فقال آدم بعينين دامعتين:
لـ .. لكن .. ماذا عن ذلك اليوم،، لقد استيقظنا ووجدنا ,, أن ...
قاطعته الأم :
لقد تعمدت فعل ذلك، كسرت الآنية ووضعت التراب فوق كل شيء حتى تظنان ذلك وتخرجان ولا تعودان أبدا .. لكن يبدو أنكما عنيدين ..
ظل أسامة صامتا يحدث قلبه فقط ولكن آدم قال بصوت مبحوح :
مازلت حية .. أنت على قيد الحياة .. وأنا .. لقد .. لقد كنت أبحث عن إجابات ..
نظرت الأم بشك ثم قالت وقد بدأت دموع تتجمع في عينيها :
ولدي مات .. قتله الأشرار عندما كان طفلا .. ربما أنت تشبهه لكن ...
قال آدم وهو يقترب:
هذا ما كنا نعتقد أيضا .. كنا .. نعتقد أنك مت .. قتلك الأشرار ..
ابتعدت الأم تلك المسافة التي اقتربها آدم وهتفت ودمعة تنزل من عينيها:
أعلم أنكم تخدعونني .. لقد أرسلك هارون إليّ .. إنه يعرف طريقي ويريد نبش قبر أخي ولكنني لن أسمح له ..
كأن آدم سمع هذا الاسم من قبل،، توقفت عن الكلام ومسحت دموعها فقال أسامة:
لقد حلم آدم بذلك المكان فجاء ليبحث عنه .. هذا كل ما في الأمر فقابلنا الشبح .. أ .. أقصد قابلناك ..
نظر آدم إلى أسامة ثم قال:
نعم .. لقد حلمت بخالي آدم .. حلمت أنه يعطيني علبة صغيرة ويقول لي .. خذ هذه كنت أريد أن أعطيها لأيمن فتخلص منها واعتني بوالدتك .. ولذلك فقد عدت!
نظرت الأم مندهشة واقتربت قليلا وهي تحدق بوجه آدم جيدا ثم بدأت في بكاء جديد وهي تقول:
لا يعلم أحد بأمر العلبة .. لا أحد يعلم ..
اقترب آدم مبتسما وأمسك بيديها ولكنها أصيبت بحالة هستيرية وهي تقول غير مصدقة وتشد على يدي آدم:
آدم .. ولدي .. أنا لا أصدق .. آدم ..
ظل آدم يومئ بالإيجاب فسقطت والدته أرضا مغشيا عليها من شدة الصدمة ..
حدق آدم في وجه والدته ودمعت عينيه وهو يمسح وجهها وقال وهو لا يصدق ما تراه عينيه:
إنها ... إنها على قيد الحياة! ليست شبحا ..
ثم بدأ في البكاء فنظر أسامة إلى وجهه وقال:
موقف مؤثر .. لـ .. لكن .. هل تضحك وتبكي في آن واحد؟؟
ضحك آدم ودموعه على خديه فضحك أسامة وقال مجددا:
هل ستتركها هكذا؟؟
حملها الاثنان إلى الأعلى و ذهب أسامة ليعد بعض الطعام السيئ .. بينما وضع آدم البطانيات فوق والدته المبتلة بماء المطر وظل يتأمل وجهها بلهفة وحنان ثم همس وهو يضغط على يديها برفق:
أمي .. أمـي .. أنا إلى جانبك .. لن تبقي وحيدة بعد اليوم يا غالية!
تحركت جفون السيدة منى وبدأت تفتح عينيها ..
كان آدم مبتسما وسعيدا،، وكان شعره مبللا وملابسه مبللة أيضا ولكنه لم يبال بذلك ..
نظرت الأم إلى وجهه وكأنها شاهدت فجأة عيني شقيقها آدم ..
تلك العينين القويتين على الرغم من الحزن والحب اللذان تحملاهما ، وتذكرت من وجهه ملامح زوجها الحبيب يوسف ..
الذي ضحى بحياته من أجلها ومن اجل .. شقيقها آدم ..
همست:
آدم ... كان قلبي يشعر بأنك ما زلت حيا ... قادك حبي إلى هنا ..
ثم ضمته بحنان ومسحت على شعره فأغرورقت عينيه بالدموع وقالت والدته بصوت حنون:
لكم حلمت بك أيها القوي .. انظر إلى نفسك ..
ثم نظرت إلى وجهه بعينين باكيتين سعيدتين وهي تتأمل ملامحه بدقة واستطردت:
لقد أصبحت رجلا ...
عانقته مجددا .. وبدا أن آدم على وشك البكاء .. فقال أخيرا:
لا أصدق أنني وجدتك ..
أنا أيضا لا .. أصدق ..
سمع آدم فجأة صوتا غريبا وكأنه صوت رصاصة ..
كان يستطيع تمييز ذلك الصوت جيدا ووقف متأهبا ثم نادي :
أسامة؟؟ ماذا تفعل؟؟
لم يسمع أي إجابة من أسامة نظر لوالدته وهو يشعر بالقلق فقالت والدته:
ليس هناك أحد غيرنا هنا .. لا تخف عليه ...
توجه آدم بسرعة نحو الباب وألقى نظرة خاطفة على الطابق الأرضي فلم يجد شيئا تبعته والدته لتنظر وبدأ بالصراخ :
أسامة .. هل انت بخير؟؟
كان الباب الخشبي يرتطم بالجدار من شدة الهواء في الخارج وقال آدم باستنكار:
ماذا يفعل ذلك المجنون بالخارج؟؟
نزل بسرعة وتبعته والدته فقال آدم قبل أن يخرج:
أمي .. ابقي هنا ..
شعر آدم بشعور سيء وخرج إلى الخارج .. وتفاجأ من المنظر الذي رآه ..
كان هناك رجال أقوياء يقفون بالخارج،، ويمسكون بأسامة .. كانت رجل أسامة تنزف بشدة وكانت تسيل مع أنهار المطر الصغيرة ..
وقف آدم مذهولا للحظة ثم ظهر الضيق والغضب على ملامح وجهه عندما رأى أسامة ..
السياج الأخضر
وقف الرجال الممسكين بأسامة مكانهم بلا حراك وبعد ثوان خرج رجل ضخم الجثة واقترب من آدم، لم يخف آدم وظل يقف أمامه بثبات ..
قال الرجل وهو يحدق بعيني آدم:
لم أكن أظن أن إيجادك سيكون صعبا هكذا!
ثم أردف وهو يبتسم:
مع أنك مشهور!
لم يفهم آدم شيئا وصاح:
من أنت! وماذا تريد ..
في تلك اللحظة أخرجت الأم رأسها من خلف الباب وصرخت:
آدم!
ضحك الرجل الضخم وقال وهو ينظر إلى والدة آدم:
أسمي ... تعرفه والدتك جيدا، وماذا أريد ... أريد قلبك ..
رفع آدم حاجبيه مندهشا وقبل أن يفكر أو يقوم بأي شيء قام الرجال بإمساكه بقوة فصرخت الأم وهي تحاول إبعادهم وهي تصرخ:
لن تأخذوه مني بعد أن وجدته أيها المجرمون!
ضرب أحدهم الأم بعنف وحاول أسامة أن يزحف ولكن يديه غطستا في الوحل وأصبح موقفه صعبا جدا ..
بدأ الشلل يسري في جسد آدم بعد أن ضربه أحدهم بإبرة بها محلول في جانبٍ من رقبته ..
وقف أسامة وركض نحوهم بسرعة ثم انقض على آدم محاولا إفلاته من أيديهم ولكن أحدهم أخرج مسدسه وأطلق عيارا ناريا اخترق كتف أسامة ...
بعد قليل كانت قوى آدم تخور وحمله الرجال وهو فاقد الوعي إلى مروحية بينما حاولت الأم استرجاع ابنها ولكنها تعرضت للضرب الشديد ، وعندما وقف أسامة أخيرا قام أحدهم بضربه بأداة حديدية في وجهه فسقط على الأرض مجددا ....
ارتفعت المروحية الأولى وصرخت الأم وهي تشعر بأنهم ينتزعون قلبها:
ابني! آدم ...
دخل خمسة رجال آخرون وبدءوا بتفتيش المنزل وقلبوه رأسا على عقب، لم يستغرق ذلك دقائق فقد كان المنزل صغيرا جدا ..
ثم استقلوا المروحية الأخرى وانطلقوا ...
صرخت الأم وصرخت وبكت بكاء القهر ، ثم نظرت نحو السياج الأخضر ...
لم يكن ذلك يستحق عناء التضحية بولدها الوحيد، لم يكن أخيها آدم سيتأثر بشيء إن أخذوا ما يريدونه من قبره فقد أصبح عظاما ورفاتا لا تشعر ...
التفتت وشاهدت أسامة ملقى على الأرض والدماء تنزف من جسده ولذلك فقد قامت مسرعة وحاولت جذبه إلى داخل المنزل وتنظيف الوحل من على وجهه وملابسه بعد أن فقد وعيه ..
كانت الرصاصة قد كسرت عظام ساق أسامة، وكان ينزف بشدة من ساقه و كتفه ورأسه ..
لم تعرف الأم كيف تتصرف في هذا المكان النائي وخشيت أن يموت أسامة بين يديها فأوقفت النزف بكل ما تستطيعه من جهد وخرجت إلى باب منزلها وهي تفكر في أي شيء ...
ظلت تركض يمنة ويسرة ودموعها على خديها وهي عاجزة عن التفكير ..
تساءلت:
" ألا يأتون بسيارة دائما؟؟ أين هي إذا؟"
انطلقت تركض بسرعة في الأرض الموحلة ،، كانت الشمس قد أشرقت مجددا بعد تلك الأمطار الشديدة، وكانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا ..
ركضت وركضت حتى ذهبت أنفاسها، ثم فوجئت بأنها ضلت الطريق فلم تعد تعرف أين هي ... بدأت في بكاء مر وهي تمزق حشائش الأرض بيديها في يأس ...
صرخت :
" آدم ... آآآآدم ..."
ومن بعيد سمعت صهيل الحصان فجأة ...
كان له صدى عجيب يرن في الأفق وكأنه صهيل عدة خيول ...
توقفت عن الصراخ ونظرت حولها وهي تشعر بصوت حوافر تطرق الأرض ، وقفت وهي تنظر حولها كالمجنونة حتى شاهدت الخيل يركض من بعيد متجها نحوها ...
كان يركض بسرعة حتى إنها أغمضت عينيها تلقائيا وحمت وجهها بذراعيها ظنا منها أنه سيصطدم بها ،، ولكنه توقف على بعد سنتيمترات قليلة وأصدر صهيلا خافتا ..
نظرت منى إليه وهي لا تصدق عينيها وهمست بصوت مكتوم :
" سـ .. سريع؟ أهذا انت .."
حمحم سريع وهز رأسه فمسحت منى على جبهته كما كان يفعل شقيقها آدم وقالت بخفوت وهي ما تزال مندهشة من رؤيته :
" هل تعرف كيف أخرج من هنا؟؟ هل تعرف يا سريع؟"
كانت تشعر باليأس .. لم تصدق ما تراه عينيها ، وفي الحال اعتلت سريع الذي عاد بها إلى السياج الأخضر ..
وقف سريع أمام قبر آدم بينما ركضت منى متجهة إلى الكوخ وقامت بجذب أسامة الذي كان ما يزال فاقدا لوعيه، كان ثقيلا جدا بالمقارنة بجسدها النحيل ..
كانت تنظر إليه وهي خائفة عليه جدا، وكانت تتمتم بدعوات أن ينجيه الله من كل سوء، وأن يحمي آدم أيضا ، حملته بصعوبة فوق ظهر " سريع" وسرعان ما ركبت وهي تمسكه جيدا وانطلق سريع ..
هتفت:
إلى أين؟؟؟
لم تعرف إلى أين يركض سريع ولكنها ظلت متشبثة بجسد أسامة حتى لا يسقط ، بعد وقت قصير ظهرت الدماء فوق الضمادات التي تغلف رأس أسامة، كان هذا بسبب الميل الذي تعرض له، حاولت منى رفعه فلم تستطيع، كان أثقل منها بكثير ..
لم تمض دقائق أخرى حتى شاهدت منى سيارة أسامه تقف شامخة وسط الطريق وكل نوافذها محطمة وإطاراتها مفرغة من الهواء ...
لم تصدق ما تراه عينيها وهتفت بفرحة:
" سـ .. سيارة .. إنها كذلك .."
وضعت أسامة على الأرض، وتوجهت إلى السيارة تتفقدها بعناية ...
بدت تحاول تذكر أي شيء عن مبادئ القيادة التي علمها إياها زوجها الراحل يوسف، دمعت عيناها عندما تذكرت وجهه الجميل وهو يبتسم لها في كل مرة تقوم فيها بتعلم خطوة جديدة ..
توقفت فجأة أمام الزجاج المبعثر،، وتساءلت .. أهي حقا السيارة التي قدم بها أسامة وآدم؟
مالت الشمس للمغيب ...
ألتفتت تنظر إلى أسامة لكنها لم تجد سريع .. فقد اختفى كما ظهر، اقتربت من أسامة وفتشت جيوبه علها تعثر على أيه مفاتيح .. بحثت جيدا لكنها لم تعثر على شيء ..
بحثت أيضا في جيب القميص فعثرت على مفتاح واحد ...
كان هذا هو مفتاح السيارة ..
حملت أسامة بمعجزة ووضعته في الخلف بعد أن أزالت آثار الزجاج ..
بدأت بتشغيل السيارة بيدين مرتجفتين وعندما سارت اصطدمت بحاجز الأشجار بقوة ،، شهقت بخوف ونسيت كيف يمكنها العودة بالسيارة ..
إنها في مأزق ..
نظرت إلى أسامة بيأس،، كانت حالته صعبة جدا وكان ينزف، ليس هناك مفر عليها التذكر ..
بدأت دموعها تسيل على خديها مجددا ..
نظرت إلى عصا التحكم في السرعات وشاهدت رمز "رجوع" قامت بتوجيهه وعندما تحركت السيارة بدأت تعود للخلف ببطء شديد بسبب ما حل بإطاراتها الأربعة ،، كانت قيادة تلك السيارة صعبة جدا ..
حاولت أن ترى الطريق خلفها ولكنها لم تشاهد المنحدر ...
وبدأت العربة بالانزلاق إلى الخلف وهي تهتز بشدة مع الصخور،، تركت المقود وبدأت في الصراخ وما لبثت السيارة أن اصطدمت بشجرة عملاقة أجبرتها على التوقف ..
ونهائيا ..
بعد وقت قصير ..
حل الظلام الحالك ومنى تفكر في حل ..
السياج الأخضر
أعيدي طلب هاتفه حتى يجيب ..
هتف بذلك السيد أيمن فقالت شروق بيأس:
لكن هاتفه خارج التغطية ..
نظر أيمن بقلق إلى زوجته وقال بعصبية وهو يقوم واقفا:
أين ذهب؟؟ لقد بدأت إجازته منذ يومين ...
قالت السيدة نوال بعد قليل من التفكير:
لم لا نتصل بأسامة فربما يعرف أين هو ...
أجابت شروق بسرعة:
هاتفه أيضا خارج التغطية ..
ماذا؟؟
صمتت السيدة نوال وقد تقارب حاجبيها وهي تفكر بقلق،، فصاح السيد أيمن مجددا:
اتصلي بعائلة أسامة واسأليهم أين يكونان لابد أنهما معا في مكان مهجور ..
فتحت شروق مذكرة الهاتف وبحثت عن الرقم ثم بدأت بطلبه ..
أجابت الخادمة وأخبرتها أنهم في عطلة ..
اعتصر القلق السيد أيمن وقالت السيدة نوال تخاطب ابنتها شروق :
هيا .. يجب أن تجهزي حقيبتك لأنك ستعودين غدا للمدرسة ..
هزت شروق رأسها باستسلام ودخلت إلى غرفتها ...
***************
بدأ آدم يفيق شيئا فشيئا ..
فتح عينيه بصعوبة وكان نظره مشوشا، شعر بغثيان شديد وحاول رؤية وجوه الأشخاص الذين يحيطون به ولكن رأسه كانت تميل كلما جرب أن يرفعها ..
كل الذي استطاع أن يدركه أنه يجلس على كرسي ويديه مقيدتان بعنف خلف ظهره،، سمع شخصا يتكلم ويقول:
مرحبا بآدم ... الذي كلفنا أكثر من خمس عشرة سنة من البحث ...
حاول آدم مجددا أن يرى أو يتكلم لكنه كان لا يزال تحت تأثير المخدر فعاد ذلك الصوت القوي يقول:
تريد أن تعيش بسلام أنت وعائلتك .. طبعا أيمن وأولاده ..
ثم أردف:
أعطني ما أريده منك .. الميراث الذي حصلت عليه من والدك وخالك .. أعطني إياه وسأعطيك حياتك ..
همس آدم بخفوت:
الله هو الذي يعطـ .. يعطيني حياتي ... وليس أنت ..
شعر الرجل بالحنق ولكنه تكلم بنفس النبرة:
تأكد أنك لن تعيش حياتك السابقة إذا لم تعطني ما أريده ..
قال آدم وهو يرفع رأسه ويرى الرجل:
وماذا .. تريد؟
صاح الرجل في وجه آدم:
أعطني حقي .. بلورتي التي كانت في صدر خالك .. أين هي ؟؟ هل هي معك؟؟
ابتسم آدم بسخرية وقال بتعب:
وهل ابتلعها خالي فعلقت في صدره؟؟ هل هو من سرقها منك ووضعها في صدره ..
نظر الرجل بغيظ إلى آدم وأشار إلى أحد رجاله ، فاقترب الرجل وأخرج سلكا نحاسيا لينا وبدأ يخنق به آدم ..
بدأ السلك النحاسي يقطع رقبة آدم وصرخ آدم بألم وهو يحاول أن يفلت بلا فائدة فقال الرجل بهدوء:
هذا يكفي ..
سحب الرجل السلك الذي طلي بدماء آدم وبدأ آدم يلتقط أنفاسه بينما عاد الرجل يقول:
سأعذبك حتى أصيبك بالشلل ... أفعل ذلك مع أعدائي دائما .. لأنني في العادة لا أتحلى بالصبر معهم ..
قال آدم بقوة وهو يتنفس بسرعة:
أنت مجرد جبان ..
اقترب الرجل وقام بصفع آدم بقوة على وجهه ثم قال:
لقد نفذ صبري أين البلورة؟؟
نظر آدم بعينيه القويتين وقال :
لا .... أعرف ...
اقترب الرجل مجددا ونظر إلى وجه آدم وهو يقول:
العند لن يفيدك .. أنت الوحيد الذي يعرف هنا، من يعرف؟ والدتك؟؟ أيمن؟؟ أين هي ؟؟
أجاب آدم :
قلت لا اعرف .. ولا أحد من عائلتي يعرف أين هي ..
ضاقت عينا الرجل من الغيظ وقال بنفاذ صبر:
انت عنيد كوالدك .. ويبدو أن مصيرك سيكون كمصيره ...
"" تذكر آدم فجأة وجه أسامة وهو يقول :
قلت له .. لا أعلم عن ما تتكلم فقال لي، " أقصد إنه آدم الوحيد هنا" .. إنه آدم،، ابن الطبيب يوسف الذي احترق حيا ؟؟ أم ماذا؟؟
احترق .... حيا؟؟
لـ .. لم أقصد أن أ .. أ ..
لا بأس .. هيا أخبرني ماذا قال لك أيضا؟؟
لم يقل شيئا،، بعد أن بدوت لا اعلم شيئا تركني وذهب .. ""
دمعت عينا آدم وشعر بغضب شديد فصاح :
ثق تماما، وكل القتلة الذين يسيرون على نهجك بأني سوف أثأر لوالدي ...
أحد الشباب الموجودين في المكان ظل ينظر إلى آدم طويلا ..
كان شابا هادئا تبدو في عينيه نظرة غريبة اقترب من آدم قليلا ثم قال بهدوء :
كيف تثأر له وأنت لم تره!
نظر آدم بحنق إلى الشاب وقال:
هذا ليس من شأنك!!
ظل الشاب يحدق بوجه آدم وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامه هادئة بينما ضحك الرجل ضحكة شريرة واقترب من وجه آدم وهو يقول بخبث:
لقد أرسلت من يفتش في غرفتك .. لا أعرف كم سيكون عدد الضحايا في منزلك ..
اتسعت عينا آدم وقبل أن ينطق بأي شيء قام أحد الرجال بوضع كمامة على فمه فلم يسمعوا سوى صراخه ..
*************
أوقف السيد أيمن سيارته أمام المنزل بعد انتهى من توصيل شروق إلى مدرستها الداخلية ...
قام بضرب آلة تنبيه السيارة حتى يخرج ياسر ليوصله إلى مدرسته أيضا ولكن ياسر لم يخرج انتظر أيمن لبعض الوقت ولكن صبره نفذ فترجل من السيارة وتوجه إلى الداخل ،، لكنه صعق لما تراه عيناه ..
كان المنزل في حال يرثى لها ،، زجاج محطم وأشياء مبعثرة في كل مكان والأدهى من ذلك ... آثار الدماء التي تملأ الجدران ..
ولم يكد يلتقط أنفاسه من هول المفاجأة حتى أحاط به الرجال من بقية الغرف ...
تأكد أيمن أن هناك خطبا ما ...
لا يوجد عادة ما يستدعي كل ذلك إلا إذا كان المعني هو ... آدم ...
***************
بدأت السيدة منى تركض على غير هدى ..
إنها تبحث عن نجدة في مكان لا نجدة فيه .. كان الظلام حالكا جدا ولهذا فلم تستطع رؤية الصخور والأشجار التي تعترض الطريق الترابي فكانت تسقط المرة تلو الأخرى وتنزف من يديها وركبتيها ...
لم تشأ أن تبتعد كثيرا عن السيارة ولكن أسامة كان بين الحياة والموت ...
جلست بيأس على الأرض وهي تشعر بالإرهاق، بدأت في البكاء واستندت بظهرها على جذع شجرة،، من بعيد لمحت شخصا ما يسير وهو يحمل شعلة مشتعلة ..
تحجرت في مكانها وهي غير مصدقة لما تراه عينيها وهمست بعينين مليئتين بالدموع:
يوسف ....
اقترب يوسف أكثر ونظر إليها بهدوء وعلى وجهه تلك الابتسامة العذبة ..
قالت بصوت مرتعش :
ماذا .. هل أحلم؟؟؟
ظل يوسف مبتسما ولم ينطق بشيء فعادت تقول:
يوسف ... أين كنت ..؟
كانت تدرك أنها تحلم ... فيوسف مازال في شبابه كما شاهدته آخر مرة،، قالت مجددا:
هـ .. هل تريد أن تخبرني بشيء؟؟
همس يوسف:
استعيني بالله أولا .... وتذكري .. يمكنك الاعتماد على سريع ... آدم محتاج إليك الآن أكثر من أي وقت مضى ...
أومأت منى بالإيجاب فثبت يوسف الشعلة بين صخرتين وجلس بالقرب منها ثم ضمها إلى صدره ، بعد وقت قليل راحت منى في نوم عميق ...
فتحت عينيها فجأة مع ضوء الشمس فوجدت نفسها ما تزال مستندة على جذع الشجرة ..
أدركت جيدا أنه كان حلما ولكنها لم تستطع إمساك دموعها ...
كان حلما جميلا ...
من بعيد شاهدت السيارة المصطدمة فهرعت تركض نحوها،، كان أسامة يتأوه بخفوت فنظرت منى إلى وجهه وقالت بخوف:
أسامة ... هل انت بخير ...
بدا من الجلي أنه ليس بخير أبدا فالدماء بدأت تنزف مجددا وهذا يستدعى القلق ..
صرخت منى بنفاذ صبر :
ماذا أفعل يا إلهي !!
لم تكد تكمل جملتها حتى سمعت صهيل سريع يرن في الأفق ،، ترجلت من السيارة لتراه واقفا خلفها ولذلك فقد آثرت الطريقة البدائية في الوصول إلى المدينة ....
أمسكت بأسامة جيدا وبدأ سريع يركض بقوة ،، كانت تدعوا الله من كل قلبها أن تصل في الوقت المناسب ... لأن وضع أسامة أصبح حرجا .. جدا ...
************
ألتف الرجال حول آدم ونظر هارون إلى وجه آدم ببرود ثم قال وابتسامة على شفتيه :
لدي صورة جميلة لك ...
ثم أخرج من جيبه صورة لعائلة آدم ... كانت تضم الجميع السيد أيمن والسيدة نوال وبالطبع آدم وشروق وياسر ..
نظر آدم للصورة ودمعت عيناه للحظة فضحك هارون وقال:
لم كل هذا الحزن؟؟ لقد تبقى أحد أفرادهم على قيد الحياة .. لكن، لست متأكدا أين هو بعد ...
جن جنون آدم وحاول أن يتخلص من قيود يديه ورجليه وبدأ بالصراخ ولكن الكمامة على فمه حجبت كل ما يريد قوله .. واقترب الرجل مجددا ووضع السلك حول رقبته وبدأ بخنقه لتنزف من جديد ..
وبدأ هارون يتكلم بهدوء:
بحثنا في غرفتك .. بالطبع بعد أن تخلصنا من نوال وابنها الصغير ... آوه، لقد كانت تعد له شطائر لذيذة للأسف لم يستطع تذوقها ..
توقف آدم عن الحراك وبدأ في البكاء .. كان بكاء مرا لم يستطع كيف يوقفه،، لدرجة أن هارون توقف عن السرد وحملق في وجه آدم بذهول ..
تجاهل هارون ذلك وعاد يقول:
حسنا،، لقد جاء أيمن في الموعد الخطأ تماما .. لم يكن سيعيش بأي حال لأنني كنت أسعى للانتقام منه .. ولذلك فقد أخذ جزاءه ...
ثم أمسك هارون بقلم تخطيط وثبت الصورة على جدار الغرفة بمسمار صغير وقام بطمس وجوههم الواحد تلو الآخر ..
لم يتبق سوى آدم وشروق ...
لم يستطع آدم رؤية الصورة من خلال دموعه، لكنه كان يعرف أن شروق لن تظل بأمان مادامت في المدرسة الداخلية ،، ولم يكد آدم يفكر في ذلك حتى قال هارون ببروده المعهود :
لديك فرصة لتعيد البلورة إلي ... أنت تعرف كم هي مهمة .. وإلا فلقد حصلت على عناوين مهمة جدا فهناك عنوان المدرسة الثانوية الخاصة بشروق .. آه .. وهناك عنوان وجدناه في غرفتك ... إنها عداوة قديمة بيننا وبين الطبيبة نهى .. فقد كانت تساعد آدم الكبير .. والآن تساعد آدم الصغير ..
لم يستطع آدم تحمل كل ذلك، ابتلت كمامة فمه من كثرة الدموع حتى أصبح بإمكانه تذوقها،، حاول أن يقول شيئا فأشار هارون بيده ليخلعوا الكمامة،، التقط آدم أنفاسه قليلا وقال بصوت مرتعش:
أنتم تريدون البلورة .. من .. قبر خالي .. أليس كذلك؟؟
ضحك هارون :
أحسنت يا فتى تابع ...
أظنني اعرف أين هو قبره ..
اقترب هارون من وجه آدم وقال وابتسامة على وجهه :
الآن بدأت تسير في الطريق الصحيح يا فتى .. فكوا وثاقه ..
السياج الأخضر
صرخت منى ولوحت لأول أشخاص قابلتهم على الطريق ...
كانت سيارتهم كبيرة ويبدو أنهم عائلة كبيرة ،، هتفت بسعادة:
الحمد لله ...
ترجل رب الأسرة من السيارة وفزع عندما شاهد أسامة والسيدة منى ... ولم تمض دقائق حتى أفسح الجميع مكانا للسيدة منى وأسامة وكانت السيارة متوجهة إلى المدينة مباشرة ..
شكرت الناس الطيبين من كل قلبها بعد أن وصلت بسرعة إلى المستشفى الكبير،، وهناك قام المسعفون بحمل أسامة بسرعة على سرير بعجلات،، أما والدة آدم فقد بدأت تلتقط أنفاسها،، لكن لم يمض وقت طويل على وجودها بالمستشفى حتى وصل رجال الشرطة للتحقيق في إصابة أسامة المثيرة للشك ....
لم تعرف السيدة منى كيف تجيب عن كل تلك الأسئلة .. كانت متوترة وقلقة ..
كانت خائفة من أن تفصح أن هارون هو من فعل ذلك ،، لكنها تكلمت أخيرا ولذلك نظر الضابط باستغراب نحوها وقال :
جيد جدا ... من هو هارون هذا؟؟
شعرت السيدة منى بحيرة وتوقفت عن الكلام .....
نظرت إلى ضابط الشرطة جيدا وقالت :
وائل؟
حدق ضابط الشرطة باستغراب فعادت تقول:
أنت وائل سعيد أليس كذلك؟؟
تساءل الضابط باستغراب:
هل تعرفينني يا سيدتي؟؟
ضحكت السيدة منى أخيرا وقالت:
اجل .. لقد كبرت .. كنت في العاشرة من عمرك عندما كنا نعيش في القرية الجنوبية ... لقد كنت جارتكم .. هل تذكر؟؟ أنا والدة آدم يوسف ...
تهلل وجه الضابط وارتسمت ابتسامة على وجهه وهو يقول:
مرحبا يا سيدتي .. أنت لم تتغيري كثيرا .. كيف حال آدم ؟؟
تلاشت الابتسامة فجأة من على وجه منى وهمست بحزن:
يجب أن تساعدني يا وائل ... أنا وآدم في خطر محدق ..
*************
اقتربت الساعة من الواحدة بعد الظهر،، وقف رجال هارون ممسكين بآدم أمام السياج الأخضر ...
كان آدم ينظر إلى القبر بعينين دامعتين وقال هارون مندهشا:
إنها فكرة عبقرية من والدك أن يدفنه هنا ...
حدج آدم هارون بنظرة حقد دفينة ولم ينطق بأي شيء، عاد بنظراته وتأمل السياج الخشبي الذي اكتسى بحلة خضراء بهية مع مرور الزمن ليقف وقفة تحية أمام تلك الروح الراحلة ..
اكتفى احد الرجال المسلحين بمراقبة آدم أما الباقين فأمسكوا بالمعاول والأدوات وبدءوا في نبش القبر ...
وكأنما احتج أصدقاء آدم القدامى على ما يفعله رجال هارون، بدأت الرياح تشتد واهتزت الأشجار بعنف وامتلأ الجو بالغبار والأتربة التي دخلت في عيونهم .. كل شيء ممكن أصبح مستحيلا بسبب ذلك الجو الذي تغير فجأة إلى أسوأ ما يكون ...
لم يعد أي شخص يرى الآخر أو يسمعه واستغل آدم الفرصة وتخلص ممن كانوا يمسكون به ووجه إليهم ركلات مؤذيه ثم ركض مبتعدا عن المكان،، كانت جروحه تؤلمه بسبب الغبار الذي يتطاير حوله ويقطعه كالسكاكين .. لم يأبه لذلك وظل يركض وهو يجهل وجهته ...
عليه أن ينقذ شروق بأي ثمن ..
يجب أن يخفيها في مكان بعيد عن أيدي رجال هارون، إنها الشخص الوحيد الذي تبقى من عائلته ..
وعليه أن يحذر السيدة نهى .. لا احد له دخل بالموضوع ..
ألتصق الغبار بدموعه وبعد أن تأكد أنه ابتعد جلس في مكانه كان يشعر بإرهاق شديد،، تذكر ذلك الشعور جيدا عندما كان يعود من رحلة أو من الجامعة فيجد عائلته الصغيرة بانتظاره، السيدة نوال تصنع غداء لذيذا والسيد أيمن يتصفح بعض الكتب،، ياسر يقرأ له أحد القصص التي حفظها آدم مذ كان طفلا ..
أما شروق فتبدأ بتفتيش حقائبه كعادتها الفضولية ثم تبدأ بمضايقته،، بدأ آدم يضحك ويبكي في وقت واحد ..
لم يصدق أنهم رحلوا ...
عليه أن يسرع قبل أن يأخذوها أيضا ..
وقف على قدميه بصعوبة ولكن طاقة الحب كانت أقوى من كل شيء،، عندما ركض مسافة قصيرة بدأ يسمع صوت الصهيل مجددا ...
الصهيل الذي يشعره دوما بالخوف ..
ولم تمض دقائق أخرى حتى كان سريع يقف أمام آدم ،، كان يحرك رأسه ويناوله اللجام المهتريء .. إنه يدعوه لامتطائه ..
ابتسم آدم بصعوبة ومسح على جبهة سريع،، تحرك سريع بنشوة وصهل صهيلا خفيفا فهو يحب تلك الحركة التي كان آدم الكبير يقوم بها دائما ..
همس آدم :
انت حصان وفيّ ..
وفي الحال اندفع آدم على ظهر سريع ومتوجها إلى المدينة مباشرة ..
مرت ساعتان ونصف وهما يسيران على الطريق ،، انخفضت سرعة الجواد إلى النصف فقد أصبح جوادا مسنا بأي حال، أما آدم فقد كان يشعر بإرهاق وعطش شديدين، عادت جروحه للنزف مجددا ..
كان يخشى أن يلحق به رجال هارون الآن، تمنى من كل قلبه أن تتحطم سياراتهم كما كان يحصل معه دائما،، سيؤخرهم هذا كثيرا فالإرسال مقطوع في تلك المنطقة ولن يستطيع هارون استدعاء طائرة عمودية (مروحيه) ..
وصل آدم أخيرا إلى تقاطع الطرق،،، هنا تمر الكثير من السيارات المسافرة إلى العاصمة،، والعائدة من العاصمة أيضا،، وقف آدم على الطريق ممسكا بلجام سريع،، بدأ سريع يتراجع وتعجب آدم من ذلك ومسح على جبهته وهو يقول:
لا بأس،، سأحاول اصطحابك معي .. لن تبقى وحيدا بعد اليوم ...
لكن سريع التف بعنف وحاول تحرير نفسه من آدم،، ترك آدم اللجام وراقب سريع وهو يبتعد عن المكان بسرعة،، إن مكانه هناك ..
إلى جانب صديقه القديم ...
ظل آدم يلوح بيده حتى توقفت شاحنة ضخمة،، كان آدم ممتنا للرجل بينما ظل الرجل يحدق في وجه آدم مستغربا من الجراح التي تملأه .. وبعد ثوان كانت الشاحنة تتحرك في اتجاه المدينة ..
تساءل الرجل:
ما بك؟ هل تعرضت لحادث؟؟
أجاب آدم بالهمس وهو يراقب الطريق من نافذته :
أجل ..
صمت الرجل وتابع الطريق فقال آدم بتعب:
هل لديك ماء للشرب؟؟
ابتسم الرجل وقال:
بالتأكيد ..
ثم أشار للخلف فالتفت آدم والتقط أحدى زجاجتين مملوءة بالمياه وقال:
أشكرك ..
ضحك الرجل:
لا شكر على واجب ..
استولى النعاس على آدم، فغط في النوم ... وبعد أن وصل الرجل إلى المدينة قام بإيقاظ آدم،، كان آدم مريضا جدا ووقف في الشارع ينظر حوله كان يشعر بأنه سيهذي قريبا ..
أخذ آدم سيارة أجرة حتى مدرسة شقيقته الداخلية،، كان يأمل أن يكون قد وصل قبل رجال هارون،، سار في مدخل المدرسة المحفوف بالأشجار،، كان هناك طالبات كثيرات دهش بعضهن وبعضهن ابتسم من منظر آدم،، لم يبالي آدم،، كان نظره مشوشا ..
المهم هو أن الأمن مستتب في المدرسة و ...
وقف رجال الأمن أمام آدم وقال أحدهم وهو ينظر إلى آدم باستغراب :
سيدي من فضلك غير مسموح للرجال بالدخول إلى المدرسة ...
نظر آدم إلى الرجل بإرهاق وقال بنفاذ صبر:
أريد مديرة المدرسة بسرعة ...
قال رجل الأمن:
آسف ولكن المديرة ليست موجودة إنها في مؤتمر للـ ...
صاح آدم :
أريد أن أحدث أي مسئول بالمدرسة ...
قال رجل الأمن الآخر:
ابتعد يا سيد لا يمكنك الدخول‘ إنها مدرسة داخلية،، تعال في وقت تكون المديرة موجودة .. ستكون موجودة في السادسة مسـ ...
لم يستطع آدم أن يصبر أكثر، دفع أحد الرجلين ودخل إلى حديقة المدرسة،، انقض الرجل الآخر على آدم فصرخ آدم :
شروووووق ... شروق أين أنت ...؟؟
**********************************
كانت شروق في غرفتها وكانت تعطي ظهرها للنافذة وتحكي مع صديقتها بينما نظرت صديقتها من النافذة وقالت باستغراب:
بنات ما الأمر؟ ... انظروا بسرعة ..
وقفت شروق ونظرت من النافذة، وعندما رأت آدم فتحت النافذة ،، سمعته يناديها ولكن رجال الأمن استطاعوا إخراجه خارج الحديقة مجددا ...
ركضت شروق بهلع إلى أسفل وصديقتها تنظر بحيرة ..
بعض المعلمات خرجن ليشاهدن ما يحصل،، صرخت شروق وهي تكلم نائبة المديرة:
أرجوك يا معلمتي، إنه أخي .. في الخارج ... أرجوك أنظري ماذا يريد لا يبدو بخير ..
نظرت المعلمة وقالت :
حسن .. عودي إلى غرفتك ..
لـ .. لكن ..
هيا بسرعة ...
عادت شروق تسير في الممر ونظرت من النافذة الكبيرة،، تذكرت ذلك الحلم السيئ الذي كان يراودها عندما كانت صغيرة،، لقد كانت تحلم دائما بأن آدم في الخارج .. وهو يموت ... وهي لا تستطيع سماعه أو مساعدته..
دمعت عينا شروق ...
إنها تشعر بأن قلبها غير مطمئن لما يحدث .. وخوف شديد يتملكها لما جاء من أجله آدم .. ولذلك المظهر الدامي الذي يبدو عليه ..
دخل آدم أخيرا إلى مكتب نائبة المديرة،، كانت نائبة المديرة تنظر باستغراب إليه وقالت وهي تشير بحركة من يدها إلى أحد الكرسيين ...
تفضل ...
نظر آدم وقال بصوت مبحوح :
سيدتي ليس لدي وقت للجلوس والبدء في قصة طويلة،، أنا أريد أختي .. أريدها سآخذها من المدرسة ..
وقفت نائبة المديرة باعتراض وقالت:
ومن هي أختك إذا ..؟
شروق أيمن .. إنها في الصف الثاني الثانوي ...
نظرت النائبة إليه بتفحص وقالت:
حسنا،، هل لديك إذن من الوالدين ...؟
دمعت عينا آدم وبدا كالشارد وهو يقول:
لم يعد هناك والدين ليعطياني الإذن ...
نظرت النائبة باستغراب وقالت:
هل هما مسافران؟؟ يمكننا الاتصال بهما ...
نظر آدم بنفاذ صبر وهتف:
ليس لدينا وقت يا سيدتي،، إنها في خطر .. لقد قتلت كل عائلتها وسوف تقتل إذا لم تخرج الآن معي ...
قالت النائبة بسرعة:
هل أنت شقيقها حقا؟ لا تبدو كذلك أعطني بطاقتك سأطابق الأسماء ..
أخرج آدم بطاقته فنظرت السيدة وقالت:
أنت لست شقيقها بأي حال ..!!
صرخ آدم وهو يوقع سجلات من المكتب على الأرض بعد أن ضربها بيده بنفاذ صبر:
أين هي ... ؟؟؟ أسرعي سوف نقتل بسببك .. !!
صاحت النائبة بهلع:
اتصلن بالشرطة لدينا مجنون هنا ...
اخذ آدم بطاقته من يد النائبة وركض بسرعة نحو الباب المتجه إلى قسم الطالبات،، في تلك اللحظة شاهدته شروق فركضت على الدرج وصاحت :
آدم ..
ركض آدم نحو شروق وقال وهو يمسك يدها:
هيا ...
نظرت الفتيات باستغراب وفضول وصرخت النائبة :
الأمن .... امسكوا بهم ...
ركضت شروق بسرعة محاولة مجاراة سرعة آ دم وصاحت:
ماذا تفعل؟؟
أركضي .. ليس لدينا وقت ..
ظلت النائبة تصرخ:
إنه يختطف الفتاة ..!!
قالت إحدى الفتيات وهي تبتسم بمكر:
إنه تركض معه بكامل إرادتها ..!
حاول الأمن اعتراض طريق آدم ولكنهم لم يفلحوا،، كان آدم قد تحول إلى نمر شرس يصعب الوقوف أمامه أمسك منجل حديدي كان في الحديقة وضرب كل من اعترض طريقه ........ لقد آذى بعض رجال الأمن وجرحهم ولم يبالي بذلك ..
كانت شروق تركض خلف آدم بسرعة، لم تدرك لماذا يفعل ذلك ... لكنها تأكدت من أنه قد جن ..
خرج آدم وأوقف سيارة تاكسي أقلته مع شروق إلى مكان لم تعرفه شروق،، كان مدرسة قديمة مهجورة ،، دفع آدم الباب الصدئ فأحدث صريرا مزعجا ..
بدأت شروق تشعر بالقلق وخاصة بعد أن شاهدت الجروح التي تملأ وجه آدم ورقبته ... تأكدت من أنه تعرض للشنق بسبب آثار الحبل الدامية على رقبته ،، جلس آدم فوق الأتربة على الأرض وبدأ يلتقط أنفاسه،، نظرت شروق إلى المكان باستغراب وقالت بخوف:
آدم ... لماذا نحن هنا يا أخي؟؟ لماذا لم نذهب إلى البيت ؟؟؟
همس آدم بتعب:
لا يمكننا الذهاب إلى البيت ...
لماذا؟؟
اجلسي أولا ..
جلست شروق على الأرض المتربة أمام آدم .. نظرت إليه بترقب أغمض آدم عينيه ليخفي دموعه وقال:
شروق ... لقد حدث أمر سيء جدا ...
نظرت شروق وبدأت الدموع تحتشد في عينيها ،، وارتعش صوتها وهي تقول:
ماذا حدث؟؟
تكلم آدم بتعب:
هناك قتلة يلاحقونني ... إنهم يريدون شيئا ليس معي،، إنه أمر قديم ... أظن أنكِ سمعتِ بهذا ..
تأملت شروق وجه آدم الحزين والدماء الجافة التي ترسم ودياناً على وجهه ورقبته ولم تستطع قول شيء وتابع آدم بهدوء وهو لا يزال مغمضا عينيه:
لقد تعرض والدينا وياسر لحادث ... حادث فظيع ...
بدأت شروق بالبكاء وهي تتوقع ما سيخبرها به آدم بعد لحظات ...
فتح آدم عينيه،، كانت ملأى بالدموع والتقط أنفاسه ولكنه لم يستطع التكلم ..
همست شروق بصوت مرتعش :
مـ .. ماذا .. آدم .. أرجوك يا أخي .. ما الذي حصل لهم ؟؟ هـ .. هل فقدناهم؟؟
همس آدم ودموع تسيل من عينيه في صمت :
لقد قتلوا ..
صرخت شروق وبكت بشدة،، بدأ آدم بالبكاء لا شعوريا وقال بصوت مبحوح:
أنا السبب .....
لم تستطع شروق تحمل ذلك، بدا أنها تفقد وعيها شيئا فشيئا .. كانت تبكي بمرارة ،، أمسك آدم بها بسرعة بعد أن كادت تفقد وعيها ... همست بصوت خافت:
هذا ليس صحيحا ... لم يقتلوا أليس كذلك؟؟
سقطت دموع آدم على وجهها وقال آدم:
أنا آسف يا شروق ... لكن صدقيني ... سأنتقم لهم .. أعدك .
صرخت شروق بحرقه وتمسكت بقميص آدم ..
ضمها إلى صدره محاولا تهدئتها وبكيا معا بكاءا مرا لم يسبق لهم أن شعروا بمرارته !!
السياج الأخضر
وقف الضابط وائل أمام السيدة منى وقال وهو يتصفح أوراقا في يده:
إن ابنك آدم طالب في الكلية العسكرية ... وكذلك أسامة وهما في السنة الثالثة ...
دمعت عينا السيدة منى فعاد وائل يقول:
لقد اتصلنا بعائلة أسامة .. إن والديه مفزوعان وهما في طريقهما إلى هنا ... أما آدم فليس لدينا أية معلومات عن مكان وجوده ...
شعرت السيدة منى بالخوف فقالت:
هل ستعاينون مكان الحادث؟؟
بالتأكيد ... لكن يجب أن تدلينا على المكان لأن الغابات المحرمة كبيرة جدا ... سنتوجه إليها في صباح الغد ...
أومأت السيدة منى موافقة وخرج طبيب أسامة من غرفة العمليات فركضت السيدة منى نحوه وسألته بهلع:
ما الأمر أيها الطبيب ... ما هي حالة أسامة؟؟
صمت الطبيب للحظات ثم قال:
إن حالته حرجة جدا ... يجب أن تستمري بالدعاء له ،، علّ تلك الأزمة تمر ...
نزلت دموع السيدة منى على الرغم منها بينما اقترب وائل وقال محاولا تهدئتها:
سوف يكون بخير إن شاء الله ...
وقفت السيدة منى وهي تحاول كبت دموعها وخوفها، من بعيد توقفت سيدة أخرى تحدق باندهاش وهي تكذب عينيها ... بالأحرى كانت طبيبة ...
اقتربت الطبيبة نهى وهمست:
مرحبا ...
نظرت منى إلى صديقتها القديمة وحدقت بدهشة عجزت معها عن الإجابة أو الرد ...
مضت دقائق وكأنها ساعات فتساءلت نهى :
منى؟
اغرورقت عينا منى بالدموع واقتربت من صديقتها القديمة ثم عانقتها ...
مضى بعض الوقت وجلست الصديقتان معا يستعيدان الذكريات القديمة ... عرفت نهى كيف أن منى هربت بعيدا عن هارون وعاشت وحيده طوال تلك السنوات وفي اعتقادها مقتل آدم الصغير ..
لم تكن نهى تستطيع وصف فرحتها .. اكتفت بمديح آدم ... وقالت بسعادة:
إنه شاب رائع وشجاع يا منى .. يجب أن تكوني فخورة به .. وسأظل هنا إلى جانبكم حتى تنتهي تلك الأزمة على خير ..
كان يبدو أن نهى فخورة جداً به وفرحت منى كثير بما صار إليه حال آدم .. قطع حوارهما صوت شاب يقول:
سيدة منى؟؟
التفتت والدة آدم تجاه صاحب الصوت وقالت :
أجل؟
قال الشاب بهدوء:
__________________
الى اللقاء
التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:14 PM |