سيدتي .. أدعى هشام،، وأنا أعمل محققا وأساعد الضابط وائل ..
ابتسمت السيدة منى وصافحت المحقق هشام وهي تقول:
تشرّفت بمعرفتك ..
ابتسم هشام بخجل وقال :
وأنا أيضا، سآخذ بعضا من وقتك إذا سمحتِ؟
وقفت الطبية نهى وقالت وهي تستأذن :
حسنا منى ، أراك لاحقا يا عزيزتي ...
ابتسمت منى بامتنان وهي تراقب نهى التي عدلت من وضعية نظاراتها الطبية وخرجت بصمت ..
كان هشام يمتلك شعرا أشقراً مميزا عن كل شباب المدينة، وكأنه غريب عنها،، لديه وجه مرح وهادئ وعينان معبرتّان .. كانت لديه شخصية خجولة وعصبيه في نفس الوقت ..
تكلم هشام قائلا :
سأحتاج إلى بعض الإجابات .. لدي خمس أسئلة فقط!
همست السيدة منى :
على الرحب والسعه يا بني ..
*********************
هيه! انت ... استيقظ!
فتح آدم عينيه ببطء ونظر إلى وجه ذلك الشاب ..
كان آدم ما يزال في ذلك المكان المهجور وقد غفا بوضعية الجلوس، أما شروق فقد نامت على صدر آدم بعد أن جفت دموعها على خديها ..
انتبه آدم وحدّق بوجه الشاب بذهول ..
كان ذلك أحد أتباع هارون ، صاحب النظرة الغريبة والذي سأله من قبل كيف يثأر لوالده وهو لم يره ..
ابتسم الشاب ابتسامة غريبة وقال بصوته الحاد :
لا تجيد الاختباء يا آدم!
تحولت نظرة آدم إلى نظره عدوانيه وتأمل المكان بسرعة فوجده فارغا .. حاول آدم التكلم لكن صوته خرج ضعيفا ومبحوحا وهو يقول :
ابتعدوا عنّا ..
نظر الشاب المجهول حوله بهدوء وهمس ببرود :
ليس هناك غيري فلماذا تتكلم بصفة الجمع؟؟
ضمّ آدم شروق إلى صدره أكثر وشعر بالخوف فهتف :
ابتعد عني أيها الغريب الأطوار!
نظر الفتى للحظه ثم اقترب وجلس القرفصاء أمام آدم ثم نظر لوجه شروق وهو يقول بخفوت:
شقيقتك جميله ..
لم يكن ذلك الشاب يمتلك سوى تعبير الهدوء الشديد وهتف آدم منزعجا وهو يغطي وجه شروق بيده :
لا أريد أن أتشاجر معك! ابتعد بهدوء وإلا ....
وقف الشاب وابتعد قليلا ثم دار في المكان وقال :
أنا جاسوس ومهمتي هي متابعة كل خطوه من خطواتك .. لقد راقبتك فتره طويلة حتى إنني حفظت طريقة تفكيرك .. وعندما هربت من الغابات المحرمة اتصل بي هارون وطلب مني أن أعرف مكانك ..
تعجب آدم .. لماذا يخبره الشاب بكل تلك الأشياء؟؟
وتابع الشاب وهو ينظر إلى عيني آدم مباشره :
إنهم في الطريق إلى هنا ... على الأقل يمكنك إنقاذ شقيقتك ..
تعجّب آدم أكثر وقال :
هل تحاول مساعدتي أم ماذا ..؟؟
تحركت مقلتي الشاب بحركة سريعة نحو شروق ثم عاد بعينيه إلى آدم وهمس :
ربما أحاول مساعدتها .. أنت مفقودٌ الأمل في مساعدتك .. لن يتركك هارون حتى يحصل على ما يريده ..
نظر آدم إلى وجه شروق فقال الشاب الهادئ :
هيا ليس أمامي وقت لإخراجها من هنا!
تفاجأ آدم وهتف بغضب :
ماذا؟ أنا لا أثق بك!
اقترب الشاب بسرعة وأمسك بكتفي شروق فركله آدم ولكن الشاب تفادى الركلة بمهارة فصاح آدم بغضب:
ابتعد عنها!
في تلك اللحظة استيقظت شروق ونظرت حولها باستغراب .. سمعوا فجأة صوت سيارات كثيرة تقف خارج المبنى المهجور ،، كان الشاب يحدّق بوجه آدم بثقة ..
وارتجف قلب آدم وهو يسمع وقع أقدام رجال هارون على الأرض فنظر إلى شروق بحيرة ..
قال الشاب الواثق وهو ينظر إلى شروق :
تعالي معي الآن ..
نظر إليه آدم بحيرة أكبر وخوف شديد فقال الشاب :
أسرع ليس أمامك الكثير من الوقت .. لو بقيت هنا فلن يتركها هارون تعيش ..
صرخ آدم :
شروق اخرجي من هنا بسرعة!
لم تفهم شروق شيئا وسحبها الشاب المجهول بسرعة وركض من باب خلفي ...
هتفت شروق وهي تحاول مجاراة سرعته :
من أنت؟! ولماذا تركت آدم!!
تابع الشاب ركضه ولم يعر أسئلة شروق أي اهتمام ..
وتابعت شروق الركض وفي عينيها آلاف التساؤلات ..
وآلاف الدموع ...
*********************************
رشف المحقق هشام بعضا من القهوة الموضوعة أمامه في كوب صغير ..
وقال وهو يمسك بمذكرة أنيقة وقلم:
سيدة منى .. في البداية أريد أن تحكي لي كل ما تعرفينه عن شقيقك آدم .. وقصة ذلك الشيء أياً كان في صدره ؟؟
صمتت السيدة منة للحظه ثم همست :
يبدو أنها خمسة أسئلة طويلة وصعبه ..
آسف إذا كنت أزعجتك ..
لا بأس ..
تنهدت بحرارة وقالت :
حدث ذلك عندما كنّا صغارا ... كان أخي آدم يحب اللعب والاكتشاف كثيرا،، وكان والدي مزارعا عاديا بينما كان عمّي عالماً مرموقا ... وذات يوم جاء عمي من سفر طويل وكنا لم نره منذ فتره بعيده ... وعندما رأى آدم ..
دمعت عينا منى وتوقفت عن الكلام للحظه ثم تابعت :
أعجب به كثيرا وبذكائه .. وقرر أن يأخذه في رحلة علميه .. كما ادعى .. كان أبي سيرفض ولكن آدم كان متحمسا جدا وطلب من أبي الموافقة .. فوافق أبي .. وبالفعل كان هذا آخر آدم مرح أراه في حياتي .. عندما عاد كان مختلفا ..
كان هشام يتابع القصة بانتباه شديد وتابعت منى :
كان شاحبا ومريضا ولا يريد التحدث .. في البداية ظننا جميعا أنها آثار الرحلة، ولكن مع الوقت شعرنا بشيء مختلف،، كان أبي يسأل آدم دائما ما إن كان شيء ما يضايقه ولكنه كان يرفض التحدث وفي يوم من الأيام رأيته وهو يبدل ملابسه بدون أن يشعر .. ورأيت آثار جرحا بليغا في صدره ... وكأنما فتحه أحد وأغلقه بإهمال .. في تلك اللحظة لم أتمالك نفسي و .. صارحته بما رأيت ..
*******************
أنا خائفة .. خائفة!!
ولماذا أنتي خائفة؟؟
ما هذا المكان؟؟
إنه مخبأي الخاص .. هل أعجبك ...؟
لكنه مخيف جدا ..
سيعجبك صدقيني ..
تأملت شروق وجه الشاب الهادئ،، كان لديه شعر أسود فاحم وغزير وعينان فاحمتان غريبتان .. وبشرة بيضاء ناصعة ...
همست شروق وهي تسير بهدوء في ممر مظلم :
ما الذي يحصل معي .. لماذا تركنا آدم ..؟ و.. أنت .. من أنت؟؟
توقف الشاب عن السير وقال بعد أن أغمض عينيه وابتسم بهدوء:
أنت تسألين كثيرا!!
صرخت شروق بعصبيه:
أجب عن أسئلتي حالتي لم تعد تتحمل أكثر من ذلك!
التفت الشاب الهادئ ونظر لوجهها لثوان ثم قال باسما :
يظهر جمالك الحقيقي عندما تكونين غاضبه!
تضاربت مشاعر شروق بين الخجل والغضب والدهشة وتجمعت في نظرة ذاهلة بينما همس الشاب :
ليس هناك أي سبب يجعلني أجيب عن أسألتك .. لقد أنقذتك لسبب لا أودّ ذكره في الحقيقة .. أما آدم فلست متأكدا من أنه سيكون بخير .. وأما اسمي فهو ... المجهول ..
شعرت شروق بالخوف الشديد وقالت وهي تستند بظهرها على الجدار:
أريد أن أعود للمنزل ...
ولكن لم يعد هناك منزلٌ تذهبين إليه!
هتفت بغضب ودمعت عيناها:
أنت تخيفني! أريد أن أخرج من هنا!! لا أريد البقاء!!
تركها الشاب ((المجهول)) واتجه للداخل وهو يهمس ضاحكا :
تكونين أجمل كلما زاد غضبك .. وليس هناك مكان آمن كهذا .. تعالي ولا تكوني حمقاء ..
***************************
وقف آدم يحدّق بوجه هارون ..
كان هارون رجلا كبيرا بالسن لديه ملامح قاسيه وعينان ضيّقتان خبيثتان ..
بدأ هارون الكلام قائلا بصوته الخشن :
فاشل كالعادة ... وسيكون عقابك قاسيا لأنك حاولت خداعي .. أنت مجرد ولد! هل تسمع .......
ظل آدم صامتا بينما اقترب رجال هارون وقاموا بالإحاطة بآدم ..
بعد دقائق من الصمت قال آدم :
لقد أخذتك إلى قبر خالي .. وأخبرتك أنني لا أعرف إلا تلك المعلومة .. الآن ماذا تريد؟؟
ظل هارون يحدج آدم بنظرة قاسيه حتى قال في النهاية :
لم نجد شيئا في قبر خالك! معنى هذا أن البلورة قد أخرجت ... وأنت الوريث الوحيد لها .. هل ستخبرني بالهدوء أم أنه سيكون لي تصرف آخر معك ..
كان آدم مذهولا وتمتم بثبات :
لقد أخبرتك كل ما أعرفه .. عدا ذلك لقد تربيت بعيدا عن هذه الحادثة ... دعني وشأني ..
ضحك هارون ضحكة مجلجلة وقال :
حسنا ما رأيك الآن أنت بريء .. دعوه يذهب ..
ابتعد الجميع عن آدم وفتح هارون الباب القديم وهو يقول :
هيّا .. أخرج .. قبل أن أغيّر كلامي ..
شعر آدم بأن هناك خطباً ما .. ولكنه حاول التفكير بسرعة ولم يتحرك من مكانه حتى أردف هارون متابعا حديثه:
إنها مع والدتك إذا .. وهذا ما يدفعني لسحقها كالجرادة!
صرخ آدم بعدوانيه :
ابتعد عنها! وإياك أن تفكر في ذلك !!
أمسك هارون بقميص آدم بعنف وقال وهو يضحك :
اسمع أيها الشاب .. لا أريد ربطك على كرسي وسماع فرقعة خلايا جلدك وأنت تحترق ..
قال آدم بهدوء :
لست خائفاً منك .. سوف تنال جزاءك العادل يوما ما .......
قام هارون بصفع آدم بقوة فسقط على الأرض وعاد هارون يقول بهدوء :
هيّا .. هذا الولد لا يعجبني .. أريده أن ينال جزاءه!!
************************
من تتبعنا لحركات تنقلاتهم الأخيرة يبدو هنا أنهم لم يتحفظوا كثيرا .. يمكنني اكتشاف مكانهم الجديد ..
حقا وائل؟؟ لكن .. كيف؟
اسمعني جيدا يا هاني .. لا أريدك أن تتدخل في هذا هل فهمت، أظن أنهم في المدرسة المهجورة في شمال المدينة والآن سأتوجه إليهم .. عندما اتصل بك .. يمكنك المجيء ..
أشكرك .. لكن ربما لو جئت معك فيمكنني تصوير لقطات نادرة لصحيفتي!
هاني أرجوك ..
حسنا حسنا .. أعرف ما تفكر فيه ..
من الجيد أنك تفهمني .. الوداع يا صديقي ..
إلى اللقاء ..
أغلق هاني سمّاعة هاتفه وظل يفكر للحظات في تلك القصة العجيبة، عاد إلى قراءة ما كتبه له المفتش هشام باختصار منقولا عن كلام والدة آدم .. كان هاني صديق طفولة هشام ووائل، وقد كانوا معا في كل المراحل الدراسية غير أن هاني قد اتجهت ميوله إلى الصحافة وأعجب وائل بكلية الشرطة وقرر هشام أن يصبح محققا كما تمنى طوال عمره ويكتمل فريق الأصدقاء الثلاثة ..
فكّر هاني بإثارة ..
ستحدث تلك القصة بالتأكيد ضجة صحفيه وإعلاميه لم يسبق لها مثيل، ولكن لا يجب عليه أن يستعجل الأمور .. فهناك مستجدات ستضفي نكهة أكبر على القصة القديمة ..
كان هاني شاب هادئ الطباع يتميز بطبعه الحنون الذي يتأثر بما حوله بشده، لديه شعر أسود وعينان مميزتان داكنتان، جسده نحيل نوعا ما، حتى يظن من يراه أنه ضعيف البنية، ولكنه في الحقيقة لا يفتقر للياقة البدنية فقد حصل على مراكز أولى في مسابقات التايكوندو .. وطالما أخبره وائل ضاحكا أنه طالما كان يخدع المستخف به ..
قطع حبل تفكيره طرق هادئ على باب المكتب، كان هاني يعرف جيدا من التي تطرق بتلك الرقة وقال بلطف:
تفضّلي ..
دخلت فتاة جميلة وأنيقة، كانت زميلة هاني في المكتب الصحفي .. وضعت ظرفا كبيرا أمامه وقالت بصوتها الهادئ :
هذه صور حادثة آب من العام الفائت، لقد استخرجتها من الأرشيف كما طلبت مني ..
وقف هاني وفتح الظرف بسرعة وهو يقول :
لا أعرف كيف أشكرك!
لا شكر على واجب ..
خرجت (ريم) وأغلقت خلفها الباب بينما كان هاني يتبعها بنظراته حتى انه لم يحدق بالصور التي أظهر تلهفه عليها .. ظل ينظر بشرود ناحية الباب المغلق ثم انتبه أخيرا ونظر بهدوء إلى الصور التي أخرجها من المظروف الكبير ..
ارتمى على كرسيه بصمت وظل يفكر لدقائق في حظه العاثر الذي أبعده عن الفتاة التي أحبها،، تساءل في قلبه أهو حظه العاثر أم هي رغبة والدته الملحة والتي فرضت عليه أن يخطب ابنة خالته ..
قرر أن لا يفكر في الموضوع أبدا فقد ضاع نصف الوقت المخصص للعمل في الشرود والتفكير في مصير لن يتغيّر ..
أغلق حاسوبه المحمول وحمله مع الظرف الكبير وخرج من المكتب وهو يشعر بالضيق، كانت ريم تقف في الردهة مع أحد الصحفيين، وتفاجأت لرؤية هاني ينصرف مبكرا .. كانت تود أن تسأله ما إذا كان بخير؟ .. لكنها فضلت أن تكمل عملها وتتجاهل الأمر ..
وقف هاني ونظر إلى ريم لثوان ثم انصرف بسرعة ..
تساءل الصحفي الذي كان يتناقش مع ريم قائلا:
لماذا انصرف هاني مبكرا؟ هل هو متوعك؟
أجابت ريم بهدوء وهي تتابع التحديق في الملف الذي تحمله بيدها:
عندما أعطيته مظروف حادثة آب منذ برهة قصيرة كان يبدو متحمسا ..
إذا ماذا جرى؟
همست ريم بلا أي تعبير ارتسم على وجهها أو غيّر نبرة صوتها الهادئة:
لقد تغيّر في الآونة الأخيرة .. ربما هو مشغول الفكر بعد خطوبته ..
وضعت ريم الملف بهدوء وانصرفت من المكان ..
-----------------------------------------------------
ما هذا أيها الـ ..
المجهول!
حدقت شروق بغيظ وقالت :
حـ .. حسنا أليس لديك اسم آخر؟؟
ابتسم الشاب بهدوء وبدأ يقضم جزرة كانت في يده وهو يقول :
هل لديك اسم غير شروق ..؟؟
نظرت شروق إليه بحنق ثم نظرت إلى صحن أمامها وقالت بضيق:
أتعني أن أباك سمّاك المجهول عندما ولدت؟؟
وقف الشاب المجهول وبدأ يتجول في المكان ويعبث ببعض الأغراض فعادت شروق إلى التحديق بطعامها قبل أن يتمتم بعد برهة من الصمت:
تناولي طعامك! سوف تموتين من الجوع ..
صاحت شروق بغيظ:
وهل تسمّي هذا طعاما؟؟ أنـ .. إنه يشبه ... الـ ..
التفت ينظر إليها متلذذا بمنظرها الغاضب وعلى وجهه ابتسامة هادئة وأردفت شروق وملامحها تدل على قرف شديد :
إنه يشبه .. طعام الأطفال المهروس!! الذي لاتـ .. تعرف مم يتكون!
خرجت ضحكة ساخرة من حلق الشاب المجهول وتابع العبث بأغراضه وهو يقول:
ومن قال أنك كبيرة؟ انت مجرد طفله لا أكثر ..
صرخت شروق وهي تقف مبتعدة عن الطعام :
أنا لست طفله!
نظر الشاب المجهول بسرعة حتى لا يفوّت على نفسه مشاهدة شروق وهي تصيح وهمس باسما:
وماذا بعد؟ أنا أرى انك مجرّد طفلة ثائرة دوما!
أنت أيضا طفل غبي!
ضحك الشاب المجهول بشدة،، كان غارقا في الضحك فقالت شروق ساخرة:
احذر أن يغمى عليك من الضحك!
نظر الشاب المجهول وقال وهو يحاول التوقف عن الضحك :
أنا طفل؟؟ أنا أكبرك بعشر سنوات على الأقل ..
قالت شروق مندهشة :
أنت تكذب، لا تبدو عجوزا! كما أنني في السادسة عشرة من عمري إن كنت أبدو أصغر من ذلك!
بدا الذهول واضحا على وجه الشاب المجهول ثم قال بحركة كوميديه:
ياللهول يبدو أنني سأعود للضحك! لقد أصبحت أكبرك إذا باثني عشرة سنة على الأقل!!
بدا التذمر على وجه شروق التي جلست على أحد الكراسي الخشبية وقالت ساخرة:
يؤسفني أن أرى شابا في مثل عمرك مازال مجهولاً!
توقف الشاب عن الضحك ونظر نحو شروق بهدوء .. كانت بعض ملامح الحزن قد ظهرت على وجهه لوهلة ولكنه حاول أن يظل وجهه بلا تعبير فلم ينجح ..
التفت إلى أغراضه وبدأ بترتيبها بعصبيه، شعرت شروق بأنها قالت شيئا جرحه بقوه فتمتمت قائلة بعد فترة صمت دامت العشر دقائق:
أنـ .. أنا آسفة إذا كنت مصدر إزعاج لك ..
همس الشاب بدون أن يلتفت :
أنا أحاول رد الدين لأحدهم، ولذلك أنقذتك .. أحاول أن أساعدك كما ساعدتني والدتك يوما ما .. عندما كنت في مثل عمرك ..
أمي؟؟ كـ .. كيف ساعدتك؟ من انت؟
تساءلت شروق باندهاش ..
ولكنها لم تتلق جوابا من المجهول ..
السياج الأخضر
لم يكن أسامه يعرف أين هو، إنه يحلم بالتأكيد ما كل هذه الضمادات التي يسبح فيها وبغوص ..؟؟ و..
آه ..
صرخ أسامه بألم حينما حاول تحريك ذراعه المجبّس .. ونظر إلى ساقه بحزن وهو يتساءل في نفس الوقت لماذا يشعر بالدوار؟؟ إنه يحاول أن يتذكر آخر موقف مرّ على ذهنه ولكنه عجز عن التفكير فصرخ بتذمر :
ما هذا ؟؟ هل أنا هو أنا ؟؟ أم إنني فقدت الذاكرة؟
سمعته والدته بسرعة فهرعت إليه ونظرت إلى وجهه ودموعها تتساقط فوقه وظلت تردد:
أ.. أسامه!! أسامه ..
قال أسامة بضجر وهو يحاول مسح دموع والدته من فوق وجهه:
هيه! الأمطار بدأت تهطل فجأة على وجهي أليس هناك مكان آخر ..
عانقت الأم ولدها بقوة وهي تقول بسعادة:
حمدا لله على سلامتك يا عزيزي .. أنت بخير ..!!
كاد أسامة أن ينفجر وقال بضيق:
حسنا .. من الواضح أنك قلقة علي لكن دعيني أتنفس يا سيده!
نظرت الأم مندهشة وتوقفت دموعها عن النزول وهي تحدّق بوجه أسامة بدهشة وخوف لا مثيل له ... همست بصوت مرتعش:
أسامه !! أنا والدتك ...!
نظر أسامة للسقف ثم قال بلا مبالاة:
آه فهمت تعنين أنني أدعى أسامه وأنك والدتي؟؟ آسف ولكن ذهني مشوش قليلا .. أحاول التذكر ..!
-----------------------------------------------------------
وصل الضابط وائل مع والدة آدم وبعض رجال الشرطة إلى الغابات المحرمة ..
ترجل البعض سيرا على الأقدام خلف السيدة منى والضابط وائل، وبقي الآخرون لحراسة المكان وسيارات الشرطة الأخرى ...
عندما وصلوا كان السياج الأخضر محطما، والقبر منبوشا ومفزعا، صرخت السيدة منى مرتعبة وغطت عينيها بسرعة ..
واقترب الضابط وائل وألقى نظره خاطفه ثم قال لهشام الذي دنا منه:
هشام! لقد عبث هارون بالقبر .. هل تعتقد أنه حصل على مراده ؟؟
همس هشام وهو يحدق في العظام والرفات:
علينا أن نأخذ معنا هذه العظام،، يجب أن يعرف الطب الشرعي سبب الكسور في عظام القفص الصدري .. كـ ..
قاطعه وائل وهو يبتعد :
توقف عن إثارة قرفي لن نستفيد شيئا من العظام!
ولكن!
هشام علينا أن نعيد دفن هذه العظام .. لا يجوز إخراج العظام بعد مرور أكثر من عشرون عاما على دفنها .. ولن يعود علينا بالفائدة في النهاية .....
كان بعض رجال الشرطة اللطفاء يحاولون تهدئه السيدة منى التي بدت منهارة، وأعطى وائل أمرا بتفتيش المكان وإعادة دفن العظام ...
كان هشام كعادته يفتش في كل ركن وأسفل الأشجار ويعبث بأخشاب السياج المحطمة والرمال واصطدمت يده بشيء ما ..
حدّق هشام لثوان ثم أدرك فجأة أنها علبة صغيره .. كانت قديمة جدا وملتصق بها أتربة وبقايا زروع ذابلة، أمسك بها بسرعة ولكنه شعر بخطوات رجال الشرطة خلفه مقتربين من القبر فوضع العلبة في جيب معطفه وكأنه لم يجد شيئا ..
كان يدرك أنه يقوم بأمر خاطئ لأن عليه تسليم الأدلة إلى وائل، ولكن فضوله بما يشعر أن تلك العلبة تحتويه سيطر على عقله ..
وبدأ يتذكر كلام والدة آدم :
" قبل موته أعطاني علبة صغيره .. طلب مني أن أعطيها لأيمن ولكن .. لكن يبدو أنها سقطت مني وبعد ذلك بحثت عنها ولم أجدها ... لا أعرف ما الذي يوجد بداخلها تحديدا .."
تحسس العلبة داخل جيبه وهو يشعر بإثارة لم يسبق لها مثيل، فكر مطولا .. إنها تلك العلبة التي تحتوي السرّ .. بالتأكيد هي ..
نظر إلى وائل الذي وقف منهمكا بالحديث إلى والدة آدم، شعر بالخزي لأنه يخفي عنه اكتشافا كهذا ولكنه لم يستطع إخباره،، كان مغرما باكتشاف الشيء الذي سيطر على عقول الجميع لعشرات السنوات ..
ماذا يكون؟؟
شعر هشام بأن تلك العلبة قد بدأت تسيطر عليه بطريقة غريبة ..
وتوجه عائدا برفقة وائل ووالدة آدم بصمت .. بينما بقي بعض رجال الشرطة الآخرين محاولين إعادة ردم القبر مجددا ..
-----------------------------------------------------------
رن جرس الهاتف رنات متتالية فاستيقظ هاني من نومه القلق ورفع سماعة الهاتف وهو يقول:
مرحبا ..
مرحبا هاني ..
أهلا هشام ماذا تفعل في هذه الساعة ألم تنم بعد؟ إنها الثالثة فجرا!
هاني .. أنا أريدك الآن في منزلي ..
شعر هاني بتغير عجيب في صوت هشام الذي بدا متحشرجا ومتعبا فقال هاني بقلق وهو يجلس:
هشام لماذا تلهث بتلك الطريقة هل انت بخير؟؟ ولماذا تهمس هكذا؟؟
لا أريد لنور أن تسمع .. هيا سأنتظرك عند باب المنزل لا تطرق الباب!
الآن؟؟
أجل يا هاني أسرع!
حسنا!
ترجل هاني من فوق سريره وارتدى ملابسه بسرعة وحمل حاسوبه المحمول ثم سار على أطراف قدميه حتى لا تشعر والدته بخروجه في تلك الساعة ..
عندما وصل إلى باب المنزل سمع صوت والدته تقول من خلفه:
هاني؟؟ إلى أين انت ذاهب ؟؟؟
التفت هاني وقال بهدوء:
لدي حدث علي تغطيته! إ .. إنه خـ .. خبر عاجل!
فتح هاني الباب وخرج قبل أن تسأل والدته سؤالا آخر وصاح بسرعة:
إلى اللقاء ..
ثم ركض في الشارع الهادئ حتى وصل إلى سيارته وهو يتساءل عن السر الغريب الذي جعل هشام يوقظه في تلك الساعة!!
-------------------------------------------------------
جلست ندى تحاول قراءة إحدى الكتب المساعدة علّها تفهم ما استصعب عليها من محاضرات اليوم ..
كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا ولكن ندى استيقظت للتو بعد غفوة قصيرة،، كانت هذه عادتها فهي لا تعرف معنى للنوم إذا كان لديها عمل ما ..
الساعة أشارت للرابعة والنصف فتركت ندى كتابها بعد أن سمعت صوتا غريبا في ردهة المنزل، لم تتخيل أن أحدهم يطرق على الباب في ذلك الوقت المتأخر ..
أضاءت الردهة فتأكدت بأن شخصا ما يطرق بهدوء على باب منزلهم،، كانت تعرف جيدا أن والدها مسافر ولكن ما باليد حيلة .. عليها أن توقظ والدتها ..
توجهت إلى غرفة والديها بسرعة فلم تجد والدتها وقد تركت لها رسالة صغيرة مكتوب عليها:
" حبيبتي الصغيرة، توجهت إلى قسم الطوارئ هناك حالة عاجله، أرجو أن لا تقلقي عندما لا تجديني"
تمتمت ندى بتذمّر وقلق:
كالعادة!!
قررت تجاهل ذلك الطرق ولكن فضولها الشديد دفعها للنظر من شرفة غرفتها التي تطل على واجهة المنزل..
كان هناك شخص ما يستند بظهره على الباب ويطرق بضعف كبير ..
لم تستطع تبينه في الظلام ..
ولكن لوهلة شعرت بأنه يشبهه ..
همست بخوف لنفسها وهي لا تصدق ما تراه عينيها:
هل أنت آدم حقا؟ أم .. ماذا؟
لم تترك التساؤلات تؤخرها عنه، شعرت بالهلع عليه فهو لا يبدو بخير ..
فتحت الباب فتحة صغيرة نظرت منها بعين واحده وهمست:
آدم ..
لم يستطع آدم الوقوف ونظر إلى ندى،، كانت إحدى عينيه مغطاة بالدماء التي تسيل من رأسه ففزعت ندى وفتحت الباب ولكن آدم الذي كان يستند على الباب سقط على الأرض ..
جلست ندى بالقرب منه وهتفت بفزع:
آدم انت لست بخير!! ما بك!؟
لم تكن ندى تعرف أي شيء عن ما جرى له ولعائلته، كان آدم يجلس بصعوبة وبدت أنفاسه متلاحقة ومتعبه وتكلّم بصعوبة:
أيـ ــن .. والدتك؟
ظلت ندى تنظر إلى جسده الممزق بهلع وأجابت وهي تحاول إسناده:
إنها في المستشفى ..
ووالدك؟
مسافر!
كاد آدم أن يفقد وعيه ولكنه عاود النظر إلى وجه ندى وهو يقول:
لقـ .. لقد هربت بأعجوبة .. كـ .. كان ذلك من أجلك .. يجب أن تهربي!
لم تفهم ندى شيئا وقالت بخوف:
ماذا تقول!! يجب أن اتصل بالمشفى لأخذك ... أنت منـ ..
الآن .. أهربي بسرعة .. دعيني سوف أكون بخير ..
ولماذا أهرب!
أرجوك .. توجهي إلى والدتك بسرعة .. أخبريها أن تأخذك وتسافر .. لا تعودان إلا هنا حتى تصبحان بأمان ..
دمعت عينا ندى وقالت:
آدم .. ما الذي أصابك .. لا يمكنني تركك مهما فعلت ..
أرجوك يا ندى .. أرجوك .. إن كان لرجائي معنى عندك!
لكنك خائر القوى! لن أتحمل تركك هكذا ..
الآن .. بسرعة ..
لم يستطع آدم التحمل أكثر فأغمي عليه .. أمسكت به ندى، وشعرت بأهمية ما أخبرها به ..
يجب أن تساعده الآن كما حاول مساعدتها طوال الوقت ..
سحبته إلى داخل المنزل بصعوبة وتوجهت إلى الهاتف،، بدأت تضغط أزراره طالبة رقم المستشفى ولكن قاطعها صوت طرق قوي على باب المنزل مجددا ..
دب الهلع في قلبها وسقطت من يدها سمّاعة الهاتف ..
---------------------------------------------
ظل أسامه يضحك ويضحك حتى آلمه فكه ونظرت والدته إليه بغضب وهي تهتف:
أسامه! إياك أن تعيدها كدت أصاب بأزمة قلبية ..
نظر أسامه إلى والدته وقال وهو يحاول التوقف عن الضحك :
لكنك صدقت ذلك! يالي من ممثل بارع! لقد أخبرني آدم يوما ما بأنني سأصبح ممثلا ولم أصدقه!!
عاد أسامه للضحك ووالدته تنظر إليه بغيظ وبدأ أسامه يهدأ شيئا فشيئا ثم تساءل بهدوء:
صدقيني يا أمي لقد نسيت ما الذي جرى لي .. أهذا يعتبر فقدانا للذاكرة؟ .. نسيت آخر مكان كنت موجودا فيه!! .. لكن.. آدم؟ أين آدم؟؟ هل هو بخير؟
قالت والدته بتذمر:
لا تسأل عنه! إنه سبب ما أنت فيه .. كما أنني لا أعرف أين هو الآن!! كل ما اعرفه أنك ستظل هكذا طويلا حتى تشفى وتعود لوضعك السابق ..
بدأ القلق يساور أسامه الذي قال متجاهلا كلام والدته:
دائما تخاطبينني كطفل في المرحلة الابتدائية! ياللأمهات .. هل تصدقين! يبدو إنني بدأت أتذكر شيئا .. لقد وجد آدم والدته .. و ..
انتفض أسامه فجأة وبدأ محاولا الجلوس ولكن والدته منعته فهتف أسامه:
أمي دعيني! منذ متى وأنا نائم هكذا يالي من أحمق! أين آدم؟؟ أين!
كف عن هذا لن يجدي نفعا!
لا تمسكي بي دعيني اجلس! أرجوك يا أمي!
أصرت والدة أسامة على إعادته للنوم، وفقد أسامه مرحه المعتاد وهو يتذكر آخر منظر رأى آدم عليه وتمتم بضيق :
هل آدم بخير!! أين هو !!
ثم صرخ فجأة:
أمي يجب أن تعرفي عنه شيئا!!
---------------------------------------------------------
ما هذا يا هشام!
هاني! أخفض صوتك سوف تستيقظ نور ..
حدّق هاني باندهاش في تلك البلورة اللامعة وقال بعد وهلة :
إنـ .. إنها أروع شيء رأيته في حياتي ..!
نظر هشام إلى البلورة بحب شديد وهمس قائلا:
اسمع .. هذه البلورة التي كانت في صدر آدم،، لقد كنت مع كشفية وائل أثناء إعادة ترميم القبر،، ووجدت تلك العلبة الصغيرة ... كانت تحتوي تلك البلورة ولكن الأوساخ والدماء الجافة كانت تحيط بها ..
قاطع هاني القصة المشوقة متسائلا:
هل تركك وائل تعبث بالدليل؟؟
تلعثم هشام قليلا ثم قال:
اسمع وائل لا يعرف شيئا عن الأمر .. لقد وجدت العلبة وأخذتها!
ماذا!
أمسك هشام بفم هاني بسرعة وهو يهمس:
أرجوك أخفض صوتك! لا أريد لوكالات الأنباء أن تعرف بالأمر .. أنت تعرف نور!
أزاح هاني يد هشام وهو يقول خافضا نبرة صوته:
حسنا ماذا تنوي أن تفعل الآن!
نظر هشام للبلورة وقال بحماس عجيب كبته داخل صوته الهامس بأعجوبة:
لم تسألني عن الاكتشاف العظيم!
أي اكتشاف ..؟
لقد وجدت داخل العلبة رسالة للشخص المدعو أيمن!
لمعت عينا هاني وهتف:
وماذا كان مكتوبا فيها!
أرجوووك! أرجوك ستستيقظ نور بسببك!
قال هاني بنفاذ صبر:
وماذا إن استيقظت!
ستتطفل علينا وتصّر على معرفة أمر ألبلوره!!
يالها من فتاة إنها دائما هكذا!
أنتم الصحفيين لديكم فضول عجيب لمعرفة كل شيء!
ابتسم هاني وقال:
زوجتك مشاغبة جدا،، لقد كادت تستولي على أرشيف حادثة آب بالكامل من مكتبي لولا النجدة التي وصلت ..
لم يستطع هشام كبت ضحكته فضج الاثنان بالضحك وعندها سمعا صوت شخص يتحرك في الردهة ..
همس هشام بفزع:
لقد استيقظت .. دعنا نخفي البلورة أسرع!
أمسك هشام بالبلورة وضعها في جيبه ولكنها كانت ظاهرة من سروال النوم فأخرجها وأعطاها لهاني وفي تلك اللحظة دخلت نور وهي تنظر إلى هاني باستغراب ..
وضع هاني البلورة في جيبه وأظهر ابتسامة لا مثيل لها وكأنه في إعلان لمعجون الأسنان ..
تساءلت نور باستغراب مشوب بالنعاس:
هشام ما الأمر؟ هل هناك خطب ما؟
قال هشام بسرعة:
لا يا عزيزتي عودي للنوم!
وماذا يفعل هاني في هذا الوقت!
قال هاني بسرعة :
أنا هنا لأناقش مع هشام مشكلة خطيرة تتعلق بوائل!
ذهبت آثار النعاس من ملامح نور التي قالت فزعة:
ما به وائل؟ هل هو بخير؟؟
أجاب هشام ليزيد الطين بلّه:
إنه بخير ولكن .. انه مريض قليلا!
نظرت نور بذكاء ثم قالت:
أنتم تخفيان عني أمرا لا تريدانني أن أعرفه .. ومن جهتي فإنني مكلفة بالكثير من الأعمال ولا وقت لدي للتطفل على شؤونكما ..
انصرفت نور بهدوء فهمس هاني:
مستحيل هذه ليست نور التي نعرفها ..
أجاب هشام وهو يتأكد من انصرافها نهائيا:
الحمد لله .. دعني أريك الرسالة الآن .. لن تصدّق ما كتب فيها!
أمسك هاني بالرسالة بعد أن ناوله هشام إياها وبدأ بقراءتها بصمت .. اتسعت عيناه بدهشة .. وحدق في وجه هشام وهو يتمتم:
مستحيل!
السياج الأخضر
التقطت ندى أنفاسها عندما سمعت المفتاح يدور في الباب ..
إنها والدتها بالتأكيد فمن عادتها أن تطرق الباب دائما قبل أن تفتحه حتى تنتبه ندى ..
ركضت بسرعة نحو والدتها وبدأت تهتف بذعر تداخلت كلماتها فلم تفهم والدتها شيئا مما قالته وظلت السيدة نهى تحدّق بآدم وهي تفهم شيئا واحدا فقط ...
أن الجميع الآن ...
في خطر ..
رفعت سمّاعة الهاتف واتصلت بالإسعاف ... طلبت من ندى أن تحزم أمتعتها المهمة وتتجهز للخروج ...
لم تعارض ندى والدتها ولم تضيع الوقت ..
في خلال دقائق كانت عربة الإسعاف وسيارة الضابط وائل أمام باب منزل السيدة نهى، شعرت ندى بالأمان وهي ترى سيارات الشرطة تطوّق المنزل ..
حمل المسعفون آدم، بينما سأل وائل السيدة نهى عن ما جرى ..
لم تكن السيدة نهى تعرف ماذا جرى تحديدا ولذلك فقد انتظر وائل نزول ندى .. التي كانت تحمل حقيبة سفر صغيره، توجه الجميع إلى المستشفى في سيارة وائل ..
في أثناء توجههم للمشفى قامت ندى بإخبارهم بما حصل وبما أخبرها به آدم قبل أن يغمي عليه ..
في ذلك الوقت انتبه وائل إلى شيء غفل عنه طوال الأسابيع الماضية فيما يتعلّق بقصة آدم .. شيء لم يفكر فيه أبدا ...
---------------------------------------------
كان مخبأ الشاب المجهول عبارة عن غرفة واحده كبيرة جدا مظلمة تقع تحت الأرض، هناك نوافذ مرتفعه ملتصقة بالسقف ومن الجهة الجنوبية يمكنك رؤية الشارع حيث عجلات السيارات التي تقطع حبال الضوء كلما مرّت إحداها ..
تضم تلك الغرفة باب واحد مؤدي إلى دورة المياه، عدا ذلك فكل الأثاث عبارة عن سرير وأريكة كبيرة وعدة كراسي خشبية في جانب بعيد من الغرفة،، هناك طاولة كبيرة مليئة بالكتب والمجلات ومعدات غريبة ومسامير وأغراض أخرى تكومت فوقها الأتربة بشكل مفزع ..
أما في الجانب الآخر فكانت توجد ثلاجة وطاولة مستطيلة رفيعة مليئة بمواد كيميائية وموقد صغير .. كان المكان أشبه بمخبأ مخترع مجنون ..
في وقت متأخر من الليل كانت هناك مصابيح صغيره تضيء المكان بينما كانت شروق نائمة على الأريكة تأمل المجهول وجهها للحظات وتمتم :
تشبهين أمك عندما تكونين هادئة!
عاد الشاب إلى قراءة مجلة كانت في يده ولكن فجأة علا رنين هاتفه المحمول فزفر بضيق، وقف وألقى المجلة على السرير وأمسك هاتفه وأجاب بدون أن ينظر إلى هوية المتصل .. فلا أحد يكلمه عادة سوى شخص واحد أو إن كان أحدهم قد اتصل بالخطأ ..
أجاب ببرود كعادته :
ماذا!؟
فتحت شروق عينيها ببطء ونظرت إليه، أيقظها رنين الهاتف المتصاعد كان الشاب المجهول صامتا ويستمع إلى المتحدث وعلامات الهدوء على وجهه ..
تكلم أخيرا :
لا يمكنني القيام بذلك! لن أفعل ذلك من أجلك .. حتى ولو كنت والدي ..
ألقى هاتفه المحمول بإهمال فوق السرير أيضا ويبدو أنه لم ينتبه لاستيقاظ شروق، فتوجه إلى الطاولة المليئة بالكتب والأغراض ثم بدأ بالبحث عن شيء ما ..
كان هناك صوت يخرج من الهاتف،، يبدو أنه ترك المكالمة ولم يغلق هاتفه .. مدّت شروق ذراعها والتقطت هاتفه المحمول بدون أن يشعر الشاب بذلك ، وضعته على أذنها فسمعت رجلا يصرخ :
تبا لك! أنت تتجاهلني دائما وهذا ليس في صالحك لا تنس أنني أعرف أين تختبئ مثل الجرذ الذي يكره النور .. أين ذهبت .. مـ ...
قبل أن تسمع ما كان سيقوله الرجل ضرب الشاب الهاتف فسقط من يدها على الأرض .. فزعت شروق ونظرت إليه بخوف ..
كانت على وجهه نظرة هادئة ولكنها صارمة .. وهمس بهدوء وهو ينحني ويلتقط هاتفه من على الأرض:
ماذا كان يقول ذلك العجوز الخرف ..؟
كان قلب شروق ما يزال مذعورا وتمتمت بارتباك :
لـ .. لم أسمع شيئا .. بالأحرى لم أفهم شيئا ..
التفت الشاب ونظر إليها وفي عينيه بريق غريب .. تكلم بلهجة مخيفه:
إيّـاك أن تكوني سمعتِ شيئا لا أرغب في أن تعرفينه .. قولي ما سمعته بسرعة ..
شعرت شروق بالخوف فدمعت عيناها وقالت:
أريد أخي آدم .. لا أريد البقاء هنا ..
جن جنون الشاب فصرخ وهو يرمي بالهاتف فيتحطم في الجدار :
تكلمي!
أخفت شروق رأسها بين ذراعيها مذعورة وبدأت في البكاء، كان جسدها يرتجف من الخوف وصاحت:
لم يقل شيئا كان يقول فقط أنه يعرف أين تختبئ وليس من صالحك أن تتجاهله .. هذا ما فهمته ..
هتف الشاب بعصبيه:
ماذا؟؟
بدا وكأنه يفكر في شيء ما ثم أمسك شروق من ذراعها بقسوة ودفعها وهو ما يزال يصيح بعصبيه :
أخرجي بسرعة علينا الانصراف من هنا ...
ظلت شروق تبكي وركضت أمامه وهي تصرخ :
أنت مجنون! دعني وشأني ..!!
ركض الاثنان في الممرات المظلمة حتى خرجا إلى الشارع المهجور، ثم ركضا حتى الشارع الرئيسي كان الوقت متأخر والهواء يهب باردا وخلع الشاب معطفه ووضعه على كتف شروق ثم قال:
هناك سيارة على بعد كيلو متر واحد .. أنا أوقفها بعيدا حتى لا يعرف هارون مكاني، ولكن يبدو أن ذلك الرجل لن يدعني حتى أشنق نفسي ..
كان الاستياء واضحا على وجهه فهمست شروق وهي تجفف دموعها:
إلى أين ستأخذني؟
هل ستركضين أم أحملك؟
تحولت ملامح شروق إلى العصبية وصرخت:
بالطبع سأركض!
إذن هيّا ولا أريد المزيد من الأسئلة ..
------------------------------------------------
" عزيزي أيمن،
بصفتك صديقي الوحيد الذي أثق به أكثر من أي شخص آخر فسوف أخبرك بسر صغير عن هذه البلورة التي كانت في صدري ...
قبل أي شيء سأطلب أن تتخلص منها حالما تصل إلى يدك أو انك ستبقيها بحوزتك إذا لم تسبب لك المشاكل، لا تسلمها إلى احد لأنها تسيطر على عقول الآخرين .. إنها مجرّد بلوره مسحورة لا أظن أنها تحقق الأمنيات إذا كانت في صدرك ..
كانت هذه خدعة خدع بها الجميع وكنت أنا كبش الفداء، لقد ظنوا أن باستطاعتهم السيطرة على طفل صغير لتحقيق مطامعهم ..
لكنني لم أكن عونا لهم ... لقد اختاروا الشخص الخطأ ..
عزيزي أيمن ..
أنا لم أعط تلك البلورة لأختي حتى لا أجعل حياتها تعيسة فقد قاست كفاية بسببي، أرجوك يا أيمن .. التخلص منها صعب .. ستجد انك بحاجة لأن تبقيها معك ..
أرجوك ..
حاول أن تتخلص منها، أنا اترك لك القرار إذا كنت تود الاحتفاظ بها فهذا لك لكن اكتشف أجمل ما فيها.... صديقك .. آدم. "
تساءل هشام:
ما رأيك!
هذا جنوني .. لا يعقل أن تلك البلورة تحقق الأمنـ ..
صمت هاني فجأة وهو يحدّق بالرسالة فقال هشام باستغراب:
ما بك! لماذا صمتت هكذا؟؟
لا أدري لم قرر ذلك الشاب آدم إعطائها لأيمن ولم يتخلص منها بنفسه!
ربما لم يستطع أن يتخلص منها ولاسيما أنه أخرجها من صدره بنفسه .. ولكن ..
نظر هاني إلى وجه هشام الذي بدا وكأنه يتذكر شيئا فقال هاني:
ولكن .. ماذا؟
لكن السيدة منى شقيقته أخبرتني انه كان بجانب البحيرة، معنى ذلك أنه كان بإمكانه إلقائها في الماء ولن يعثر عليها أي مخلوق على وجه ذلك الكوكب!
هذا صحيح! بدا من خلال كتابته للرسالة انه متردد جدا في التخلص منها! ربما لتلك البلورة فوائد أخرى لم يذكرها آدم .. ربما أراد لأيمن أن يكتشف شيئا ما ..
ربما ..
تمتم هاني وهو يضع الرسالة القديمة على الطاولة:
لقد قرأت عنها من قبل .. لكن أين ..!!؟؟
ضرب هاني رأسه محاولا التذكر بينما ظل هشام يقفز في مكانه متشوقا وهو يقول:
ماذا؟ ماذا قرأت عنها؟؟
صاح هاني:
أجل .. جريدة قديمه .. كانت في الأرشيف، عندا بدأت البحث عن قصة آدم .. قرأت عنوان مقال عن بلوره قديمه ولكنني لم اعره اهتماما ..
قال هشام بسرعة:
أين هي؟ أين؟
لقد أعطيتها لريم مع بقية الأوراق لتعيدها إلى الأرشيف!
حسنا اتصل بها نريدها أن تفتح الأرشيف ..
هتف هاني بعصبية:
هل جننت إنها الرابعة صباحا!
إنها حالة طارئة!
مستحيل! لن يضيرنا انتظار بعض الساعات .. أذهب في السابعة دائما فأجدها هناك!
صمت هشام بامتعاض بينما شرد هاني للحظه فهمس هشام بمكر:
أنت تشرد دائما عندما تتذكر ريم .. لكنني أنصحك بأن تنساها تماما فأنت مرتبط الآن ..
بدا الضيق على وجه هاني الذي ظل صامتا .. وأردف هشام بعد فترة صمت قصيرة:
كما أنك تعرف جيدا أن ريم لا تبادلك تلك المشاعر .. هي لا تحبك أو بالأحرى لا نعلم ما إذا كانت تحبك حقا فأنت لم تسألها يوما .. في جميع الأحوال عليك تقبل الوضع الراهن ..
همس هاني:
إنها أروع فتاة رأيتها في حياتي وتعاملت معها .. لقد أحببتها منذ كنّا معا في الجامعة ..
علّق هشام قائلا:
أجل انت هكذا دائما .. كنت اسميك بالصامت! .. لماذا لم تفاتح والدتك بالأمر؟ قبل أن تشعر بأنك أصبحت مسنا ولم تتخذ قرارك بعد!
أنا لست مسنّا!
أجل أنت تحب ريم منذ سبعة أعوام كاملة وهي لم تشعر بذلك يوما .. لم يشعر احدنا بذلك .. لقد كنت صامتا طوال الوقت .. حتى إنني شككت في نجاحك بمهنة الصحافة تلك ..
قال هاني وصوته يكتم ألما كبيرا :
كل ما فعلته كان لا يوضح حبي .. يوما ما أخبرت أمي أنني لا أرغب بخطبة ابنة خالتي ولكنّها أصرّت على ذلك ..
أتعرف يا هاني .. لا ينقصك سوى شيء واحد .. أتعرف ما هو؟
ما هو؟
ردّة فعل قويه ..
ماذا تقصد ..؟؟
تذّكر هشام لثوان ثم قال:
أنت قوي جدا كما عرفناك دائما، ولكن تذكر .. كنا إذا تشاجرنا مع أحدهم في السابق أجدك تتنحى حتى أن خصمك يأخذ عنك فكرة عدم قدرتك عن الدفاع عن نفسك! تكون في العادة ردة فعلك مسالمة .. أو هادئة جدا بحيث لا نشعر بها ..
همس هاني :
أفهمك! تعني أنني لم اتخذ موقفا جادا بشأن ريم طوال تلك السنوات؟
أجل .. ولم تتخذ موقفا بشأن والدتك عندما فرضت عليك خطبة ابنة خالتك .. لا تنقم عليها فهي تحاول أن تختار لك فتاة مناسبة .. لقد تجاوزت السابعة والعشرين من عمرك ولم تقم بخطوه جادة حيال ذلك!
لم يعرف هاني ماذا يقول .. كان سينطق بشيء ولكنه توقف فقال هشام :
أرجوك ماذا كنت ستقول!؟
نظر هاني نحو صديقه وتنهد بحرارة قبل أن يقول:
أخشى دائما من الفشل .. ولذلك فلا أقدم على شيء بسهوله .. دائما هناك شيء في داخلي يمنعني ..
أرجوك جميعنا يحاول .. ربما ينجح وربما لا .. انظر إلى وائل، إنه أفضلنا، ومع انه مجازف كبير إلا أنه الآن سعيد لديه زوجه وطفلين جميلين ووظيفة ناجحة .. لقد كان دائما مثلنا الأعلى ..
تابع هاني كلام هشام :
إن قراراته حكيمة جدا .. لا أعرف ما إذا كنا مثله!
أجاب هشام بصراحة:
لسنا مثله! لقد اتخذت قرارا خاطئا بشأن الاحتفاظ بالعلبة التي تحوي البلورة .. لو كان وائل مكاني لما فكّر في ذلك .. لا أدري لماذا أشعر بأنني سأدفع ثمن ذلك غاليا!
السياج الأخضر
كان وضع آدم حرج جدا،، أخبرهم الأطباء بأن أمله في النجاة ضعيف ..
لقد أصيبت رئتاه وكبده بأضرار بالغه جراء تعذيب مبرح، كما أن لديه كسورا في ذراعيه وضلوع قفصه الصدري ..
كان ذلك اكبر عذاب تعذبته منى .. والدة آدم ..
لم تصدق ما يحدث مع طفلها بعد أن وجدته أخيرا، لقد ظهر فجأة في حياتها بعد أن أصبح رجلا ليختفي كما ظهر،، دموع حارة كانت تحرق قلبها وحزن لم تستطع صديقتها الطبيبة نهى التخفيف عنه ..
الضابط وائل لم ينم بعدها لحظة واحده .. اكتشف اكتشافه الخطير، ألا وهو مقتل عائلة آدم التي تبنته منذ كان طفلا!
هناك فتاة مفقودة، وهي شقيقة آدم بالتبني "شروق أيمن" ..
ماذا أيضا ..
هناك بلاغ عن اختطافها من المدرسة الثانوية الداخلية بواسطة شاب أدعى انه شقيقها، إنه آدم نفسه!
تساءل وائل كثيرا في نفسه :
ما معنى هذا؟! إذا كان آدم هنا فأين شروق إذا!
بأي حال لم يكن هناك أمل في استجواب آدم، لن يفيق قريبا، ربما لن يفيق مجددا ..
هارون ورجاله كانوا يريدون الشيء الذي كان في صدر آدم الكبير، هذا ما قالته منى .. وقد نبش القبر ولم يجد وائل شيئا وتم إطلاق سراح آدم ..
هل هذا معناه أن هارون وجد ما يبحث عنه؟ وشروق .. هل قتلت؟
كاد رأس وائل أن ينفجر ولذلك فقد اتصل بهشام المحقق الموهوب علّه يكتشف شيئا من تلك المستجدات ..
هل الوقت مناسب؟
لا بأس إنها السادسة صباحا بأي حال وهاهي خيوط الشمس الذهبية قد بدأت تتسلل من النوافذ!
أجاب هشام بصوت نشيط وقام بالترحيب ..
رد وائل على ترحيبه ومن ثم دخل في الموضوع بشكل مباشر :
هشام! أريدك هنا بأسرع وقت ممكن .. لدّي بعض المستجدات!
أ... أتقصد موضوع آدم؟
ليس هناك غيره! بأي حال أنا في المستشفى الآن سأتوجه إلى مكتبي في قسم الشرطة أرجوا أن تقابلني بأسرع وقت ممكن ..
حـ .. حسنا!
شعر وائل بارتباك وتوان غريب في صوت هشام فتساءل:
ما الأمر يا هشام هل هناك مشكله؟
لا لا أبدا! سأوافيك في الحال!
لم يشعر وائل بالاطمئنان ولأول مره شعر بأن هشام متردد في شيء ما .. لا يعرف ما إن كان إحساسه صحيحا ولكن هناك خطب ما بالتأكيد ..
تساءل وائل ..
" ربما يوّد هشام الانسحاب من القضية؟ ما الأمر؟ .. فجأة لم يعد يمتلك ذلك الحماس السابق"
---------------------------------------------
دلف هاني إلى المكتب مبكرا جدا على غير العادة، كانت ريم بمفردها هناك ..
تفاجأت من وجود هاني في ذلك الوقت ولكنها لم تتكلم وبادرها هاني بالقول:
مرحبا ريم ..
مرحبا هاني ..
نظر هاني إليها للحظات فتساءلت وهي تتصفح بعد الملفات الموجودة على مكتبها:
ما سرّ وجودك مبكرا هكذا؟ .. إنها السادسة صباحا ..
أعلم .. فأنا هنا من أجلك ..
التفتت ريم ونظرت إلى هاني باستغراب يشوبه التساؤل فتدارك هاني:
أظن أنني أريد بعض الملفات من الأرشيف .. فجئت مبكرا حتى لا أجدك مشغولة ..
تمتمت ريم بعد أن بدأت تفهم :
هكذا إذا .. حسنا ما هو طلبك؟
اقترب هاني وقال بهدوء وهو ينظر إلى الملفات التي تتصفحها ريم:
أتذكرين الصحف القديمة والصور التي تتعلق بقصة آدم وائل والتي أخبرتك إنني لست بحاجة إليها؟
أجابت ريم:
أجل ..
حسنا .. أريـ ..
توقف هاني عن الكلام بصوره فجائية وهو ينظر إلى يد ريم اليمنى ليرى فيها خاتم الخطوبة ..
التفتت ريم ونظرت إلى هاني وتساءلت :
ما بك؟ لماذا صمتت فجأة هكذا ..؟!
نظر هاني إلى وجه ريم وقال بذعر:
لم أعلم أنك خطبت ..!!
ابتسمت ريم وقالت :
لا أحد يعلم بذلك،، لم يحضر إلا أفراد عائلتي فقط .. في الحقيقة لم تكن حفلة كبيره .. ولكنني سأدعوك إلى حفل زفافي بالتأكيد ..
احتبست الكلمات في حلق هاني الذي لم يملك سوى التحديق بوجه ريم .. شعرت ريم بأنه تأثر كثيرا وابتعدت من أمامه بسرعة وحاولت المحافظة على نبرة صوتها المعتادة وهي تقول:
لم تخبرني عن الأشياء التي أردتها من الأرشيف ..؟
همس هاني يحدث نفسه :
لماذا!
نظرت ريم نحوه باستغراب، كان ما يزال مشدوها .. وتساءلت ريم:
هل قلت شيئا؟
التفت هاني ونظر لها بعينين دامعتين ولكنه حاول تمالك نفسه وقال :
هل سعيد الحظ شخصا نعرفه؟
لا .. إنه صديق والدي ..
صديق والدك؟
أجل .. إنه رجل أعمال معروف ..
ولماذا لم تقوما بعمل حفل خطوبة كبير ..؟
نظرت ريم إلى هاني نظرة حزن دفينة وهمست :
رفضت ذلك .. فأنا لست مرتاحة إلى خطيبي بعد .. لم أكن أرغب بالزواج من رجل بعمر والدي ..
صرخ هاني بغضب وهو يقترب من خلف ريم :
إنه كبير السن!
أعلم! لكنه أعزب فهو لم يتزوج قبلي ..
لكنه أكبر منك بكثير لماذا وافقت إذا؟؟ لماذا؟!
عادت ريم ونظرت بعينين دامعتين إلى هاني ثم تابعت بنفس همسها السابق:
هناك شخص ما، انتظرته طويلا .. لكنه تخلّى عني في النهاية ولذلك وافقت الآن .. لأنني رفضت الكثيرين في السابق .. كنت أظن أنه يحبني لكن يبدو أن إحساسي كان خاطئا تلك المرة .. كان يجب أن أوافق قبل أن يفوتني قطار الزواج ..
اتسعت عينا هاني مصعوقا من كلامها ومسحت ريم دمعة كادت تنزل من عينيها ثم قالت وهي تتجه إلى الدرج المؤدي إلى الأرشيف :
أرجوك ابقي هذا الأمر سرا بيننا، فذلك الشخص لم يشعر بوجودي إلى جانبه طوال تلك السنوات ..
نزلت ريم درجات السلم بينما سمع هاني المسلوب القلب صوتها وهي تهتف:
هيه هاني .. هل تريد الملفات أم الصور فقط؟
دمعات حارة انحدرت من عيني هاني الذي تمتم محدثا نفسه:
هل ستظل صامتا كما كنت طوال حياتك ..!
حاول أن يهدأ لأنه يدرك جيدا أنه لم تعد هناك فائدة ترجى من الكلام، فهو قد خطب ابنة خالته، وحبيبته ستتزوج قريبا من رجل أعمال ثري ..
لم تمض دقائق أخرى حتى شاهد ريم تصعد الدرج وهي تحمل الصحف والصور المتعلقة بالقضية وقالت مبتسمة :
لم تجبني فأحضرت كل ما يتعلق بالقضية،، خذ منها ما تشاء وسأعيد الباقي إلى مكانه!
لاحظت ريم شرود هاني وعينيه الدامعتين واقترب من الملفات بتثاقل وأخذ الصحف القديمة ثم تمتم بتعب:
سأحتاج إلى هذه فقط .. شكرا يا ريم ..
لا شكر على واجب ..
أنا آسف فقد أتعبتك معـ ..
لا تقل هذا أرجوك!
صمت هاني وسار بهدوء حتى خرج من المكتب، لم يقل شيئا أبدا، وتابعته ريم بعينيها وهي لا تصدّق ما تفكر فيه ...
" هل حقا يشعر بالضيق من أجلي .. أم .. أنني واهمة .. يبدو أنني سأظل أفكر في حبه لي وهو لا يهتم لأمري أبدا .. دائما يحاول قلبي خداع عقلي بطريقة ما"
------------------------------------------