الفصل الرابع
نظرت شروق إلى سيارة الشاب المجهول بدهشة للحظات قبل أن تركب ..
وعندما استقرت في جلوسها تساءلت باستغراب:
أهذه سيارتك؟
أجل!
أجاب الشاب المجهول وهو يخرج مفاتيحه وبدأ بتشغيل السيارة فهمست شروق بخوف تتساءل مجددا:
لـ .. لكنها .. سيارة شرطه ..
أعلم هذا!
إلى أين ستأخذني؟
إلى قسم الشرطة .. يجب أن أسلمك هناك!
ألديك شخص يعمل هناك!
صرخ الشاب بتذمر:
توقفي عن طرح الأسئلة السخيفة!
صمتت شروق بخوف وبدأ جهاز استقبال سيارة الشرطة في العمل وهي تسمع الحوار بين عربات الشرطة القريبة ..
أغلق المجهول جهاز الاستقبال وقام بقيادة السيارة وابتعد عن المكان بسرعة متوسطه .. كان يتوجه إلى المدينة وبعد فترة صمت طويلة قالت شروق:
من المستحيل أن تكون شرطيا ..!
ألقى الشاب المجهول عليها نظرة خاطفة ثم قال وقد عاد إلى هدوءه السابق:
ليس هذا مستحيلا جدا ..
توقف الشاب فجأة بجانب دورية شرطه أخرى واقترب منها ثم نظر من النافذة وبدأ يتكلم ويضحك مع رجلي شرطه آخرين ..
كانت شروق مذهولة، هل يعقل أن يكون الشاب المجهول شرطيا؟!
خرج برفقة الشاب المجهول أحد الشرطيين واقترب من نافذة شروق باسما ثم قال:
مرحبا يا صغيرتي ... هيّا ستأتين الآن برفقتنا لا تخشي شيئا ..
فتح الشاب المجهول الباب لشروق، نظر إليها مبتسما ثم همس قائلا:
سيأخذك الآن الضابط أمين إلى قسم الشرطة .. ستكونين هناك بأمان أكبر .. لن تحكي أي شيء عما حصل معك .. لا تتفوهي عني بكلمه، حتى لا تعرضي نفسك للخطر ..
لم تتفوه شروق بكلمه وسارت خلف الضابط أمين، ولكنها توقفت للحظه وتابعت الشاب المجهول بعينيها وهو ينصرف بسيارته ..
ثم تساءلت بتردد:
سيدي .. أهو شرطي؟
ابتسم الضابط وقال:
أتقصدين سامي؟ أجل .. إنه كذلك .. إنه من أمهر ضباطنا لا أريدك أن تشعري بالقلق ..
سامي؟
أهذا اسمه إذا .. كيف يكون ضابط شرطه ماهر ويعيش في ذلك المكان تحت الأرض ..
ياله من شاب غريب ومثير للفضول ..
دارت تساؤلات في ذهن شروق بينما تستقل السيارة المتوجهة إلى قسم الشرطة ..
كيف يكون ضابطا ماهرا ولم يستطع مساعدة آدم أو إنقاذه من الأشرار اللذين قتلوا عائلتها؟!
كيف لم يقبض عليهم؟
أهو جاسوس يا ترى؟ أم هو شخص شرير؟
لو كان شخصا شريرا فلماذا ساعدها إذا؟
كاد رأسها أن ينفجر ولكنها حاولت التوقف عن التفكير في ذلك الشاب اللغز ..
بعد أن وصلت إلى مركز الشرطة لم يسألها أحدهم عن أي شيء ..
لقد تم اقتيادها مباشرة إلى مكتب الضابط وائل، حيث كان هاني هناك وكانا متحمسين جدا بعد أن وجدا شروق ..
بعد أن استقرت شروق في جلستها أمام مكتب الضابط وائل قال هاني الذي جلس أمامها مباشرة:
هل أنت شروق أيمن؟
أجـل ..
تمتم وائل :
أنا آسف لما جرى لعائلتك .. أعلم أن الأمر صعب جدا .. وأرجوا أن تحاولي مساعدتنا حتى يمكننا القبض على قاتليهم ..
سأفعل ما بوسعي يا سيدي ..
سيقوم المفتش هاني بطرح بعض الأسئلة عليك ..
حسنا ..
وقف وائل وانصرف خارجا، بينما تساءل المفتش هاني :
في البداية أريد أن أسألك عن اللحظة التي جاء فيها شقيقك آدم لأخذك من المدرسة .. أريدك أن تحكي لي بالتفصيل ما الذي جرى؟
بدأت شروق تحكي ما جرى معها بهدوء ..
ولكنها عندما وصلت إلى الجزء الخاص بالشاب المجهول ..
تلكأت ..
لم تعرف ماذا ستقول عنه .. هل تخبرهم بالحقيقة؟
السياج الأخضر
نظر أسامة إلى الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه وقال بتذمر :
ما هذا .. أخرجوني من هذه العلبة!
كف عن الصياح يا ولد!
أمي .. أرجوك .. يمكنني السير ..
أسامه!
زفر أسامه وقال :
أنت أم متسلطة اعترفي .. لا تتركين لي الفرصة لأتكلـ ..
أصمت أيها العاق! انتظرني هنا .. سأعود بعد لحظات ..
انصرفت والدة أسامة بينما اقتربت السيدة منى من بعيد وهي تراقب أسامة وعلى وجهها ابتسامة هادئة ..
اقتربت أكثر وكان أسامة ينظر من النافذة ويحدث نفسه بضيق وهمست :
مرحبا أسامة .. كيف حالك الآن؟
نظر أسامة بسرعة نحو مصدر الصوت الذي يعرفه جيدا .. وعندما شاهدها اقترب بالكرسي المتحرك وقال:
مرحبا سيدتي ... أنا بخير .. لكن .. آدم ..
حاولت السيدة منى منع دمعة في عينيها من النزول وبدا ذلك واضحا فتابع أسامة بخفوت :
أين هو ؟؟ هل هو بخير؟
مسحت السيدة منى دمعتها بسرعة وقالت بهدوئها السابق:
أعتقد أنه يحتاج إليك الآن أكثر من أي وقت مضى ...
حدق أسامة بوجه والدة آدم وهو لا يفهم شيئا وتابعت وهي تبكي :
إنه .. إنه مريض جدا .. وأمله ضعيف في النجاة ..
صرخ أسامة وهو يقوم واقفا من الكرسي المتحرك:
أين هو؟
انتـظر .. إنـك مـ ..
تركها أسامة واندفع راكضا وهو يعرج برجل واحده ولحقت به منى بسرعة ..
عادت والدة أسامة بعد ثوان فوجدت الكرسي فارغا ..
ظلت تنظر بذهول للحظة ... ثم تحولت ملامحها إلى ملامح غاضبة وانصرفت تبحث عنه وهي تتوعد !!
------------------------------------------------------------
بني ما بك؟ لا تبدو بخير ..
أمي .. لا شيء ..
كان هاني حزينا جدا .. عاد للمنزل مبكرا وأغلق غرفته على نفسه ..
سألته والدته ولكنه لم يقل شيئا .. لكنها عرفت تماما أنه ليس بخير، لكنها تركته وحيدا لبعض الوقت ..
شعر هاني بالذنب من أجل ريم .. لقد كانت تحبه .. لقد ضحت بسنين طويلة من شبابها في انتظاره، ومع ذلك فقد خذلها .. وبشده ..
نظر إلى الصحف القديمة بجانبه ..
كان هناك مقال عن هارون،، كان في ذلك الوقت قد سطا على القرية الجنوبية وهو يبحث عن فتى في العشرين من عمره ..
أهذا هو هارون إذا؟؟
حاول هاني أن يخرج من الاكتئاب المحيط به وأن يبحث عن المقال الذي وعد هشام بالبحث عنه ..
...
مرت دقائق بسيطة حتى عثر عليه .. كانت صحيفة قديمة جدا ومهترئة وقرأ هاني المقال بهدوء وسرعان ما أثاره ما قد قرأه بشدة ..
لدرجة أنه وقف من مكانه وقرر الذهاب ليرى هشام بسرعة .. وبأسرع وقت ممكن ..
------------------------------------------------------
عادت ريم إلى منزلها بعد انتهاء دوامها اليومي ...
كان هناك شخص بانتظارها على درجات السلم المؤدي إلى منزلهم ..
لم يكن الوقت متأخرا ولكن الشمس كانت على وشك الغروب، وانتشلها ذلك الشخص من أفكارها وحدقت بوجهه الذي لا تستطيع رؤيته جيدا ..
كان يقف في وسط الدرج وهو ينظر إليها ويضع يديه في جيبه ..
هل يقصدها؟
همست بتهذيب :
من فضلك .. إنه الطريق المؤدي إلى منزلي ...
همس الشاب بهدوء :
أعلم ... وأنا هنا لأجل إخبارك بشيء واحد ..
شعرت ريم بخوف شديد جعلها تنزل درجه من درجات السلم بهدوء .. وتابع الشاب :
سترتكبين أكبر خطأ في حياتك إن تزوجت هارون .. إنه شخص شرير لقد تزوج عشرون امرأة قبلك .. وذبحهن بيده ..
صرخت ريم بذهول :
من أنت؟ وماذا تريد مني؟
اقترب الشاب نازلا درجات السلم وبدأت ريم تنزل بسرعة قبل أن يلحق بها ..
خرجت إلى الشارع وهي تنظر إليه بخوف ..
كان الشارع هادئا جدا .. ومظلما .. وتجمعت الدموع في عيني ريم المرتعبة بينما نظر لها الشاب لثوان ثم وضع يده في جيبه وانصرف من حارة جانبيه ..
التقطت ريم أنفاسها وصعدت تركض إلى منزلها وهي لا تصدق الكلام الذي تسمعه أذناها ...
من ذلك الشاب؟
ولماذا أخبرها عن رجل الأعمال المشهور ماذا سيستفيد سوى تدميره؟
تساءلت في قلبها أهذا الكلام صحيح؟ هل حقا هارون رجل شرير وقتل عشرين امرأة قبلها؟ لكن كيف يحدث هذا ووالدها صديقه منذ فترة طويلة ...
هذا لا يمكن ... إنه مجرّد حاقد على هارون ..
-----------------------------------------------------
آدم ...
همست ندى برقة وهي تنظر إلى وجهه النائم الخالي من التعبير، كان مليئاً باللاصقات الطبية، وشعرت ندى بأسف شديد لحاله ومشاعر الحزن تعتريها لرؤيته على هذا النحو ولكنها لم تشأ الابتعاد عن سريره ..
دخل أسامه إلى الغرفة ومعه إحدى الممرضات تتبعه والدة آدم ..
ضجت الغرفة بصراخ أسامه وهو يحاول إيقاظ آدم – بطريقته - ويهزه بعنف بينما حاولت الممرضة تهدئته ..
وقفت ندى ونظرت بهدوء وتساؤل ثم قالت :
من أنت؟
تجمعت الدموع في عيني أسامه الذي استسلم وجلس على كرسي ندى بخيبة أمل ..
وأجابت والدة آدم بلطف :
إنه أسامة ... صديق آدم منذ الصغر ..
رفعت ندى حاجبيها مندهشة ثم قالت :
حقاً؟ وهل تعرف أي شيء عن ما يجري ..
أحمر وجه أسامة وقال بضيق :
أنا لا أفهم أي شيء مما يحصل ... كل ما اعرفه .. أنني السبب فيما جرى لآدم ..
لماذا؟
صمت أسامة لبرهة قبل أن يتابع :
لقد أعطيت أحدهم معلومات عن آدم بدون قصد .. أعتقد أن ذلك الشخص كان يعمل تحرياً لدى تلك العصابة ..
متحري؟ ولكن .. هل تعرفه؟
لا .. كل ما أعرفه أنه ضابط شرطه ..
اندهشت ندى وألجمها الذهول بينما تساءلت السيدة منى :
هل من المعقول أن هناك رجل شرطة .. يعمل مع العصابة؟!
لا اعلم .. ولكنني أشك في هذا الشاب .. كان غريب الأطوار وكان يسأل عن آدم كثيرا ..
نظر الجميع نحو آدم بإشفاق بينما دخل الضابط وائل ونظر إلى أسامة بهدوء ..
تعجب أسامة من تلك النظرات وقال :
سيدي هل يمكنني أن أخدمك بشيء؟
أخرج وائل صورة من ملف في يده وقال :
أهذا هو الضابط الذي تتحدث عنه؟
تناول أسامة الصورة بهدوء وتغيرت ملامحه فجأة عندما نظر إلى وجه الشاب ....
------------------------------------------------------------
تقصدين الضابط سامي؟
تلعثمت شروق وقالت:
أ .. أجل .. لقد وجـ .. وجدني .. وسلمني لدوريات الشرطة ..
متى وجدك؟
اليوم في الصـ .. الصباح ..
نظر هشام إلى وجه شروق المتوتر ويديها المتشابكتين إنها تخفي شيئا يتعلق بـ سامي .. أو المجهول .. هذا ما يدركه هشام تماما .. ولذلك تكلم بهدوء :
حسنا يا شروق أسمعي .. يجب أن تكوني مطمئنة تماما .. لن يستطيع أحد النيل منك لأنك الآن تحت حمايتنا .. حتى لو كان ضابطا .. الآن نحن نشك بأمور تتعلق بالضابط سامي .. ويجب أن تتعاوني معي .. لو كنت تخفين شيئا فعليك أن تخبريني به ..
توقفت شروق عن التنفس وهي لا تعرف كيف تجيب ..
صمتت لفترة طويلة فقالت شروق :
أنا .. خائفة .. على آدم ..
آدم؟ شقيقك؟ أليس كذلك؟
أجـ .. أجل .. إن العصابة تحتجزه ..
ابتسم هشام وقال بلطف :
شقيقك آدم في المستشفى وتحت حمايتنا .. الآن أريدك أن تتكلمي وسآخذ فورا إليه ..
ظهرت بشائر الفرح على وجه شروق وقالت بسرعة :
حسنا .. لكن هل ستقومون بأذيته؟ هـ .. هل ستقبضون عليه؟
تقصدين سامي؟
أ .. أجل؟
بالطبع لا .. إلا إذا قام بفعل سيء ..
بدأت شروق بسرد ما حصل معها للمفتش هشام .. كل ما شاهدته أو سمعته عندما كانت مع المجهول ..
كان هشام مندهشا بشدة من طريقة حياته .. وتلك القصص التي تروى عنه ..
كان يسميه بقية الضباط .. خفــّاش الليل ..
حيث كان يظهر في الظلام ويختفي في النور ...
تساءل هشام في قرارة نفسه عن سر هذا الشاب .. ولكن ذلك لن يكون معروفا .. إلا بعد استدعاءه .. ومواجهته وجها لوجه ..
السياج الأخضر
رن جرس هاتف هشام بينما كان يحقق مع شروق ..
نظر إلى رقم المتصل وعرف أنه هاني، كان هشام متشوقاً جدا لمعرفة سر البلورة تلك ..
نظر إلى شروق وقال على عجلة من أمره :
حسنا انتهى حديثنا بأي حال .. أريدك أن تتوجهي الآن إلى مكتب الضابط وائل .. سوف يتخذ إجراءات ذهابك إلى آدم .. لقد كان في المستشفى منذ وقت قصير ..
أشكرك جزيل الشكر ..
ابتسم هشام ملوحا بيده بينما خرجت شروق من المكتب ..
فتح هشام هاتفه الذي كان يرن بإلحاح وأجاب متلهفا :
مرحبا هاني !!
كان هاني يلهث وكأنما ركض للتو وقال بصوت مجهد :
أين أنت الآن؟ هل أنهيت أعمالك؟
أ .. أجل!
تعال إذا إلى مكتبي .. وأحضر معك البلورة ..
المكتب؟ أليس الوقت متأخرا؟ إنها الثامنة مسـ ..
أسرع أرجوك!
حسنا .. لن أتأخر ..
انتفض هشام يركض خارج مركز الشرطة وكان وائل يراقب من نافذة مكتبه ورأي هشام صدفة ينصرف على عجل .. شعر وائل بأن هناك شيئا مريبا في الأمر ...
في الحقيقة نادرا ما ينصرف هشام بتلك الطريقة، إنه يخفي عنه شيئاً .. لكن ما هو ذلك الشيء؟؟
لقد كان من المفترض أن يقابله هشام في تلك اللحظة ليخبره عن ما اكتشفه عن الضابط المجهول ..
طرق خفيف على باب مكتبه أخرجه من سيل أفكاره وتطلع ينظر إلى الباب عندما دلفت شروق بصحبة أحد العسكريين ..
أشار وائل لشروق لتجلس على الأريكة وتساءل :
هل انتهى المفتش هشام من استجوابك؟
أظن ذلك ..
تظنين ذلك؟ ..
أقصد أننا انتهينا .. لقد حكيت له كل شيء ..
تنهد وائل باستسلام وهو يحاول عدم التفكير في الأمر وقال لشروق :
هيا بنا إذا .. سآخذك إلى المستشفى .. والدة آدم هناك ..
شهقت شروق باندهاش وقالت :
والدة آدم؟ هل هي على قيد الحياة؟ مـ .. متى و ..
قاطع الضابط وائل دهشتها قائلا:
لا بأس أعلم أن هذا غريب .. لقد كانت مختبئة طوال تلك السنوات في مكان منعزل ولم تكن تعلم أن ابنها آدم على قيد الحياة ..
صمتت شروق وهي تحاول استيعاب الأمر وتبعت الضابط وائل ..
-------------------------------------------------------
وصل هاني إلى المكتب أولاً ..
لم يكن هناك أي عمل يستطيع القيام به قبل أن يأتي هشام .. لقد كان يشعر بالإثارة الشديدة والتساؤلات تملأ عقله ..
كان المقر فارغا إلا من بعض الصحفيين المثابرين، وراقب هاني المكان بصمت ثم عاد إلى مكتبه الخاص وهو يتساءل عن سر تأخر هشام ..
أما هشام فقد عاد إلى المنزل بسرعة وعندما دلف إلى باب منزله كان المكان أشبه بكابوس مرعب ..
الأثاث مبعثر في كل مكان الآنية والتحف الخزفية محطمه ..
كأن المنزل تعرض للسرقة، توقف قلب هشام عن النبض وصرخ بأعلى صوته يبحث عن زوجته :
نور! نووور!
كان يعلم يقينا أنه لن يجدها، أو إنه سيجدها مقتولة ..
ارتجفت ركبتاه محاولا الصمود حتى يجد نور ولكنه انهار وهو يتساءل إن كان هذا يتعلق بالبلورة؟ .. أم أن هذا مجرد لص حاول سرقة منزلهم ...؟!
تصبب العرق من جبين هشام ودمعت عيناه وهو يحاول إيجاد نور التي لا أثر لها ...
هل هي في الخارج...؟
إنها صحفية ولكنها لا تتأخر عادة فدائما ما يعود ويجدها قد صنعت العشاء لهما ورتبت المنزل ...
دخل إلى غرفة مكتبه ليجد أن كل شيء محطم ..
حتما أحدهم كان يبحث عن شيء ما .. شيء صغير ..
شخص يعرف تمام المعرفة أن البلورة مع هشام، لكن كيف .. لا يعقل أن يقوم هاني بخيانته!!
نظر إلى السجادة بجانب مكتبه وزحزحها قليلا بحذائه ..
لم تتعرض خزانته السرية للسرقة، فتحها بطريقة ما وأخرج البلورة بعناية من وسط الأشياء الأخرى التي كان هشام يخفيها في تلك الخزانة ..
التقط أنفاسه قليلا ، لم تعد البلورة ضائعة .. أين نور إذا؟؟
قبل أن يفكر في الإجابة عن هذا السؤال تلقى ضربة قوية على رأسه من شخص "مجهول" كان مختبئاً بانتظار عودته ...
وقع هشام مغشيا عليه ورأسه تنزف بينما حصل ذلك اللص الذكي على البلورة وانصرف بخفه من النافذة الخلفية للمنزل ......
-------------------------------------------------
دلفت شروق خلف الضابط وائل إلى غرفة آدم في المستشفى، حدق جميع الموجودين بشروق ...
كانت هناك والدة آدم ، وأسامة .. وندى ووالدتها الطبيبة نهى ..
نظرت شروق إلى وجوههم بتساؤل ولكنها توقفت عند وجه أسامه وتمتمت بعينين دامعتين:
أ.. أسامه؟
وقف أسامه وتمسك في السرير جيدا ... أخبره الضابط وائل أن عائلة آدم التي تبنته قد قتل جميع أفرادها .. لكنه يرى الآن شروق فجأة ..
لم يرها أسامة منذ فترة طويلة لقد أصبحت شابه ..
قال أسامة باسماً :
شروق! مرحبا أيتها المشاغبة!
ابتسمت شروق ووقفت بجانب أسامة وأمسكت بيد شقيقها آدم وهي تحاول منع دموعها من النزول، وقال الضابط وائل موضحاً الأمر :
تلك الفتاة شقيقة آدم بالتبني .. إنها شروق أيمن ..
ابتسمت والدة آدم وعانقت شروق بحنان وهي تقول :
مرحبا يا صغيرتي ... مرحبا .. أنا والدة آدم .. وأنا والدتك منذ الآن فصاعدا .. هل أنت موافقة؟
بدأت شروق بالبكاء وعانقت والدة آدم بقوة وهي تقول بصوت متأثر :
أ .. اجل موافقة ..
شعر أسامة بالإشفاق من أجلها وقامت ندى بالترحيب بشروق والطبية نهى أيضاً ..
كانت شروق تشعر بالوحدة ولكن ذلك الشعور تلاشى حالما التقت بهؤلاء الأشخاص .. كانوا أشخاصا رائعين من وجهة نظرها ..
أمسك أسامه بقميص آدم وصرخ وهو يهزه بعنف :
آدم .. استيقظ إنها شروق .. إنها بخير أيها النائم الكسووول استيقظ!
انقض الجميع على أسامة محاولاً تهدئته وإبعاده عن آدم ومسحت شروق دموعها وابتسمت وهي ترى أفعال أسامة العفوية ..
لم يتغير أبدا .. كان كذلك طوال حياته، لقد كانت تدس أنفها في كل شيء يفعله أسامه وآدم منذ كانت صغيرة ..
لطالما حسدتهما على تلك الصداقة القوية وتمنت أن يكون لها أصدقاء هكذا ..
بعد محاولات طويلة توقف أسامة عن رج آدم وعاد للجلوس ونظرت ندى إلى أسامه وشدت أذنه وهي تصيح موبخه:
ستقتله! لا يمكنك فعل ذلك مرة ثانية هل سمعت!
أصمتي أيتها الكيميائية الخرقاء ..
أنا خرقاء !! بالله عليك من الأخرق هنا ..؟
نظر أسامة فجأة إلى وجهها ثم بدأ في ضحكة شريرة وهو يقول :
ماذا .. أنت تجلسين هنا طوال اليوم وتدافعين عنه بتلك الطريقة ما معنى هذا ..؟
ذهلت ندى من كلمات أسامة وتلعثمت :
مـ .. ماذا تقصد؟
تابع أسامة الضحكة الشريرة وقال :
أنت تحبينه اعترفي! اعترفي ..
تلقى أسامة ضربة قوية على رأسه من ندى التي بدت شرسة وعنيفة للمرة الأولى في حياتها بينما حاولت والدتها أبعادها عن ساحة معركة أسامة ..
بعد وقت قصير انصرف الضابط وائل، وذهبت والدة ندى من أجل حالة طارئة ..
أمسكت ندى برأسها وبدت منزعجة ثم قالت :
متى سينتهي هذا الكابوس!
بدأت طاقات أسامة الإجرامية في الظهور وضحك ضحكة خبيثة وهو يقول:
هل مللت من الإقامة في المستشفى؟ ظننت أنك تحبين الطعام الصحي .. ألست كيميائية ..؟
كشرت ندى عن أنيابها وأشارت إلى أسامة هاتفة بغيظ :
أسمع لا أريد أن أسمع صوتك ، لقد بدأ الكابوس الحقيقي عندما دخلت برجلك المكسور هذا إلى تلك الغرفة !!
ضحكت شروق بشدة وهي تراقب المعارك الساخنة بينما قالت والدة آدم باسمة :
ما رأيكما أن نعقد اتفاقية صلح؟ وإذا وعدتماني بذلك فسوف أذهب الآن وأحضر لكم عشاءا شهيا!
قال أسامة بدون تفكير :
أنا موافق بالتأكيد ...
اعترضت ندى قائلة :
لا تقولي لي أنني سأتناول العشاء أمام ذلك الشاب الأخرق!
قال أسامة وهو يضرب جبهته ضاحكا :
لن أحسدك لا تخافي .. أعلم أنك تأكلين وجبتين كل مره أيتها الرشيقة ..
ماذا!!!
قالت والدة آدم بسرعة قبل أن يبدأ شجار جديد :
أسمعا .. ماذا تحبون أن أحضر لكم .. ؟
بدأت والدة آدم بأخذ مواصفات العشاء من أسامة والفتاتين وانصرفت بسرعة ...
مرت لحظة صمت بطيئة ..
نظرت ندى إلى وجه آدم وقالت :
لا يجوز أبدا أن نتكلم بجواره .. نحن نزعجه بصراخنا المستمر!
قال أسامة مقاطعا:
يجب أن يشعر بوجودنا إلى جانبه، أعلم أنه يسمعنا ... الآن لا نريد قوانين كيميائية بذلك الخصوص !
صمتت ندى على مضض ووقفت شروق وجلست إلى جانب آدم ..
نظرت إلى وجهه بهدوء وكان آدم في تلك اللحظة يحاول أن يفتح عينيه ..
صرخت شروق :
آدم! إنه يستيقظ ..
نظرت ندى بترقب ووقف أسامة وانضم إلى الفتاتين وهو يراقب حركات جفونه ..
فتح آدم عينيه ببطء وكان مرهقا جدا .. تمتمت شروق بعينين دامعتين :
آدم .. هل أنت بخير يا أخي؟
لم يستطع آدم الكلام، كان عاجزا عن فعل أي شيء سوى النظر إليهم والتحديق بوجوههم ..
ابتسم أسامة وقال متباهيا :
آدم .. لقد استطعت إيقاظك بطريقة الرج والزلزلة ... هيا تكلم الآن وإلا مارست ذلك مجددا!
صرخت الفتاتان :
أرجوك! لا!
بينما ابتسم آدم بصعوبة وهمس :
أريد أن .. أجلس ..
ساعده أصدقاءه على الجلوس وخرجت ندى تبحث عن طبيب آدم ليتفحص حالته ..
-------------------------------------------------------
لماذا لا تجيب يا هشام!
قلق هاني من تأخر هشام الغريب، كان لا يجيب على هاتفه المحمول ...
لقد مرت ساعة كاملة ...
اتصل هاني بقسم الشرطة ..
سأل عن هشام ولكنه علم بانصرافه منذ ساعة تقريباً ..
لم يجد مفرا من الاتصال بنور زوجة هشام، فهي الوحيدة التي يمكنها أن تعلم أين هو ...
لكن هاتف نور كان مغلقا ..
بعد كل المحاولات اليائسة كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءا وملّ هاني من الانتظار ركب سيارته وانطلق متوجها إلى منزل هشام ، وعندما وصل، كان الباب مفتوحا ودخل هاني وهو ينظر مصعوقا مما يراه ..
أصيب بحالة ذعر وصرخ وهو يركض في أنحاء البيت :
هشام! هشااام هل انت هنا؟
وصل إلى مكتب هشام فوجد هشام ينزف على الأرض، كانت إصابة رأسه قوية وقد تهشم جزء من رأسه وملأت دماءه أرضية الغرفة ..
كان هاني يخاف من منظر الدماء بشدة ولكنه تماسك واتصل بوائل بسرعة ...
اقترب من هشام ونظر إلى وجهه .. كانت عيناه مفتوحتان وهمس هاني :
هشام! .. هل أنت بخير ..
كانت عينا هشام متحجرتان في مكانهما .. وشعر هاني بأن صديقه لا يتنفس ...
السياج الأخضر
ما هذا؟
ألا تعرف حقا ما هذا؟
لا ..
ألا تبدو لك كبلورة؟
نظر هارون إلى وجه سامي وقال وهو يمد يده :
دعني أتفحصها .. انت تكذب لا يمكنك إيجادها بتلك السهولة!
حقاً!
هتف هارون بعصبيه :
قلت لك دعني أتفحصها ..
نظر سامي ببرود إلى وجه هارون وقال :
حسنا لتطلق سراح أبي أولاً ..
ومن قال لك إنني أقيد حريته ..
لا .. أنت تعرف ما أعنيه ..
شعر هارون السريع الغضب بالضيق وقال:
لا ... لا أفهم ما تعنيه!
حدق سامي بالسقف قليلا ثم عاد بنظره إلى النافذة وهمس :
لقد قتلت شخصا من أجل أن أحصل عليها ... وهذا ليس جيدا بالنسبة لي ...
ولماذا قتلته؟
لقد رأى وجهي .. هذا ليس جيدا ..
ضحك هارون وقال :
تريدني أن أقتل والدك أليس كذلك ؟
أجل .. فأنا أكرهه بشده .. أكرهه حتى الموت ..
هل تكرهه أكثر مني؟
لم يتفاجأ سامي من السؤال وقال بنبرة صوته الهادئة :
على الأقل أنت لست والدي ..!
لكنك تعرف جيدا أن والدك طبيبي الخاص .. ولا يمكنني الاستغناء عنه ..
ضحك سامي ضحكة ساخرة قبل أن يقول:
هذا ليس من شأني .. لن أدعه يعيش ليضع تلك البلورة في صدر شخص آخر ..
أنت لم تكتشف ميزاتها بعد ...
عاد سامي للضحكات الساخرة ورمى بالبلورة أمام هارون وهو يقول :
خذها .. اكتشف كل مميزاتها وعيوبها، ستظلون حفنة من المسنين ولن تستعيدوا شبابكم أبداً .. لكن ستنفذ ما اتفقنا عليه .. وبالنسبة لك .. فأنا أرى أنك كبرت على الزواج ..
نظر هارون إلى سامي الذي وضع يده في جيبه وتوجه نحو باب المكتب وقبل أن يخرج التفت قائلا بنبرة تهديد :
إذا لم تنفذ الاتفاق فسوف ترى مني أشياء تدهشك .. وأعدك بأنني سوف أدخلك السجن تلك المرة ..
ضحك هارون وهو يقول :
ليس لديك ما يدينني .. افعل ما تريد .. ثم أنك مجرّد لص ..
جربني إذا ..
قالها سامي بثقة كبيره وخرج من الباب وتركه مفتوحاً ..
لم يظن هارون أن سامي سيشكل هذا التهديد عليه، لقد حاول عدة مرات التخلص منه منذ كان طفلا .. ولكن يبدو أن حظه كان أكبر من مكر هارون ...
رفع هارون سماعة الهاتف وهو يمسك بالبلورة بنشوة وتكلم قائلا :
أريد الطبيب هنا بأسرع ما يمكن ...
----------------------------------------------------------------
كان آدم يستمع إلى قصة شروق المثيرة وهي تحكي له عن المجهول ...
استمع أسامة مشدوها بينما كانت ندى تشعر باندهاش كبير .. وعلقت ندى قائلة :
هل تظنون أن ذلك الشاب طبيعي؟
همس آدم :
لا أعلم .. يبدو غريب الأطوار ...
قال أسامة معقبا على الحديث :
لقد سألني عنه الضابط وائل .. أخبرته أن ذلك هو الشاب الذي قابلته في الجامعة وكان يبحث عنك .. إنه هو ذلك الأشعث الغريب الأطوار ..
قالت شروق مبتسمة :
ليس أشعثا .. إنه وسيم جدا! ...
ظهر الضيق على وجه أسامة وقال بغضب :
لا تدعيني أدخلك إلى حلبة المصارعة خاصتي، إنه أشعث هل سمعتي ...
همست شروق وهي تغيظ أسامه أكثر :
أنت أشعث منه ..
صرخ أسامه :
ماذا .. أنا أشعث؟؟ أنا أوسم شباب القارة ...
ضحكت ندى وشروق وتبادلتا النظرات بينما أردف آدم :
بالتأكيد هذا ما أظنه أنا أيضا ...
ضحك أسامة بغرور حتى كاد أن يسقط من على الكرسي وضحكت شروق قائلة وهي تدفع الكرسي بقدمها فيسقط أسامة أرضا :
أيها الساذج المغرور السهل الإثارة!!
ضحك الجميع على أسامة وبدأت حلبة المصارعة الكلامية بين أسامة والفتاتين حتى دخلت والدة آدم وهي تقول :
أتمنى أن تتوقفوا عن المشاغبة الآن .. أرجوكم .. لقد قلبتم المستشفى رأسا على عقب!
ضحك آدم وقال:
لقد اجتمع كل المشاغبين في غرفة واحدة ... وندى .. لم أتوقع أنك مشاغبة هكذا!
ابتسمت ندى بخجل ..
نظرت شروق إلى وجه أسامة الذي كان يضحك على ندى بخبث وقالت :
أسامة هو السبب .. نحن لسنا مشاغبات الحق يعود على الأشعث !!
ماذا؟؟
صرخ أسامة بغيظ وضج الجميع بالضحك ...
------------------------------------------------------
نظر وائل بألم إلى سيارة الإسعاف التي انطلقت نحو المستشفى ..
كان المكان يضج بسيارات الشرطة الأخرى وتطلع إلى هاني الذي كان يحاول الجميع تهدئته ..
كان هاني يبكي كالأطفال الصغار ..
لم يستطع وائل مواساته كان عليه فقط أن يحبس دموعه ويحافظ على رباطة جأشه أمام ضباطه وعساكره الآخرين ..
ما الذي حدث يا ترى؟
من قتل هشام بتلك البساطة .. لقد شعر أن هناك سراً يخفيه هشام عنه ولقد كان حدسه صائبا ..
عاد وائل يتطلع بعينيه الدامعتين إلى هاني ..
هل يعرف أي شيء عن الأمر يا ترى؟
لم يستطع هاني العودة للمنزل ... فضّل البقاء في المكتب منطويا وحيدا حتى طلع النهار ...
كان غاضبا وحزينا ويشعر بالإعياء ...
لقد فقد أعز أصدقاءه فجأة، ولسبب ربما يكون يعرفه .....
لقد سرقت البلورة كان أحدهم يبحث عنها ..
عاد هاني للبكاء، لم يستطع إيقاف ذلك السيل الذي يخرج ما في قلبه من ألم ... لم يبك هكذا منذ توفي والده ..
ظل هكذا حتى نام على مكتبه ..
في تمام الساعة السادسة كانت ريم تدلف إلى المقر الصحفي، وشاهدت باب مكتب هاني مفتوحا ..
تساءلت هل يعقل أن يكون هنا مبكرا هكذا؟
بعد قليل من التردد توجهت نحو مكتبه وتطلعت إلى الداخل ..
كان هاني يضع رأسه على طاولة المكتب وقد غط في نوم عميق، على وجهه آثار حزن غريبة ... لم تشأ أن توقظه وهمت بالخروج ولكنها سمعت صوت هاني يتكلم ..
لم تميز ما كان يقوله .. ظل يتكلم للحظات ثم توقف، كان يبكي ....
التفتت ريم تنظر إليه مجددا، فوجدت دمعة قد سالت من عينه، لقد كان يهذي ... هل هو مريض؟
بتردد كبير اقتربت ريم وحركت هاني بلطف :
هاني .. استيقظ أرجوك هل أنت على ما يرام؟
فتح هاني عينيه والتفت ينظر خلفه بهدوء ... كانت عيناه حمراوين تملؤهما الدموع وهمس بحزن :
ريم .. لقد قتل صديقي .. ليلة الأمس ..
شهقت ريم باندهاش وعلا الأسى ملامحها وقالت مواسيه :
أ .. أنا آسفة جدا ..
تلعثم هاني وقال وهو يمسح دمعة على خده :
ريـم .. أنــا ..
كانت ريم تود أن تضمه إلى صدرها ويبكيا معاً .. همست ريم وعيناها تدمع :
ما الأمر يا هاني ..؟
ريم .. أنا .. أ .. أحبك ..
------------------------------------------------------------
تسمّرت ريم في مكانها وهي تسمع كلمات هاني الأخيرة ...
كانت تتساءل ما إذا كانت تحلم أم هو الواقع، ظلت مبهوتة صامتة تنظر إلى عينيه بذهول وارتباك ..
تلكأ هاني قبل أن يقول :
ريم .. أنا آسف لم أساطع كتمـ .. كتمان الأمر .. و .. ولا أريدك أن تتزوجي برجل الأعمال هذا ..
همست ريم :
حـ .. حقاً؟
وقف هاني يتطلع إلى ريم ولم يعرف ماذا يقول .. كان محتارا وحزينا ..
في ذلك الوقت دلف أحدهم إلى المقر وسمعا وقع الأقدام في الخارج ..
همست ريم :
من هناك؟
خرج هاني بسرعة وتبعته ريم، على باب الدخول كان يقف شاب هادئ، لم يكن مجرد شاب .. لقد كان ضابط شرطه ..
تكلم هاني بسرعة وهو يقترب :
مرحبا سيدي! هل يمكنني أن أقدم لك خدمه؟
ابتسم الشاب بهدوء وخلع قبعته ثم جلس على إحدى كراسي الانتظار وقال بصوت هادئ:
ألا تريد أن تعرف من قتل هشام؟
صعق هاني لما يسمعه من ضابط الشرطة وتساءل بسرعة :
من؟ هل تعرف ذلك حقاً؟ أم إن ذلك خبر مكذوب للصحيفة!؟؟
عاد الشاب يقول بنفس النبرة :
بلى أعرف وهذا ليس خبراً مكذوبا لأنك لن تنشره أبدا ..
مـ .. ماذا تقصد؟
حدق الشاب في وجه ريم للحظات وعاد يقول:
ستعثر على قاتل هشام، وسوف تنقذ حبيبتك من براثن هارون الشرير .. هذا ما عليك فعله ..
بدا هاني مصعوقاً ولم يفهم شيئاً ووقف الشاب مهماً بالانصراف فانقض هاني على ذراعه وأمسكه وهو يقول :
انتظر .. إلى أين؟؟ من الذي قتل هشام .. وماذا يريد هارون من ريم؟
تكلم الشاب وهو يرتدي قبعته ويخرج صورة من جيبه :
خذ، هذه الصورة مهمة جدا، هناك فتاة تدعى نـور محتجزة في سرداب تحت الأرض، أما بالنسبة لـ ريم .. فعليك أن تسألها ..
خرج الضابط الهادئ من المكتب بعد أن همس مجددا :
احذر .. التدخين مضّرُ جدا بالصحة .. بالتوفيق ..
حدق هاني بالصورة واقتربت ريم ونظرت، كانت صورة شاب غريب في استمارة تسجيل دخول السجن، همس هاني بهدوء:
ياللهول! لم أفهم شيئاً!! من ذلك الشبح الذي ظهر واختفى فجأة .. من هذا؟
كانت ريم تعاني من صعوبة في التنفس وقالت بخوف :
لقد التقيت به مره ولكنني لم أر وجهه بوضوح هكذا ..
أين؟
عند منزلنا .. أخبرني أن أفصل خطبتي من هارون وأخبرني بأنه شرير ..
تشنج هاني من الصدمة وصاح :
هل هارون هو خطيبك؟
أ .. أجل ..
كاد هاني أن يغمي عليه وهتف باحتجاج :
كيف، كيف توافقين ألا تعرفين ماضي ذلك الرجل الخبيث؟ .. لا أصدق أنك صحفيه .. ولا .. لا أصدق ذلك ..
تمتمت ريم وهي تبكي :
ماذا تقصد؟! هل هو شرير ..؟
ارتمى هاني على ركبتيه وسقطت الصورة من يده، كان يشعر بالدوار وهتفت ريم بذعر :
هاني هل أنت بخير؟
لا ...
جلست ريم بجانب هاني على الأرض وبدأت في البكاء، أما هاني فقد حاول التماسك ونظر إلى الصورة مجددا ثم قال بتعب :
يجب أن نتحرى عن الضابط، وعن ذلك الشخص في الصورة ... لقد ارتكبت خطأ شنيعا بإخفاء الأمر عن وائل .. لقد كلفنا ذلك روحا نحبها .. علي أن أشركه الآن بالأمر ..
التقط هاني أنفاسه ونظر إلى ريم بإشفاق ثم همس :
ريم .. توقفي عن البكاء .. أتوسل إليك .... ألن تساعديني ؟!
بـ .. بلى ..
ابتسم هاني بصعوبة وأمسك بيد ريم، ثم قال فجأة :
ريم .. ماذا يقصد ذلك الضابط بقوله أن التدخين مضر بالصحة؟ أنا لا أدخن؟؟
نظرت ريم إلى هاني والتساؤلات تملأ عينيها ثم همست :
لا .. لا أعرف!!
----------------------------------------------------------
ضحك هارون بشدة وكأنه سمع طرفة جميله، ثم شرب قليلاً من القهوة الموضوعة أمامه وقال بصوت أجش :
الآن، لديكم مهمات جديدة ... يجب أن أزيح بعض المزعجين من طريقي ...!
نظر الطبيب بخبث وقال :
أعرف أنك تود التخلص من سامي، لكن فكر أولاً .. أرجوك ..
لم أكن أظن أنك تحبه هكذا .. إنه مجرد متشرد أنقذناه من الشارع ..
صمت الطبيب وهو يعدل من وضعية نظاراته وعاد هارون ينظر إلى وجوه مساعديه من القتلة المأجورين ثم تابع حديثه :
وذلك الشاب المدعو "آدم" .. لقد شاهد الكثير وأريده أن يختفي الآن من على وجه الكرة الأرضية ..
أعجبت هارون كلماته الاخيره فضحك ضحكة مجلله وضحك الآخرين فعاد هارون يقول :
لا أريد لأحد أن يشهد عليّ في المحكمة ... يجب أن أخرج نزيهاً ونظيفاً كما يحصل في العادة ...
نظر إلى كوب القهوة بشرود ثم قال وفي عينيه نظرة شريرة :
أريد أن يختفي "آدم" و "سامي" كما أنهما لم يولدا من قبل ... لقد وصلنا إلى مرادنا جميعاً، وسوف تحصلون على مكافآت ممتازة ... لا أريد أي دليل يدينني أمام القضاء إن فكر ذلك الوغد وائل بإدانتي ..
سمع الجميع طرقاً سريعاً على باب المكتب، ودخل إحدى مساعدي هارون وهو يقول بهلع:
سيدي .. هناك شيء مريع!
صرخ هارون بسرعة
أنت ما الأمر؟!
سامي!!
ما به؟!
إنه ضابط شرطه!!
صرخ هارون وهو ينتفض من مكانه:
ماذا تقول هل جننت؟ إنه جاسوسنا .. إنه مجرد طفل مجهول متشرد!! لم يتلق تعليماً في حياته!!
سـ .. سيدي هذا ما اكتشفناه بعد أن طلبت منا تحري حركاته خطوة بخطوة ..!!
نظر هارون إلى الطبيب بحده وقال:
أرأيت؟ أهذا ما كنت تريدني أن أفكر بشأنه!! لقد خدعنا جميعاً ... إنه أذكى مما تصوت!
قال الطبيب ببرود :
لا تخش شيئا، دعه لــي .. إنه يظن أنني والده .. سوف أستدرجه وسوف أتخلص منه بطريقتي ..
ابتسم هارون والتقط أنفاسه بارتياح ثم قال بهدوء:
أريد لاسمي آدم وسامي أن يمحى من الوجود .. وقبل أن أنام في سريري! هيــا!
-----------------------------------------------------
صرخ وائـل بقسوة وهو يضرب بعض الملفات من على مكتبه بعصبية فتتناثر على الأرض :
هل جننت يا هاني .. هل جننت؟! كـ .. كيف استطعت أنت وهشام أن تخفيا عني شيئا كهذا!!
لم يقل هاني شيئا وأطرق بنظره إلى الأرض ... لم يكن يملك شيئا ليقوله، كان وائل محقا في غضبه ..
حاول وائل أن يهدأ وأصابه الصداع المفاجئ فارتمى على الكرسي وهو يمسك رأسه بإرهاق ..
تمتمت ريم:
لقد أخطأ هشام وهاني عندما اخفيا أمر البلورة .. لكن يمكننا الآن إنقاذ الموقف، مازالت نور محتجزة لديهم ..
رفع وائل رأسه وتساءل بهدوء:
من أعطاكم تلك الصورة؟؟
نظر هاني وقال :
يبدو كضابط شرطه ... و ..
أخرج وائل صورة لسامي من درج مكتبه وقال :
أهذا هو؟
نظر هاني وريم إلى الصورة وقالت ريم بدهشة :
أجل!
همس وائل كأنما يحدث نفسه:
مجددا!!
تساءل هاني بتلهف:
من هذا الشخص؟ أهو ضابط شرطة حقيقي؟
أجل .. للأسف، لكنه يختفي ويظهر، لقد أقيل من عمله ..
دهش هاني وعاد يسأل :
حسناً .. ماذا يريد؟
لقد احترت في أمره، لم أعد أعرف ما إذا كان يساعد هارون على تبرئة نفسه أم يساعدنا على القبض عليه ..
عاد هاني للتساؤلات:
أتعني أننا لن يمكننا إيجاده أبداً؟
لا يمكن مقابلة ذلك الشخص أبدا .. إنه عجيب .. الآن علينا أن نستغل الفرصة .. هناك شهود أخيرا لإدانة هارون ..
أتقصد آدم وأصدقائه ..
بالتأكيد ..
-----------------------------------------
تثاءب أسامه بملل وقال بصوت منخفض حتى لا يوقظ آدم :
هيه! لقد مللت من البقاء هنا، من تريد أن تأخذني إلى حديقة المشفى؟؟
همست ندى وهي تتابع مطالعة كتابها:
لن أكون أنا بالتأكيد .. فسوف نتشاجر ..!
ابتسمت شروق وقامت بدفع كرسي أسامه المتحرك وخرجت به من غرفة آدم وهي تقول:
حسنا سأفعل ذلك!
أشكرك!
بعد أن وصلا للحديقة ضحك أسامه وهتف :
شروق هيا، اركضي ..
ضحكت شروق ضحكة شريرة وشدت بيديها على مقبضي الكرسي ثم بدأت في الركض،، في البداية أعجب ذلك أسامة ولكن بعد ذلك بدأت شروق بالدوران وقذف الكرسي من فوق العتبات المرتفعة ..
صرخ أسامه :
شروق توقفي أرجوك! لقد كنت أمزح ..
شعرت شروق بنشوة عارمة وهي تعذب أسامه ومرت بجانب النافورة فامتلأت ملابسهما بالمياه ...
صرخ أسامه :
أيتها المشاغبة ..
وقفز من فوق الكرسي ثم وقف معتمدا على رجله الأخرى السليمة، ضحكت شروق وارتمت على الأرض العشبية وهي تلتقط أنفاسها وتابع أسامه زمجرته :
كدت تقتلينني !!
ظلت شروق تضحك أكثر وأكثر فضحك أسامه أيضا وقال:
أنت تستمتعين بالأعمال الشريرة!!
أجل ..
جلس أسامه على بعد متر واحد من شروق ومدد رجله المجبسة فقالت شروق :
سأذهب لأشتري بعض الحلوى من خارج المستشفى ..
ضحك أسامه وهو يقول بمكر :
أجل أحسنت تباً للطبيب هيا أسرعي أنا أنتظرك ..
وقفت شروق وركضت مبتعدة ..
******************
دخل طبيب وممرضتان إلى غرفة آدم أثناء وجود ندى ..
تركت ندى كتابها ونظرت باستغراب للطبيب عندما بدأ بفحص آدم، فهي تعلم جيداً أن هذا ليس طبيب آدم، كما أن شكله غريب جدا ..
قال الطبيب بلهجة آمره :
هيا أحضرا السرير المتحرك ..
أدخلت إحدى الممرضتان سريرا متحركا واقتربا من آدم ورفعاه عليه، فقالت ندى بارتباك:
أيها الطبيب من فضلك؟؟ إلى أين تأخذ آدم؟
نظر الطبيب بهدوء وشعرت ندى بخوف من نظرته وقال ببرود :
سننقله إلى غرفة أخرى في العناية المركزة لأن حالته الصحية سيئة ..
اعترضت ندى :
لكن هذا ليس صحيحا إنه بخير ..
سحبت الممرضتان السرير إلى الخارج وتجاهل الطبيب كلام ندى فخرجت ندى معترضة طريق السرير وقالت :
يجب أن أسأل طبيبه أولا!
بدا الضيق على وجه الطبيب وقال بسرعة :
تعالي إلى هنا يا آنسة سأشرح لكِ ..
أعاد الطبيب ندى إلى العيادة الفارغة وقام بمباغتتها وضربها بقبضة يده بقوة فسقطت ندى على الأرض مغشيا عليها وتدفقت بعض الدماء من جانب شفتيها ..
قالت إحدى الممرضات :
ماذا سنفعل بهذه الفتاة؟! لقد شاهدتنا!!
همس الطبيب بسرعة :
سيقتلنا هارون بسببها .. هيا احملاها بجانبكما واخفيا وجهها بالضمادات يجب أن نتخلص منها ولكن ليس هنا ..
-------------------------------------------------------------------
دخل " ماهر" طبيب هارون الشخصي إلى مخبأ (سامي) الذي اكتشفه جواسيس هارون حديثا ..
كان المكان هادئا جدا ومليئا بالغبار وكان ماهر يحمل أكياسا في يده فوضعها على الأرض وبدأ يبحث عن سامي بعينيه ولكنه لم يجد أحدا ..
هتف ماهر بهدوء :
سامي ، عزيزي هل أنت هنا؟
كان سامي ينظر بهدوء من فوق كومه من الكتب ولم يتحرك من مكانه، كما أنه لم يتفاجأ لمعرفة والده مخبئه ..
جلس ماهر على الأريكة وبدا أنه ينتظر قدوم سامي .. فهمس سامي بخفوت :
ماذا تريد؟
بدا الفزع على وجه الطبيب ماهر والتفت حوله باحثا عن مصدر الصوت، ثم قال :
ألا تكف أبدا عن هذا!!
نزل سامي وهو يلقي بالكتاب الذي كان يقرأه فعلق ماهر قائلا:
هل تقرأ في هذا الظلام؟؟!! كيف تفعل ذلك ..
أنا لست عجوزا مثلك!
نظر ماهر إلى وجه سامي للحظات ثم قال :
دائما تتكلم معي بغير تهذيب كما لو أنني لست والدك!
جلس سامي على الأريكة وأمسك بعلبة عصير موضوعه على طاولة صغيرة ثم قال ببرود :
لم أجدك بجانبي حينما احتجت إلى والد يعلمني التهذيب!
حمل ماهر الأكياس التي أحضرها من على الأرض وقال :
هيا بنا لنخرج من هنا! أريد أن أحدثك بشيء مهم ..
أنهى سامي شرب علبة العصير ونظر إلى ماهر نظرة قاسيه وهمس:
ما هذه الأكياس؟
إنها غداؤنا!
ومن قال لك أنني أحتاج إليها ..
سنخرج في نزهه ..
قذف سامي بعلبة العصير على الأرض وقال وهو يكتم غضبه :
لا تحاول اجتذابي إلى طرفك، تعلم أنني أكرهك عدد شعرات رأسي!
جلس ماهر بجانب سامي وبدأ بتمثيل دوره بإتقان، نزلت دمعة من عينيه وتكلم بصوت مرتعش :
سامي، أعرف أنني قصرت في حقك .. أنت لا تعرف كم أحبك لكنني لم أكن أباً جيدا .. لو رأتك والدتك لكانت فخورة جدا بك، لقد عرف جواسيس هارون أنك شرطي ...
لم يبد سامي متأثراً بأي كلمة وردت في جملة ماهر ولاحظ ماهر ذلك ولكنه تابع :
أنا فخورُ بك ..
صرخ سامي بقسوة :
ماذا تريد الآن؟
لقد كنت تسألني دائما عن والدتك ... أليس كذلك؟ وكنت أرفض الحديث عنها .. الآن أنا مستعد لأن أخبرك بكل شيء عنها ..
حدق سامي إلى وجه ماهر بذهول ...
لم يكن يتمنى أكثر من أن يشعر بالحنان ولو لمرة في حياته .. كان يريد أن يشعر بشعور لو أنه امتلك أماً مثل الآخرين ...
لم يشعر بذلك الشعور سوى لمرة واحدة في حياته ...
ألجمه الصمت وكان ماهر يعرف جيدا أن سامي سيوافق بعد ذلك، ولكن سامي قال بصوته الهادئ :
لم أعد محتاجا لكي اعرف عنها شيئا .. لقد نضجت وأصبحت أكثر فهما للواقع ..
قال ماهر بسرعة :
هيا .. لا تفوت تلك الفرصة فربما نستطيع إصلاح الوضع ... أرجوك ..
لم يتحرك سامي ..
عاد ماهر يلح في الطلب ثم همس :
أتوسل إليك!
تنهد سامي وتبع والده بصمت ...
-----------------------------------------------------------
كانت شروق تبتسم بسعادة وهي تعود في طريقها للمشفى محملة بكيس كبير ومليء بالحلوى ...
خارج بوابة المشفى شاهدت عربة متوقفة وهناك ممرضتان تمسكان بفتاة ..
لفت ذلك المهد نظر شروق كثيرا ودفعها فضولها للتحديق بالسيارة بينما تابعت طريقها .. لم تكن تلك الفتاة المغطى وجهها بالضمادات غريبة عنها ...
وكأنما شاهدت من قبل ملابسها وقصة شعرها المميزة ..
لم تعط شروق الأمر اهتماما وعادت تركض حتى وصلت إلى أسامة، الذي تمدد على الحشائش وأغمض عينيه مسترخيا فألقت شروق بكيس الحلوى فوق رأسه ثم ضحكت ..
جلس أسامة وتجاهل تلك الضربة القوية وبدأ يفتش في كيس الحلوى وهو يهتف :
ياللأشياء الرائعة!! لو كان الطبيب يسمح بإدخال الأطعمة إلى آدم لكنا تناولناها معا ..
هتفت شروق :
ما رأيك أن ندعو ندى للانضمام إلينا، أظن أن آدم مازال نائما ..
ضحك أسامة وقال بمكر :
آه من تلك الكيميائية! إنها تحب آدم لحد التضحية .. لن توافق على التحرك من جانبه أنشا واحداً!
ابتسمت شروق بسعادة وقالت :
هل تتحداني .. سوف احضرها ..
إذا أسرعي لن أنتظركم ..
ركضت شروق إلى الأعلى وهي تصيح :
انتظرنا أيها البدين!!
سارت شروق في ممرات المستشفى حتى وصلت إلى عيادة آدم،، نظرت إلى الداخل فوجدت والدة آدم تنظر إلى السرير الفارغ ..
تساءلت والدة آدم :
شروق يا حبيبتي! ألا تعرفين أين نقلوا آدم؟
قالت شروق بعد برهة :
لم نتأخر كثيرا .. لقد تركناهم منذ فترة قصيرة!!
أين ندى؟؟
خرجت شروق وتوجهت إلى غرفة طبيب آدم الخاصة، طرقت الباب بتهذيب فسمح لها الطبيب بالدخول ..
تساءلت شروق :
حضرة الطبيب!
ماذا هل آدم بخير؟
لا .. لا أعرف، إلى أين طلب نقله فهو غير موجود بغرفته ..
وقف الطبيب مندهشا وقال :
ما هذا إنه لا يقدر على السير! ألم يكن أحد معه ..
لقد كانت ندى معه ..
فزع الطبيب وقال:
أنا لم أطلب نقله إلى أي مكان!
---------------------------------------------------------