الفصل الخامس والأخير
أوقف الطبيب "ماهر" سيارته التي استقلها مع سامي على إحدى المرتفعات الجبلية ...
نزل سامي وتطلع إلى المنظر بالأسفل ..
كان المكان رائعا جدا ..
همس سامي وهو يستنشق هواء المكان العليل :
منذ متى وأنت تعرف هذا المكان، إنه أروع مكان رأيته في حياتي ..
ضحك ماهر وتكلم بمرح :
لقد كانت والدتك تحب هذا المكان كثيرا ..
التفت سامي فجأة ينظر إلى والده وارتبكت نظراته للحظه ثم قال:
حـ .. حقاً؟
اقترب ماهر من خلف سامي وأمسك بكتفيه ثم قال مبتسما:
أنا جائع جدا، دعنا نتناول غداءنا ثم سأخبرك عن والدتك أشياء جميله ..
أومأ سامي موافقا ثم وضعوا غداءهم وبدئوا بتناوله ..
لم يكن سامي قد شعر في حياته بمثل هذا الشعور، كان من داخله سعيدا جدا على الرغم من أنه لم يبتسم ..
لم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ يشعر سامي بدوار مريع يسيطر على رأسه ..
كان رأسه يدور ويدور ولم يكن هذا قد حصل معه من قبل، وضع يده بألم على رأسه فتساءل ماهر :
سامي؟ ما الأمر؟
تمتم سامي بصعوبة :
لا أعلم .. ينتابني دوار شديد ..
ابتسم ماهر بخبث وقال:
دوار؟ أم نعاس ..
لم ينطق سامي بشيء وأمسك به ماهر بعنف وسحبه نحو حافة الجبل المنحدرة .. لم يستطع سامي المقاومة وأوقفه ماهر وأمسك به جيدا وهو يطل به على المنظر الرهيب وقال بعد ضحكة شريرة :
ما رأيك في هذا؟! انظر جيدا، أتعرف .. من هنا سقطت والدتك .. وفارقت الحياة ..
لم يستطع سامي التحدث ولكن الدموع احتشدت في عينيه على الرغم منه وتابع ماهر القصة المشوقة:
لم أكن لأتأكد من قتلك إذا قذفت بك على حين غفلة وأنت في كامل قواك .. كنت ستعود بالتأكيد فالأشخاص المحظوظين مثلك .. يعودون بسهوله .. ولذلك قررت أن أخدرك قليلا لكي تسمع تهشم عظامك ..
حاول سامي المقاومة فتح فمه وهو يشعر بثقل رهيب ولم يستطع النطق أبداً ..
كان ذلك صعباً ومريعا وأليما جدا ..
تذبذبت نظراته وهو يتطلع للأفق الذي سيراه للمرة الأخيرة وأكمل ماهر كلامه:
بالمناسبة .. لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ...
تأمل ماهر وجه سامي للحظات، كان صلبا جداً كعادته على الرغم من لمعة الدموع في عينيه .. وتركه ماهر فسقط سامي إلى المجهول ......
إلى حيث الظلام ...
وهمس سامي داخل قلبه الممزق :
إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد .....
..............................................................
ركضت شروق مذعورة إلى خارج المستشفى ولحق بها وائل الذي حضر بسرعة ..
بحثت بعينيها يمنة ويسرة عن السيارة ولكنها لم تجد شيئا ..
تساءل وائل الذي كان يلتقط أنفاسه :
هل أنت متأكدة بأنك شاهدتها هنا؟!
نزلت دمعة محتجزة من عيني شروق وقالت بحزن :
أ .. أجل .. يالـ غبائي! كيف .. كيف لم ..
ارتمت شروق على الرصيف وبدأت في البكاء فقال وائل :
هيا أوصفي لي السيارة والممرضات ..
لقد كانت سيارة صغيره، أظن أنهما كانا سيارتين متشابهتين .. وكان لونهما أسود .. و .. لا أتذكر شكل الممرضتان فهما لم يلفتن نظري ..
كان أسامة يزمجر في العيادة وكانت والدتا ندى وآدم في حال يرثى لها ..
عادت شروق إلى العيادة وجلست إلى جوار أسامة في صمت فصاح أسامه :
لقد ظننت أنكِ أكثر ذكاء من هذا!
صرخت شروق وهي تجفف دموعها :
لم أكن أتخيل للحظه أنها ندى! ماذا كان بوسعك أن تفعل لو كنت مكاني .. كف عن لومي!!
ضرب أسامة برجله المكسور على الأرض وصرخ بنفاذ صبر :
حلّوا لي هذه الجبيرة .. يجب أن أتحرك .. أرجوكم ..!!
................................................
هاني أين أنت ؟؟!
أنا .. أنا أنتظر بسيارتي قرب النهر ..
ماذا؟ ولم تفعل ذلك ..؟
تنهد هاني وقال بألم :
أشعر بأنهم سيلقون بالفتاة في النهر .. لا أدري لم لدي شعور قوي بهذا .
اسمع .. لدي جواسيس في كل مكان، كما أنني الآن بصدد البحث عن السيارة المشبوهة، عد إلى هنا!
وائل لا أستطيع!
صرخ وائل في سماعة الهاتف:
قلت لك عد إلى هنا ..
حـ .. حسنا حسنا لا تصرخ! سأعود ..
سار هاني عائدا نحو سيارته وهو يحدق بالنهر في ذلك الظلام الحالك .. ولاحظ شيئا يطفوا على سطح الماء ...
اقترب بحذر وهو يمسح عينيه ليتأكد ما إن كان يحلــم ...
لم يكن هذا حلما .. لقد كان شخصا طافيا بالفعل على وجه الماء، إنه غريـق!!
بلا تردد قفز هاني في المياه وسبح باتجاه الجسم الطافي، بعد ثوان كان قد أمسك به، لم يعرف من هو لكنه كان شاباً بالتأكيد ..
خشي هاني أن يكون قد مات على الرغم من انه كان يطفوا على ظهره إلا إن موته محتمل إذا كان غارقا منذ فتره ،، بدأ هاني بسحبه نحو الخارج ..
أخرج هاني هاتفه المحمول ولكنه احترق بسبب المياه .. زفر بغيظ وترك الشاب على البر واتجه يركض نحو الشارع العام حيث يعيش بعض السكان في الجهة المقابلة للنهر ..
في الجهة الأخرى من النهر لم تكن هناك سوى الجبال الشاهقة الارتفاع .....
طرق بسرعة على باب أحد المنازل وطلب منهم الاتصال بالشرطة ...
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى كانت الشرطة تلف المكان .. وكان الصدمة عنيفة عندما شاهد وائل وجه الشاب ..
كان مصابا بإصابات بالغه وبدأ فريق الإسعافات الأولية بإنعاشه بلا جدوى ..
حدق هاني بنفس الذهول إلى وجهه وهمس :
إنه ... إنه ... سامي! ما الذي حدث!!
...........................................................................
بعد أن حل الطبيب جبيرة أسامة، خرج أسامة مسرعا من المستشفى ولم يستطع أحد إيقافه .. لكن شروق لحقت به ..
صرخت شروق وهي تركض خلفه بسرعة :
إلى أين تظن أنك ستذهب؟؟ هل جننت؟
لم يرد أسامه على أي من تساؤلات شروق وقام بإيقاف أحدى سيارات الأجرة ..
توقفت شروق تنظر إليه بصمت وقبل أن يركب أسامه التفت ينظر لشروق وقال :
أعرف أين أجد آدم ... هل ستأتين معي أم ستقفين هنا كالعاجزة؟
ابتسمت شروق بثقة وقالت :
أشك أنك تعرف أين هو ..
حسنا .. إلى اللقاء إذا ..
ركب أسامه ولكن شروق تقدمت من الباب الخلفي لسيارة الأجرة وركبت أيضا ..
وصلت سيارة الأجرة وتوقفت أمام منزل أسامه، عندما ترجلا منها توجه أسامة إلى الداخل وأخرج سيارته من حديقة منزلهم ..
تساءلت شروق:
إلى أين ستذهب الآن؟ الوقت متأخر!!
ضحك أسامة بمكر وقال:
الخطة هي أن الوقت متأخر ... سوف نقوم بزيارة سريعة جدا ..
إلى أين؟
إلى عيادة طبيب!
صرخت شروق بفزع :
عيادة طبيب! مجددا! لقد خرجت من المشفى للتو!
أعرف .. اصعدي وحسب ..
ركبت شروق بجنب أسامة في السيارة ومرا بقرب النهر حيث تجمعت سيارات الشرطة في المكان فتساءلت شروق:
ما الأمر .. أهو حادث ..
شعر أسامة بالقلق وأوقف سيارته وهو يقول:
سأرى ما الأمر وأعود إليك بسرعة .. ابقي هنا ..
صرخت شروق باستنكار:
لا سأذهب معك ..
صرخ أسامه :
بل ستبقين .. عليك احترام أوامر رئيس العصابة!
أغلق أسامه باب السيارة بقوة وقالت شروق بغضب :
أيه عصابة تلك التي يتحدث عنها ..
ثم صرخت تحدث نفسها:
من عينك القائد يا أسااامه! من!؟
حاولت شروق أن ترى من الزجاج ما إذا كان الحادث خطيرا لكنها لم تر شيئا، انفتح باب أسامه فجأة وركب شخص مقنع مكانه وبدأ بقيادة السيارة ..
صرخت شروق مفزوعة وركلته برجلها في وجهه ركلة قويه ولكنه ضربها بقبضة يده وتابع القيادة ..
حاولت شروق فتح باب السيارة ولكنه كان مغلقا، وقبل أن تقوم بأي فعل خلع الرجل قناعه بهدوء ونظر إلى شروق وهو غارق في الضحك ..
تأملت شروق وجه أسامه بفزع لوهلة وما لبثت أن تحولت ملامحها لغضب قاتل وصرخت وهي تضربه بعنف:
أيها الجبان الحقييييير! كيف يمكنك فعل هذا بي!
أوقف أسامة السيارة وكان يحاول التقاط أنفاسه من الضحك ..
كانت شروق ما تزال تركل وتضرب وتصرخ بكافه أنواع الشتائم .. بينما تقبل أسامة الأمر بالضحك الهستيري ..
------------------------------------------------------
صرخ هارون وهو ينظر إلى مساعديه بحنق:
ماذا سأفعل بتلك الفتاه!!
سيدي لقد رأتنا، ما كان بيدنا حيلة إلا أن نحضرها هنا!
أسرعوا تخلصوا منهما بسرعة ...
حمل الرجال ندى وآدم وخرجوا، والتفت هارون وهو ينظر لماهر طبيبه الخاص وعلى وجهه ابتسامه وتمتم هارون :
لقد تخلصنا الآن من الشاهدين .. ولا أصدق ما فعلته بسامي .. لم نكن لنتخلص من هذا العنيد أبداً ..
ضحك ماهر وقال بخبث:
لم ترى تعبير وجهه عندما أخبرته بان والديه سقطا من أعلى الجرف ..
أجاب هارون بعد ضحكة قصيرة :
لقد كان ذلك الفتى كالشوكة في حلقي ... لكن لولا وجوده لما عثرنا على البلورة ..
فكر ماهر قليلا ثم قال:
ذلك الفتى كان يملك ما يديننا .. الآن سأنام قرير العين بعد أن تخلصت منه ..
وقف هارون ونظر إلى ساعته وهو يقول:
هيا ليس علي التواجد في عيادتك حتى ذلك الوقت ... سوف أعود للمنزل ..
أومأ ماهر موافقا فانصرف هارون على الفور ..
في ذلك الوقت كان أسامة يقف بسيارته بعيدا في الظلام ويراقب المكان وهمست شروق:
لم يخرج أحد ..
أجاب أسامه :
أنا متأكد أنه طبيب هارون، وسوف نجد ندى وآدم هناك ..
كيف تعرف؟
إنه مساعد هارون منذ سنين طويلة، ولكنه غير ظاهر أبداً وكلما حصلت الشرطة على تصريح لتفتيش منزل هارون لا يعثرون على شيء أتعلمين لماذا؟
لمعت عينا شروق وقالت بخفوت :
أجل فهمتك .. تقصد أنه غطاء أعمال هارون الخفي؟
أجل هذا ما أقصده ..
حسناً ما الذي تنوي فعله؟
لا أعرف! لكن علينا التسلل إلى المكان ..
شعرت شروق ببعض الخوف ولكنها تساءلت:
أما كان علينا أن نخبر وائل؟
لا .. سوف نتصل به في اللحظة المناسبة ..
همست شروق:
حسنا ولكن أليس هـ ..
لم تتم شروق جملتها حتى شاهدت هارون ورجلين من أتباعه يخرجان إلى سيارة متوقفة بالخارج ..
كان أسامه يراقب أيضا وصرخ وهو يكتم صوته:
ألم أخبرك .. لقد صح استنتاجي!
تساءلت شروق:
لماذا لا نبلغ الشرطة الآن ..
راقب أسامه هارون وهو ينصرف مبتعدا بسيارته وهمس :
لأننا لسنا متأكدين بعد أنهم يحتجزون آدم وندى .. هيا ترجلي من السيارة ..
نزل الاثنان من السيارة ومشيا ببطء وحذر نحو العيادة .. كان المكان مظلماً بالداخل وهمست شروق:
لقد أغلقت .. كيف سنتسلل!
دعي الأمر لي!
دار أسامه حول المبنى مره واحده وكانت شروق تتبعه بحذر وقال أسامه بسعادة:
المبنى ليس بهذا الارتفاع .. مجرد طابقين فقط ..
ما الذي تنوي فعله ..؟!
دخل أسامه في شارع جانبي وبدأ يتسلق على الأعمدة والأحجار، لم يكن المكان مرمما جيدا من هذه الجهة، وتسلق أسامه بخفه وألقى نظرة على شروق ثم قال:
ابقي هنا، إذا تأخرت عن النصف ساعة .. اتصلي بالضابط وائل .. هل سمعتِ؟
قالت شروق بعناد :
لا، سآتي معك!
قال أسامة بخفوت :
ربما نموت نحن الاثنين ولا يجدنا أحد .. عودي للسيارة بسرعة أرجوك ..
اقتنعت شروق بوجهة نظر أسامه ونظرت إليه للحظه ثم قالت بصوت حنون:
حسنا، انتبه على نفسك .. لا أتحمل فقدانك أنت أيضا!
كاد أسامة أن يسقط بسبب كلمة شروق ولكنه تشبث جيدا وابتسم بخجل فانصرفت شروق، لأول مره شعر أسامه بأنه مهتم بفتاة ..
كان يود العودة منتصرا ليس لأجل آدم وحسب، بل لأجل أن تكون شروق فخورة به ..
تابع تسلقه بسرعة حتى وصل إلى سطح المبنى، واستطاع أن يتسلل إلى الدرج ،، كان المكان هادئاً جدا في الطابق الثاني .. ولكن أسامة سمع صوتاً يتحرك خلفه ..
التفت أسامه بذعر ينظر يمينا ويساراً وشاهد ظل رجل يحمل شيئا بيده خلف الجدار ..
هل يراقبه؟
أمسك أسامة بعلاقة ملابس وتوجه نحو ظل الرجل .. نظر بحذر من خلف الجدار ليشاهده،، تمتم أسامه في قلبه مفزوعا:
من هذا؟ وماذا يفعل هنا هل يلعب!! ومـ .. ما الذي يحمله بيده؟ لقد جنّ!
------------------------------------------------------------
" لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ... "
" إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... "
" إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... "
" إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... "
" إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... "
فتح سامي عينيه بإرهاق وجلس بسرعة ..
أصابه الدوار وحاولت الممرضة المشرفة أن تعيده إلى وضعية النوم لكنه حدّق بها بعينيه الفاحمتين وأومأ بالرفض فتركته وانصرفت بخوف لتحضر الطبيب ..
كان يتذكر كل ما حصل معه ...
خلع الإبرة المغذية المتصلة بذراعه بعنف، ونزع الضمادة التي ربطت بها رأسه ونزل يسير مترنحا من على سريره ...
همس لنفسه :
مستشفى؟ هل معنى هذا أنني نجوت؟
توجه صوب النافذة ونظر منها على العالم الخارجي، كان الظلام يعم المكان والساعة تشير إلى الثانية عشرة صباحاً ..
" لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ... "
دمعت عينا سامي، ولكنه تماسك كالعادة، كان يشعر بالقهر والأسف والذل ..
همس بقهر:
كيف لم أعرف بعد أن عاملني طوال عمري بتلك القسوة .. كيف كنت ساذجاً إلى هذا الحد!!
لقد أقسم على الانتقام، ووجوده حياً حتى هذه اللحظة يجعله ممتنا وشاكراً لله أن مد في عمره حتى يحصل على ما يريده ...
من خلفه قال الطبيب الذي دخل للتو :
كيف يمكنك الوقوف هكذا؟، مازالت مريضاً ..!
التفت سامي ونظر إلى الطبيب بتلك النظرات القاسية التي لا يستطيع أن يغيرها أبداً .. همست الممرضة:
سيدي لقد أفاق أسرع مما توقعت ..
أشار الطبيب بيده إلى سرير سامي وقال بلطف:
هيّا سامي، مازال الوقت مبكراً على خروجك، إصابتك بليغة ... دعني أعاينك ..
أريد أن أخرج!
قالها سامي بقسوة وعناد ..
شعر الطبيب ببعض الخوف وهو يحدق في عيني سامي القاسيتين وقال بنفس اللطف السابق:
حسناً، دعني أعاينك أولا حتى أتأكد من سلامتك .. كما أن لديك كسورا في عظام القفص الصدري ولا يجب أن تتحرك بهذه السرعة .. دعني أعاينك اتفقنا؟
نظر سامي نحو الطبيب بعينين مخيفتين وقال قبل أن يلقي بنفسه من النافذة :
هذا إن استطعت إمساكي!
في ذلك الوقت كانت الممرضة قد اتصلت بالضابط وائل بناء على أوامر منه بأن يخبروه لحظة أن يفيق ...
لم يصدق وائل أن "المجهول" أو سامي .. قد أفاق بتلك السرعة العجيبة، ارتدى ملابسه واعترضت زوجته على استيقاظه من نومه وخروجه في ساعة متأخرة من الليل ..
حاولت منعه ولكنها فشلت كالعادة..
وصل وائل بعد دقائق معدودة إلى المستشفى، وتوجه مع الممرضة بسرعة إلى غرفة سامي ...
ولكن سامي في ذلك الوقت كان قد خرج من المستشفى في غضون دقائق!!
-----------------------------------------------------
فتحت ندى عينيها بصعوبة ونظرت أمامها فشاهدت وجه آدم وعلى فمه كمامة سوداء، كان المكان مظلما إلى حد ما وهناك فتحة صغيرة جدا يتسلل منها ضوء خافت ..
كان الاثنان مقيدان بعنف، وكانت هناك كمامة أخرى على فم ندى وشعرت بألم شديد بسببها ولكنها كانت عنيدة كعادتها وحاولت الجلوس فلم تستطع ..
ظلت هكذا لفترة طويلة تجاوزت الساعتين ..
كانت غاضبة جدا وجرحت يديها وهي تحاول خلعها من الحبال السميكة لكن بلا جدوى ..
بعد عناء بدأ آدم يفيق، كان يصدر أنينا خافتا وفتح عينيه ببطء .. صرخت ندى صرخة مكتومة من تحت كمامتها فتحركت عينا آدم تلقائيا نحو مصدر الصوت واتسعت عيناه بذعر عندما رأى ندى في ذلك الوضع ..
بدون أن تشعر ندى نزلت دمعات يائسة من عينيها سببت لآدم حزنا وألماً كبيرين ..
حاول آدم أن يتحرك بلا جدوى، كانت القيود قوية جداً ولاحظ آدم وجود شخص معهم في الغرفة .. حاول أن يعرف من هو لكنه كان يقف بعيدا ..
بعد فترة قصيرة اقترب الشخص الذي كان يقف في الظلام ..
كان شخصا قاسي الملامح ونظر إلى آدم وندى بازدراء ثم تمتم :
لقد انتظروا حتى أفقتما .. وهذا ما لا أحتمله ..
حدّق بوجه آدم للحظة ثم ركله بعنف ..
خرجت آهة متألمة من حلق آدم وحاولت ندى الصراخ لكن صوتها خرج مكتوما فابتسم الرجل وانحنى نحو ندى وهو يقول ببرود :
انت تعرفين ذلك الشاب .. أهو شقيقك؟ لا يشبهك .. ربما هو زميلك؟ أو ربما حبيبك ...
نظرت ندى بحقد فتمتم الرجل:
لم لا أتسلى قليلاً .. فستموتان بأي حال ..
اتسعت عينا ندى بذعر وهي ترى الرجل يجر آدم المكبل ويضعه على كرسي خشبي بعنف .. حاول آدم المقاومة لكن بلا جدوى فجسده كان منهكا ومريضاً ..
------------------------------
اقترب أسامة بحذر وهو يمسك بعلاقة الملابس في وضع هجوم ..
توقف لحظة ونظر إلى علاّقة الملابس للحظة وتمتم في نفسه:
يا ألهى هل أنوي حقا قتل شخص بهذه الأسلاك النحاسية الملفوفة على شكل علاقة ملابس!!
ثم نظر نحو الشاب الآخر، كان معلقا بطريقة غريبة وهو ينزل بنصف جسده من علية السقف ويقوم بتصوير مكان ما ..
إنها عيادة ماهر،، ماذا يصوّر ذلك الأحمق ..؟؟
اقترب أسامة وهو يتساءل في نفسه ولكنه قبل أن يصل تماماً تعثـّر في علب خشبية صغيرة وسقط محدثاً ضجيجاً هائلا ..
فزع الشاب الذي يتدلى بجسده من العلّية فاختل توازنه وسقط فوق أسامه وبدأ الاثنان بالصراخ والتأوه!!
أزاح أسامة جسد الشاب بصعوبة ووقف الاثنان يحدّقان ببعضهما لثانية ثم بدأ الشاب يبحث فجأة عن آلة التصوير .. قال بضجر:
أين آلة التصوير خاصتي!!
نظر أسامة بضجر نحوه وكاد يقول شيئاً لولا أن سمعا صوت أشخاص يتحركون قدوما إلى المكان نفسه ..
التفت أسامة محاولا الاختباء في أي مكان فلم يجد سوى العلّية التي كان الشاب المصوّر يتدلى منها!!
صرخ أسامة بخفوت:
هيا أحني ظهرك لكي أتسلق للعلية!! هيا قبل أن يعثروا علينا!
انحنى الشاب بسرعة وصعد أسامة ثم مد يديه للشاب ..
لآخر لحظة كان الشاب يبحث عن آلة التصوير وسط الصناديق ودموعه تملأ عينيه !! ولكنه مد يده نحو أسامة لأن وقته قد أزف ..
أغلق أسامة العلية وهمس :
سوف يجدوننا أسرع مما تجد حذاءك الضائع في الصباح! هيا علينا أن نجد مخرجا!
قال الشاب بتردد:
ولكن آلة التصـوير لـ ..
ليس الآن!
انتظر! لقد قمت بتصوير محادثة عجيبة بين ماهر وهارون!
نظر أسامة بشرود وتمتم :
ماذا! هل تجسست عليهما! هل يمكنك إيقاعهما بذلك الشريط إن قمنا بتسليمه للشرطة؟
أجل!
تساءل أسامة :
من أنت؟ تبدو مهتماً بالأمر ..
ابتسم الشاب ابتسامة هادئة وقال:
أنا صحفي .. أدعى هاني ..!
تصافحا أردف أسامة :
سمعت عنك من قبل! انت صديق الضابط وائل .. صحيح؟
أجل ..
سمعا حركة بالقرب من العلية وتشنج هاني مكانه بخوف فتمتم أسامة :
دعنا نختبئ الآن!
سار الاثنان ببطء واقتربا من إحدى نوافذ العلية فتمتم هاني بقهر :
أريد آلة التصوير .. سأقتل نفسي إن وجدوها!
توقف أسامة عن محاولة الهروب ونظر في ساعته .. لقد استغرق وقتا طويلا في لا شيء!
همس أسامة بإصرار وهو يتذكر آدم :
هيا .. علينا أن نفعل شيئا!
ماذا ستفعل؟
أفضل وسيلة للدفاع .. هي الهجوم!
أمسك هاني بذراع أسامة وهمس بذعر:
أنت أيها المتهور! إلى أين تعود!؟
تذكر أسامة للحظة ثم تمتم بخفوت:
لدي صديق أعتبره كأخي .. إنه الآن بحاجة إليّ .. تعاهدنا أن نفدي بعضنا بأرواحنا .. لا يمكنني أن أخلف بهذا الوعد .. على الأقل سوف أستعيد آلة التصوير خاصتك .. ونطيح بهارون ومن هم على شاكلته!
كان هاني مأخوذا بكلام أسامة ودمعت عيناه وهو يتذكر ذلك العهد الذي قطعه لهشام ووائل يوماً من الأيام ..
وجد نفسه يتبع أسامة لا إراديا ووقف الاثنان عند بوابة العلية المغلقة ..
كان هناك شخص ما يحاول فتحها ..
وكشّر أسامة عن أنيابه بانتظار القادم الجديد!
---------------------------------------------------
استيقظ هارون غاضبا من نومه وطلب الاتصال بالطبيب ..
تساءل أحد مساعديه وهو يراه بهذه الحال:
ما بك يا سيدي؟ ما الذي أقلق نومك؟
صرخ هارون:
هل اتصلتم بماهر؟
أجل سيدي أنه على الخط!
أمسك هارون بسمّاعة الهاتف وقال بعصبية:
ماهر! لقد حلمت بكابوس سيء! هل تخلصت من آدم والفتاة ...؟
تردد ماهر قليلاً ثم قال:
أ .. أجل .. في الحال!
تقصد أنك لم تتخلص منهم بعد!
لقد كنت أتأكد من أنه لا أحد يراقبنا يا سيدي! يجب أن أكون على حذر!
حسنا إذن أسرع! لا أريد لرجال الشرطة أن يجدوا لهما أثرا!
أغلق ماهر سمّاعة الهاتف وخرج من العيادة الخاصّة وإذ به يرى جثة جريحة تتدلى من سقف العليّة ...
لم يفهم ماذا حصل هنا ...
تمنى أن يكون مجرد حادث وخاصّة أنه كان أحد رجاله ..
على الجدار كانت هناك سماعة هاتف مثبتة رفعها وضغط على احد الأرقام، كانت تلك الهواتف الداخلية للاتصال بين العيادة وباقي غرف المبنى ..
رن الجرس للحظات ولكن أحداً لم يرد على هاتفه ..
تساءل ماهر أين يكون قائد الحرس في ذلك الوقت، وشعر بخوف شديد جمّد أطرافه ولكنه قرر الذهاب والتأكد بنفسه، ولذلك سار متخطيا جدول الدماء الصغير ..
ثم توجه إلى خزانة جانبية وأخرج من أحد أدراجها مسدساً صغيراً ..
وسار بحذر ..
--------------------------------------------
ماذا تقصد بأنه قفز من النافذة! ابحثوا عنه إنه مصاب ولن يبتعد كثيراً!
كان وائل يصرخ في جنوده الذين تحركوا بسرعة ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن أحداث النهاية قد بدأت فعلاً ..
أخرج هاتفه المحمول وقام بالاتصال بهاني ، ولكنه فوجئ بصوت امرأة تجيب ..
أيها الضابط وائل ... أرجوك!
فزع وائل وقال بسرعة :
أين هاني!
سيدي أنا ريم ..
هل انت بخير؟ وهاني هل هو بخير؟
كان صوت ريم مذعورا وصاحت :
أخبرني أنه سيذهب إلى عيادة الطبيب ماهر .. و .. طلب مني أن أتصل بك إذا تأخر ..
ولماذا لم تتصلي بي؟
لـ .. لقد .. لأنني ..
ماذا!
لم يتأخر عن الوقت الذي أخبرني به .. لكنني قلقة!
تشتت تفكير وائل بشدة ..
ما الذي يقوم الجميع بفعله!! صرخ وائل بعصبية :
هل جنّ! لماذا يذهب إلى هناك!
لـ .. لأنه يشك بأن له علاقة عمل مع هارون!
لم يستطع وائل كتم غضبة وصرخ مجددا:
إنه يكرر نفس الموقف الغبي! لماذا لم يخبرني! ليس هكذا تؤتى الأمور!
بدأت ريم بالبكاء ولم ترد على صراخ وائل، كانت تعرف أنه خائف وغاضب .. وكان الحق معه ..
لا يمكن لوائل اقتحام عيادة الطبيب ماهر بلا سبب معقول ..
سيكون هذا مخالفاً للقانون وخاصّة إذا لم يمتلك إذنا مصرحاً بتفتيش المكان .. لكنه سيضطر لفعل ذلك حتى لو كان الثمن فقدان وظيفته ..
سيدي .. لم نعثر له على أثر ..
التفت وائل ليستمع إلى المصيبة الثانية، لقد فرّ سامي في لحظات ولا يعلم إلى أي مجهول سيذهب!!
تنهد وائل بحرارة وحاول أن يلتقط أنفاسه ويفكر في حلّ ..
وقبل أن يفكر في فكرة أخرى رن هاتفه المحمول مجدداً، وكان المتصل شخصا لا يعرفه ..
فتح هاتفه واستمع إلى الصوت .. الذي كان صوت شروق الخائف ..
حضرة الضابط وائل ..
ارتجف صوت صوت وائل وهو يقول:
هل هناك مشكلة!
أجل! أسامة ! لقد تسلل إلى عيادة الطبيب ماهر! وأخبرني أن أتصل بك إذا تأخر! أرجوك ..
ماذا! هل كان هاني معه؟
لم يكن معه أي شخص ..
أغلق وائل هاتفه المحمول وهو يفكر باتخاذ قراره الأصعب ..
----------------------------------------------------
ماذا تفعلين هنا بمفردك؟
تجمدت شروق في مكانها بعد أن استطاعت تمييز ذلك الصوت الهادئ .. ثم التقطت أنفاسها واستدارت بهدوء وتمتمت بخوف :
المجهول!
ابتسم سامي ابتسامة مطمئنة سعيدة لأول مرة تراها شروق على وجهه وتمتم بهدوء:
لا يجب أن تقفي في مثل هذا المكان ومثل هذا الوقت .. سيكون ذلك خطرا جدا ..
بدت شروق مهتمة بسامي ولمعت عيناها في الظلام وهي تحدق إليه وتساءلت بهدوء :
هل كنت تعرف أمي حقاً؟
اقترب المجهول وقال برقة ونسمة هوا باردة تهب:
هل اشتقت إليها؟
دمعت عينا شروق وقالت بصوت مهزوز :
أ .. أجل .. كثيراً ..
أنا أيضاً ..
تفاجأت شروق وقالت وهي تحاول حبس دمعتها :
هل تعرفها؟
ارتسمت نظرة ألم غريبة على وجه سامي على الرغم من تلك الابتسامة على وجهه وتمتم :
أخبرني ماهر أن والدتي كانت تمتلك شعرا أسودا وعينان سودواتين .. كانت هذه المعلومة الوحيدة التي أعرفها عن أمي ..... أخبرني أن عيني تشبه عينيها .. وطوال طفولتي كنت أبحث بقلبي عنها .. لم أكن أعرف ما معنى الموت .. وفي يوم ما عندما كنت في الخامسة من عمري .. ضربني ماهر بشدة وطردني من المنزل وكنت في محطة القطارات عندما رأيتها ..
تمتمت شروق:
رأيت أمي؟
أجل، عندما شاهدتها اتضحت صورة أمي التي رسمتها في مخيلتي ...
اهتز صوت سامي وهو يتابع :
كنت وحيداً وأردت أن تصبح أمي بشده .. و .. ركضت خلفها، صرخت .. أمي! والتفتت نحوي مع أن المحطة كانت مليئة بالناس .. لم تتخلى عني لحظة واحدة .. أخذتني إلى منزل عائلتها واعتنت بي، ثم أدخلتني إلى مدرسة داخلية ..
كانت شروق تستمع بذهول إلى ما يقوله سامي وعاد يقول بعد لحظة صمت :
حتى بعد أن تزوجت والدك ظلت تسأل عني وتدفع لي مصروفات المدرسة على الرغم من أنني لم أراها سوى مرات معدودة حتى تخرجت من الثانوية، لم أخبر والدي أو هارون عن ذلك، ظللت صامتاً .. كنت منبوذا في كل مكان ولا أحد يعرف اسمي ولذلك لقبوني بالمجهول .. لقد حفظوا لقب المجهول أكثر من أي شي آخر ..
تحشرج صوت سامي وهو يتابع :
لقد عشت على الكذب والخداع، محاولاً إخفاء ذاتي ولم أشعر بأنني شخص يهتم لأمره إلا من تشجيع والدتك لي .. لهذا .. أنا ممتن لها .. بحياتي .
وضع سامي يديه في جيبه وسار متوجهاُ إلى عيادة ماهر .. وتمتم:
لا تبقي هنا فترة أطول أرجوك ..
كانت عينا شروق مليئتان بالدموع وتكلمت وهي ترى سامي يبتعد :
انت فرد من عائلتنا .. مثل آدم ..
توقف سامي عن السير لدقائق مرت كأنها ساعة .. ثم واصل سيره وهو يدافع دموعه، لم يستطع حتى قول كلمة حتى لا تشعر شروق بذلك الصوت المرتجف .. لكنه كان ممتنا لذلك ... وبحياته ..
-----------------------------------------------------
ظل هاني يرتجف مذعورا وهو يحدق في السكين المغطى بالدماء الذي يحمله أسامة ..
لم يكن أسامة يرتجف بشدة ولكن قدماه ما عادت تقويان على حمله وتمتم :
لم أقتل في حياتي سوى فرخ دجاجة جلست عليه بالخطأ عندما كنت في السادسة من عمري ..
كان هاني ما يزال يحدق في سكين أسامه وهمس في غير وعيه وهو يضم آلة التصوير إلى صدره :
لكنك قتلت رجل العليّة بسكينه الآن!
سار أسامة مذهولا ثم ابتسم فجأة وقال:
أنا قوي جداً!
وضع هاني يديه على رأسه وتبع أسامة وهو يقول:
الغرور بداية الندم!
سار الاثنان في الردهة المؤدية إلى سلم السرداب .. ونزل الاثنان بصمت وحذر وأسامة متأهب بسكينه ..
توقف هاني عن السير فجأة بعد أن سمع أنيناً مكتوما وقال:
أسامه! هل سمعت ذلك الصوت!
توقف أسامة للحظات ثم نظر في السرداب الفارغ وقال بخفوت:
لكن .. من أين يصدر ذلك الصوت!
بحث الاثنان في كل مكان بلا جدوى ..
كان السرداب فارغاً ..
قال هاني بهدوء:
أشك أن هناك باب سري ..
نحتاج إلى مصباح! الظلام حالك هنا!
توقف الاثنان عن الحركة وهما يسمعان صوت خطوات يقترب من خلفهما .. كان قريباً جدا وذهل أسامة كيف لم يشعر بهذا الشخص منذ وصل للدرج ..
تكلم بخفوت قائلاً:
لا حاجة للبحث .. لن تعثرا عليهما بتلك الطريقة!
التفت أسامة وهاني ينظران بخوف وشاهدا الشاب المعروف بالمجهول ...
تمتم هاني :
أنت! مستحيل .. كيف خرجت من المستشفـى .. ؟ لقد كـ ..
قاطعه سامي بصوته الهادئ متسائلاً:
كنت تعرف أنني في المستشفى؟
أ .. أجل .. فأنا من وجدك في النهر ..
ابتسم سامي واقترب من وجه هاني وتمتم بخفوت :
هل عليّ أن أشكرك على إنقاذ حياتي؟
حدق هاني باستغراب ولم يجيب فقاطع أسامة المشهد وهو يشهر سكينه:
ليس لدينا وقت لهذا الهراء! أين آدم وندى!
نظر سامي إلى أسامة بطرف عينيه ثم ضرب يده فجأة فطار السكين بعيداً وارتجف قلب أسامة مفزوعاً بينما همس سامي وهو يضحك ضحكة قصيرة:
وتدّعي أنك شرطي!
كان أسامة لا يزال مصدوماً والتفت سامي وهو يقول:
لقد هرب الطبيب العجوز عندما شاهد أتباعه من القتلى، أظن أنه خاف على حياته .. لكنه لن يتوقع أبداً أن أكون قاتلهم .. وهو الآن في طريقه إلى هارون وأنا في طريقي للحاق به ..
سار سامي مبتعدا فصاح أسامه :
هيييه! أنت أيها المجهول الأحمق! أنا لا أريد ذلك العجوز الخرف فمعي ما يدينه! أبحث عن آدم وندى!
همس سامي بدون أن يلتفت :
لقد وجدتهما .. لكن .. أظن أنك وصلت متأخراً ..
هتف أسامة بغيظ وهو يحاول تجاهل كلمات سامي :
ماذا تقصد بأنني وصلت متأخراً ..؟؟ أين هما؟
هناك سرداب أسفل هذا السرداب ومدخله من عيادة ماهر ..
-----------------------------------------------------------
كانت ندى لا تزال مذهولة مما رأته عيناها ..
الدماء التي تغطي وجهها وجسدها ليست دمائها، وإنما هي دماء ذلك الرجل الذي قتل في لحظة أمام عينيها ..
تملكتها الدهشة وهي تتذكر ما حصل ..
المجهول!
زحفت على الأرض بتعب واقتربت من آدم الملقى على الأرض بلا حراك ..
بدأت بالبكاء وهمست :
آدم! .. آدم أرجوك ..
نظرت إلى وجهه الجميل وهي تتذكر شجاعته ..
صمد آدم كثيرا في وجه ذلك الشرير حتى استنفذ صبره وأصابه بطلقة نارية من مسدسه،، تسائلت ندى ..
" لماذا لا يجيب .. "
ثم انهمرت دموعها أكثر عندما فكرت أنه ربما سيموت ..
فتح آدم عينيه بإعجوبه، مد يده نحو ندى بصمت، كان المجهول قد حلّ قيودهما أخيراً واحتضنت ندى كفه بين كفيها ثم همست باكية :
آدم أرجوك أصمد .. سوف أذهب لجلب المساعدة يمكنني التحرك ..
الـ .. سياج .. الأخضر ..
ما به يا آدم؟
أ .. أنا أقترب مـ .. منه ..
شهقت ندى بخوف وصرخت بصوت مبحوح وهي ترى آدم يغلق عينيه ببطء :
آدم .. لا ترحل أرجوك .. آدم ..
لم يعد آدم يجيب وسقطت يده على الأرض فوقفت ندى مذعورة وركضت مترنحة نحو الباب ولكنها اصطدمت بأسامة فسقطت على الأرض ..
ظل أسامة مفزوعاً للحظات حتى أدرك الأمر ..
ندى هل انت بخير؟ أين آدم ..
صرخت ندى بصوت مرتجف مذعور :
أرجوك يا أسامة افعل شيئاً أرجوك!
في تلك اللحظة وصل هاني الذي كان يلتقط أنفاسه وقال بسرعة :
أسامة هل ستحتاجني هنا؟ أريد أن ألحق بالمجهول ربما أستطيع الحصول على أخبار جديدة ..
ثم لوّح بآلة التصوير فقال أسامة وهو يحمل آدم :
اذهب انت سأكون بخير ..
اختفى هاني بسرعة وبدأ أسامة يرتجف وهو يتفقد نبض آدم ثم قال محاولاً تهدئة ندى :
لا بأس إنه بخير، وشروق .. بالتأكيد لقد اتصلت بوائل منذ قليل وستصلنا النجدة في أية لحظة بإذن الله ..
--------------------------------------------
وقفت شروق تنتظر وائل وهي تفكر فيما قاله المجهول منذ قليل ..
نزلت من عينيها دمعات حارّة وهي تتذكر والديها وشقيقها ياسر، لقد اشتاقت إليهم كثيراً .. لم يتبق لها سوى آدم .. ظلت تدعوا الله أن يحفظه بخير ..
انتبهت شروق فجأة وهي ترى ماهر يخرج من المبنى متوجهاً نحو سيارته ..
ما معنى هذا ..؟
إنه يهرب، لقد قتل أسامة أو أصابه مكروه!
فكرت شروق .. " سيأتي وائل بعد دقائق ربما لحظات .. ماذا ستفعلين، هل ستجعلينه يهرب؟ "
ركضت شروق بكل سرعتها ووقفت أمام السيارة التي كان ماهر متجهاً إليها ..
نظر ماهر بقسوة من تحت نظاراته وقال بصوت خشن :
من أنت؟ وماذا تريدين؟
ابتسمت شروق ولم تجب كانت تريد كسب المزيد من الوقت وهمست :
أحقاً لم تعرفني؟
صرخ ماهر بغضب:
ابتعدي بسرعة ليس لدي وقت للعب الأطفال هذا!
تمتمت شروق وهي تنظر له بتحدٍ :
أنت تنسى ضحاياك بسرعة .. هل هذا معناه أنهم كثيرو العدد؟
لم يعد ماهر يحتمل شروق أكثر ونظر خلفه وحوله بترقب وخوف ثم أخرج مسدسه من سترته ..
تجمدت شروق في مكانها وهي تنظر إلى فوهة المسدس وصرخ ماهر :
ستبتعدين أم أستخدم معك العنف!
قالت شروق بعناد وهي تحاول تعطيله :
لقد سرقت شيئا من عيادتك، وهو مع شقيقي ولسوف يسلمه لرجال الشرطة ..
ضحك ماهر بمكر وقال :
لا جدوى من الكذب فليس في عيادتي أي شيء يدينني ..
ثم نظر لوجه شروق ملياً فتذكرها،، ولذلك قرر أ يضغط على زناد مسدسه ولكن قبل أن يقوم بذلك سمع صوتا هادئا يتمتم من خلفه :
ماهر أخفض مسدسك قبل أن أفجّر رأسك الحقير ..
تجمد ماهر في مكانه وهو لا يصدق أنه يسمع نبرة صوت المجهول !!
التفت ببطء وحدق في وجه سامي بذعر كمن رأى شبحا وتلكأ وهو يكلم نفسه:
كـ .. كيف عدت!
في تلك اللحظة ارتفعت أصوات سيارات الشرطة التي تعلن عن اقترابها، فارتبك الجميع واستغل ماهر الفرصة فأطلق عيارا ناريا نحو سامي وركض هاربا بكل سرعته ..
لم يصب سامي بذلك العيار الناري وانطلق راكضا خلف ماهر ..
ترقبت شروق ظهور سيارات الشرطة وشاهدت هاني وهو يركض بآلة التصوير خاصته محاولا اللحاق بماهر وسامي ..
اختفى الجميع في غضون لحظات وظهرت سيارات الشرطة مقتربة بأنوارها الزاهية من آخر الطريق، كان أسامة في تلك اللحظة خارجا من المبنى وهو يحمل آدم وتسير ندى خلفه بإرهاق ..
لم تصدق شروق عينيها عندما شاهدت أسامة يخرج حياً من الداخل، والأكثر من ذلك، لقد أعاد آدم وندى أيضاً ..
" يالك من بطل حقيقي! "
ركضت شروق نحوهم وهي لا تقوى على حبس دموع السعادة وساعدت ندى على السير ..
وصلت سيارات الإسعاف في خلال ثوان أخرى، ورحل الجميع بينما بقي أسامة برفقة الضابط وائل ..
تكلم أحد رجال الشرطة قائلاً :
سيدي الجميع بخير .. في السرداب الآخر وجدنا السيدة نور، زوجة المفتش هشام ، لقد أقلتها سيارة الإسعاف ..
بدا وائل حزينا ومرهقا وتساءل وهو ينظر إلى أسامه :
هل شاهدت هاني؟ إنه صحفـ ..
تمتم أسامة :
أجل .. لقد لحق بالمجهول ..
صعق وائل وصرخ مذهولا:
ماذا! لحق بمن!؟؟
بالمجهول!
هل وصل المجهول إلى هنا!!
صمت أسامه للحظات ثم قال:
لقد ذهب المجهول ليلحق بماهر ولحق به هاني .. لكنني لا أعرف أين يمكن أن يكونوا ..
زفر وائل بضيق ونظر إلى رجال الشرطة وهم يخرجون رجال ماهر القتلى ثم تمتم :
الآن عرفت من ارتكب تلك المذبحة !!
صمت أسامة وهو يكبت ضحكته ولم يقل أنه شارك فيها ..
" فما أجمل أن ترسم ملامح البراءة على وجهك !! ستلتصق تهمة رجل العلية المقتول في سامي أيضاً "
----------------------------------------------------------------
سيدي هارون!
صرخ هارون منزعجاً :
ما الأمر؟
هناك رجل من رجال ماهر يريد التحدث إليك!
شعر هارون بالقلق ووقف خارجاً من غرفة نومه بسرعة، كان احد رجال ماهر الذين استطاعوا الهروب من تحت رحمة المجهول ..
كانت الدماء تغطي وجهه وقال وهو يلهث :
سيدي هارون! لقد كشف أمرنا، لقد وجد رجال الشرطة كل الأسرى الموجودين في سرداب الطبيب!
ذعر هارون وتساءل بسرعة :
هل قبض رجال الشرطة عليه؟
لقد هرب!
صرخ هارون :
والرجال الباقين؟
لقد قتلوا جميعاً .. قتلهم الـ .. المجهول!
أصيب هارون بصدمة كبيرة وهتف مذهولاً :
سامي! ألا يموت ذلك الشبح أبداً ..
صعد هارون ليبدل ملابسه وقال لأحد رجاله :
تخلّص من هذا الرجل لا أريد المزيد من الشهود!
وماهر؟
ضحك ضحكة شريرة وهو يقول:
سيأتي بعد قليل إن استطاع أن يفلت من قبضة سامي .. ولا أظن أنه سيستطيع الإفلات .. والبلورة أنا من خبئها في مكتب ماهر وسأجدها بعد أن ينتهي الأمر .. وعلاوة على ذلك .. ليس هناك أي دليل يربطني بجرائمه ..
**********
كان المجهول ينظر إلى ماهر، ظل يلتقط أنفاسه من الركض الذي كان بلا جدوى حتى هذه اللحظة .. تكلم المجهول بنشوة :
ليس أمامك مكان تفرّ إليه .. حتى لو وصلت للمريخ ستجدني خلفك ..
كان الظلام يعم المكان والأشجار تصدر أصواتاً مخيفة وهي تهتز مع الرياح وكأن الأشباح تجوب المكان ..
لم تلتقط آلة تصوير هاني المختبئ بين الأشجار صورة جيدة ولكنها سمعت أي شيء يصدر صوتاً بوضوح شديد ..
تمتم ماهر وكلامه يتقطع من الخوف :
ألا تذكر! لقد أحببتك وانتشلتك من اليتم وكـ .. كنت لك أباً، هل ستقتلني؟ اسـ .. اسمع .. أنا لا أعرف والديـ .. والديك .. لقد أجبرني هـ .. هارون على قتلك .. لم أكن أرغـب بـذلـ .. ..
صرخ سامي بغضب :
اخرس ..
صمت ماهر والذعر يملأ عينيه وهو يترقب حركة سامي القادمة، مد سامي يده في جيبه وهو يحدق بعينيه الفاحمتين في عيني ماهر ..
ثم أخرج من جيبه البلورة ..
كانت تشع بضوء خافت وصرخ ماهر مذعوراً :
كـ .. كيف وجدتها .. كيف!!!؟؟
لقد جعلتموني أرتكب الكثير من الجرائم من أجل تحصلوا عليها .. وفي النهاية .. ألقيتم بي من أعلى جبل، عشت على الخداع والكذب من أجل بلورة تافهة لا معنى لها ..
صمت سامي للحظات ثم أكمل :
كم شخصا تعذب بسببها؟ كم شخصاً قتل؟ من أجل طمع شخصين في شيء غير معروف ما إذا كان صحيحاً ..
نظر ماهر إلى البلورة بحسرة فهمس سامي :
عشت مجهولاً، لا عائلة ولا أصدقاء .. وأظن أن الآن قد حان لكي تموت وأنت تنظر إليها .. سأضيفك إلى قائمة قتلاي غير آسف!
لم يكد يسمع ماهر تلك الكلمات حتى اخترقت قلبه رصاصة من مسدس سامي ..
سقط ماهر على الأرض بلا حراك وارتجف ماهر وهو يصوّر ذلك،، التفت سامي واقترب متوجهاً نحو هاني ..
ثبت هاني في مكانه وقال محاولاً تهدئة نفسه:
" من المستحيل أنه يقصدني، لم يشعر أحد بوجودي .. "
كان ينظر من خلال آلة التصوير وأزاحها من أمام وجهه ليرى سامي يقف أمامه وتلك النظرة المرعبة في عينيه ..
فزع هاني فسقط على الأرض وصوّب سامي مسدسه نحو رأس هاني وتمتم بخفوت :
أعطني الشريط ..
لم يصدق هاني أن شريطه الخطير سيضيع بتلك الطريقة ..
احتضن هاني آلة التصوير ونظر بثبات .. حقاً لم يكن يوّد التفريط بالشريط ولكنه سيقتل وسيأخذ سامي الشريط في كل حال ..
صرخ سامي :
أعطني الشريط!!
بيد مرتجفة أخرج هاني الشريط وسلمّه إلى سامي فأخذه وألقى بالبلورة إليه وهو يقول:
خذ هذه وسلمها لرجال الشرطة .. لا تكن فضولياً حتى لا تقتل مثل صديقك!
التقط هاني البلورة وتذكر هشام وهو ينظر إليها بهدوء وابتعد سامي حتى اختفى وسط الأشجار ..
وقف هاني ووضع البلورة في جيبه، كان مقهوراً على ذلك الشريط الذي كان سيضحي بحياته لتصويره!
لم يعد هناك أي شيء يدين هارون بعد الآن ..
-------------------------------------------------
كانت ندى تجلس بجانب شروق قبالة سرير آدم ..
لم تتوقف الفتاتان لحظة واحدة عن البكاء، بينما أصيبت والدة آدم بحزن شديد أفقدها وعيها ..
ربما لن يستيقظ آدم مجدداً ..
مرّ وقت طويل وأشرقت شمس يوم جديد، دخل أسامه ووقف عند باب غرفة آدم وتأمل وجه صديقه الوحيد بألم ..
فتح آدم عينيه ببطء ..
لم تصدق شروق ذلك فصرخت :
آدم ..
جففت ندى دموعها واقترب أسامة من سرير آدم ..
همس آدم بتعب :
أريدكم أن تدفنوني هناك .. في ذلك المكان الجميل .. عند السياج الأخضر ..
هتفت شروق ودموعها تتساقط على كف آدم الذي تمسكه بقوة :
لا تقل ذلك، سوف تكون بخير .. أرجوك كف عن إخافتي!
نظر آدم إلى أسامة وقال بتعب :
أسامه .. لا تتخلى عن ثقتك، وأشكرك .. على كـ .. كل شيء فعلته من أجلي .. أخبر أمي .. أنني سألحق بوالدي وخالي ..
احتشدت الدموع في عيني أسامه ولم يستطع التنفس عوضاً عن قول أي شيء ..
توجهت نظرات آدم إلى ندى وابتسم ابتسامة رقيقة وهمس:
أرجوك لا تبكي يا ندى .. و انت أيضا يا شروق ..
نظر إلى شروق أيضاً وهمس :
سأظل بينكم دائماً .. هذا وعد ..
صمت آدم وتوقفت نظراته وأنفاسه عن الخروج ..
أجهش أسامة بالبكاء وتوجه مندفعاً إلى الخارج، أصيبت ندى بحالة صدمة ولم تستطع فعل شيء سوى البكاء أما شروق ففقدت عقلها وهي تهز آدم بعنف حتى يستيقظ ..
--------------------------------------------------------
التف الجميع حول السياج الأخضر ...
هنا دفن آدم الكبير ..
ومعه ..
دفن آدم الصغير ..
كان هذا من أسوأ الأيام التي مرت على مدينتنا، رأيت حزناً عجيباً في عيون أصدقاء آدم الصغير ..
في يوم تلك الجنازة ألقيت بالبلورة في بحيرة " وشاح الأمل الأزرق " ..
كان أسامة ووائل برفقتي .. وشاهدا ذلك .
لن يجد أحد أبداً تلك البلورة الملعونة، كان هناك أشخاص يستحق تكريمهم والوقوف لهم تحية شرف ..
آدم الكبير ..
يوسف والد آدم ..
آدم الصغير
هشام ..
وائل
أسامة ..
و
المجهول ..
بعد أسبوع واحد وجدت طردا وصل إلى المكتب وبه الشريط الذي قمت بتصويره ..
مكتوب في رسالة صغيرة :
" قمت باقتباس آخر الشريط وأعدته لك، أوقع بهارون أرجوك .. مع تحياتي : المجهول "
تكفلت نور زوجة هشام بقضية هارون، قبض على هارون أخيراً ..
شهد عليه الكثير من الشهود منهم السيدة " منى" والدة آدم وبالاستناد إلى شريط الفيديو الذي قمت بتصويره له مع ماهر،، حكم عليه بالإعدام ..
قرر أسامة أنه لن يتخلى عن شروق ووالدة آدم أبدا ...
كذلك ستظل علاقة صداقة قوية تربطهم مع ندى ووالدتها الطبيبة نهى ..
أما أنا فقد أخبرت والدتي بقصة حبي الطويلة ..
قررت فعل شيء ما من أجلي، وقمت بخطبة ريم أخيراً وأصبحنا نعمل مع بعضنا بشكل أفضل ..
لا أعرف أين ذهب ذلك الصعلوك سامي ولكني أظنه رحل يبحث عن حياة جديدة ....
كانت تلك من أغرب القصص التي صادفتها في حياتي .. وبهذه الكلمات أنهيها ..
هاني
تمت بحمد الله