دائماً ما تشهد عملية السقوط الحضاري ومن ثَم التاريخي لأي أمة من الأمم على مر العصور انقلاباً في الموازين وازدواجاً في المعايير..
فمثلاً قد تُبتلى أمةٌ ما بالعديد من الانتكاسات والهزائم.. أو ربما طَلبت دوائها من عدوها.. بينما تجد أُخرى يُصِر عناصر منها بيدهم الأمر -وهم أبعد ما يكون عن الأمر- على ترك الصواب بل واجتنابه والبحث عن طريق الفناء والدمار لأمتهم مقابل جيفة الدنيا من أموالٍ وسلطة..
وليس أمر كل هذا بعجيب!!
إنما العجيب في أن تتنكر أمة ما لليد الكريمة التي أنقذتها.. وأن تحاول البحث جادةً عن نفسها عن طريق لعن الذين أنقذوها والذين تربطهم بها صلات عقدية وحضارية وتاريخية..
وبدلاً من البحث عن حلول عملية لإصلاح وشكر الذين وقفوا بجانبها.. بدلاً من هذا كله تُحرِّف تاريخها لتلعنهم.. وتزيف الحقائق لتُحِيل إليهم وحدهم أسباب تَخلُّفِها .. مع أنها لم تستطع بعدهم أن تتقدم شيئاً بل وقعت في أحابيل أشرار البشر!!
كان هذا بالضبط هو موقف بعض العرب من الدولة العثمانية التي حمت الحضارة الإسلامية والعرب لخمسة قرون من الزمان..
أليس من المضحك حتى البكاء أم من المبكي حتى الصراخ أن تمر هذه القرون على بعض كتابنا في العالم العربي مرَّ السحاب؟!!
بل إن بعضهم تجرأ على وصف الحركات التي ناهضت الدولة العثمانية ووقفت ضدها بالحركات الإستقلالية!!
وكأن الدولة العثمانية في نظر هؤلاء لا تعدو أن تكون إستعماراً.. والإنشقاق عنها تحرراً متجاهلين تماماً لوشيحة الإسلام التي تربط العثمانين بالعرب!!
ناهيك عن إن الإنفصال عن العثمانيين كان لحساب الإستعمار الأوربي الذي كان يقوده مغذِّياً في العرب روح الإنفصال لمصلحته..
وهاهم العرب قد تحرروا كما أرادوا وسقط آل عثمان وسقط بعدهم ومعهم العالم الإسلامي بلداً بلداً.. وتفككت بينهم أواصر المحبة والوحدة بينهم..
ونال العرب حظهم من كل ما أصاب العالم الإسلامي.. وانحدرت بهم قوميتهم العربية إلى أسفل سافلين..
ولعل الأقدار قد لقنتهم أقسى الدروس حين زرعت في قلبهم شوكة الصهيونية تؤرق مضجعهم وتنتقم للخلافة الإسلامية التي سقطوا حين ساعدوا في إسقاطها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
بقي أن أذكر أنني استفدت في كتابة موضوعي من:
*- أوراق ذابلة من حضارتنا لــ د\ عبد الحليم عويس..
*- سلسلة محاضرات بعنوان فلسطين الحبيبة لــ د\ راغب السرجاني..