***
اظنُ بان فصل الشتاء قد حلَ , و لكنَ بطعم و شكل مختلفين عما كنتُ أعهدهُ سابقاً , فانا لم اعد اشعرَ ببرده فطغيان برد قلبي هو ما جعل مشاعريَ متجمده شبه ميته و متلفه , لم اعد اشعر بوجود او غياب احد عكس حاجتي السابقة للجميع..
بعد جهد استطعتُ ان احمل يدي المرتجفتين لاضعهما على وجهي فاتحسسه ببطء و مراره , لم البث طويلا حتى استجمعتُ ما كان في رئتيَ من اكسجين و مابجسدي من قوة و ما تبقى في قلبي من اطياف الشجاعه لاقوم بازالة هذا الضماد الذي سئمتُ ملازمتهَ امله ان ارى وجهي القديم مرة اخرى لعلي انسى بعضا من جرعات الألم الخانقه , الساعة كانت تشير للثانية عشر بمنتصف الليل , ازلتُ المغذي الممتد لذلك الكيس و رفعت كلتا يدي لاحرر وجهي
و فجاءة..
فتح الباب ليعلن عن دخول والدتي الصارخة التى اسقطتَ كأس الماء الذي كانت تحملهُ حالما وقعتَ عينيها علي !
هرع كل من والديَ و ذالك الدكتور للداخل بعد سماع صرخات والدتيَ التى حالما وقعت ارضاً و اخذتَ تضربُ راسها بيدها باكيهَ منتحبه!
لم تكن المراءه الملتصقه بالخزانه المجاورة لي بعيده فنهضت من فوري غير ابههَ لوجود احد , لا بصرخات و انات امي و لا باقبال الممرضات المسرعات نحوي..
حالما وقفتَ امام تلك المراءه لم تعد قدماي قادرتان على حملي فسقط ارضاً , أنا خائفة من هذ؟
من هذا الوحش الذي امامي؟ من؟
كيف للأنسانَ ان يخشى من ماهو عليه؟
***
استوجب علي ذلك اليوم مراجعة المستشفى لاستكمال اوراق سامي ابن خاليَ الوحيد خالد بعد خروجه بالسلامة , غير مدرك بما سيخبأءه لي هذا اليوم من مفاجأت بالذات و كيف سيقلب مجرى حياتي راسأ على عقب..
استغرقتُ لاخراج و اكمال الاوراق المتعلقة باخراج سامي وقتاً اطول مما كنتُ اتخيل , و خلال هذه الفترة كنتَ المح و القى نظرات متتالية لساعة يدي تارة بعد الاخرى , فأنا لستُ ممن يحبذون المستشفى و لا البقاء فيه , و بصراحة بعد وفاة والديَ رحمه الله كرهتُ رائحة المشفى , حتى بمرضي لا الجأ للمستشفى قط الا ان خاليَ بلا معين يحتاج لمن يساعدهُ على إعانة ابنهِ الوحيد..
مضت الساعتين كمرور السلحفاة على الطريق كما لم اصدقَ انني انتهيتُ و اخيراً من هذا المكان الخانقَ و الاوراق الا منتهيه , ساشق طريقي لاصدقائي القدامئ بعد تناول وجبة لذيذه بعد هذا الجوعَ..
لكن صوت صرخات عالية منبعثه خارج غرفة دكتور ابن خالي سامي شدتني و انتشلتني من احلامي و افكاري , لم اتريث بل اسرعتُ لتفقد مايجري خارجاً!
اناسَ كثر متجمعين على بعضهم البعض و الضوضاء تعج ارجاء المكان , هذا يقول كذا و ذاك كذاك , هذا يسال عما يجري و ذاك يخمن و الاخر يخبر ما جرى و ما راى , لم اعلم ما الموقع الذي كنتُ احتلهُ بينهم جميعهم سواء انني قدمتُ لتفقد مايجري بفضولٌ شدني و قدمَ حركتنيَ!
اخترقتهمَ واحد تلو الاخر للوصول لما شدهم و سبب انبعاث تلك الصرخات , بعد جهد و عناء كبيرين تكبتهما للوصول صعَدتُ السلالم التى كانتَ توديَ (للسطح)!
لامست لفحات الهواء البارد أنحاء جسدي فقشعر لذلك لكنَ ما راتهُ عيناي حينها جعلاني اغض الطرف عما كان جسمي يشعرُ بهَ وقتها!
فتاة واقفة امام الحاجز الذي تفصلهُ كيلومترات عن الوصول لنهاية الارض و التحطم !
لا اعلمَ ماسبب وقوفي مكتوف الايدي في هذه اللحظة بتصلب و تجمد اهوّ برد الطقس ام عجزي عن التصرف بموقف اصادفهُ للمره الاولى في حياتيّ!
***
خسارتيَ , خسارة فادحة لا تعوض ,لا يمكن للانيه المكسورهَ العودة جديده كما كانت سابقاً , خطأ خلفهُ خطأ , كبير فأكبر , كيف للكلمات ان تعبر عن الاحباط و الياس اللذان يعتريناني خلفهما لي رؤية وجهي المشوه ذاك تلك الليلة !
جلُ ما تملكهُ الفتاة اثنان منحها الخالقٌ العظيم جل جلالهُ اياها , احدهما "جمال الوجه و الطله" و ثانيهما "الخلق والسمعة و الشرف" , كيف لي ان اعيش و قد خسرتُ كلا الاثنين بالآن ذاته! فمايعتصرُ قلبي و يذيب مهجتي انني الملامهَ الوحيده لا لوم لي و لا عتاب لاحدٌ فما جنيتهُ كان بسبب قلبي..
قلبي!
يجب عليه التوقف يكفينيٌ تعباً و شقاءاً سانتقمَ منهَ بنفسي لاضع نهايةً لمعاناتي حتى ارتاحَ..
ان تزهق روحاً ! امراً لم يخطر ببالي قط فكيف لي ان اقدم عليهَ! و بنفسي!
اتجهتُ للاعلى(السطح) و أنا على يقين بانَ
العذاب , المعانأة , الخزي , العار , الخوف
لن يكونَ لهم وجود معي هنا بعد الان!
اغمضتُ عيني و اخذتُ نفساً عميقاً استجمعتُ فيه ذلك الضعف الذي لا يمت للشجاعة بصلة على ما انا مقبله عليه, كان أكبر احلامي و انا طفلة قبل سنوات مضتَ ان اصارع الموتَ و انا عجوزاً كاهلَ متعبه منهكة القوى تنطق شفتاي (التشهد) قبل مغادرتي هذه الحياة بسعادة كاسبة اياها مع الاخره فيبكي احبابي و اعزائي علي فقداً و اتلقى دعوات طيبة بغربتي داخل التراب , لكن ليستَ جميع احلامنا تتحقق نحنُ لا نتحكم و لا نفرض راينا و امنياتنا على القدر ! و لا نخط بيدينا مستقبلنا كما لا نستطيع تغير ماضينا, انها دنيا و ليستَ جنه..
تــــــــوقفـيّ يامجنـونة ..
هزت تلك الصرخة كياني و ايقظتني لافتح عيني لاراى الارتفاع الشاهقّ الذي انا عليهَ و الوفر الغفير من الناس المتجمعه في الاسفل , فمنهم من يلتقط الصور و منهم من يصرخ و منهم من يحمي عينيه بكلتا يديه من مشاهدة فليم سينمائي مرعب على وشك البدء !