بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله عز وجل أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم النبيين وإمام المرسلين، وأنزل عليه القرآن الكريم معجزة خالدة وباقية إلى يوم الدين، وحفظه من أي زيغ أو تبديل أو تحريف، فلا يزاد حرف فيه ولا ينقص، قال تعالى: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] وضمن الله حفظه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ومازال المسلمون على مر العصور والأزمنة يقرءون القرآن ويتعبدون الله بما فيه من أوامر ونواهٍ، يقفون عند حدوده ويحفظونه ويتعبدون الله بما فيه.
غير أن الروافض الشيعة خالفوا المسلمين في هذا الأصل الأصيل، فكتبوا وألَّفوا واعتقدوا كذبًا وبهتانًا أن القرآن الذي بين أيدينا الآن ناقص وحُرِّف فيه وبُدِّل (وإنا لله وإنا إليه راجعون).
وبنظرة عابرة في كتبهم ومراجعهم يظهر ذلك واضحًا جليًّا. أقوال علماء الشيعة وأئمتهم في أن القرآن الذي بين أيدينا محرَّف، زيد فيه ونُقص: • هذا الكليني شيخ الشيعة وعالمهم المبجل مجدد الزمان عندهم، وكتابه (الكافي) أفضل وأمجد كتب الشيعة:
روي فيه وبين جليًّا اعتقادهم أن القرآن الذي بين أيدينا محرف وناقص:
فقال في (الكافي 2/851) كتاب "فضائل القرآن":
عن علي بن الحكم عن هشام بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية"
والمعروف أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية، ومعناه أن ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح، والموجود هو الثلث (1).
ونسب ذلك القول لجعفر بن الباقر، كما ذكر الكليني في كافيه أيضًا تحت باب "ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام":
عن أحمد بن محمد عن عبد الله الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترًا بينه وبين آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم عليًّا عليه السلام بابًا يفتح له منه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض، ثم قال: إنه لعلم، وما هو بذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد! وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعًا بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا (كأنه مغضب) قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، علم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال قلت: إن هذا هو العلم، قال إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة" (2).
وقال أبو الحسن العاملي:
"اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات" (3). • وقال نعمة الله الجزائري في كتابه (الأنوار النعمانية):
"إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلامًا، ومادة، وإعرابًا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها" (4).
والأخبار في ذلك كثيرة جدًّا، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب: (الشيعة والقرآن) للشيخ إحسان إلهي ظهير؛ فهو كتاب ألف في هذا الباب وجاء بأقوالهم وفضحها. ويجاب على هذا القول بتحريف القرآن بما يلي:
أولاً: من قال بتحريف القرآن فإنه مكذب بالقرآن؛ فالله قد تكفل بحفظه وبين ذلك في كتابه.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وقال تعالى : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت : 42].
وقال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، وقال تعالى: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23]، وقال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، فهذه الآيات وأضعافها تبين لنا وتوضح أن القرآن الذي نزل به جبريل عليه السلام هو الذي بين أيدينا، والله قد حفظه من أي تبديل أو تحريف
قال الطبري رحمه الله: قول تعالى ذكره: {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ} وهو القرآن {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قال: "وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه" (5). ثانيًا: قد جاء في السنة ما يفيد أن الصحابة كانوا يكتبون القرآن على عهده صلى الله عليه وسلم، بل كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي يكتبونه ويحفظونه:
عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء رضي الله عنه، يقول: لما نزلت: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، فجاء بكتف فكتبها، وشكا ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] (6).
وعن شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين، قال: ودخلنا على محمد ابن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين" (7).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنما ترك ما بين الدفتين" يعني القرآن، والسنة المفسرة له والمبينة والموضحة، أي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا} [فاطر: 32] (8).
قال الحافظ في "الفتح": وهذه الترجمة (9) للرد على من زعم أن كثيرًا من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتًا في القرآن وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة؛ لأنهم لم يكتموا مثل: "أنت عندي بمنزلة هارون من موسى" وغيرها من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه (10).
و عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم كتاب؟ قال: " لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر" (11). قال ابن حجر رحمه الله:
"لأن عليًّا أراد الأحكام التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينف أن عنده أشياء أخر من الأحكام التي لم يكن كتبها، وأما جواب ابن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى، أو أرادا مما يتعلق بالإمامة، أي: لم يترك شيئًا يتعلق بأحكام الإمامة إلا ما هو بأيدي الناس، ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق، مثل حديث عمر: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة، قال: "فأنزل الله فيهم قرآنًا: بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا" وحديث أبي بن كعب: "كانت الأحزاب قدر البقرة" وحديث حذيفة: "ما يقرءون ربعها" (يعني براءة)، وكلها أحاديث صحيحة" (12).
وعن الحارث المحاسبي في كتاب (فهم السنن) قوله: "إن كتابة القرآن ليست محدثة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته"، وقال أبو بكر الأنباري: "إن اتساق السور كاتساق الآيات والحروف، كلّه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قدّم سورة أو أخّرها فقد أفسد نظم القرآن".
وقال الإمام مالك برواية ابن وهب: "إنما ألّف القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال البيهقي: "كان القرآن على عهد رسول الله مرتبًا سوره وآياته على هذا الترتيب".
وقال البغوي في (شرح السنّة): "إن الصحابة قد جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير أن يزيدوا وينقصوا منه شيئًا؛ خوف ذهاب بعضه بذهاب حفاظه، فكتبوه كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يقدموا شيئًا أو يؤخروه، أو وضعوا ترتيبًا لم يأخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إيّاه على ذلك" (13). وقد جُمع القرآن في عهد الصديق رضي الله عنه:
عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه (وكان ممن يكتب الوحي) قال: "أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن"، قال أبو بكر: قلت لعمر: "كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتَّهمك، "كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: "كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟" فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر (14).
هذه مراحل جمع القرآن وحفظه، فلا يصح أبدًا القول بتحريف القرآن؛ فهذا كذب وكفر وبهتان عظيم.
قال القاضي عياض رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] إلى آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفًا قاصدًا لذلك أو بدَّله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدًا لكل هذا أنه كافر" (15).
قال ابن قدامة رحمه الله: "ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقًا عليه أنه كافر" (16). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"أما من اقترن بسبه دعوى أن عليًّا إله أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره.
وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك (وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية) وهؤلاء لا خلاف في كفرهم" (17). الرد على شبهة عدم قراءة البسملة وهل هي من القرآن؟
يدعي الشيعة ويزعمون أنه قد وقع تحريف للقرآن عند أهل السنة، واستدلوا لذلك الزعم باختلاف علماء السنة في البسملة، وهل هي آية من كل سورة؟ وأن هذا دليل على أن في القرآن زيادة ونقصًا. ويجاب عليهم بما يلي:
أولاً: منشأ الخلاف هو هل يبدأ ترقيم الآيات من البسملة أم من أول آية في السورة؟ وليس الخلاف حول هل نترك البسملة في القرآن أم نزيلها؟ كيف يمكن ذلك والبسملة ثابتة في النسخة الأصل؟ فلم يشكك أحد في كونها ثابتة في الأصل، ولا دعا أحد إلى إزالتها من القرآن.
ثانيًا: والدليل على ذلك أن البسملة مثبتة في كل السور ما عدا سورة التوبة، ولم يخالف أحد في ذلك
ثالثًا: ويمكن للبسملة أن تثبت في القرآن ولا تكون آية منه، مثلما أن الله أمرنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن، فهل تصير الاستعاذة آية أم لا؟
رابعًا: هذه الشبهة أطلقها الرافضة الذين ثبت عندهم تصريح كبار أئمتهم بالإجماع الرافضي على وقوع التحريف في القرآن، إلا من شذ كالمرتضى والصدوق والطبرسي؛ لمصلحة سد باب الطعن على القرآن، حتى لا يقال: كيف يجوز أخذ القواعد والأحكام من كتاب محرف؟ (الأنوار النعمانية 2/357).
خامسًا: فسارعوا إلى القول بأن الخلاف حول البسملة يلزم منه التحريف؛ للحاجة الماسة عندهم للحصول على أية ذريعة تشغل أهل السنة وتصرفهم عن اتهام تصريح علماء الرافضة بأن القرآن محرف
سادسًا: كبار علماء الرافضة لم يقولوا بأن القرآن محرف بناء على قضية البسملة، وإنما زعموا أن الصحابة حذفوا منه الآيات التي تنص على إمامة علي وأهل بيته.
سابعًا: لماذا لم يتهم علماءُ أهل السنة المختلفين حول الآية بأنهم قالوا بتحريف القرآن، ولم يقل ذلك إلا الشيعة؟ ألِأَنهم يغارون على القرآن؟
ثامنًا: إن الشيعة الذين صرحوا بأن القرآن وقع فيه التحريف هم الذين يأتون اليوم بهذا الاتهام الجديد الذي ما وجدنا أسلافهم قد تكلموا عنه (حسب علمي).
تاسعًا:لم توجد فِرقة من فرق المسلمين على تفاوت انحرافها تطعن في القرآن وتصرح بوقوع التحريف فيه مثل الرافضة الذين فتحوا بقولهم القرآن محرف، فتحوا بابًا في الطعن على الإسلام يدخل منه اليهود والنصارى.
عاشرًا: هل يعقل أن يجمع الصحابة القرآن ثم يختلفوا فيه بعد جمعه؟ هذا ما يريده أن يقوله لنا الرافضة، الذين يحتجون علينا في عدم تضمن مصحف ابن مسعود المعوذتين، أو دخول الداجن على منزل عائشة وأكلها صحيفة من القرآن.
حادي عشر: إننا نجد أن الاختلاف وقع في عهد عثمان على كيفية التلفظ بالقرآن؛ مما استدعاه إلى أن يجمع القرآن على لهجة قريش حسمًا لمادة الخلاف، مما يؤكد على أن الخلاف لم يقع على إثبات آية أو حذفها بعد الجمع، ولم ينقل إلا الاختلاف على قراءة القرآن بلغة من اللغات. وهذه بعض أقوال الشيعة من كتبهم تثبت وجود الخلاف في قراءة البسملة أو الإسرار بها، أو تركها:
عن محمد بن مسلم قال: سألت أبي عبد الله عن الرجل يكون إمامًا يستفتح بالحمد ولا يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" قال: "لا يضره، ولا بأس عليه" [تهذيب الأحكام (2/288)، وسائل الشيعة (62)].
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 1، 2]، ثم قرأ السورة التي بعد الحمد، ولم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم قام في الثانية فقرأ: "الحمد لله" ولم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم" [تهذيب الأحكام 2/ 288 وسائل الشيعة 6/ 62]. (18)
قال صاحب عون المعبود (2/ 353): "واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفًا مجمعًا عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع، ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة النمل، ولا خلاف في إثباتها خطًّا في أوائل السور في المصحف إلا في أول سورة التوبة.
وأما التلاوة فلا خلاف بين القراء السبعة في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة إذا ابتدأ بها القارىء (ما خلا سورة التوبة)، وأما في أوائل السور مع الوصل بسورة قبلها فأثبتها ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي من القراء في أول كل سورة إلا أول سورة التوبة، وحذفها منهم أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر، كذا في (النيل).
والرد على زعمهم أيضًا أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرًا محتسبًا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين"، أن هذا الحديث باطل؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 339): رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس، ذكره الذهبي في (الميزان) لهذا الحديث،
وقال الذهبي في (الميزان) (3/ 639) في ترجمة محمد بن عبيد: تفرد بخبر باطل وذكر له هذا الحديث. الرد على شبهة حديث عائشة في أكل الدواجن للقرآن:
الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه (1944): قال حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة، عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، قالت: "لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرًا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها".
وأخرجه أحمد (6/269) وأبو يعلى في المسند (4587) والطبراني في الأوسط (8/12) وغيرهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم به.
والعلة في هذا الحديث هو محمد بن إسحاق؛ فقد اضطرب في هذا الحديث وخالف غيره من الثقات.
وهذا الحديث يرويه ابن إسحاق على وجهين:
فمرة يرويه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة.
ومرة يرويه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
ومرة يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة كما عند أحمد (6/269) وليس فيه هذه اللفظة المنكرة.
وفي كل هذه الروايات تجد أن محمد بن إسحاق قد خالف الثقات في متن الحديث؛
فالرواية الأولى رواها ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: "لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرًا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها".
وقد روى هذا الحديث الإمام مالك رحمه الله عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة، قالت: "نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ من القرآن" كما في الموطأ (2/608) ومسلم (1452) وغيرها، وكذلك أخرجه مسلم (1452) عن يحيى بن سعيد عن عمرة بمثله، فتفرد محمد بن اسحاق بذكر لفظة "وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها"، وهي زيادة منكرة لا تثبت.
وقال الزيلعي رحمه الله: وأما ما يحكى أن تلك الزيارة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض (19).
وقال الجورقاني في كتابه (الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير) بعد ذكره للحديث وبه هذه الزيادة:
"هذا حديث باطل، تفرد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث (20)، وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب" (21). ــــــــــــــــــ (1) الشيعة والقرآن، إحسان إلهي ظهير رئيس تحرير مجلة ترجمان الحديث لاهور باكستان (ص 14).
(2) الكافي للكليني (1/353).
(3) المقدمه الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الاسرار ص 36، وطبعت هذه كمقدمه لتفسير البرهان للبحراني.
(4) الأنوار النعمانية (2/357).
(5) تفسير الطبري (17/68).
(6) أخرجه البخاري (2831)، ومسلم (1898).
(7) أخرجه البخاري (5019).
(8) تفسير بن كثير (1/57).
(9) يعني قول البخاري "باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين".
(10) فتح الباري (9/65).
(11) أخرجه البخاري (111)، وأخرجه مسلم (1370).
(12) فتح الباري (9/65).
(13) نقلاً من كتاب التفسير الحديث (1/84) لدروزة محمد عزت.
(14) أخرجه البخاري (4679).
(15) ينظر: كتاب الشفاء الصفحة: (1102- 1103)
(16) لمعة الاعتقاد ص (19).
(17) الصارم المسلول على شاتم الرسول (586).
(18) در هذه الشبهة الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله، نقلاً من "صيد الفوائد".
(19) تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري (3/94).
(20) والراجح في محمد بن اسحاق أنه صدوق يدلس، يحسن حديثه إن صرح بالتحديث.
(21) الأباطيل والمناكير (2/184).
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |