اعقلوا عن لقمان الحكيم ما تسمعون الحمد لله ذي الطول والآلاء ، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء ، وعلى آله وأصحابه الأتقياء . أما بعد فإن شرف المطلوب بشرف نتائجه ، وعظم خطره بكثرة منافعه ، وبحسب منافعه تجب العناية به ، وعلى قدر العناية به يكون اجتناء ثمرته ، وأعظم الأمور خطرا وقدرا وأعمها نفعا ورفدا ما استقام به الدين والدنيا وانتظم به صلاح الآخرة والأولى ؛ لأن باستقامة الدين تصح العبادة ، وبصلاح الدنيا تتم السعادة . في ادب النفوس للامام ابوبكر الاجري رحمه الله عن الحسن ، في وصية لقمان لابنه قال : يا بني لا تنتفع بالإيمان إلا بالعقل ، فإن الإيمان قائد ، والعمل سائق ، والنفس حرون (1) ، فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق ، فلم تستقم لصاحبها ، وإن فتر قائدها حرنت ، فلم ينتفع سائقها ، فإذا اجتمع ذلك استقامت طوعا وكرها ، ولا يستقيم الدين إلا بالتطوع والكره ، إن كان الإنسان كلما كره من الدين شيئا تركه ، أوشك أن لا يبقي معه شيء من دين الله عز وجل ، فلا تقنع لنفسك بقليل من الإيمان ، ولا تقنع لها بضعيف من العمل ، ولا ترخص لها في قليل من معصية الله عز وجل ، ولا تعدها بشيء من استحلال الحرام ، فإن النفس إذا أطمعت طمعت ، وإذا أيستها أيست ، وإذا أقنعتها قنعت ، إذا أرخيت لها طغت ، وإذا زجرتها انزجرت ، وإذا عزمت عليها أطاعت ، وإذا فوضت إليها أساءت ، وإذا حملتها على أمر الله صلحت ، وإذا تركت الأمر إليها فسدت ، فاحذر نفسك واتهمها على دينك ، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها ، ولا بد منها ، فإن لا حاجة لك في باطلها ، ولا بد لك من تهمتها ، ولا تغفلها عن الزجر فتفسد عليك ، ولا تأمنها فتغلبك ، فإنه من قوم نفسه حتى تستقيم ، فبالحري أن ينفع نفسه وغيرها ، ومن غلبته نفسه فأنفس الناس أحرى أن تغلبه ، وكيف لا يضعف عن أنفس الناس وقد ضعف عن نفسه ؟ وكيف يؤمن على شيء من النفس ، وهو متهم على نفسه ؟ وكيف يهتدى بمن قد أضل نفسه ؟ وكيف يرجا من قد حرم حظ نفسه ؟ يا بني ثقفهم بالحكمة واستعن بما فيها ، فإن وافقك الهوى أو خالفك ، فاصبر نفسك للحق ، وكن من أهل الحكم ، فإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق ، وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق ، فما أحبت منها أحب ، وما كرهت منها كره قال أبو بكر الاجري : اعقلوا رحمكم الله عن لقمان الحكيم ما تسمعون ، اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه ، لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره ، ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه ، لم يحسن أن يؤدب نفس غيره ، واعلموا أنه من لم يعرف ما لله عز وجل عليه في نفسه مما أمره به ، ونهاه عنه ، ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك ، كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده ، قد أخذ الله عز وجل عليه تعليمهم ما جهلوه . ما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه ، وعلم ما أمره الله عز وجل به وما نهاه عنه ، وصبر على مخالفة نفسه ، واستعان بالله العظيم عليها
(1) الحرون : الدابة التي لا تنقاد وإذ اشتد بها الجري وقفت ، وشبه بها النفس لتقلبها وعدم تحكم الإنسان فيها |