عندما عدنا إلى المنزل كانت الفتيات في حالة قلق علي وتوجهت إلى الغرفة ،، بكيت فترة طويلة وتركني الجميع حتى أهدأ ،، في اليوم التالي كنت حزينة بسبب ما حصل لجاميان ولذلك فقد صعدنا إلى سطح المنزل وجلسنا نتكلم عنه ... مروض الخيول ...
قالت ليلي :
- كان ذلك من شهور مضت ، قبل حادثة أخي بقليل ، عندما كنت اركض متجهه إلى مزرعة الخيول بصحبة أليس ...
تابعت أليس بانفعال :
- تعثرت ليلي بمروض الخيول وكان يرتدي زيا غريبا وكأنه رائد فضائي ووجدنا معه بطاقات ..
ثم وقفت أليس واتجهت إلى الأسفل وهي تقول :
- سأحضرها ..
تابعناها بنظرنا حتى نزلت وعادت ليلي تقول :
- كانت إصابته بالغة جدا وكان ينزف بشدة وكأن شيئا حطم عظامه ،، حاولنا مساعدته طبيا وأحضرنا له طبيبا في المنزل فقال ان علينا نقله للمشفى ولكن ذلك كان مستحيلا لأننا ... لم نفهم شيئا من الهويات التي كانت معه .. وكان شفاؤه بطيئا ،، فقد شفي أخي وخرج من المشفى وكان مازال سايمن مريضا ، وعندما شفي لم يعرف اسمه ولم يعرف عائلته وقال الطبيب أنه فاقد لذاكرته بسبب الإصابة وربما يستطيع التذكر بعد أن يشفى تماما ، وكان يذهب إلى مزرعة الخيول دائما حتى أثناء مرضه وسميناه مروض الخيول لأنه استطاع ترويض إحدى الخيول البرية بعد شفاؤه .. ثم بدأنا ندعوه سايمن على اسم جارنا القديم ..
رأينا أليس تصعد الدرج وهي تلوح ببطاقات في يديها، ثم سلمتها لي فرأيت بطاقة جاميان الشخصية وكان هناك شعار القصر في بانشيبرا فوقها ورمز الجندي الأبيض .. جاميان ديوفري ..
البطاقة الثانية كانت بطاقة جيرودا العزيز ،، وكانت تشبه بطاقة جاميان عدا أنها تحمل شعار الجندي الأسود وكانت مكتوبة بلغة غير مفهومة لكنني كنت اعلم ان الاسم المكتوب .. تالتن ماكنزي ..
شعرت بالحنين عندما شاهدت بطاقة جيرودا وتمنيت أن اعرف مكانه ثم أخذت البطاقات ووقفت قائلة :
- هل شاهد جاميان تلك البطاقات ؟؟
- جاميان؟؟؟؟؟
- أ.. أقصد سايمن .. هل شاهدها ؟
- لا ..
لا أدري لما شعرت بالحماس وقلت :
- أرجوكما ،، دعونا نذهب إليه .. الآن ..
-----------------------------------------------------------------------
اندهشت ليلي وقالت :
- لماذا؟
قلت وانا انظر في البطاقات :
- أنا أحاول استعادته فحسب .. أريد ان اعرف ما الذي جرى له ..
تسائلت أليس :
- وكيف التقيت به ؟؟
- في لندن ...
- وماذا كان يعمل ..
- لا أعلم عنه المزيد ..
قلت ذلك ثم انطلقت نازلة السلالم تتبعني الفتاتان المتعجبتان ،، وتوجهنا من فورنا إلى مزرعة الخيول ركضا ..
وعندما وصلنا إلى هناك كان جاميان يدخل الخيول إلى الاصطبل وعندما رآنا دخل بسرعة إلى المنزل وترك الخيول .. فقالت ليلي :
- يبدو أن وليام أمره بعدم التحدث إلينا ظنا منه أنه ضايقك ..
كنت أشعر بألم شديد على جاميان الذي تغير وصار يخاف من الأوامر ،، تذكرت جسر الرؤوس الذي تداولته الألسن ، أين ذهبت كل القوة والشجاعة ..
لقد تغيرت يا جاميان وأصبحت شخصا لا اعرفه !!
طرقت أليس على باب المنزل صاحت :
- هيا سايمن! بربك كف عن هذا واخرج ،، الآنسة تريد التحدث إليك ..
فتح جاميان الباب ببطء ونظر لنا بنصف وجهه من خلف الباب ثم قال بخفوت :
- لا يسمح لي بالتحدث مع الفتيات ..
قلت بسرعة :
- أهذا أمر آخر من روسو؟
شهق جاميان بطريقة غير متوقعة وأغلق الباب بقوة حتى أن بعض الغبار قد انتشر على ملابسنا .. وقالت ليلي بخوف :
- أخشى أن تصيبه الحالة ..
لم أعر ذلك الأمر اهتماما ،، وتوجهت نحو الباب بحزم ثم طرقته بعنف وصحت :
- جاميان ،، افتح الباب ... لا تكن هكذا .. ضعيفا ،، ليس هذا هو المقاتل الذي أعرفه ،، جاميااااااااااان افتح ..
أمسكت ليلي بذراعي وقالت متوسلة :
- أرجوك سوف يصاب بالحـ ...
قبل أن تكمل كلمتها فتح جاميان الباب وانقض علي ،، ركضت الفتاتان المفزوعتان وأمسك جاميان برقبتي بقوة وأطاحني أرضا وظل يصرخ :
- أنت لا ... تتدخلي ... هذا ليس من شأنك .. ليس من شأنك .. أنا لست ضعيفا ولست أنا .. أنا لست أنا ... أنا ... لست ...
كنت أختنق وسمعت صراخ الفتيات من بعيد،، كان وجه جاميان شرسا جدا لدرجة لم أرها من قبل وسقطت البطاقات من يدي وحاولت أن أقول شيئا ولكنني لم أستطع .. لقد أصيب جاميان بحالة هستيرية حقيقة لا أعرف ما سببها ..
صرخ وشد بيديه القويتين على رقبتي :
- ليس من شأنك .. ليس من شأنك ..
نزلت دموعي رغما عني وقلت بصعوبة شديدة حتى كاد صوتي لا يخرج :
- جـ .. جامي أنا ... لـ .. لندا ...
اتسعت عينا جاميان كأنما كلماتي خاطبت شيئا ما في عقله الباطن ،، وترك رقبتي أخيرا ثم ركض بسرعة إلى داخل المنزل وهو يتخبط في الجدران والأبواب ،، نظرت حولي فرأيت ليلي تمسك بعصا كبيرة كانت تود ضرب جاميان بها ..
وعندما بدأت التقط أنفاسي ألقت ليلي بالعصا ،، وركضت نحوي وهي تقول وصوتها يرتجف :
- هل انت بخير ؟؟ لقد ذهبت أليس لتحضر النجدة ..
نظرت إلى ليلي بشرود ثم أخذت البطاقات التي سقطت مني وركضت إلى داخل المنزل ألحق بجاميان وليلي تصرخ وتحذرني ...
لا أدري ماذا أفعل .. كنت أحبه ولا أريد رؤيته بهذا الحال ..
رأيته يجلس على أريكة كبيرة أمام شرفة تطل على الاصطبل البعيد .. كان يتنفس بسرعة ويخرج صوت تنفسه عاليا كأنما يشهق من كثرة البكاء ..
اقتربت من خلفه وقلت بهدوء :
- جامي .. أنت أقوى من كل هذا .. أقوى من كل ما يحصل معك ،، يجب ان تتذكر أرجوك .. أنت ثروتي الوحيدة .. هيا ماذا يعني لك أنك حصلت على لقب الجندي الأبيض ؟؟
لم يلتفت جاميان نحوي وظل على وضعه فالتفت وواجهته .. نظرت إلى وجهه كان الانفعال والخوف يملأ ملامحه الجميلة وأعطيت له بطاقته وسألت :
- من هذا ؟
نظر جاميان بصعوبة إلى البطاقة ولم يرد .. فكررت :
- أرجوك .. من هو؟
قال بصعوبة :
- إنه أنا ...
ابتسمت وقلت بلطف :
- هذا رائع .. حسنا ومن هذا ؟
ناولته بطاقة جيرودا فأمسكها وحدق بالصورة لبضع ثوان ثم قال :
- لا .. أعرف ...
قلت بإصرار :
- بلى .. أنت تعرف ..
عاد ينظر على وجهي وظهر الانفعال عليه وصاح :
- لا اعرف ، لا اعرف ،، لاااااا اعررررف ..
صرخت :
- بلى .. انت تعرف ..
صرخ جاميان بصوت مرتعش :
- ماذا تريدين مني ...
جلست على الأرض بتعب ورميت البطاقتين أمامه ثم سمعت صوت خطوات تدخل إلى الصالة وبعدها صوت عمي المذعور :
- لندا .. ماذا تفعلين ..
نظرت إلى عمي بتثاقل وقلت بإصرار :
- أرجوكم دعوني أتحدث معه لبعض الوقت ..
قال وليام معترضا :
- لا تكوني مجنونة .. هيا اخرجي ..
نظرت فرأيت جاميان يمسك بالبطاقتين ويتطلع فيهما للمرة الثانية .. فقلت :
- سأبقى لدقائق فقط ..
كان الجو هادئا فانسحبا إلى الخارج بعد أن قال عمي :
- سنبقى في الخارج .. لا تتأخري ..
كان وليام يريد الاعتراض ولكن عمي خرج فلحق به مسلما بقرار عمي ..
نظرت إلى جاميان وقلت بعد أن خرجا :
- جامي ، أنا لا أريد أن أقسو عليك ، لكنني لا أتخيل أن أفقدك .. وشقيقك جيرودا ، إنه لا يعرف كوكب الأرض جيدا ما حالته الآن ، ما الذي حصل ؟؟ أي حادث وقع لك .. أنا قلقة عليك جدا .. جدا ..
فكر جاميان لبعض الوقت ثم تمتم :
- جيرودا؟ ... أنا .. أحلم به ليلا ..
----------------------------------------------------------------------
قلت بسعادة :
- حقا ؟؟
- وأحلم بك ... وبآخرين .. أحلم بوجوهكم .. لكن لا أعلم من أنتم ..
قال ذلك ونظر إلى وجهي فشعرت بالحزن وقمت لأجلس إلى جواره على الأريكة وقلت :
- نعم ،، هذا رائع .. سوف تتذكر كل شيء قريبا .. لكني أريدك أن تتمتع بالإصرار الذي كنت تتحلى به في السابق .. عندما كنت في بانشيبرا ..
تمتم بهدوء :
- بانشيبرا ؟
- نعم يا عزيزي ..
- تلك الأسماء ليست غريبة عني ..
ابتسمت وقلت بلطف :
- نعم .. وهذا يعني أنك تعرف .. ولكن هناك أمر طارئ عليك .. أليس كذلك؟
أطرق جاميان ولم يقل شيئا فوقفت وتركته لكي اخرج وقبل أن أضع يدي على مقبض الباب التفت جاميان وقال بارتباك :
- أنا أتذكر أنني ركضت على شاطئ البحر... معك .. ولكنني مشوش جدا .. هناك بعض الأشياء في عقلي لا أستطيع ترتيبها ..
عدت مرة ثانية ووقفت أمامه ثم قلت :
- جاميان .. أخبرني ،، ما الذي تذكره ؟؟
تردد جاميان للحظات ثم قال ببطء:
- بعض الصور في مخيلتي ..
- أخبرني عنها ..
- رجال لا أعرفهم .. هناك حرب ما وخيول و .. ونيران .. أنت ..
- أنا؟
- نعم .. أنت تبكين وتصرخين بوجهي ..
أمسك جاميان برأسه وكأنما أصابه صداع مفاجئ فقلت :
- حسنا لا ترهق نفسك .. يمكنك التذكر بهدوء ،، ما رأيك أن أحكي لك عن نفسك؟
نظر لي جاميان بتعجب وقال :
- تحكين لي عن نفسي ؟
- نعم ..
ثم أمسكت بيده وقلت بحماس :
- هل نتمشى عند الشاطئ قليلا ؟ ما رأيك؟
- حسنا ..
وقف جاميان وخرجنا معا إلى الخارج وعندها قابلنا عمي مايكي الذي كان يتحدث مع وليام وليلي ..
كانت حرارة الشمس قد انكسرت قليلا ونظروا جميعا لنا فقلت :
- سأذهب بصحبة جاميان لبعض الوقت إلى الشاطئ إن كنتم لا تمانعون ...
نظر عمي مايكي إلي مبتسما وقال مازحا :
- يالك من فتاه !!
ابتسمت لعمي مايكل وقال وليام :
- سايمن .. احترس ، هل سمعتني جيدا ؟
هز جاميان رأسه موافقا ثم سرنا معا متجهان نحو الشاطئ وعندما ابتعدنا مسافة كافية بدأت أحكي له عن الكثير من الأشياء ...
كان يصغي بهدوء حتى وصلنا إلى الشاطئ وجلسنا على الرمال، نظر لي لوقت طويل وهو يسند رأسه على كفه ..
حكيت له أغلب الأشياء ، حتى كأنه عاش فيها مجددا ولكنني لم أقص له بالتفصيل وأغفلت بعض الأشياء التي تخص قصصنا معا ،، حكيت له عن نفسه وعن جيرودا وعن والده ووالدته فقط ،، عندما انتهيت شعرت بالقلق لأجله فقد كان هادئا جدا ولم يبد أي تعليق عن ما حكيته له فقلت :
- هل تذكرت شيئا مما حكيته لك ..
عاد جاميان ينظر لي بصمت ..
شعرت بقلق شديد وقلت :
- هل أنت بخير ؟؟
لم يرد جاميان مرة أخرى ونظر إلى الشمس وهي تغرب مودعة ذلك اليوم ..
عصف الخوف بكياني فقلت وأنا أقف :
- سوف أذهب .. ربما أنت مرهق ،، لكن .. هل سأراك غدا ؟ فهو آخر يوم لي هنا..
وقف جاميان ونفض رمال الشاطئ من فوق ملا بسه ثم نظر لي وابتسم أخيرا .. كان هذا هو جاميان الذي اعرفه وقال بهدوء :
- سأراك غدا .. و ..
- ماذا ..
- شكرا لك ..
ابتسمت ولوحت بيدي مودعة له وركضت بسرعة عائدة إلى المنزل ،، كنت لا أريد أن اتركه أبدا ولكن كان يجب علي فعل ذلك ...
يجب أن أعطيه الوقت ليفكر ، لكنني أخبرته عن نفسه ، عن لطفه وشجاعته، أخبرته عن الرجل الوحيد الذي أحببته في حياتي .. كان يجب أن يعرف هذا إن لم يتذكره ..
عدت إلى المنزل بنفسية مختلفة ،، عندما دخلت ابتسمت وفرح الجميع لفرحتي ، كنت أشعر ان هناك أملا كبيرا وقمت بتحضير العشاء مع الفتاتان اللطيفتان ..
كانت آثار يدي جاميان مازلت على رقبتي وكان عمي مستاء جدا ولكنه توقف عن لومي عندما شعر بأنني مرتاحة وسعيدة ..
في تلك الليلة لم أستطع النوم وبقيت أنظر إلى الفنار الصغير الذي يذهب ضوءه ويجيء ممتدا على شاطئ البحر ،، إنه حقا رمز كبير للأمل في وسط سواد الليل وألمه ... لا أعرف كيف أخذني النوم على الكرسي الذي كنت أجلس عليه ولم اشعر إلا بـضوء الصباح يوقظني وهو يرسل أشعته على وجهي ..
نظرت إلى الفنار وابتسمت ، كان ما يزال يعمل رغم بزوغ الفجر ،، وأخرجت رأسي ونصف جسدي من النافذة محاولة رؤية كوخ جاميان الخشبي ولكنني لم استطع رؤيته ولذلك فقد نزلت إلى الأسفل ولم يكن أي شخص قد استيقظ بعد ..
فتحت البوابة وخرجت إلى المزرعة وركضت على العشب والهواء يحرك شعري ، ومشاعري ..
كان الجو رائعا وظللت أدور حول المكان وتمنيت أن أعيش في هذا المكان الرائع ..
مع الهواء العليل شممت رائحة شيء يحترق ..
من بعيد لاح لي دخان كثيف في الأفق وكأن مزرعة احترقت أو منزلا ،، كان الدخان الأسود يتصاعد على شكل عامود في السماء .. تساءلت كيف لم أشاهده عندما نظرت نحو الفنار ..
خفت كثيرا فقد كان قريبا من مزرعة الخيول ..
عدت إلى المنزل بسرعة ودخلت غرفة عمي مايكل ، كان نائما واقتربت منه وقلت بهدوء وتوتر :
- مايكي ... مايكي ...
فتح عمي عينيه ببطء وقال :
- مه .. ماذا ؟؟
- يبدو ان مكانا ما يحترق ..
فتح عمي عينيه جيدا وجلس بفزع قائلا :
- حريق ؟
قلت بخوف :
- علينا أن نسرع فهو قريب من مزرعة الخيول ... الحق بي ..
صاح عمي :
- لندا .. انتظري ...
قبل أن اسمع المزيد كنت قد خرجت بالفعل وبدأت أركض نحو مزرعة الخيول وساعدني سروالي الجينز على الركض جيدا ..
وكلما اقتربت من مزرعة الخيول زادت رائحة الحريق واقتربت من مصدر الدخان، وفي تلك اللحظة صرخت بفزع وأنا أرى كوخ جاميان الخشبي هو مصدر الدخان ..
لم يكن يحترق ..
لكنه ...
لقد احترق فعلا....
وبالكامل !!
-----------------------------------------------------------------------
رفضت كل ما يحصل ودفعت بوابة المزرعة الخشبية بقوة وفزع شديد ،، ركضت إلى الداخل وكانت الخيول في حالة هياج وقد كسر بعضها السور الخشبي وركضت بعيدا عن الاصطبل المشتعل .. لم يتبق من كل الخيول سوى اثنان أو ثلاثة ، لقد هربت جميعها ... أو احترقت !
و لم يتبق من المنزل سوى قاعدته التي كانت ما تزال مشتعلة .. سعلت بقوة وانا أقترب من المنزل وصرخت بهستيريا :
- جاميان ...... جااااااااامياااااااان !!
الغبار والدخان والنار تملأ المكان وناديت على جاميان بلا فائدة .. أنا لا أصدق بعد أنني فقدت جاميان ،، لان هذا غير صحيح ...
صرخت :
- لاااااااا .. هذا غير صحيح ... لااااااااا ..
جلست منهارة على الأرض وأنا أسعل .. لم أبكي لأنني أعلم أن جاميان هنا في مكان ما .. حالة المنزل المحترق تدل على انه ظل يحترق طوال الليل ..
أنا مصابة بحالة رهيبة من الرعب ..
رأيت من بعيد أشخاصا يركضون من الجهة الأخرى ووقفت أنظر إليهم ، لم أعرفهم وصاح أحدهم بفزع :
- ما الذي يحصل هنا ؟
قلت بخوف :
- لا أعرف لقد جئت الآن ...
نظر أحدهم إلى الكوخ وهتف :
- ياللهول !!
كان المنظر مريعا جدا .. وبعد دقائق أخرى والأهالي يحاولون إطفاء الحريق ، جاء عمي ومعه وليام وينبرج والفزع باد على وجوههم ..
تساءلت لما يحصل كل ذلك لي ...
لماذا لا أعيش طبيعية مثل الجميع ؟؟!!
تزلزل كياني عندما بدأ الجميع يبحثون عنه ،، الوحيد المجنون الذي كان يعيش هنا بمفرده .. نزلت دموعي أخيرا لأنهم لم يجدوا له أي أثر ..
أطفأ الخيالة الحريق وعادوا إلى منازلهم بينما ظل بعض الريفيون يبحثون في حطام المنزل عن أي جثة .. أو عظام .. أي أثر ..
كل شيء قد احترق ووقفت بعيدا أراقب ما يحصل في صمت وعيناي لا تكف عن البكاء ،، لقد بكيت كثيرا جدا من يوم أن فقدت والداي ..
بكيت حتى أنني لو جمعت دموعي لكان هناك جدولا صغيرا يجري بين الحقول ،، فات الآن وقت الندم ..
فجأة صاح أحدهم :
- يبدو أنني وجدت عظاما متفحمة ..
شهقت بفزع ووضعت يدي على قلبي وعجزت تماما عن التنفس بينما توجه عمي مايكل ووليام نحو المنزل بسرعة ..
بكيت برعب وسمعت صوتا يناديني :
- لندا ..
نظرت خلفي وأنا غير واعية لما يحصل حولي ورأيت ليلي وأليس تلوحان لي وهما تركضان نحوي بسرعه .. شعرت أن قدماي لا تقوى على حملي فجلست على الأرض وعندما اقتربت أليس قالت بخوف :
- هل حصل مكروه لسايمن .. ؟
لم أجب وأجهشت بالبكاء ...
وسمعت صراخ ليلي :
- إنه بخير ،، حمدا لله ..
فتحت عيني ونظرت خلفي ،، ركضت أليس وهي تصرخ بفرحة ورأيت شخصا ما يقترب من بعيد على ظهر أحد الخيول ...
لم أصدق ما يحصل .. ووقفت بسرعة وتأملت غير مصدقة أنه هو .. إنه شعره لكن ،، وجهه .. إنه متسخ ربما ..
ربما ليس هو لكنني أحب تصديق أنه هو ...
عندما وصل الجواد إلى المزرعة توقف ،، فسقط جاميان من فوق ظهره ،، لقد كان جاميان مصابا ..
أول من لحق به كانت أليس التي أمسكت به وسحبته بعيدا عن الجواد بصعوبة وبعدها لحقت بها ليلي ثم أنا ...
كان وجه جاميان مغطى بالرماد والدماء وكذلك ملابسه وصاح وليام :
- ابتعدوا عنه ... ربما لا يستطيع التنفس ..
من بعيد كانت كل الخيول تركض عائدة إلى المزرعة خلف الخيل الذي قاده جاميان فصاحت ليلي بفرحة :
- لقد أنقذ كل الخيول ..
حملناه بسرعة فقد كان فاقدا لوعيه ،، وعدنا بالخيول إلى المنزل بسرعة وسبقتنا أليس لتستدعي الطبيب ..
عندما وضعناه على السرير أمسكت بقماش مبلل ومسحت الماء والغبار عن وجهه بحذر، كانت هناك جروح كثيرة لا تريد التوقف عن النزف وقال وليام :
- لم أكن أعلم أني أحبه هكذا فقد كنت سأفقد عقلي عندما شعرت بأنه احترق ! |