سرنا في الحديقة عائدين إلى المنزل وركضت آيريس بسرعة فتعثرت ،، ركض جاميان وحملها وهو يضحك عليها ...
لحقت بهما ونظرت إلى السماء الغائمة قلت وانا ابتسم :
- يا إلهي ! يبدو أنها ستمطر ..
نادت آيريس الصغيرة بتلكؤ :
- أمي ... أتحداك تلحقينا ...
عادت تركض مجددا مع والدها الطفل الكبير ،، وهتفت :
- حسنا ، سأريكما ..
عندما بدأت بالركض ضحكت آيريس وركضت بسرعة وخلفها جاميان فشعرت برغبة عارمة في الإمساك بهما ، وبعد ركض مسافة قصيرة وصلا إلى المنزل قبلي وخسرت التحدي، وعندما دخلت إلى المنزل قلت وانا التقط أنفاسي بصعوبة :
- سأريكما ..
أمسكت بجاميان وأوسعته ركلا على الأريكة برفق وكان يضحك ويحاول أن يمثل أنه يصرخ كالعادة وآيريس تصرخ وتدافع عن والدها بحرارة وتقذفني بالوسائد ..
بدأت الأمطار بالنزول رويدا .. جلس جاميان أمام الشرفة ليتأمل الأمطار وصعدت آيريس فوق صدر والدها وأغمضت عينيها استعدادا لكي تذهب في النوم ..
كانت حياتي الجديدة تعجبني وكانت آيريس تشبه جاميان لدرجة لا تصدق .. وهي متفقة مع والدها ومتحيزة له بشدة ..
جلست أخيرا وتصفحت جريدة اليوم ثم قلت باندهاش :
- يا إلهي ! مازالوا يتحدثون عنك في الصحف ،، ألم يملوا دعوتك بالكائن الفضائي ..
ابتسم جاميان وقال بلطف وهو يمسح على شعر آيريس التي نامت على صدره :
- لا يهمني ماذا تقول الصحف، لقد ربحت معركتي الأخيرة و حصلت على حق المواطنة ، وأنا الآن زوجك ولدينا ابنتنا آيريس .. نحن سعيدان ..
ثم التقط الصحيفة من يدي ورماها بعيدا وتابع :
- المهم أنك معي .. أم ماذا ؟
وضعت رأسي على كتفه وصمتت لبعض الوقت ثم همست :
- بالتأكيد جامي .. نحن سعيدان جدا ولكن ينقصنا أن نعثر على جيرودا .... ألا يقرأ ذلك المتهور الصحف ؟؟
- سنعثر عليه بالتأكيد .. لكنني أخشى أنه لم يصل إلى الأرض ..
- هل تعتقد أنه مازال في إيموكيا؟
- ربما ....
نظرت إلى جاميان وقلت :
- لكنك لم تخبرني عنها ... لقد شغلتنا قضيتك حتى أنني نسيت ذلك ..
- من هي تلك التي لم أخبرك عنها ..
ابتسمت ولم أقل شيئا ونظر لي جاميان بحيرة ثم قال ثانية :
- ما الأمر يا لندا؟ لقد حيرتني ..
قلت بغيرة :
- تلك الفتاة التي كانت مغرمة بك ..
ابتسم جاميان وقال بلؤم لكي يغيظني :
- أي واحدة منهن؟ لقد كن كثيرات بالفعل ..
قلت بغيظ :
- ماذا؟ هل تظن نفسك وسيما ؟
ضحك جاميان بلطف ثم مسح على شعر آيريس وقال :
- إنها كلمتك المفضلة ...
ثم بدأ بتقليدي بسخرية :
- هل تظن نفسك وسيما .. أنت لست كذلك .. ولكنني أغرمت بك !!
استرخيت ووضعت رجلي على الطاولة ثم قلت بدلال :
- أنت من جرى ورائي حتى أحبك .. لقد عشقتني مع أنني كنت أرفضك .. ولكنك لن تهرب من الإجابة ..
ظل جاميان يضحك وقال :
- أنا لم أسمع السؤال بعد ..
قلت بغيرة:
- من هي تلك الفتاة التي شنقت نفسها من أجلك !!
صمت جاميان قليلا وكأنه تفاجأ من السؤال ثم قال :
- هل تقصدين شقيقة الأمير نيروتا؟
- نعم ...
- إنها ... لقد ..
تطلع لي جاميان بصمت فنظرت بغيظ وقلت :
- أنت تقهرني .. ماذا .. لماذا صمتت هكذا؟
ابتسم جاميان ثم قال :
- لقد كانت مجرد حادثة مؤلمة فقط ، ثم ... من أخبرك أنها شنقت نفسها من أجلي؟ لقد سئمت الفتاة من حياتها ومن شقيقها الذي حرمها من كل شيء ...
نظرت باندهاش وقلت :
- حقا .. لكن لا تراوغ ،، لقد أخبرني الجميع بتلك القصة ..
قال جاميان باستغراب :
- لا .. إنه خيال النساء المريضة .. أنا لا أنفي أن الفتاة كانت تحبني، لكن ... لم تشنق نفسها من أجل أنني انتقلت من القصر لأننا وضعنا حدا لهذا منذ زمن ..
شعرت بالغيرة وقلت :
- لا تظن أنك محبوب ... أنت لي وحدي هل سمعت؟
ضحك جاميان وهو ينظر إلي ثم قال :
- أظن أنني لك وحدك، أم ماذا؟
ابتسمت برضا وأسندت رأسي على ظهر الأريكة ثم قلت :
- حسنا .. لماذا فرض عليك روسو القناع؟
- حتى لا تعجب بي الأميرات ..
- هراء ... لن تعجب بك أي فتاة ..
ضحك جاميان وضحكت ... ثم قلت بعد وقت قصير :
- كنت أتمنى أن يكون جيرودا معنا الآن ..
قال جاميان بنبرة حزينة :
- كنت أتمنى شيئين في حياتي تحقق أحدهما والآن ... أنا أتمنى شيئين أيضا ..
- هيا أخبرني بأمنياتك ...
نظر جاميان إلى وجه آيريس بحب ثم قال :
- كنت أتمناك .. وأتمنى أن أظل معك إلى الأبد ... وهذه الأمنية تحققت ..
ابتسمت وقلت :
- رائع .. وما الأمنية الأخرى ؟
- أن أمسك إمرجيز وأفعل به ما أشاء .. كنت أريد فعلا أن أشقه إلى نصفين بدون أي مبالغة!
قلت وانا أضحك :
- خذني معك عندما تنوي فعل هذا ...
ابتسم جاميان وهو يسبح في تأملاته وقال :
- والآن بقيت تلك الأمنية التي لم تتحقق ... وأضفت لها أمنية أخرى ..
- وما هي ؟
- أتمنى أن يرى جيرودا ابنتي آيريس يوما ما ... وأريد أن أراه سعيدا ولديه طفلة مثلنا ...
لا أدري لماذا دمعت عيناي بسبب تلك الأمنية الأخيرة ونظرت إلى الأمطار التي اشتدت كثيرا ..
فكرت في صمت ...
بدأت أتخيل أن جيرودا معنا الآن ويراقب الأمطار ... إن جيرودا شاب جدير بالثقة فعلا ويستحق كل الأشياء الجيدة ..
ربما علينا أن نكتب له إعلانا في الجريدة فقد انتشرت قصة جاميان وأصبحنا مشهورين جدا وخاصة أن لون عيني ابنتي آيريس كان بنفسجيا عجيبا جدا وهذا ما جعلها ملفته للنظر ..
حتى إنها أصبحت مشهورة جدا ...
ابتسمت ، لأنه سيكون لدينا على سطح الأرض أو ما يسميها الآخرون " بوميا آر" جيلا جديدا من لون العيون البنفسج والأرجواني ومشتقاته ..
همست لجاميان بعد فترة صمت:
- سنسمي طفلنا التالي جيرودا ... هذا إذا كان صبياً !
لم يعلق جاميان على كلامي ونظرت إلى وجهه كان قد ذهب في النوم ، يبدو أنه لم يسمع كلمتي الأخيرة .. نظرت إليه وإلى طفلتي آيريس بسعادة فقد كانا كل شيء في حياتي الآن ..
ابتسمت ووضعت رأسي على كتف جاميان مرة أخرى وبدأت أذهب في النوم أيضا ، لكننا قررنا دوما أننا سنبحث عن جيرودا ..
أليس كذلك؟
----------------------------------------------------------------------------
مرت أيام طويلة .......
صحوت من النوم ونظرت إلى جانبي فلم أر جاميان ..
قمت بسرعة من سريري وخرجت إلى الحديقة فلم أجده .. تساءلت أين يكون قد ذهب يا ترى في ذلك الوقت المبكر ؟
شعرت ببعض القلق ولكنني حاولت تجاهله ودخلت إلى غرفة ابنتاي .. تكلمت وأنا أحركهما :
- هيا .. آيريس .. لورينا .. استيقظا ، لقد حان موعد المدرسة ..
فتحت لورين عينيها بسرعة ونزلت من سريرها فهززت آيريس :
- آيريس ... هيا ، تعلمي من أختك قليلا!!
نظرت لي آيريس بعين واحدة وقالت بصوت مليء بالكسل :
- ماذا يا أمي؟ .. عندما كنت في الصف الأول كنت أحب المدرسة ... لكنني الآن أكرهها .. ما هذا !
جلست بيأس قرب سريرها ثم قلت :
- حسنا إذن .. ستذهبين لأنه ليس لديك عذر للغياب فأنت لست مريضة! كما أنك في الصف الرابع ولم تملي بعد من المدرسة فأمامك مسيرة طويلة حتى التخرج!
نزلت آيريس من سريرها بكسل شديد وخرجت خلف أختها الصغرى ..
تركتهما وذهبت لأعد الفطور وأنا أتساءل أين ذهب جاميان!
بعد دقائق وضعت الفطور .. ورأيت جاميان يدخل من الباب مبتسما وهو يرتدي معطفه فقلت بخوف :
- جامي .. أين كنت؟
رد علي جاميان وهو يحتضن لورين التي ركضت نحوه:
- كنت أتمشى قليلا ..
- في هذا الوقت المبكر!
قلتها باستغراب .. ثم جلست جوار آيريس الناعسة ، وجلست لورين قرب والدها فقال جاميان يخاطب آيريس :
- ما بك يا آيريس .. أما زلت نائمة ..
ردت آيريس بكسل وتذمر وهي تأكل شطيرتها :
- لا .. لقد استيقظت .. أوف! يا ألهي متى أذهب إلى الجامعة!
ضحكت أنا وجاميان وردت لورين بفلسفة كعادتها :
- ليس هناك شيء أجمل من التعلم يا آيريس!
عدت فنظرت إلى جاميان وضحكنا عليهما ..
كانت آيريس تشبه والدها ولكن لون شعرها يشبه لون شعري ،، لورين كان لديها شعر أحمر ملفت وعينان سوداوان كعمها جيرودا تماما .. كانت تذكرنا به طوال الوقت ..
***********
في يوم العطلة... توجهنا معا إلى شاطئ البحر ..
كان يوما رائعا .. وركضت الفتاتان كثيرا بمرح هنا وهناك ومعهما جاميان .. بعد قليل عاد جاميان فوقف إلى جانبي وهو يقول :
- ما بك تجلسين هنا كالعجوز .. لم لا تلعبين معنا؟
ضحكت وقلت :
- لا أفكر باللعب .. كما أنني اجلس إلى جوار أغراضنا حتى لا يسرقها أحد ..
ابتسم جاميان ونظر لوجهي ثم قال :
- أتذكرين ذلك اليوم؟؟ عندما كنا معا نركض على شاطئ البحر في ايموكيا؟؟
شعرت بالسعادة وانا استعيد تلك الذكريات وقلت :
- نعم ... كان يوما رائعا ..
سحبني جاميان من يدي وقال :
- هيا إذا ... إذا أمسكتني فسوف أعطيك جائزة ..
قلت وانا أنظر إلى آيريس ولورين التي تلعبان بالرمال :
- ماذا عنهما ؟؟
- ليستا صغيرتان ... ستظلان هنا حتى تخسرين التحدي ! لن أسمح لك بإمساكي كما حصل ذلك اليوم !
ركض جاميان .. فلحقت به بقوة .. وصحت :
- ستخسر دائما يا جاميان!
أسرع جاميان في ركضه وكان الجري على الرمال أمرا متعبا بحق!
ركض جامي كثيرا بدون تعب ..
ولكني توقفت فجأة وأنا التقط أنفاسي ... نظر جاميان لي ثم قال بسخرية :
- ما هذا؟ لقد أصبحت عجوزاً بالفعل! ظننت أنني أبالغ ...
قلت وانا أفكر في خداعه :
- لن يمكنني اللحاق بك مجددا ...
توقف جاميان المسكين وهو لا يعلم بخطتي فركضت بسرعه وأمسكته ...
- يا لغشك !
قالها جاميان بغيظ وأنا أضحك عليه من كل قلبي ..
وتمشينا عائدين إلى مكاننا وأنا أملأ أذنه بالسخريات وهو ينعتني بالمخادعة الغشاشة!
ضحكنا كثيرا وعندما اقتربنا رأينا شاباً يلعب مع لورين وآيريس بالرمال فقلت لجاميان بخوف :
- أنا لا أراهما جيدا .. من هذا الذي يجلس معهما ؟؟
قال جاميان وهو يترك يدي :
- سأرى ما الأمر ..
لحقت بجاميان وعندما اقتربنا قليلا نادى جاميان :
- آيريس ..
كانت آيريس منهمكة في اللعب ولكنها رفعت رأسها وابتسمت ..
كان الشاب يعطينا ظهره وعندما التفت إلينا وقفنا نحن الاثنين في مكاننا ...
كانت الصدمة شديدة جدا ..
لم أصدق ما تراه عيناي ، وأن ذلك الشاب لم يكن سوى جيرودا!
ظل جاميان ينظر بهدوء وأنا اسمع دقات قلبه السريعة ... جيرودا أيضا حدق بجاميان لبرهة .... ولكنه ابتسم وقال :
- جاميان .... مستحيل !
دمعت عينا جاميان ...
وقف جيرودا ثم تعانقا بحرارة .. لم يصدق أحدهما أنه رأى الآخر أخيرا بعد فراق دام ما يقرب العشر سنوات ..
لم أستطع إمساك دموعي فقد كان الموقف مؤثرا جدا واقتربت لورين الحنونة ثم سألتني :
- أمي لم تبكين ؟؟ من هذا الرجل؟
ابتسمت آيريس وقالت بذكاء :
- إنه عمي جيرودا أيتها الحمقاء ! ألم يخبرنا أن اسمه جيرودا؟
- لا تسبي !
ابتسمت ونظر جيرودا نحوي ثم قال بود :
- كيف حالك يا لندا ... كنت أعلم أنك ستظلين إلى جوار جاميان حتى النهاية ..
قلت وأنا أذرف الدموع :
- لقد اشتقنا إليك كثيرا ...
أمسك جاميان بآيريس و لورين وقال ضاحكا :
- أعرفك على ابنتاي ... آيريس و لورين ..
مسح جيرودا على شعرهما وقال باسما :
- لقد تعرفت إليهما منذ قليل ... عرفت أخيرا أنكم هنا في هذا البلد .. وعندما رأيت لون عيني آيريس شعرت بأنهما سيوصلانني إليكم .. كما إنهما تشبهان لندا إلى حدا كبير !
قلت باندهاش:
- كنت أظن إنهما يشبهان جاميان!
ضحك جيرودا وجاميان ..
وسألت جيرودا :
- وأنت .. أين كنت؟
ابتسم جيرودا وقال :
- إنها قصة طويلة من المعاناة .. سأقصها عليكم قريبا ...
تبادلت مع جاميان ابتسامة سعادة وأمسكنا بجيرودا عائدين إلى المنزل تلحق بنا آيريس ولورين ..
وكلنا شوق لسماع ما سيحكيه لنا جيرودا .. أخيرا.
-----------------------------------------------------------
النهاية |