عرض مشاركة واحدة
  #66  
قديم 01-13-2013, 11:33 AM
 
العقد الثمين من مواقف الإمام علي رضي الله عنه مع الخلفاء الراشدين

الإمام في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:


ولد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قبل البعثة بسنواتٍ يسيرة مكفولًا في حجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - و ذلك أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيالٍ كثير، فأراد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وعمُّه العباس أن يخففا عنه، فأخذ العباس جعفرًا، وأخذ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليًا، ولم يزل معه حتى بعثه الله نبيًا، فآمن به علي رضي الله عنه وصدقه واتبعه، فكان أول من أسلم من الصبيان.

وبقي علي رضي الله عنه مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كاتمًا لإسلامه، ويصلي معه في شعاب مكة، ولما ظهر أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وانتشرت دعوته، وكثر أتباعه، واشتد أذى قريش له ولأصحابه، واجتمعت أخيرًا في دار الندوة، واختارت قتله على أيادٍ متفرقة من القبائل كلها، فأخبر الله رسولَه بالمؤامرات، فأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليًا أن ينام على فراشه ليلة هجرته إلى المدينة، فأنجى الله رسوله من شر الكافرين، ومن ثَمّ لحق علي رضي الله عنه به إلى المدينة.

وفي المدينة تزوج بفاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، فأنجبت له سيدي شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، وخاض مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المعارك كلها؛ عدا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلفه على المدينة، وأظهر من البطولة والشجاعة والحنكة والعبقرية في الحروب شيئًا عظيمًا شهد له به الأصحاب، واعترف به الأعداء.

ولم يزل علي رضي الله عنه وأرضاه يحمل لواء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حروبه، ويرافقه في حال سلمه حتى توفي عليه الصلاة والسلام، فتولى أهل البيت جهاز رسول الله ودفنه.

الإمام في خلافة أبي بكر الصديق:


ولما بويع لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد الشورى التي تمت بين المهاجرين والأنصار، ومن ثمّ جمع الله الشمل، ووحد الصف تحت خلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولأن اختلاف الناس في مسألة الخلافة كان مؤذنًا شر، فأسرع كبار الصحابة لفصل النزاع وإعلان البيعة لمن رأوه أهلًا لذلك، وهو أبو بكر رضي الله عنه، حتى اجتمعت بعد ذلك القلوب كلُّها عليه، ووجد الإمام علي رضي الله عنه في نفسه أنه لم يستشار في الأمر، لانشغاله بتجهيز دفن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فاعتذر إليه أبو بكر الصديق وطلب رضاه، فرضي علي رضي الله عنه، وأعلن بيعته على الناس، فحمد له الصحابة ذلك وأثنوا عليه.

وبقي علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه رفيقَ أبي بكر، والمشير عليه في أمور الخلافة ونوازل الأمة.

وكان شديد الحرص على نصح أبي بكر وإخلاص النصيحة له، فعندما عزم أبو بكر على أن يخرج بنفسه إلى ذي القصة لقتال المرتدين، واستوى على راحلته؛ أخذ علي رضي الله عنه بزمامها وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم أحد: لمّ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا، فرجع. [البداية والنهاية (6/314-315 )].

وأكثر وضوحًا وبيانًا على مدى العلاقة الحميمة التي كانت بينهما، ما ذكره أحد كبار الأسرة الهاشمية العلوية: السيد محمد بن علي بن الحسين، المشهور بمحمد الباقر، عند أن قال: (أخذت أبا بكر الخاصرة، فجعل علي يسخن يده بالنار فيكوي بها خاصرة أبي بكر رضي الله عنهما.

[الرياض النضرة للمحب الطبري]

ولما توفي أبو بكر رضي الله عنه استرجع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأقبل مسرعًا باكيا، فأثنى على أبي بكر ثناء عطرًا عظيمًا.

ومما قاله عنه وعن صاحبه عمر: (وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق، والخليفة الفاروق، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا) [ شرح نهج البلاغة للميثم 1/31 ط. طهران.

الإمام في خلافة عمر رضي الله عنه:


ولما استخلف عمر رضي الله عنه على المسلمين بعد وفاة أبي بكر الصديق، كان له علي رضي الله عنه الناصح الصادق، والمستشار الأمين، والقاضي الحكيم، يفضُّ المشكلات، ويزيح الشبهات، حتى أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( لولا علي لهلك عمر ) واشتهر في التاريخ والأدب وذهب مثلًا: « قضية ولا أبا الحسن لها».

بل إن عليًا رضي الله عنه زاد على ذلك وزوّجه بابنته أم كلثوم.

وتجلت عبقرية الإمام علي رضي الله عنه وصدق نصيحته، وشدة حرصه، وعظيم مودته وتعاونه، عندما استشار عمر الناس للخروج إلى نهاوند، حيث تجمعت جحافل الكفر والشرك لقتال المسلمين، فأبى عليٌّ ذلك وأشار على عمر بالبقاء، وإرسال آخر، حفاظًا على أمير المؤمنين، وصونًا لبيضة المسلمين، وخوفًا من انفلات الأمر وانقلابه من أطراف العرب ممن في قلوبهم مرض، فأخذ عمر بنصيحته، وتمسك بمشورته،وأرسل النعمان بن مقرن المزني.

وبمثله تمامًا أشار عليه عندما أراد الخروج لقتال الروم في معركة اليرموك، ففي نهج البلاغة قوله: (إنك متى تسر إلى هذا العدد بنفسك، فتلقهم بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلًا مجربًا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذلك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءًا للناس ومثابةً للمسلمين).

[نهج البلاغة 2/309 ]

كل ذلك حرصًا على مصلحة الإسلام والمسلمين ببقاء خليفتهم بين أظهرهم.

أما عندما طلب النصارى أن يأتي أمير المؤمنين لكتابة الصلح، وتسلُّم مفاتيح المسجد الأقصى، فقد أشار علي رضي الله عنه على عمر بالخروج، لما في ذلك من شرفٍ تاريخيٍ مجيد لا يتأتى لكل أحد في كل حين، مع أمن حصول أي مفسدة في ذلك.

وللثقة الكبرى، والمودة الصادقة بين أمير المؤمنين عمر وعلي رضي الله عنهما، فقد استخلفه عمر على المدينة على جميع شئونها وسافر مع الصحابة إلى القدس.

وفُجع علي رضي الله عنه وأرضاه بمقتل عمر الخليفة، فجاء إليه وهو مسجىً بثوبه، قد قضى نحبه، فكشف الثوب عن وجهه، ثم قال: (رحمة الله عليك يا أبا حفص، فو الله ما بقي بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحدٌ أحب إليّ أن ألقى الله بصحيفته منك).

وقال أيضًا
أبكي على موت عمر، إن موت عمر ثلمة في الإسلام لا تُرتق إلى يوم القيامة).

وجاء في «نهج البلاغة» من ثنائه على صاحبه قوله: ( لله بلاء فلان - أي عمر - فقد قوّم الأود، وداوى العمد، خلَّف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدّى إلى الله طاعته واتقاه بحقه) [نهج البلاغة (2/505)].

الإمام علي في خلافة عثمان رضي الله عنه:


ولما توفي عمر رضي الله عنه وأوصى بالخلافة في ستة نفرٍ منهم الإمام علي رضي الله عنه، قَبِل عليٌ ذلك، ودخل مع أصحابه في الشورى، فلما اجتمع الناس على عثمان رضي الله عنه، قام عليٌّ وبايع عثمان وأقر له بالخلافة.

وسار معه سيرته مع الخليفتين من قبله أبي بكر وعمر، ينصح له، ويشير عليه، فاستقر الأمن في الدولة الإسلامية، وكثرت الفتوحات، وعمّ الرغد بين الناس، حتى بَطِر أصحاب الفتنة نعمةَ الله تعالى، وتمالئوا على عثمان، وأرادوا قتله بسبب الكذب المدسوس، الذي دسته أياد يهودية لزرع الفتنة بين المسلمين.

ولما جاء أولئك وحصروا أمير المؤمنين في داره، سار ع جماعة من أبناء الصحابة، منهم الحسن والحسين لحمايته،وكان علي رضي الله عنه يحمل الماء بنفسه إلى عثمان حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه.

الإمام عليٌّ خليفة للمسلمين:


وبعد مقتل عثمان رضي الله عنه أصرّ الناس على مبايعة علي رضي الله عنه، وألحوا عليه في قبولها، فقبل البيعة، وخطب الناس خطبة بليغة، واجتمع عليه الناس، غير أن وقائع الأحداث المتلاطمة، أفرزت تلك الخلافات بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأفرزت فرق الغلو، مما أثقل كاهل الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه بعلاجها ومواجهتها، فبذل وسعه في النصح والبيان، وإنكار المنكر، والأخذ على يد الظالم حتى يرجع عن ظلمه، ودفع ثمن ذلك أن قتل شهيدًا بأيدي أهل الغلو والغدر والخيانة.

دروس وعــــبر


· إن ما سبق عن سيرة الإمام علي رضي الله عنه مع الخلفاء الراشدين من قبله، إنما هو ذكر مختصر يجلي جوانب الإيمان والشجاعة، والحكمة، والحب وسلامة الصدر التي كان يتمتع بها هذا الإمام العظيم، وهي تكشف أيضًا زيف تلك الخزعبلات الكاذبة المدسوسة في تاريخ هؤلاء الأصحاب الأجلاء.

· فهذه السيرة العطرة تجلي بوضوح مدى ما كان بين الإمام علي وأصحابه من الخلفاء قبله من المودة والتقدير والنصح والحرص، فهو المستشار الناصح الأمين لهم الحريص على حياتهم، المادح لأفعالهم، الحزين على فراقهم، بالعكس تمامًا مما تذكره تلك الروايات المكذوبة التي تصورهم كالوحوش المتعادية التي لا تجتمع ولا تأتلف، مستهينة بعقول المسلمين، وتواتر الأخبار ونصاعة التاريخ الإسلامي الذي يكذبها ويردها ويزيفها، حتى لم تعد تنطلي إلا على جاهل بالتاريخ، أو صاحب هوى وزيغ والعياذ بالله.

· كما أنها تثبت لكل ذي عقل ولب يميز بين الحق والباطل، ويتبع الدليل الناصع، ويتحرر من ربقة التقليد والتعصب؛ أنه لم يكن هناك نص إلهي على الإمامة والخلافة يجعلها بمرتبة كالنبوة، ويجعل الأئمة معصومين من كل خطأ وعمد وسهو، وأنهم سيرجعون بعد موتهم، وأنهم يعلمون ما كان وما يكون، ومتى سيموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم. تلك العقيدة التي صورت مجتمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه الذين تربوا على يده، وأخذوا من علمه، وبقي الليل والنهار يغرس فيهم الإيمان والقرآن، حتى ما أن توفي وفارق الحياة إلا و ارتدوا عن الدين، ومرقوا عن الإسلام،وانقلبوا على أعقابهم، واغتصبوا الخلافة والإمامة، متواطئين على ذلك الكفر، مجتمعين على ذلك الظلم، حاشا أفرادًا قلائل لا يبلغون عدد أصابع اليد الواحدة.

ينطلق بعض الناس بهذا الانحراف يجاهرون به، ثم يقفون عاجزين قاعدين أمام دلائل التاريخ المتواترة، ومسلَّمات العقل القطعية، التي تنفي أن يجتمع كل هؤلاء وهم أناس مختلفي التوجهات متبايني الأنساب والبلدان، قد امتلأ كتاب الله تعالى بمدحهم والثناء عليهم، والرضا عنهم، والترضي عليهم، والإخبار عن أحوالهم من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال،وقتل الآباء والأبناء لأجل الدين، و المناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين.

فضلًا عن أنهم حاملو القرآن إلينا، ومبلغو دين الله إلى أمة نبيه عليه الصلاة والسلام، والطعن في عدالتهم موجبٌ لترك ما نقلوه من الدين والقرآن والأحكام.

وهذا هو الخطر الجلل الذي يسوِّغ الطعن في الدين كله من أساسه وأصله لكل ملحدٍ وزنديق.

· ويظهر تناقضهم واضطرابهم عندما يتخبطون ويتعسفون في تأويل تلك الحقائق النيرة التي تقطع يقينًا بأن الإمام علي رضي الله عنه بايع الخلفاء قبله، ودخل معهم في السمع والطاعة، بل والشورى على الخلافة، لم يدَّعِ قط أن عنده نصًا من رسول الله على إمامته؛ لا في حياتهم وعهد خلافتهم، ولا بعد موتهم وحين خلافته رضي الله عنه وأرضاه.

· ولم يؤثر عنه أبدًا سب الصحابة من قبله، أو اتهامهم بظلمه، بل العكس من ذلك هو المتواتر عنه المقطوع به، وقد سبقت بعض تلك النماذج.

بل إنه رضي الله عنه وأرضاه نهى عن سب من خالفه وقاتله؛ ممن كان خطؤهم وحدث بغيهم، فكان يقول كما في أصح كتاب ينسبونه إليه: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم). [نهج البلاغة: (ص:323) ].

أما السابقون والخلفاء من قبله، فقد أثنى عليهم وترحم عليهم، وأقام معهم علاقات القربى ووشائج الصلة، فزوج عمر بأم كلثوم،وسمَّى أبناءه بأبي بكر وعمر وعثمان، مما يدل على أنه لم يكن يخطر بباله ولا يدور بخلده ما يتناقله هؤلاء الأقوام مما لا يستسيغه عقل منصف، ولا يرضى به صاحب دين وإيمان.

· بل وتواتر بما لا يستطيع أحد إنكاره ثناء أبنائه من بعده على الشيخين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

· ومن تأمل التاريخ بهذه النظرة الصادقة المنصفة المتحررة، أدرك الحق وأصاب عين الحقيقة، وتحرر من قيود الكذب والأوهام المتخيلة، التي يبثُّها أصحابها باسم الدين وحب آل البيت، وتوظيف بعض الخلافات التي حصلت بين الصحابة، مما لا يخلو منها مجتمع، ولا يُعصم منها عموم البشر، لبثِّ هذه العقائد المخالفة للعقل والشرع والفطرة. متجاهلين الجوانب الأخرى المضيئة في التاريخ، عاجزين عن حسن الظن وجميل الاعتذار لهؤلاء العظماء.إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس