حمله ماريمو من ذيله ورفعه إلى الأعلى وهو مستلقي وظل ينظر إلى وجهه العابس ثم قال بهدوء :
- أنت .. لقد حسبت أنني أتحدث مع نفسي طوال الوقت ..لقد جعلت مني أحمقاً ..
فغر مونتي فاه قائلاً بسخرية :
- لا تنكر بأنك دعوتني بالقط فعن أي نفس تتحدث ..؟! ثم لا تحملني هكذا ..أنا قط محترم ..
ظلت الفتاة تقف مشدوهة وهي تراقب ذلك الحوار العجيب وأحاطت بها دوامة من التفكير وتردد في نفسها :
( القط يتحدث .. هل من الممكن أن يكونا قد مرا بتجربة واحدة !)
عضت شفتها السفلى وعقدت حاجبيها لتبرز العروق في جبينها ونطقت بانفعال :
- إنهما من ابتكار منظمة ما .. سلاح خطير جداً .. كيف لم أنتبه على وشمه ؟!
استرخت لتخفض كتفيها وتبعثر شعرها بيدها قائلة بضيق :
- كيف لشيء كهذا أن يجوب الشوارع ؟! يجب أن يصل الأمر لكلاود..أخشى أن يكون فخاً كسابقة ..
ظل ماريمو يدلك ظهر مونتي وهو على بطنه الذي ظل منسجماً بشكل عجيب وهو يقول :
- لم أكن أعلم بأن فتاة ستنقذنا .. وماريمو بخير ..هذا جيد .. بالمناسبة ما اسمهـ..
قاطعته الفتاة مشيرة إلى نفسها بيدها قائلة بجدية :
- أدعى (كريمسون) بمعنى اللون القرمزي وبالطبع الاسم المستعار ..
أشاح مونتي بعينيه بلا مبالاة ثم قال بحدة :
- لن أكون متملقاً وسأقولها وبكل وضوح ما دافعك لإنقاذنا ؟!
توجهت إلى البراد وفتحته ثم انخفضت ليكسوها نوره وهي تقول بثقة :
- نحن في عصر لا يقبل بالأغبياء .. بالأمس احتفلنا بالسنة ( 2109) إلا أن الشوارع ظلت خاليه والسبب
واضح .. فهذا هو عصر تحكمه المنظمات الضخمة.. والقوي ينهش لحم الضعيف بلا رحمة ..
بحثت مطولاً ثم نهضت وهي تمسك بعلبة تونا مفتوحة وأخذت تنظر إليها باستياء قائلة :
-لابأس أن تكون طعام القط .. سأذهب لشراء شيء ما ..
اهتزت حاجبي مونتي لشعوره بالإهانة مجدداً فقال بضيق :
- بالطبع أنا القط هنا ..
أحس ماريمو أنه يجب أن يقول شيء ما فنهض عن الأريكة وقال باهتمام :
- أنا سأذهب لشراء ما تريدين ..
ارتدت معطف طويل أزرق وصل إلى منتصف ساقيها واعتمرت قبعتها الصوفية وهي تقول بهدوء:
- إنك سلاح مهم ..يجب أن تبقى هنا .. مالدافع لفكرة كهذه ؟!
صمت ماريمو لوهلة وكأنه يلتقط كلمات مبعثرة وصعبة ..ثم قال بحماسة :
- الخروج .. في وقت كهذا خطير .. كما أنني رجل ..من عادة الرجل أن يحمي الفتاة ..
توقفت يديها عن تعديل قبعتها ثم أخفضتهما ببطء .. والتفت إلى ماريمو بابتسامة وهي تقول بصوت ذكوري :
- أنا رجل الآن ..
تفاجأ مونتي برؤيتها فقد كانت بهيئة رجل في سن الخمسين .. قد تفرقت على وجهه خصلات شعر بيضاء ..
له ملامح حادة وقاسية وعينين بلون السماء ضيقة شكلاً وواسعة معنى ..
جلست على العتبة الخشبية وهي ترتدي حذائها الأسود ذو العنق الطويل قائلة :
- يوجد دورة مياه في الممر الأيمن فاغتسل وبدل ثيابك .. وإن تحدث إليك شخص ما فلا تعره اهتماماً ..
أغلقت الباب من خلفها ولم يلبث حتى طمس وجودة الجدار ! ..
دس مونتي التونة في فمه وظل يمضغها قائلاً بتعجب :
- حقاً العالم غريب .. كيف تستطيع فعل ذلك ؟! عموماً بوجودي مع شخص مثلك يمكنني توقع أي شيء ..
نظر حوله باهتمام فقد كانت الغرفة قديمه قد كسيت جدرانها بجرائد ومقالات ممزقة ..ثم قال بتنهيدة:
- يبدو أننا لسنا لوحدنا هنا.. فمن الشخص الذي طلبت منا تجاهله ؟!وذلك الكلاود ..
على كل حال لن نستطيع الخروج من مكان كهذا فهي لم تكلف نفسها أن تأمرنا بعدم التحرك ..
تحركت شفتي ماريمو قائلاً بصوت هادئ:
- أي أنها تثق بقدراتها وقدرة هذا المكان أيضاً ..لازال تحليلي للمجريات السابقة ناقصاً ..
أجاب مونتي بفم مملوء :
- أكرهك حين تتحدث هكذا ..
مشى ماريمو باتجاه الحائط المتشقق وأخذ يحرك ناظريه بين صور الجرائد المعلقة فقد كان محتواها صور
للمشاهير والسياسيين وأصحاب السلطات ثم قال بصوت جاد :
- ناقصة جداً ..
لوح القط بذيله منادياً بصوت مرتفع :
- أوي ..ماريمو إلى أين أنت ذاهب؟!
أجاب وهو يخرج من باب الغرفة متجهاً نحو الممر :
- أنا ذاهب لأغتسل ..وأغير ثيابي .. أيقنت بأني قذر أخيراً ..
ضحك مونتي ساخراً وأكمل طعامه وهو يقول :
- الفتيات .. تباً لهن .. لقد خلقن لإظهار عيوبنا فحسب ..
أدخل مخلبه الصغير بين أسنانه لينكشها وهو يعقد حاجبيه بقلق حل عليه فجأة قائلاً في نفسه :
- لما أبدوا بارداً هكذا .. فأنا لا أعلم من أكون ؟! ..ربما لأن ماريمو يشاركني هذا الشعور ..
احمرت وجنتيه وهو يتذكر وجوده بين يدي كريمسون الحانيتين ..
هز رأسه بعنف محاولاً تشتيت تلك الأفكار قائلاً بتوتر :
- هذا ما يغيظني أكثر .. فكيف لقط أن يتأثر بالبشر .. فهل أنا بشري أم ماذا ؟!
تمدد على ذلك السجاد المهترئ و الذي محيت ألوانه بفعل الزمن ثم قال باسترخاء :
- لا أعلم مالذي يحدث من حولي ..أنا أستسلم عن التفكير ..
مشت على تلك الثلوج البيضاء وسط شوارع لوس أنجلوس الخالية و إلتمعت أغصان الأشجار الشائكة التي كانت تطل
على البحيرة ببريق آسر .. وتردد صدى صوت ضحكات المشردون من أرباب الشوارع ..
التفت إلى الخلف لترى أثر خطواتها ثم أشاحت بوجهها الذي تلبسه الحزن والوجوم ..
قاطع سكونها صوت الرجل قائلاً بصوت مرتفع :
- إذن طلبك هو بيتزا من الحجم الكبير وأربع فطائر ولترين من العصير ..أليس كذلك سيد روبرت ..
أومأت برأسها ثم انتبهت لوجود علبة من الحلوى بجانب المحاسب ..ثم قالت بصوت رجل :
- أريد تلك الحلوى التي بشكل عصا ..
ابتسم الرجل وضحك قائلاً بمزاح :
- ماذا ؟! هل كونت عائلتك من جديد ؟!
قطبت حاجبيها العريضين واللذين تخللهما الشيب .. وانقبض قلبها وتمدد بألم ..ودت لو صرخت قائلة اخرس ..
مد الطلب من نافذة صغيرة فاستلمته .. ثم ودعه وأغلقها وسمع بعدها صوت الأقفال فمن النادر وجود محل
مفتوح دوماً ..وسط تلك الحانات القديمة .. المليئة بالمشردين و المجانين ..وربما الأفخاخ ..
فتح الباب الزجاجي ليندفع البخار مكوناً سحباً معتمة .. ثم ملئ رئتيه بالهواء تعبيراً عن الانتعاش المطلق ..
اقترب من المرآة ومسح عنها البخار بيديه ثم نظر إلى وجهه الذي تفرقت عليه خصلات شعره الأخضر المبلل
بسط يديه على المرآة وحدق إلى وجهه بشرود تام ثم قال بهدوء :
- هذا الوجه .. موجود في قاموسي ..
لمح من خلفه بالمرآة ملابس متعددة معلقة بأحد الجدران .. فابتسم بحماسة ..
أخذ يجربها الواحد تلو الآخر ..أحمر بلا أكمام .. أزرق بقبعة .. زي بأحزمة معقدة ..
أخيراً .. ابتسم برضى لشعره المنكوش وقميص أسود عادي رسم عليه هيكل عظمي أصفر وسروال جينز يصل إلى منتصف ساقيه ..
فجأة .. قاطعة حبوره ..صوت أنين لشخص يتصاعد شيئاً فشيئاً مكوناً صدى مريعاً ..
أطل ناحية المرر الذي بدا لانهاية له سوى الظلام.. ومازال ذلك الأنين مستمراً ..
مر في ذهنه حديث كريمسون وهي تقول (وإن تحدث إليك شخص ما فلا تعره اهتماماً )
فهدأت ملامحه وعزم على تجاهل الأمر .. ومشى نحو الممر المعاكس للصوت قائلاً بهمس :
- آسف يا صديقي.. إنها الأوامر ..
--
استقرت شطيرة مقضومة على كومة الثلج ..الذي تلون بلون الدم القاني ..
تعالى البخار من بين شفتيها ليلامس دفئه ملامحها الرجولية الحادة ثم همست قائلة :
- حمقى .. لقد اخترتم نهايتكم بأنفسكم..
انتفض جسده بعنف ولم تقوى ساقيه على حمله من هول المنظر فسقط وهو يزحف على تلك الثلوج الحمراء هارباً ..ويصرخ بجنون ..
انخفضت لتجمع ما سلم من الطعام المبعثر وتعيده للكيس الذي بيدها ..
ثم قامت لتمشي بمحاذاة أكوام من الأشلاء وأجساد رجال محروقة قد تعالى الدخان منها ..
تدلى بعضهم من على أعمدة الإنارة .. التي اخترقت ثيابهم وأحشائهم الممزقة..
مشت على الرصيف ثم رفعت بصرها إلى واجهة إحدى المحلات المحطمة لينعكس وجهها الذي ليس ملكها ..
قد حفرت به تجاعيد الزمن أخاديد وشقوق ..وظلت تلك العينين السماويتين ترمقها بحنان ..وتردد صوت مارميو
( فأنا رجل )
__________________ صرخت صديقتي في لحظة عتاب بحرقة : " أكرهك " . فهمت أنها تُحبني جداً و أنها لذلك عاتبتني بشدة و قد صح حدسي فقد اعتذرت مني حين هدأت و أخبرتني بأنها لم تعني ما قالته.
تفهمتها جيداً و قدرت خوفها علي رغم أنه أرعبني . ما شعرت بشيء حينها لكن و حين أدرت ظهري عائدة شعرت بحرقة في صدري و تلألأت الرؤية أمامي ، أيضا شعرت بقطرة باردة تدحرجت على خدي !!! كم كانت موجعة .
.. "أميرةالانمي": . |