عرض مشاركة واحدة
  #8162  
قديم 01-14-2013, 08:01 PM
 

حديث عن المنفلوطي
























كل صباح احتضن هذا الكتاب واقرأ الفضيلة التي كان يكتبها المنفلوطي " أفلاطون العرب"، هذا الذي يرى الشعر في حلو الكلام لا في نظمه..
لم أجد لذة في القراءة كما أجدها عند القراءة له. ذائقتي أصلا أدبية، مائل للزخرفة واستخراج المعاني الدقيقة والوصف المتمكن. ولذا كنت فترة طويلة في البداية اكتب بهذا الشكل ، لأنه يشعرني بجمالية الموضوع الذي اكتبه عنه. الفنون الكتابة الأدبية أيضاً هي ليست بذخاً وترفاً، بل هي من صنيع حديث الأدبي العربي الأول الذي صاغ في إبداع فأثر وبقي حديثه تأريخا.


حين اقرأ للمنفلوطي فأنا استقي أخلاقا وشيماً وتعاليم للفضيلة، قضيته الأولى هي الفضيلة نستطيع أن نطلق عليه " أفلاطون العرب" . هذا الحالم بالإنسانية والسلام والطهر والأمن والعقل والجمال. هذا المشغول بأحاديث الحزن والذنب والضعف والشرف والعزة. هذا الغارق بقديم قول العرب وشعرهم ونثرهم. المتذوق لأدب الغرب ، الناقل له على قالبه الخاص والتركيبة التي يراها أكثر إجادة وتأثيراً، طالما كانت الترجمة مشكلة العمل، ولكنها مع المنفلوطي إبداع آخر .. إحياء بثوب عروبتنا وثقافتنا.. إن القراءة العجلة التي لا تترك أثراً في الفكر والنفس بالفهم والنبل هي إضاعة للوقت وهدر للورق المطبوع عليها. والمنفلوطي كان مهتما بالنبل وإصلاح الأخلاق والرفعة بها.


ومن يقرأ كثيراً له يجد أنه لا يرمي الكلمات كيفما اتفق .. ولا يريد ان يضع عبارات رنانة وسجع وجناس ...إلخ حتى يبهر القارئ.أبداً . الدقة عند المنفلوطي عجيبة جدا جدا. لاحظتها كثيرا. إنه يفرق بين المسكين والفقير، بين الكثير والمتعدد ، بين الجبهة والجبين ، بين البخيل واللئيم .. حتى المعاني التي نفهمها فهما نوعيا بأنها سيئة أو حسنة يضعها في الفراغ المناسب لها من قالب الموضوع. إنه الإتقان التام عند هذا الرجل. سبحان من وهبه هذا القلم. لا يمكن أن تشعر بالملل أبدا معه، لماذا ؟ ، لأن فكرته لا تنتهي وتعبيره لا يخلص إلا مع آخر حرف من مقالته. ثم إن موضوعات المنفلوطي لا تموت، لأنها صالحة لكل وقت فهي تخاطب الفضلية والكرامة والصلاح بين جنبي الإنسان، قرأت له مقالاً في شكل خطبة يشجع أهل ليبيا وطرابس في حربها مع ايطاليا وكأني اقرأ خطبة آنية لإخواننا الثوار هناك .. يقول لهم موتوا لتعيشوا كرماء.


أسلوب المنفلوطي غير محبب للكثير ، والبعض يرى أنه زمن الكتابة الأدبية المعتمدة على أصيل لغتنا العربية قد ولى. الآن زمن الحبكة والشخوص والبطل، زمن الفكرة والجملة واللعب بالقارئ .. وهذا تطور محمود، ولكن مشكلته تكمن أحيين كثيرة في اضطراب القارئ وعدم فهمه للهدف الحقيقي من العمل. يجب على الكاتب أن يحدد هدفه العام لعمله ثم يكتب من خلال هذه الدائرة. ولذا قد نقرأ الكثير من الروايات ولا نخرج سوى بلذة القصة وأفكار مشتتة من تأريخ وسخرية ....إلخ وربما مفردات جديدة نتعلمها عن بلد هذا الكاتب أو ذاك.. بينما رسالة المنفلوطي واضحة وجلية وهذا ما يجعل قيمتها أكبر.


مشكلة القراءة له أعتقد انها طبيعية فهم القليل الذين يكتبون مثله .. وهو يحذو حذو القدماء على طريقته التي تهب الموضوع وضوحا. وكثيرا ما ذم وتهكم باللغويين ، والذين يغرقون في اختيار أغرب الكلام واقعره حتى يثبتوا قواهم الكتابية.. في "الموضوعات" أكثر من مرة يتحدث عن هذه النقطة. هناك من يشابهه قليلا في أسلوبه ، مثلاً طه حسين في " الأيام" يقترب مما يكتبه المنفلوطي. وبعض أدباء مصر. وأنا رجل متيم في أدباء مصر .. انظر لهم أولاً .. ثم انظر لأدباء العالم ثانياً.. ثم للمحليين أخيراً وللأسف.






ـــــــــــــــــــــــــ


__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس