مدارج السالكين بين منازل اياك نعبد واياك نستعين. | | | | درر من كلام ابن قيم الجوزية من كتابه مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين قال ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين ( 3 / 163 ) : (( ولم ينسبوا إلى اسم ، أي : لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق .
وأيضا ؛ فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد ، يجري عليهم اسمه ، فيعرفون به دون غيره من الأعمال ، فإن هذا آفة في العبودية ، وهي عبودية مقيدة ، وأما العبودية المطلقة : فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها ، فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها ، فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم ، فلا يتقيد برسم ولا إشارة ، ولا اسم ولا بزي ولا طريق وضعي اصطلاحي . بل إن سئل عن شيخه ؟ قال : الرسول . وعن طريقه ؟ قال : الاتباع . وعن خرقته ؟ قال : لباس التقوى . وعن مذهبه ؟ قال : تحكيم السنة . وعن مقصوده ومطلبه ؟ قال : ( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) (الأنعام: 52) . وعن رباطه قال : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة ِ) ( النور: 36 ، 37 ) . وعن نسبه ؟ قال :
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تيم وعن مأكله ومشربه ؟ قال : ما لك ولها ؟ معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء ، وترعى الشجر حتى تلقى ربها .
واحسرتاه تقضي العمر وانصرمت سـاعـاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد ساروا إلى المطلب الأعلى على مهل )) . و قال أيضا في مدارج السالكين ( 3 / 165) : (( وقد سئل بعض الأئمة عن السنة ؟ فقال : مالا اسم له سوى السنة . يعني : أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها . فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره ، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره ، أو مشية لا يمشي غيرها ، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما ، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها ، وإن كانت أعلى منها ، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره ، وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه .
فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى مصدودون عنه ، قد قيدتهم العوائد والرسوم ، والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة ، فأضحوا عنها بمعزل ، ومنزلتهم منها أبعد منزل ، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة ، وتفريغ القلب ، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق ، فإذا ذكر له الموالاة في الله ، والمعاداة فيه ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، عد ذلك فضولا وشراً ، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك ، أخرجوه من بينهم ، وعدوه غيراً عليهم ، فهؤلاء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثر إشارة ، والله أعلم )) . وقال أيضا في مدارج السالكين ( 3 / 185 ) : (( فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس .
وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ، ذات أتباع ورئاسات ، ومناصب وولايات ، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول ؟
فإن نفس ما جاء به : يضاد أهواءهم ولذاتهم ، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم ، وعملهم والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم ؟
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شحهم ، وأعجب كل منهم برأيه ؟ كما قال : النبي صلى الله عليه وسلم : (( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يد لك به فعليك بخاصة نفسك وإياك وعوامهم فإن وراءكم أياما صبر الصابر فيهن كالقابض على الجمر )) . ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة ؛ ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ( المائدة : 105) فقال : (( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من وراءكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله )) قلت : يا رسول الله أجر خمسين منهم قال : (( أجر خمسين منكم )) . وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس ، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم .
فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه ، وفقها في سنة رسوله ، وفهما في كتابه ، وأراه ما الناس فيه : من الأهواء والبدع والضلالات ، وتنكبهم عن الصراط المستقيم ، الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط ؛ فليوطن نفسه على قدح الجهال ، وأهل البدع فيه ، وطعنهم عليه ، وإزرائهم به ، وتنفير الناس عنه ، وتحذيرهم منه ، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم .
فأما إن دعاهم إلى ذلك ، وقدح فيما هم عليه ؛ فهنالك تقوم قيامتهم ، ويبغون له الغوائل ، وينصبون له الحبائل ، ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله .
فهو : غريب في دينه ؛ لفساد أديانهم . غريب في تمسكه بالسنة ؛ لتمسكهم بالبدع . غريب في اعتقاده ؛ لفساد عقائدهم . غريب في صلاته ؛ لسوء صلاتهم . غريب في طريقه ؛ لضلال وفساد طرقهم . غريب في نسبته ؛ لمخالفة نسبهم . غريب في معاشرته لهم ؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم . وبالجملة ؛ فهو غريب في أمور دنياه وآخرته ، لا يجد من العامة مساعدا ولا معيناً ، فهو : عالم بين جهال .
صاحب سنة بين أهل بدع . داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع . آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف )) أهـ . | | | | |
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |